التاريخ الحضاري للاندلس
التاريخ الحضاري للاندلس: شهدت بلاد الاندلس تطوراً كبيراً ونهضة شاملة على كافة المستويات في ظل حكم العرب المسلمين لها، فقد اهتم الأمراء بتنشيط الصناعة والتجارة، وعملوا على تنظيم جيش قوي وأسطول بحري كبير للدفاع عن البلاد.
وعلى الصعيد الفكري: تميزت الدولة الأموية في الأندلس بنشاط تِجاري وثقافي وعِمراني ملحوظ، كما شهدت فترة حكم الأمويين نهضة في التعليم العام، جعلت عامة الشعب يجيدون القراءة والكتابة في الوقت الذي كان فيه عِلْيَةُ القوم في أوروبا لا يستطيعون ذلك. وبسبب الاستمرار في الاتجاه الذي أرساه عبد الرحمن الداخل، خطت الدولة الأموية في الأندلس خطوات واسعة في التقدم والرقي والازدهار الحضاري، ونافست قرطبة بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة والقُسطنطينيَّة عاصمة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.
الموروث الأمويّ: كان الموروث الثقافيّ، والحضاريّ، والفكريّ من أهمّ العوامل التي ساهمت في البناء الثقافيّ في العصر الأندلسيّ، إذ كانت أساسًا انطلق منه الملوك الأندلسيين في تجسيد التطور الثقافي.
تعدُّد المراكز الثقافيّة: مثّلت مدينة قرطبة في العصر الأندلسيّ مرجعًا للسياسة، والثقافة، والفكر، والدين، نظرًا لعدد العلماء والأدباء الكبير بها، إضافةً إلى مدينة إشبيلية التي اشتهرت في الثقافة، والعلم، والأدب، وقد ذاع صيتها في عهد المعتمد بن عباد فأصبحت مدينة للشعراء والأدباء، وهذا التعدد في المراكز الثقافيّة أدّى للتطور الفكريّ والثقافيّ في العصر الأندلسي.
الاهتمام بالوراقين: اشتهر الوراقون في العصر الأندلسيّ، وهم الأشخاص المعنيين في نسخ، وتجليد، وتجارة الكتب، وكان لهم دورًا في التأليف، والبحث العلميّ، بالإضافة إلى الدعم المستمر من الملوك للعلم والعلماء، مما أدّى لازدهار الحياة الثقافية والعلميّة في الأندلس.
وقد أسهم العُلماء الأندلُسيُّون على اختلاف خلفيَّاتهم العرقيَّة والدينيَّة في تقدُّم مُختلف أنواع العُلوم، في العالمين الإسلامي والمسيحي، ومن هؤلاء على سبيل المِثال: جابر بن أفلح في علم المُثلثات، وإبراهيم بن يحيى الزرقالي في علم الفلك، وأبو القاسم الزهراوي في الجراحة، وابن زُهر في الصيدلة، وغيرهم.
أهم علماء الأندلس المسلمين في مجال الطب:
أبو القاسم الزهراوي: أبو قاسم بن عباس الزهراوي ولد في مدينة الزهراء شمال غرب قرطبة عام 936م، اشتهر كطبيب وجراح وصيدليًّا، عمل في بلاط الخليفة بسبب غزارة علمه وتفوقه، ومن أشهر الكتب التي وضعها والذي يعد موسوعة في الطب: (التصريف لمن عجز عن التأليف) يتألف من 30 جزءًا، ضمّ مختلف العلوم الطبية والجراحة والعلاج، توفي عام 1013م وكان عمره حينذاك 77 عامًا.
ابن زهـــــــر: أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء، ولد في مدينة إشبيليا عام 1090م، يعدّ من أهم وأبرز العلماء في الأندلس في مجال الطب والعلاج، حتى لُقّب بطبيب الخلافة الغربية، ترك العديد من المؤلفات القيمة والمهمة في مجال الطب والعلاجات، وعارض كثيرًا ما ذهب إليه العالم ابن سينا في مجال الطب. درس الطب في جامعة قرطبة ثم سافر إلى بغداد والقاهرة، وبعدها باشر بممارسة الطب تحت إشراف والده الطبيب أبي العلاء، اكتشف الكثير من الأمراض وأوجد لها العديد من العلاجات التي لم يسبقها إليه أحد.
أشهر علماء الأندلس المسلمين في الرياضيات الفلك: درس الأندلسيون الحساب لضبط المواريث والجبايات والهندسة للعمارة والبناء، واهتموا بعلوم الفلك لما له من أهمية في حياة المسلمين، من حيث تحديد أوقات الصلاة، ووضع التقويمات الإسلامية عوضًا عن التقويمات الأخرى التي كان معمولًا بها؛ لذلك نشط العلماء الفلكيّون من المسلمين في هذا المجال، وعملوا بجدّ واضح، فأسّسوا للكثير من المفاهيم الفلكية والنظريات. ومن مؤلفاتهم في الفلك كتاب (تفضيل الأزمان ومصالح الأبدان) للأسقف القرطبي، ومن أهم العلماء المسلمين في مجال الفلك:
المجريطي: أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي، ولد في عام 950م في مدينة مجريط (مدريد الآن) وتوفي عام 1007م في قرطبة، وهو عالم جليل في مجال الفلك والكيمياء والرياضيات والاقتصاد، شارك في ترجمة كتاب بطليموس، وأجرى تعديلًا على الجداول الفلكية التي وضعها الخوارزمي. أسهم في تحويل التواريخ الفارسية إلى الهجرية، كما كان أول من استخدم أكسيد الزئبق، فضلًا عن براعته في علم الرياضيات والفلك، فقد وضع العديد من الكتب عن الاقتصاد والضرائب في الأندلس.