تطور الحركة العلمية والفكرية عند الفرس

تطور الحركة العلمية والفكرية عند الفرس: كانت الدولة الفارسية في أحد الأيام من أعظم الدول على وجه الأرض، فعلى مدار مئتي عامٍ فقط غزا الفرس أراضٍ امتدت على نحو خمسة ملايين كم2، من الأجزاء الجنوبية من مصر إلى أجزاء من اليونان، ثم شرقًا إلى أجزاء من الهند، تعالوا بنا لنتعرف على مراحل تطور الحركة العلمية والفكرية عند الفرس

أولاً النظام السياسي:

ازدهار وتوسع الإمبراطورية الفارسية الاولى “الاخمينية”: كانت الامبراطورية الاخمينية ملكية وراثية، وكان الملك يتمتع بسلطة مطلقة، وعُرفت الإمبراطورية الفارسية الاولى بقوتها العسكرية وحِكمة قادتها، بحيث استطاعوا تكوين إمبراطوريةً واسعةً بمدةٍ لا تزيد عن مائتي عام فقط؛ واستمرت الإمبراطورية الأخمينية، منذ حوالي عام 559 ق.م. إلى 330 ق.م.، وشملت مناطق إيران الحديثة وتركيا ومصر، وأجزاء من أفغانستان وباكستان.

الملك المؤسس لهذه الامبراطورية هو “كورش الثاني” المعروف باسم كورش العظيم، أول ملوك فارس والذي حكم من (560 – 529 ق م) ونجح في توحيد الشعب الفارسي، بعد أن نجح في دمج الميديين، والفرس في أمة واحدة، وأشهر المدن التي افتتحها بابل سنة 539 ق.مثم بدأ زحفًا واسعًا وسريعًا جدًا نحو الشرق وبحلول عام 533 ق.م. كان قد غزا الهند. وفي عام 530 ق.م. عيَّن كورش ابنه قمبيز نائبًا وخليفة له، وأوكل لابنة قمبيز بالإعداد لحملة ضد مصر (وقد فتحها قمبيز فعلًا في 525 ق.م. بعد موت أبيه).

وتبعه الإمبراطور داريوس العظيم، الذي بسط نفوذه على جزء كبير من آسيا الوسطى وغرب الهند، ووصلت الإمبراطورية الفارسية في عهده إلى أقوى حالاتها، وأعاد تنظيم الهيكل الاداري لحكومة الإمبراطورية ووضعها على أسس راسخة، لكن تاريخ الأسرة المالكة الأخمينية دخل بعد ذلك في سلسلة من الصراعات الدامية التي عجلت بتدهور الإمبراطورية وحفرت طريق نهايتها حتى سقطت عندما قدم “الاسكندر المقدوني” أو “الاسكندر الأكبر” وأخضع الدولة الفارسية وانتهت الحضارة الفارسية الاخمينية فعليًا في عام 330 ق.م.

وقد جمعت الامبراطورية الفارسية مزيج من الثقافات الدولية التي إكتسبتها من ثقافات الشعوب المختلفة التي عاشت داخل حدود الإمبراطورية، كما استمدت الحضارة ثقافتها من بلاد ما بين النهرين القدماء، الذين نقلوا فنهم وهندستهم المعمارية ودينهم وأدبهم إلى البابليين، ومنهم إلى الفرس.

الإمبراطورية الفارسية الثانية ” الساسانية“: يعتبر الملك أردشير الأول الذي حكم من عام (208م-240م). هو مؤسس السلالة الساسانية، بعد أن هزم ملكِ البارثيين عام 226م. واستطاع توحيد فارس. قويت دولته بتأييد الكهنة، وعادت الديانة الزرادشتية في عهدة. كما حارب الكسندر سيچريوس وانتصر عليه في عام (232م)، و استولى على ارمينيا. اشتهر بالعدل والقوة. بعد ما اتوفى حكم بعده شابور الاول.

كما استطاع الملك شابور الأول (241-272) ابن الملك المؤسس أردشير الأول بالتوسّعِ وقاد عِدة حملات ضدّ الإمبراطورية الرومانية وتمكن من هزيمة أباطرة الرومان جورديان الثالث (238 -244)، وفيليب العربي (244 -249)، وأسر الإمبراطور الروماني فاليريون (253-260) عام 259م، ووضعه في السجنِ بعد معركة إيديسا، التي أصابت الرومان بخزي كبير.

قام الملك قباذ الأول (488-531) بدعم الطائفةِ الشيوعيةِ المزدكية التي أَسّسها مزدك بن بامداد، والذي طالب بأن يقتسم الأغنياءَ زوجاتَهم وثرواتَهم مع الفقراء، وكانت نية الملك قباذ بتبني مذهب المزدكية هو كَسْر تأثيرِ الأقطاب والأرستقراطية المُتزايدة، وأدى ذلك إلى خلعة وسجنِه.

ثم اعتلى العرش ابنه كسرى الأول (532-579م) المعروف بأنوشروان (الروحِ الخالدة)، وهو الأكثر شهرةً بين الملوك الساسانيين بسبب إصلاحاتِه في السلطة الساسانية الحاكمة، حيث قدّم نظام بطاقات تموينية في النظام الضريبي، بعد أن مسح أملاكِ النبلاء التي هبطت أسعارها نتيجة حجز المزدكية الشيوعية وتأميمها لها، وأعاد جميع النبلاء الإقطاعيين السابقين إلى أجهزتِهم العسكريةِ، كما أعاد لهم أتباعِهم وخدمِهم، وطوّر من قوة الدهاقنة (نبلاء القرى) والفرسان وجعل مصروفاتهم وتجهيزاتهم على الحكومةِ المركزيةِ للدولة، وقد كان تجهيز الجيش مسؤولية النبلاء سابقاً، لذلك كانوا يستخدمون الجنود في حقولهم ويلزمونهم بالعمل كخدم في فترة السلم، فربط بذلك الجيشَ مباشرةً بالحكومةِ المركزيةِ بعد أن كان ارتباطهم السابق بالنبلاء المحليّينِ.

وانتهتْ الإمبراطورية الفارسية الثانية ” الساسانية” عام 651 ميلادية، عندما هزمت جيوش الخلافة الإسلامية الراشدة المبكرة؛ بقيادة سعد ابن ابي وقاص ملك الدولة الساسانية الأخير يزدجرد الثالث (632-651) في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.

ثانياً: تطور الفنون والثقافة الفارسية: تعددت أشكال الفنون عند الإمبراطورية الأخمينية، شمل ذلك الأعمال المعدنية والمنحوتات الصخرية والنسيج والعمارة، كما تم تشكيل نمط جديد للفنون مع توسع الإمبراطورية، وتضمن الفن الفارسي نقوشًا صخرية كبيرة منحوتة، مثل المقبرة التي تعرف باسم نقش رستم، وهي مليئة بمقابر الملوك الأخمينيين القدماء، و تصور الجداريات الصخرية مشاهد الفروسية وانتصارات المعارك في إمبراطورية فارس، وعُرف الفرس أيضًا بأعمالهم المعدنية، وقد تم اكتشاف قطع أثرية من الذهب والفضة بين الأنقاض بالقرب من نهر أوكسوس في طاجيكستان، وتضمنت القطع الأثرية عملات وأساور مزينة بزخرفة مخلوق أسطوري له أجنحة ورأس نسر وجسم أسد، واصبح رمز للعاصمة الفارسية.

ثالثاً التطور في مجال الطب: كان الفرس الساسانيون يثقون بعلوم الإغريق والرومان، خاصة في الطب، حيث تؤكِّد المصادر أن معظم أطباء الملوك كانوا إغريقًا أو رومانًا، وقد أوردت كتب التراث العلمية الساسانية ثلاث طرق للعلاج، وهي: العلاج بالأعشاب وهي “كالأدوية”، والعلاج بالسكين وهي “الجراحة”، وثالثها الكلام المقدس، وهو “العلاج النفسي”، وتم إنشاء مدرسة لتخريج الأطباء، وقد سهَّل تحقيق الهدف لجوء عدد كبير من الأطباء الرومان إليهم.   (أثناء اضطهادهم في رومانيا)، مما دفعهم لتأسيس أفضل مدارس الطب في “جنديسابور” آنذاك، وظلَّت هذه المدرسة مزدهرة، وتُخرِّج العديد من الأطباء حتى بدايات العصر الإسلامي[

رابعاً التطور في المجالات الهندسية وبناء الطرق: أنشأ المهندسون طرقًا عظيمة تربط حواضر الدولة بعضها ببعض، في عهد الملك دارا الأول (521 – 486 ق. م) وكان طول أحد هذه الطرق (وهي الممتدة من السوس إلى سرديس) ألفًا وخمسمائة ميل، وكان طولها يقدر تقديرًا دقيقًا بالفراسخ (وكان الفرسخ 3.4 ميل)، ويقول هيرودوت: “إنه كان عند نهاية كل أربعة فراسخ محاط ملكية ونُزُل فخمة، وكان الطريق كله يخترق أقاليم آمنة عامرة بالسكان”، وكان في كل محطة خيول بديلة متأهبة لمواصلة السير بالبريد، ولهذا فإن البريد الملكي كان يجتاز المسافة من السوس إلى سرديس بالسرعة التي يجتازها بها الآن رتل من السيارات الحديثة، أي في أقل قليلاً من أسبوع، مع أن المسافر العادي في تلك الأيام الغابرة كان يجتاز تلك المسافة في تسعين يومًا. وكانوا يعبرون الأنهار الكبيرة في قوارب، ولكن المهندسين كانوا يستطيعون متى شاءوا أن يقيموا على الفرات أو على الدردنيل نفسه قناطر متينة تمر عليها مئات الفيلة الوجلة وهي آمنة.

وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن ما هي الديانات في الامبراطورية الفارسية قبل الإسلام؟ فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.

Exit mobile version