توسع الكون وخلق المجرات
توسع الكون وخلق المجرات الكونية: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[1]
تعريف وسَّعَ في اللغة: وسَّعَ على / وسَّعَ في / وسَّعَ لـ يوسِّع، توسيعًا وتوسِعَةً، فهو مُوسِّع، ووسَّع الشَّيءَ: أطاله، بَسَطه، مَدّه، أفاضه، ولفظ “موسعون” يفيد الماضي والحال والاستقبال.
أراء المفسرين: يقول ابن كثير: يقول تعالى منبهاً على خلق العالم العلوي والسفلي: {والسماء بنيناها} أي جعلناها سقفاً محفوظاً رفيعاً، {بأيد} أي بقوة وقدرة عظيمة قاله ابن عباس ومجاهد، {وإنا لموسعون} أي قد وسعنا أرجائها وأنحائها، ورفعناها بغير عمد حتى استقلت.
التفسير والاعجاز العلمي: جاءت الكشوف العلمية في كل مجالات العلوم شاهدةً للقرآن الكريم بالسبق، ومن ذلك قول الان جوث سنة 1981م بأن التمدد كان بمعدلات فائقة التصور عند بدء الانفجار العظيم، (أول بضع أجزاء من مليون من الثانية) وصل الكون إلى 5,010 ضعف حجمه الأصلي في غضون (10 اس -32 جزء) من الثانية الأولى من عمره وتابع تمدده ولكن بسرعة أبطأ، أدت إلى زيادة قطر الكون بمعدل 10 اس 29 مرة في مرحلة يسميها مرحلة التضخم الكوني.
وترافق هذا التمدد الكوني مع انخفاض في درجات الحرارة، لكن بمعدل أقل بمراحل من المعدل البدائي. وظل الكون كثيفا طيلة السنوات الـ 380,000 اللاحقة، إلى حد لا يسمح حتى بعبور الضوء، وكان الكون حينها معتما وساخنا يتكون من جسيمات متناثرة.
في أوائل القرن العشرين كان المجتمع العلمي منقسم بين نظريتين لتفسير نشأة الكون، نظرية الانفجار العظيم، ونظرية الحالة الثابتة لأينشتاين.
- ففي عام 1915 نشر ألبرت أينشتاين النسبية العامة، والتي غيرت مفهوم المجتمع العلمي عن الجاذبية، وكان لدى أينشتاين قناعات بأن الكون حجمه ثابت لا يتغير إلى ما لانهاية، وأن الكون لا بداية له ولا نهاية. على الرغم من اقتناعه إلا أنه كان هناك مشاكل في معادلته، والسؤال الذي أثار حيرة أينشتاين (ما هو الذي يمنع الجاذبية من إنهاء الكون؟)؛ فقام بوضع ثابت يعبر عن القوة الداخلية للكون التي تحميه من الجاذبية المضادة.
- في العام 1927م قام العالم البلجيكي الأصل جورج لومتر بنشر بحثٍ علمي وقدم فيه فكرته الجديدة عن كون يتمدد، ولكن حتى ذلك الوقت لم يُشِر إلى الانفجار العظيم.
- وأثبت لومتر أن الكون حجمه غير ثابت كما قال أينشتاين، وأنه يتوسع باستمرار، واستنتج أنه كلما عدنا للماضي أكثر كلما وجدنا أن الكون كان حجمه أصغر، لغاية وصولنا إلى اللحظة التي كان فيها الكون عبارة عن نقطة ابتدائية أسماها «الذرة الأولية» ووصف لومتر نظريته بأن «البيضة الكونية تنفجر عند لحظة الخلق».
- وعلّق أينشتاين على رسالة لومتر قائلاً: «إن حساباتك سليمة ولكن الفيزياء التي استخلصتها ليست واقعية» – وعرفت تلك النظرية فيما بعد بنظرية الانفجار العظيم، وهي التسمية التي صاغها فريد هويل.
- ثم في العام 1929م أثبت إدوين هابل نظرية لومتر بإعطاء دليل رصدي للنظرية، وأكد “هابل” نظرية توسع الكون ووضع قانون عرف بأسمة وهو قانون هابل وينص على أن: “السرعة التي تبتعد بها مجرة من المجرات عنا تتناسب تناسبا طرديا مع المسافة بينها وبين الأرض“. وبفضل هذا القانون أمكن حساب عمر الكون التقريبي، وقام هابل بإستدعاء “أينشتين” من المانيا إلى أمريكا حتى يريه تباعد المجرات والكواكب بواسطة التلسكوب.
- وأحدث اكتشاف نال أصحابه جائزة نوبل في الفيزياء للعام 2011[2] على اكتشافهما أن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو في توسع يتسارع مع الابتعاد، مما يؤكد أن له ابتداء؛ يعني لحظة خلق، وقد سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى تلك الحقيقة قبل ألف وأربعمائة سنة؛ وكانت هذه الآية الكريمة قد نزلت والعالم كله ينادي بثبات الكون، وعدم تغيره، وظل هذا الاعتقاد سائدًا الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين حين تجمع اليوم من الأدلة العلمية ما يكفي للقطع بخلق الكون منذ عشرة مليارات من السنين (وهو العمر الأدنى المقدر للكون)، وأن عملية التوسع مستمرة، لكنها لم تتجاوز بعد الحد الحرج الذي لو تجاوزه بجزء من مئات البلايين من المعدل الحالي للتوسع، لانهار الكون على الفور، فسبحان الله الذي حفظه من الانهيار.
إن إتفاق الفلكيين على حقيقة توسع الكون أسقطت بالدليل العلمي تماماً فرضية أزلية الكون وقدمه Steady State Theory التي تقول بأن الكون لا مولد له، أي: أنه لا نهائي في الزمان والمكان، وثبت علمياً أن للكون بداية ونهاية، فقضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون؛ وكشفت زيف الإلحاد ليطويه الزمن.
يقدر قطر الجزء المدرك من الكون باكثر من عشرين الف مليون( اي عشرين بليونا) من السنين الضوئيه، وتقدر السنه الضوئيه بنحو9.5 مليون مليون( تريليون) كيلو متر.
وهذا الجزء المدرك من الكون مستمر في الاتساع منذ لحظه الخلق الاولي للكون والي ان يشاء الله، وذلك بمعدلات فائقه تتباعد بها المجرات عن مجرتنا( درب اللبانه) وعن بعضها البعض بسرعات تكاد تقترب احيانا من سرعه الضــــــــــوء ( المقدره بنحو ثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه)، وعلي ذلك فاننا كلما طورنا من اجهزه الرصد والقياس، وجدنا هذا الجزء من اطراف الكون المدرك قد تباعد واختفي عن ادراكنا، ولذا فان الانسان سوف يظل محصورا في حيز محدد من السماء الدنيا، ولا سبيل له الي معرفه ما فوق ذلك الا ببيان من الله.
خلــــــــــــــق المجــــــــــــرات الكـــــــــــــــــونية
- يقول الحق تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}[3]، فيستهل الله تبارك وتعالى سورة البروج بقسم عظيم للدلالة على عظمة ما أبدعه الله من خلق السماء وتزينها بالنجوم، كما فصل القرآن الكريم فوائد النجوم في كونها زينة للسماء الدنيا فقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}[4]، وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}[5]، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}[6]، وعلامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[7].
- تعريف البروج في اللغة: يقال برج الشيء – يبرج بروجا، أي ظهر وارتفع، والبروج: القصور، الواحد: برج، وبه سمي بروج السماء لمنازلها المختصة بها.
- أراء المفسرين: يقول ابن عباس أن البروج هي النجوم، ويقول يحيي بن رافع أن البروج هي قصور في السماء، ويقول ابن جرير انها منازل الشمس والقمر، وهي اثنا عشر منزلا (برجا) تسير الشمس في كل واحد منها شهرا، ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا، فذلك ثمانية وعشرون منزلا، ويستتر ليلتين.
والبروج: هي مجموعة نجوم في القبة السماوية، وبالتحديد في مسار فلك الشمس السنوي، والذي تسبح فيه (ظاهرياً)، وهي 12 برجاً، تنزل الشمس في كل برج نحو 30 يوماً اصطلاحاً، وفي الواقع يختلف من برج لآخر، وكل برج يشتمل على بضعة نجوم تأخذ أشكال مختلفة. وهناك فرق بين دراسة علم الفلك والتنجيم، فالتنجيم لا يستند على أدلة شرعية ولا أسس علمية ولا مبادىء عقلية، بل هو مجرد كذب ودجل، وأكل أموال الناس بالباطل، والبروج والنجوم لا تؤثر على سلوك وصحة الإنسان.
مجرة درب التبانة: هو اسم المجرة التي تنتمي إليها الشمس، والأرض، وبقية المجموعة الشمسية. وتشتمل مجرة درب التبانة على مئات البلايين من النجوم، وتنتشر سحابات هائلة من الذرات والغبار والغازات في شتى أطراف المجرة، وتحوي ما بين 200 إلى 400 مليار نجم؛ تتوزع هذه النجوم بنظام وكأننا أمام برج ضخم متماسك!
يجب أن نعلم أن مجرتنا مجرة درب التبانة، ليست هي كل الكون، فالجزء من الكون الذي توصل العلماء اليوم إلى اكتشافه بواسطة مراصدهم العملاقة، يحتوي على نحو 100 مليون مجرة، ولكن بقي جزء أكبر لم تصله أعين المراصد، ومن المحتمل أنه يحتوي أيضاً على عدد أكبر من المجرات.
نناقش في المقال القادم بإذن الله خلق الارضين السبع وتثبيت الارض بالجبال.
المراجع:
- الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغــــزى دلالتهــا العلميـة – د. زغلول النجار
- موقع د. زغلول النجار: https://www.znaggar.com/p/about-us.html
- الله يتجلى في عصر العلم – تأليف نخبة من العلماء الامريكيين.
- موقع أسرار الاعجاز العلمي للأستاذ/ عبد الدائم الكحيل.
[1] (سورة الذاريات: 47)
[2] “اقتسم الجائزة العالمان الامريكيان سول بيرلماتر وآدم ريس والاسترالي بريان شميتدت على اكتشافهما تسارع اتساع الكون، وجاء في بيان اللجنة المانحة ان الفائزين بالجائزة درسا عشرات النجوم المنفجرة، التي تعتبر فائقة الحداثة، واكتشفا بنتيجة البحوث، ان سرعة اتساع الكون تتزايد باطراد، وأن الكون توسع بشكل متسارع ابان دراسة نجوم بعيدة فائقة الحداثة”.
[3] (سورة البروج: 1)