عصر التنوير في أوروبا: بدأ الانتقال تدريجيًّا من مرحلة عصر النهضة إلى مرحلة التنوير فى نهاية القرن السابع عشر، واستمرت للقرن الثامن عشر (1700م – 1800م)، ولم يأخذ التطور نحو التقدم فى أوروبا صورة طفرة أو قفزة كبرى، وما كان له أن يحدث على هذا النحو. وإنما حدث التطور نحو التقدم تدريجيًّا، وببطء ملحوظ أخذ يتسارع قرنًا بعد قرن، إلى أن اكتملت المقومات التى أتاحت انطلاقه بمعدلات أسرع، وصولًا إلى الحالة التى سمحت له بطفرات متوالية منذ بدايات النصف الثانى فى القرن العشرين، وكان لمرحلة التنوير “المرحلة الثانية فى مسار التطور فى أوروبا بعد عصر النهضة”، أثر بالغ فى تسريع هذا التطور، تعالوا بنا لنتعرف على الجديد الذى حمله عصر التنوير في أوروبا.
رينيه ديكارت في فرنسا (1596–1650): قال بأن العقل هو المصدر الرئيسي للمعرفة البشرية، وعدم اعتبار الإله مركزاً للفكر الفلسفي، واشتهر بمقولته “أنا أفكر إذاً أنا موجود”، لم يقبل تصديق أي شيء دون التحقق من سبب تصديقه. وربما يجوز أن نُعدَ إسهامَ ديكارت المبنى على تميزه علميًّا وفلسفيًّا أهم أُسس الجسر الذى ربط بين مرحلة النهضة التى استمرت زهاء ثلاثة قرون، والمرحلة الثانية فى مسار التطور فى أوروبا وهى مرحلة التنوير فى القرن الثامن عشر، وكان التقريب بين المنهجين التجريبى والعقلى من الدعائم الأساسية التى أتاحت هذا التطور.
جون لوك في إنجلترا (1632-1704): تبنّى الرأي الذي يقول أن الخبرة هي المصدر الرئيسي للمعرفة البشرية؛ فأدى ذلك إلى اعتبار العقل أداة لتقييد وكان لوك أحد أكثر الفلاسفة تأثيرًا في عصر التنوير، وركز بشكل خاص على كيفية تشكيل أنظمة الحكومات، حيث أثرت كتاباته مثل «مقالة في الفهم البشري» التي نشرها جون لوك سنة 1689م على العديد من الفلاسفة مثل؛ فولتير، وروسو، وكانط، وتوماس باين؛ الذين ألهموا لاحقًا ثورات أواخر القرن الثامن عشر، لأن عمله استند أساسًا إلى نظرية الحقوق، والاعتقاد بأن الرجال أحرار، ومتساوون بطبيعتهم. كما ساند كلا من جون لوك والفيلسوف الفرنسي بيير بايل فكرة فصل الدين عن الدولة، وزاد عمل المنظمات السرية كالمتنورين والماسونيون الأحرار و البافاريين والصليب الوردي، وقدمت هذه المنظمات للأوروبيين أنماطًا جديدة من الطقوس الغامضة والعمل السري.
إسحاق نيوتن (1642-1727): الدور الذى لعبه رائد علم الفيزياء فى إكمال هذا الجسر من خلال إسهاماته التى مثلت فى حينها مستوى متقدمًا فى مسار التطور، عن طريق اكتشاف بعض أهم قوانين الطبيعة التى يُعتمد عليها حتى اليوم(17).
وكان أكبر إنجازات عصر التنوير هو كتابه (المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية) الصادر عام 1687م ويعتبر فتحًا غير مسبوق، وخطوةً كبيرةً فى مسار تطور العلم. فهو يُعد الأساس الذى اعتمد عليه علماء الفيزياء والرياضة فى كثير من بحوثهم واكتشافاتهم حتى اليوم. وكان أثر إسهامات نيوتن واضحًا فى تفكير بعض فلاسفة مرحلة التنوير، خاصةً إيمانويل كانط (1724-1804)، الذى تأثر فكره بدوره بالإسهامات العلمية فى عصر النهضة، ووضع ما يمكن أن نُعده أول أساس أبستمولوجى للعلم.أن إسهام نيوتن فى ترسيخ دور العقل وقيمته لا يقل أهمية عن اكتشافاته العلمية، بل قل إن عمله من أجل وضع أساس لنهضة العلم تكامل مع دوره فى تدعيم قيمة العقل. فقد مزج بطريقة خلاَّقة بين العلم والفكر فى مرحلة كانت النهضة فى حاجة إليهما.
بنجامين فرانكلين (1706-1790): كان مفكرًا، وكاتبًا، ومخترعًا أمريكيًا غزير الإنتاج، وأبًا مؤسسًا استوحى أفكاره من المثل العليا لعصر التنوير الأوروبي، وساعد في نقل هذه الأفكار والمفاهيم إلى العالم الجديد، مما جعله يلعب دوراً هاماً في تشكيل الحكومة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وكتابة إعلان الاستقلال، ودستور الولايات المتحدة الامريكية الذي شكّل حجر الأساس للأمة الحديثة.
إيمانويل كانط (1724 – 1804م): فيلسوف الماني يعد آخر فلاسفة عصر التنوير، وأحد أبرز رواد الفلسفة الأخلاقية حتى يومنا هذا، جمع بين الاتجاهين العقلي والتجريبي، قدم و«مقالة في الفهم البشري» التي نشرها جون لوك سنة 1689.نظرية في الأخلاق يرى فيها كانط أن العقل دون التجربة لا يقود إلى شيء، وأن التجربة لا بد لها من العقل، كما تناول رؤيته للدين والإيمان، وعلاقتهما بالعقل والحرية والأخلاق. وفي عام 1784م أصدر كانط كتابه بعنوان (جواب عن سؤال ما هو التنوير) وعرف التنوير بأنه خروج الإنسان عن عجزه في استخدام عقله إلا بتوجيه من إنسان آخر. لا بسبب الافتقار إلى العقل، بل بسبب الافتقار إلى العزم والشجاعة اللذين يحفزانه على استخدام العقل بغير توجيه من إنسان آخر. لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك، ذلك هو شعار التنوير.
الإنجازات التي تحققت في عصر التنوير:
حدثت إكتشافات أثرية جديدة مثل بومبي وهركولانيوم، وأوجدت إهتماما بالفن الكلاسيكي والهندسة المعمارية، ومن أبرز المعماريين في عصر التنوير: جيمس ستيوارت، جيوفاني، وروبرت أدم.
بلغ عصر التنوير ذروته مع الثورة الفرنسية سنة 1789 إذا نظرنا إليه على أنه عصر التخلي عن السلطات القديمة وإعادة بناء المجتمع بطريقة عقلانية، لكن الثورة تطورت إلى إرهاب دموي أظهر حدود أفكارها وقاد إلى صعود نابليون بعد عقد واحد.