لوكوربوزييه رائد العمارة الوظيفية

إذا كانت الالة تعتبر ناجحة عندما تؤدي وظيفتها بإتقان، فإن المبنى يعتبر ناجحاً وسليماً وجميلاً أيضاً، إذا أدى وظيفته على الوجه الاكمل The House is a machine to live in “لوكوربوزيية”.

النظرية الوظيفية “” Functionalism Theory تقول بأن العمارة هي علم خالص و ليست فن، و ان الشكل المعماري يتقيد و يتبع الوظيفة، ويعتبر لوكوربوزييه أبرز من طبق هذه النظرية في كُل مبانيه، وأحد أهم المطورين والداعمين للنظرية الوظيفية في كل مبادئها، لذلك تقترن هذة النظرية بأسم لوكوربوزييه ولكنها ليست خاصه به وحده.

أهم مبادئ العمارة الوظيفية:

أهم أعمال لوكوربوزييه رائد العمارة الوظيفية : قام لو كوربوزييه بتطبيق تلك المبادئ في العديد من المساكن التي صممها في نهاية العشرينات، مثل فيلا شتاين في غارش عام 1927، فيلا بيزوه في قرطاج بتونس عام 1928، كذلك في الفيلا الشهيرة:

فيلا سافوي بفرنسا: تم بناؤها بين عامي 1928 و1931 صمم لو كوربوزييه المشروع بالاشتراك مع ابن عمه بيير جانرى، باستخدام الخرسانة المسلحة، حيث تتناول فكراً معاصراً للمنزل الريفي الفرنسي، وتبلغ المساحة البنائية بحدود 700 متر مربع (تقدر ابعاد المبنى بـ 19× 21.5م)، وجاء الشكل العام للفيلا على هيئة مكعب أبيض، مرفوع عن الأرض بواسطة أعمدة دائرية تحمل القسم السكني الرئيسي بالطابق الاول، واستخدم لوكوربوزيه الخطوط الأفقية والمعالجات البسيطة والمنطقية للواجهات بجعل نوافذ الشرفة المفتوحة في الطابق الأول شريطية، وجعل مساحة الطابق الأرضي لموقف السيارات وغرف مساعدة، وفضاءات مخصصة للحارس وأخرى للورش.

وتمثل الفيلا نموذج على تطبيق مبادئ لوكوربوزيية الخمس، وهي واحدة من أكثر الأمثلة شهرة على الطراز الدولي. استمر سافوي في العيش في المنزل حتى عام 1940، وغادر خلال الحرب العالمية الثانية، وتم حيث تم احتلالها مرتين خلال الحرب: الأولى من قبل الألمان وتم استخدامها كمخزن للتبن،  ثم من قبل الأمريكيين، أُضيفت الفيلا إلى السجل الفرنسي للآثار التاريخية في عام 1965، لتصبح أول مبنى حديث في فرنسا يتم تعيينه كنصب تاريخي، وأيضًا أول مبنى يتم ترميمه بينما كان المهندس المعماري لا يزال على قيد الحياة.

فكرة المجمعات السكنية المتكاملة: بدأ ”لوكوربوزييه“ هذا الفكر عام 1944م، وتعتبر عمارة مرسيليا أول عمل حقيقي، حيث قام بتجميع المساكن في مبنى واحد، وترك الأرض من حوله حدائق مفتوحة، تطبيقاً لفكرة تخطيط المدينة الحدائقية التي اقترحها عام 1922م، وتعتمد الفكرة على تفريغ قلب المجمع السكني ووضع الخدمات اللازمة فيه .. ونرى أن في هذا محاولة لنقل الطبيعة إلى داخل المبنى وليس الفراغ الخارجي فقط، وقد ساهمت هذه الفكرة في نشوء مفهوم المجاورة السكنية فيما بعد كما أنشئت مجمعات سكنية كبيرة على غرار ذلك المجمع ..

المجمع السكني بمرسيليا (1946 – 1952م) Unite D’habitaion, Marseille

 بعد خروج فرنسا من الحرب العالمية الثانية إحتاجت إلى إعادة الاعمار، وإنشاء سكن اجتماعي سريع، بعد أن أصبح الآلاف من الناس في جميع أنحاء أوروبا بلا مأوى، وطلبت الدولة الفرنسية من لو كوربوزييه بناء وحدة سكنية في مرسيليا وأن يظهر فن جديد للبناء يغير طريقة العيش، وجاءت فكرة لو كوربوزييه مرنة للغاية، حيث فكر في أن يختزل مخطط المدينة المشعة في منزل واحد، ببناء مبنى سكني يضم 337 شقة، مفصولة بالشوارع الداخلية، يبلغ طول المبنى 137 مترا وارتفاعه 56 مترا وعرضه 24 مترا .. وهو واحد من خمس وحدات سكنية بناها لو كوربوزييه خلال مسيرته المهنية. ويحتوي المجمع على 23 نوعاً مختلفاً من الوحدات السكنية تبدأ بغرفة للعزاب وحتى شقة لسكنى 8 أفراد .. يحتوي الطابقين السابع والثامن على الخدمات الضرورية مثل محلات البقالة ومغسلة وخدمات تنظيف ومصفف شعر وبائع صحف ومكتب بريد وكافيتريا وبعض الغرف الفندقية .. ويحتوي الطابق 17 على حضانة للأطفال تسع 150 طفلاً. وتم تشييد العديد من المنازل المماثلة في فرنسا وألمانيا بعد ذلك، وتبين أن مشاريع لو كوربوزييه جاءت في الوقت المناسب تمامًا.

الانطباع الأولي للكتلة يوحي بالغموض والضخامة وسيطرة الخرسانة المكشوفة مع تلوينها بالألوان الصريحة، ومن أهم الأفكار في تصميم المبنى هو أنه تم تقسيم المستطيلات في الواجهات باستخدام النسبة الذهبية.

كنيسة نوتردام- في قرية رونشامب: تقع جنوب شرق مدينة باريس، وتم تكليف لوكوربوزييه بتصميمها عام 1950، لاستبدال الكنيسة السابقة التي تم تدميرها خلال الحرب العالمية الثانية،وتقع الكنيسة على قمة تل، مما يعطيها أهمية ومهابة، وقد أرادت الكنيسة تصميماً خالياً من التفاصيل المعقدة، والاشكال الزخرفية الدينية، وقد تأثر لوكوربوزييه بأفكار المدرسة التعبيرية في هذا المشروع، حيث اراد خلق فضاء يبعث على التأمل ويعكس الغرض منه، فاستلهم الشكل من البيئة المحيطة حيث يقول: “في يونيو 1950 قضيت 3 ساعات لكي أتعايش مع موقع التل الذي بنيت عليه الكنيسة .. وبينما الفكرة تدور في عقلي رسمت أربعة خطوط مستوحاة من الأفق المحيط بي في أربعة اتجاهات، كانت هي المكون الأساسي لفكرة مسقط الكنيسة“، وجاءت الجدران بيضاء ناصعة، يعزز الاجواء التأملية دخول الضوء في المصلى ليضيف تأثيره التدريجي لهذه الجدران التي تخلق أحاسيس قوية للمستخدمين تتناغم مع النشاط الديني للمكان.

وأهم ما يميز هذا المبنى هو غرابة التشكيل المعماري الذي عليه كتلة المبنى من الخارج وكذا التشكيل المعماري للفراغ المعماري من الداخل.. بالشكل الذي يختلف كثيراً عما عليه الفكر المعماري للوكوربوزييه الذي يميل إلى تحقيق جوانب النظرية الوظيفية، ومع كل هذه الانتقادات فإن معظم النقاد اتفقوا على أنها من أكثر المباني الدينية إقناعاً في التعبير عن القرن العشرين. وقد وصف ”لوكوربوزييه“ فراغ الكنيسة بأنها الفراغ الذي لا يوصف .. حيث يساعد هذا النوع من الفراغات في توسيع قاعدة تأثير المبنى على المحيط الخارجي الذي يحيط به،

أثر لو كوربوزييه في أعمال المهندسين المعماريين اليابانيين

تردد أصداء أثر لو كوربوزييه في جميع أنحاء العالم، وحظي بمكانه كبيرة كالتي حظي بها معماريون أمثال فرانك لويد رايت ولودفيغ ميس فان دير روه، واشتهر المهندس المعماري الياباني المعاصر تادو أندو، بمبانيه مثل متحف بينيس هاوس في جزيرة ناوشيما وكنيسة النور في أوساكا، دون أن يتلقى أي تدريب معماري بشكل رسمي، بخلاف ما تعلمه بفضل التطبيق والدراسة العمليين، ومن المعروف أنه اقتفى أثر لو كوربوزييه في تصميماته الهندسية، من خلال متابعة كتب التصميمات التي تضمنت رسومات لو كوربوزييه الهندسية.

نلتقي في المقال القادم مع رائد العمارة الوظيفية المعماري لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو المعمارية.

المراجع:

نظريات العمارة – د. عرفان سامي

عمارة القرن العشرين – دراسة تحليلية للمهندس صلاح زيتون.

نظريات العمارة – د. هشام حسن علي

Exit mobile version