ما هي الديانات في الامبراطورية الفارسية قبل الإسلام؟
وصلت البشرية في القرن السادس الميلادي إلى درجة من الانحطاط أكبر من أن يقوم لإصلاحها المصلحون، فالجاهلية والوثنية قد تراكمت عبر القرون والاجيال، ودفنت تعاليم الانبياء والمرسلين، وأجمع المؤرخين على أن العالم الإنساني قاطبة، والعالم العربي بصورة خاصة كان يعيش قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، في دياجير الظلم والجهل، وظلمات الطغيان والاستبداد، تتنازعه الإمبراطورية الفارسية شرقاً، والرومانية غَرْباً، وما أشقى الإنسان حين يبتعد عن منهج ربه، ويزعم أنه يعلي من شأن العقل، فإذا عقله يرتع في أودية الضلال، ويُحشى بالأساطير والخرافات، وإذا هو مكبَّل بقيود أطماعه وشهواته، وشرائعه العقيمة التي سنها لنفسه.
تعالوا بنا نستعرض أحوال الديانات والأمم المختلفة من قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، في تلك الحقبة البعيدة من الزمن، والتي ما زال بعض تلك الديانات موجود حتى عصرنا الحاضر، نتعرف على الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، في تلك المجتمعات، وسنبدأ بالامبراطورية الفارسية.
أولاً: الإمبراطورية الفارسية: (529 ق.م – 627م)
أسس قورش أحد أعظم ملوك الفرس أمبراطورية مترامية الأطراف، وكانت تسيطر على فارس وخراسان والعراق، وبعض الاجزاء من أطراف الجزيرة العربية شرقها وجنوبها ومصر.
ولقد إتخذ الفرس من سكان الحيرة أتباعاً وجنداً جعلوا منهم وقوداً في صراعهم الطويل ضد الاغريق والرومان.
وتولى العرش بعد قورش ابنه قمبيز الثاني، الذي استمر في توسعة حدود الإمبراطورية بالاستيلاء على مصر عام 525 ق.م. بعد أن هزم الملك بسماتيك الثالث اخر ملوك الاسرة ال 27 في معركة الفرما بورسعيد حاليا وظلت الإمبراطورية الفارسية مزدهرة ومستقرة مدة قرنين من الزمان حتى سقوطها عام 330 ق.م. على يد جيوش الإسكندر الأكبر.
وكان نظام الحكم إستبدادي يقوم على التمييز بين الناس، وقسم المجتمع إلى سبع طبقات أدناهم عامة الشعب من العمال والفلاحين والجنود والعبيد، وهؤلاء ليس لهم حقوق بالمرة، وكان الفرس يُقدِّسُون أكاسرتهم، ويعتقدون في ملوكهم الألوهية، فكثرت كنوز ملوكهم في الوقت الذي عانت فيه شعوبهم من شظف العيش، وكان الملك يدير دفة الحكم بنفسة يساعدة حكام الولايات، إضافة إلى بعض الامراء والقادة في مختلف الاقاليم، وهم في الغالب من ملاك الاراضي والقرى الواسعة، ويقومون بجباية الضرائب من العمال والفلاحين وعامة الناس لخزينة الدولة، مما زاد من سخط الناس وإحساسهم بالظلم.
ما هي الديانات في الامبراطورية الفارسية قبل الإسلام؟ كان الفرس يعبدون العناصر الطبيعية مثل السماء، والماء، والانهار، والنار، وكانوا يقدمون الاضحيات أمام معبد مقدس للنار، وتقوم عقيدتهم على وجود إلهين في الكون هما إله النور والخير وهذا الاله غير متناه إلا من جهة التحت حيث يلاقي الظلمة، ويمثله (اهورا مزدا) الذي خلق السماء والارض والبشر، وإله الظلام والشر الذي يمثله (أهريمن)، وهما يتنازعان السيطرة على الكون، ويقف البشر الأخيار مع إله الخير، والأشرار مع إله الظلام، وكان الملك عندهم لا يعبد بصفته إله وإنما كان يتم إحترامه وتبجيله بصفته رسول أهورمازدا على الارض، بالاضافة إلى وجود عبادة إله الشمس ميثرا، وأناهيتا ألهة الماء والخصوبة، وأهم الديانات لديهم هي:
- الديانة الزرادشتية: وهي المعروفة عند المُسلمين باسم المجوسية، وتجمع بين مفهوم ثنائية الخير والشر، وترجع نسبتها لمؤسسها الغامض زرادشت والذي يعتقد أنه ظهر في القرن السابع ق.م. وأدعى أنه تلقى المعتقد رأساً من الإله أهورامزدا إله النورلرب أهورامزدا قد ظهر كل شيء إلى الوجود”، وأنه قد خلق العالم والموجودات عبر وسائط متنوعة للفعل الإلهي، وظل زرادشت يمارس طقوس احترام النار المقدسة، بانتظام طوال حياته، و أقيمت معابد النيران في أرجاء الدولة.
– ثم بعد وفاته ظهرت النسخة الجديدة الزرادشتية على أيدي الكهنه، وكان اولى التغيرات التي لحقت بالنسخة القديمة من الزرادشتية هي: أن المؤسس قد ظهر في النسخة الجديدة على شكل شبه إله، فلم يعد مجرد نبي تلقى الوحي من أهورامزدا، بل صار صاحب ظواهر خارقة ونبوءات غيبية متعددة.
– ثاني التغيرات: ارتبطت بصورة الإله نفسه، إذ إن أهورامزدا الذي لطالما صور قديماً بوصفه الإله العلي، الأول والآخر، قد تخلى عن الكثير من نفوذه وكبريائه لصالح بعض الآلهة القديمة، والتي شاركته السلطة والحكم، ومن بين تلك الآلهة كل من الإله فوهومانا الإله الوصي على الماشية، والإله آشا الإله الوصي على النار، والإله كشاترا رب المعادن، والإلهة أرمايتي إلهة الأرض، والإلهة هورفاتات إلهة المياه. أما أعظم الآلهة الذين تمكنوا من مزاحمة أهورامزدا فقد كان الإله ميترا، وفي عصر الأخمينيين.
كانت الزرادُشتية هي الدِّيانة الرسمية للإمبراطورية الفارسية من القرن الثالث إلى القرن الخامس للميلاد.
ولم تنتشر هذه العبادة في الجزيرة العربية كلها، وإنما تركزت في قبيلة بني تميم التي كانت تعيش على الطريق التجاري بين قريش والشام، وعرفوها من خلال اتصالهم بالفرس في الحيرة واليمن.
2. الديانة المانوية: ظهرت في القرن الثالث الميلادي- اي في الفترة بين ظهور المسيحية وظهور الاسلام، حيث ولد مؤسسها ماني بن فاتك عام 216 م , وتأثر بالمسيحية و ادعى انه هو خاتم الانبياء الذي بشر به عيسى، و قام بعدة رحلات عبر فارس والهند ودرس الأديان السائدة من زرادشتية وبوذية وهندوسية، وبدأ (ماني) بتكوين كنيسته في بابل وأطلق عليها (كنيسة النور) وكان يبعث تلامذته في الامبراطوريتين الفارسية والرومانية وتمكن من نشر ديانته بذكاء لان ديانته جمعت الديانة البوذية والزرادشتية والمسيحية التي كانت مسيطرة في تلك المناطق.
واعتقد ماني بوجود أصلين للوجود قوتين ازليتين هما النور وينسب الية الحكمة وكل صفات الخير، في مقابل عالم الظلام وتنسب اليه صفات الشر، وحرم الشهوات بالكلية؛ لأنها من الظلام، ودعا باستعجال الفناء انتصارًا للنور،
واستطاع التقرب من الملك شابور الاول الذي سمح له بنشر ديانتة في اقاليم مملكته مما كان له اثر كبير في انتشار الديانة المانوية.
لكن الملك بهرام الأول (273-276) الذي جاء بعد شابور لم يكن لديه التسامح الديني؛ واضطهد ماني وأتباعه تحت ضغط من الزرادشتيين المجوس؛ فقام بصلب ماني على أحد أبواب مدينة جندشابور في الأهواز , كما تقول الاسطورة لكن المانويين ظلوا يعتقدون بصعوده إلى السماء مثل يسوع (عيسى) , واعتبروا هذا اليوم مقدساً يصومون خلاله ثلاثين يوماً في شهر نيسان .
وانتشرت المانوية بين العرب في الجاهلية انتشاراً واسعاً، حيث اتخذوا من الأحجار ومنحوتاتها رموزاً لآلهتهم. وهناك روايات تقول إن تأليه الأحجار وتقديسها يرجع إلى زمان ما قبل “عمرو بن لحي” -الذي يُنسب إليه تاريخياً نشر عبادة الأصنام في بلاد العرب بعد جلبها من الشام وظل أتباعه إلى حين الفتح الإسلامي.
- الديانة المزدكية: ظهرت في القرن الخامس الميلادي حيث قام شخص يدعى مزدك بنشر أفكارة التي تقوم على الدعوة للإشتراكية في الأموال وإباحته للزنى وجعل النساء مشاع مباح كالكلأ والنار والماء! تأسيساً للاخاء الشامل في زعمه،وانتشرت افكارة بسرعة بين الفقراء الذين قاموا بسلب ونهب طبقة النبلاء، وهاجم مزدك ايضا طبقة رجال الدين الزرادشتين وادعى انهم متواطئون مع طبقة النبلاء واستغل ذلك الملك قاباد الاول الذي حكم من سنة 488 – 531 ميلادية لتقييد سلطة رجال الدين، وسلطة طبقة النبلاء، وسمح لمزدك بنشر أفكارة حتى بلغت به الوقاحة إلى حد أن طلب من الملك قاباد بتسليم الملكة له فانصاع له، ولكن صعب ذلك على إبنه أنوشروان فانكب على رجلي مزدك يقبلهما ليعفي أمه من هذا فأعفاها،
وما زالت دعوته تلك تظهر حتى صار الرجل لا يعرف ولدَهُ، والولد لا يعرف أباه، والمرء يُغلب على بيته بمن يُشاركه ماله ونساءه في كُلِّ وقتٍ وفي كل حين.
وبعد أن تولى الابن أنوشروان الحكم أمر بقتل مزدك، فقتل بين يديه، وأحرقت جيفته، ونادى بإباحة دماء المزدكية، فقتل منهم في ذلك اليوم عالم كثير، لانهم قد أباحوا نساء الناس وأموالهم، وجعلوهم مشتركين في ذلك، بحيث لا يختص أحد بامرأة ولا بمال، حتى اختلط أجناس اللؤماء بعناصر الكرماء، كما أمر أنوشروان بقتل المانوية أيضا، فقتل منهم خلقا كثيرا.
وقد اعتنقها أحد ملوك “الحيرة” وهو الحارث بن عمرو بن حجر الكندي، وكانوا يشركون مع الإله الواحد إلهاً آخر.
الباحث عن الحقيقة: ولعل في قصة سلمان الفارسي[1] t خير مثال على أن النصرانية كانت عند إقتراب بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قد حرفت إلى شكل أقرب إلى الشرك منه إلى التوحيد،واصبح هناك عدد قليل جداً ممن بقوا على الدين الصحيح لعيسى عليه السلام، فعندما ترك عبادة النار ورغب في المسيحية
وارتحل إلى الشام وسأل عن أفضل أهل هذا الدين؟ فقالوا: الأُسْقُفُّ في الكنيسة، فلحق بواحد وكان صاحب سؤ، ثم جاء بعدة رجل صالح، فمكث معه حتى حضرته الوفاة، فحدثة سلمان: إلى من يوصي به؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فَالْحَقْ به.
فلحق به حتى حضرته الوفاة، ثم لحق بصاحب نَصِيبِينَ، ثم بصاحب عمورية، حتى حضرته الوفاة، فقال لسلمان أي بني: والله ما أعلم أحد من الناس أصبح على ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حَرَّتَيْنِ بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فَافْعَلْ.
فلما مات الراهب، بقي سلمان بعده في عموريّة بعض الوقت حتى جاء نفرٌ من تُجار كَلب، وطلب منهم أن يذهب معهم إلى أرض العرب، ويُعطيهم ما معه من غنمٍ وبقر، فوافقوا وأخذوه، وفي الطريق غدروا به وباعوه عبداً لرجل يهودي، فأخذه إلى المدينة، وعندها رأى سلمان النخل الذي وصفه له الراهب، وبقي في المدينة حتى سمع بمبعث النبي محمد وأنه قدم إلى المدينة، فأسرع سلمان وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهو في قُباء، ومعه شيءٌ من التمر.
أخبر سلمان النبي بأنه أحضر هذا التمر كصدقة فقدمه النبي لأصحابه ولم يأكُل منه؛ وكانت تلك العلامة الأولى، ثم رجع سلمان مرة أخرى وقدم بعض التمر كهدية، فقدة لاصحابه وأكل منه النبي صلى الله علية وسلم فتحقّقت عنده العلامة الثانية التي أخبره بها راهب عمورية، ثم تبعه في جنازة إلى البقيع، ولما رآه النبي وعلم مُاده كشف له عن ظهره فرأى خاتم النُّبوة بين كتفيه، فلما رآه قبله وبكى سلمان وقص عليه قصته.
فأعجب رسول الله صلى اللَّه علَيه وسلم بقصة سلمان، وأحب أن يسمعها لاصحابه ولم لا وهي قصة مملوءة بالدروس والعبر وطلب الحق والهمة العالية والعمل الدءوب للوصول إلى الحقيقة.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن أهم الديانات التي كانت منتشرة في الهنــــــــــــــــد فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] (سلمان الفارسي: صحابي، وأحد رواة الحديث النبوي، وهو أول الفرس إسلاماً؛ ترك أهله وبلده سعيًا وراء معرفة الدين الحق؛ وقد روى عبد الله بن عباس عن سلمان قصة نشأته إلى وقت إسلامه، والقصة مذكورة في كتاب سير أعلام النبلاء، وكتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، وكتاب السيرة النبوية لابن هشام، وتوفي سلمان في خلافة عثمان بن عفان بالمدائن سنة 33 هـ، وقيل توفي سنة 36 هـ )