أصـــــول الاســــــلام
أصـــــول الاســــــلام: رأينا في مجموعة الحلقات السابقة كيف وصل واقع البشرية في القرن السادس الميلادي قبل بعثة النبي محمد علية الصلاة والسلام؟ إلى درجة من الانحطاط أكبر من أن يقوم لإصلاحها المصلحون، فالجاهلية والوثنية قد تراكمت عبر القرون والاجيال، ودفنت تعاليم الانبياء والمرسلين، وفي الحديث – وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب.
فكان لابد من وحي إلهي يغير هذا الواقع الأليم؛ فاختار الله أحب قلوب العباد إليه قلب محمد صلى الله عليه وسلم، اختاره لهذه المهمة العظيمة والرسالة الخطيرة، مهمة إعادة الناس إلى الله وإصلاح عقائدهم، قال صلى الله عليه وسلم: [إني عند الله مكتوب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول أمري: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نورٌ أضاءت لها منه قصور الشام] [1].
والاسلام هو الدين الذي ختم الله به الاديان كلها وأتم به نعمته على العالمين قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [2].
والإسلام يدعو إلى الاعتقاد بوجود الله وتوحيده، والتصديق برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قام هذا الدين على دعائم وأصـــــول الاســــــلام تتلخص في 4 أصول وهي:
الايمان: ويشمل العقيدة
العمل: ويشمل العبادات – المعاملات – الاخلاق.
تعالوا بنا نتعرف الى الاصل الاول من أصـــــول الاســــــلام وهو العقيــــــــــــدة: في البداية ننوة إلى أن هناك أسس عقلية لا تقبل الشك ومنها :
- أن الانسان لم يوجد نفسه بل أوجده الله وأوجد جميع المخلوقات من العدم. وأنه خالق هذا الكون يدبرة بحكمته ويسيرة بقدرته وإرادته. وهو الذي وضع نواميس الكون التي نسميها (قوانين الطبيعة) وجعل كل شيء فيها بمقدار.
- وأن الله لم يخلق هذا الكون عبثاً سبحانه المتصف بكل كمال والمنزة عن كل نقص.
- ولم يترك الله عز وجل الناس سدى، ولكنه إستخلف الانسان في أرضه لعبادتة وتعمير الارض، وأرسل الله الرسل ليبلغوا البشر بالشرع الالهي.
- كما انزل الله الكتب السماوية، وأخر هذه الكتب هو القرأن الكريم وبين للانسان طريق الخير وطريق الشر.
ف الله وحده هو سيد الملكوت من الازل إلى الابد، أما ما سواه من الخلائق فيسري عليهم قانون العدم والوجود: خلقٌ، فحياهٌ، فموت، ثم بعثٌ للحساب، ثم خلودٌ في الجنة أو خلودٌ في النار.
وجاء الإسلام بعقيدة التوحيد التي تفرد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، ومعرفة أن الله واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعالة.
فــ لا إله إلا الله هي الركن الاول من أركان الاسلام، ب لا إله إلا الله نتحرر من كل أنواع العبوديات لغير الله، فهو وحده المتفرد بالايجاد والامداد، فهو الخالق والرازق المحى المميت، وقطع القرآن الكريم الطريق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر بالحجة والمنطق، قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [3].
الاصل الثاني من أصـــــول الاســــــلام هو العبادات:
فإذا أمن الشخص بالاسلام وجب عليه النطق بالشهادة فإذا نطق بهما صار مسلماً وقبل بالقيام بجميع الاعمال التي يكلفه بها الاسلام وهذه الاعمال تسمى عبادات وهي وسائل لتزكية النفس وإصلاح المجتمع
فالعبادات في الاسلام ذات غرضين، غرض يتصل بالعلاقة القائمة بين العبد وربه، وغرض يتصل بالعلاقة القائمة بين الانسان واخيه الانسان، فالاسلام منهج شامل لكل جوانب الحياة، يقوم على قواعد راسخة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بُني الإسلام على خمس:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان] [4].
وفي الحدديث الشريف شبه النبي الإسلام ببناء محكم، وشبه أركانه الخمس بقواعد ثابته محكمة وهي التي تحمل ذلك البنيان، وقد تناولت هذه الاركان أمور عقدية وهي الشهادتان ينطق العبد بهما معترفا ومقراً بواحدانيه الله تعالى واستحقاقة للعبادة وحده دون ما سواه، ومصدقاً بقلبة برسالة نبية محمد صلى الله عليه وسلم..
وفقه العبادات يشمل الأحكام العملية التي تنظم علاقة العبد المكلف بالله، مثل: الطهارة والصلاة والزكاة والصوم وغيرها. فالصلاه عبادة بدنية وجاءت بعد التوحيد مباشرة، يقوم بها المصلي منفرداً أو مشتركاً مع جماعة، وهو في إنفراده ومشاركته للاخرين يبتعد في أثناء الصلاة عن كل ما سوى الذكر والتأمل وتلاوة القران الكريم، إنها بطبيعتها عملية عزل عن الدنيا وهمومها ومنافعها وأغراضها، ثم عطف عليها بعبادة مالية وهي:
الزكـــــــــــــاة: والتي ضمت للصلاة بعد الهجرة النبوية الشريفة من مكة للمدينة المنورة، تبرز بها أخلاق التضحية وينكشف عن طريقها شعور العابد بالالتزام المادي نحو المجتمع الذي يعيش فيه، وسيلة عملية لحماية الفقير من ضيق الحاجة، ومن الاحساس بالحرمان والحسد، ولحمايته أيضاً من فكرة الثورة على الاغنياء وإنتزاع ما بأيديهم من المال وللحيلولة دون تفتت المجتمع وإنهياره.
ثم الصيـــام: وهو عبادة بدنية روحية والذي فرض في سنة واحدة مع فرضية الزكاة، إنها العبادة التي ترافق الانسان في سكونه وحركته وفي سعية خلال النهار على رزقه ورزق عائلته بحيث تصبح الرقيب الذي يتابعه متابعة قريبة. والصوم عبادة يعجز الناس عن مراقبة صاحبها، لان الله وحده المراقب لها، والصائم لا يستطيع أن يتاجر بصومه، ووتتميز بالصدق والاصالة والاخلاص، لانها العبادة الوحيدة التي لا يشهد لها غير الله وغير جوارح الانسان وقلبه. كما جاء في الحديث الشريف عن رب العزة تبارك وتعالى: [كل عمل ابن ادم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به] [5].
وتبقى هذه العبادات الثلاث عمليات تربوية فردية أو شبه فردية، إنها تصوير لمنهج إلهي يقصد به التطهير الفردي الدائم، وتعرية النفس أمام صاحبها بأساليب معينة، فيها التأمل الذاتي كما في الصلاة، والممارسة اليومية كما في شهر الصيام، وتنمية الالتزام المادي نحو المجتمع كما في الزكاة.
أما الحـــج: فهو عبادة بدنية جماعية مشتركة فيها جوانب مالية وفيها جانب روحي نفسي، فالترتيب جاء منسجماً مع أهمية كل ركن من هذه الاركان،
كما أن الإيمان بالله تعالى أحد الأسس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية الحنيفة، ولا يصح إسلام الشخص إن لم يكن مؤمناً بالله حقاً، وأركان الإيمان في الإسلام كما جاء في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الايمان قال : [أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وتؤمن بالقدر خيره وشره]. [6].
الاصل الثالث من أصـــــول الاســــــلام هو الاخلاق:
وهي مجموعة الاداب التي جاء بها الدين وأمر بإلتزامها كالصدق والامانة والاخلاص والوفاء بالعهد والتحلي بالفضائل والبعد عن الرزائل كي يوجد المجتمع الفاضل المتحاب المتعاون قال صلى الله عليه وسلم : [إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق] [7].
فالناس كلهم متساوون، ولا تمايز بينهم إلا بالأعمال الصالحة التي ترضي الله تعالى، وفي هذا يقول الحق عز وجل : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[8]. ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : [ لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى] [9]. وكما جاء في القول المشهور والمتعارف عليه بين علماء المسلمين وعامتهم “إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.
إن الإسلام يأمر بحسن الخلق في المجتمع مع المسلم وغير المسلم ليعم السلام والطمأنينة بين جميع الناس
ولذلك يجب اختيار الصحبة الطيبة – وخاصة للأطفال – وقد قيل قديماً : الرفيق قبل الطريق، فكم من صاحب نابغ أعان صاحبه على النبوغ، وكم من صاحب فاسد أفسد صاحبه وجره إلى الهلاك .
والاصل الرابع من أصـــــول الاســــــلام هو فقة المعاملات:
والمراد بها التشريعات والاحكام التي أنزلها الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله ليقيم بها الحق والعدل بين الناس، ويتضمن جملة من الأحكام الشرعية العملية التي تنظم علاقة المكلف بغيره، وقد قسمها العلماء إلى:
احكام البيوع: وتشمل أنواع البيوع الصحيحة، والباطلة، والربا، وغيرها مثل: الشراكة، والمرابحة، والمضاربة، والقرض، والرهن، والتبرعات مثل: الهبة، والوقف،
والأحوال الشخصية مثل: الوكالة، والكفالة، والحوالة، والجعالة، والأمانات مثل: الوديعة، واللقطة.
احكام النكاح: وتشمل المهر والطلاق والخلع، والنفقات، والرضاع، والحضانة، وغير ذلك من الأحكام التي تتعلق بالأسرة،
احكام الجنايات: وتضمن الأحكام الجنائية مثل: القتل، والقصاص، والدية، وغير ذلك.
احكام الحدود: وتضمن الاحكام الشرعية مثل: حد الزنا، وقذف المحصنات، وحد السرقة، والخمر، والحرابة، والردة، والبغي، والتعزير.
ويدخل فيها تحريم الربا والخمر والميسر وأكل لحم الخنزير، ولبس الذهب والحرير للرجال
كما يتضمن فقة المعاملات أبواب أخرى منها العلاقات بين الحاكم والمحكوم، والعلاقات الدولية، والأحكام الاقتصادية، والعقود، وغيرها من المواضيع والأحكام الفرعية المتعددة. وعموما فإن فقة المعاملات يصلح له الاستحسان والعرف فكل زمن ومكان له عرفه ومصلحته ولا يجوز استنساخ عرف زمان أو مصلحته لزمان آخر ومكان آخر
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن قواعد العقائد في الاسلام فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] الحديث عن العرباض بن سارية، أخرجه أحمد، وابن حبان باختلاف يسير [2] سورة المائدة الاية 3.
[3] سورة الانبياء الاية 21. [4] الحديث عن عبدالله بن عمر – المصدر : صحيح البخاري
[5] راوي الحديث أبو هريرة في صحيح البخاري ومسلم. [6] صحيح مسلم: من حديث عمر بن الخطاب
[7] الحديث عن ابو هريرة – أخرجة البخاري [8] سورة الحجرات الاية 13. [9] الحديث عن جابر بن عبدالله أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء).