العمارة المصرية القديمة -ج1: على مر العصور ومنذ بداية وجود الإنسان على الأرض كانت بداية أول ظهور للعمارة تتمثل في البحث عن المسكن المناسب لتحقيق الحماية من العوامل الخارجية، وتتميز العمارة المصرية القديمة بالنسب الجمالية وضخامة المباني بالإضافة لتميزها بقوة البناء الانشائي مما جعلها تصمد لالاف السنين، إنبثقت الهندسة المعمارية في مصر القديمة من خاصية ذات أهمية كبير وهي الخلود بعد الموت لأن المصري القديم كان يؤمن بالبعث والعودة بعد الموت، فأهتم المصريون القدماء بالعمارة الجنائزية ببناء المقابر والمعابد الجنائزية على مر العصور الفرعونية. وبسبب قلة الأخشاب، كانت مواد البناء المستخدمة في مصر القديمة الطوب اللبن والحجر الجيري أو الرملي والجرانيت.
فبنوا القبور العادية المخصصه لطبقة عامة الشعب، وبنوا المصاطب التي كانت مقابر للفراعنة ثم تحولت لطبقة الاعيان وكبار رجال الدولة والمجتمع، واصبحت الاهرامات مقابر للفراعنة، حيث قام المعماري ايمحتب باستخدام الحجر لاول مره في بناء هرم سقارة المدرج ضمن مجموعة مباني زوسر، ووصل قدماء المصريين إلى مستويات عالية لا مثيل لها في التصميم المعماري وهندسة البناء، فهم من علموا الإنسانية كيفية تصميم وتشييد المباني، وأرسوا بذلك الأسُس الحضارية للإنسان، ويمكن تُصنيف العمارة المصرية في العناصر التالية:
أ- العمارة الجنائــــــــزية ب- المعابد الدينيـــــــــــــــــــــــــة
ج- أنواع الاعمــــــــــــــدة د- تخطيط المدن في العمارة المصرية القديمة:
أ. العمارة الجنائزية: تشتهر العمارة المصرية القديمة بالعمارة الجنائزية بأنواعها ممثلة في المصاطب والاهرامات والمقابر المنحوتة، وتعتبر مجموعة زوسر بمنطقة سقارة من أقدم الاثار حيث يرجع للاسرة الثالثة، وأهرامات الجيزة الثلاث كما سبق أن بينا في مقالة عصر بناة الاهرام.
ب. المعابد الدينيـــة: لم ترتبط العمارة المصرية القديمة بالنواحي الدنيوية فقط، انما تجاوزتها لتمهـــــــــــد لحياة ما بعد الموت والتي كان الفراعنة يعتقدون بها، لذا فقد قاموا بتصميم المعابد الدينية الضخمة، كمعبد الكرنك وغيره بمقاييس هائلة بحيث تشعر عامة الناس بالضآلة والرهبة امام هذه المباني الدينية، ونقشوا على جدرانها قصصهم ومعتقداتهم الدينية، وكان للكهنة فيها سيطرة وحظوة.
يعتمد تشكيل الفراغات الداخلية على:
الاشكل الهندسية الأولية: كالمربع، المستطيل، الدائرة. – التماثل المحوري: على مستوى المخططات والواجهات. – التـــــدرج: من الفراغ المفتوح، الى شبه المفتوح والمغلق. – وتنقسم المعابد الى قسمين:
أولا: المعابد العاديـــــة مثل: مجمع معابد آمون بالكرنك:
يعد مجمع معابد آمون بالكرنك اكبر دار عبادة في العالم شيدها المصري القديم، ويقع المعبد على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتحديدا في مدينة الأقصر على مساحة كبيرة، ويعتبر معبد أمون رع مجمعا دينيا متكاملا يضم مجموعة كبيرة من المعابد، بدأت في عهد الملك “سنوسرت الأول” في الدولة الوسطي، واستمـــــرت الإضافات حتى العهد البطلمي، وخلال تلك الفترة الطويــــــــــــلة التي شهدت حكم 30 فرعونا ساهموا في توسعاته، حتى وصلت مساحته إلى 30 هكتارا، وكان كل ملك من الملوك المتعاقبين يحاول جعل معبده الأكثر روعــــــــــــة في تصميمه ليتميز به عن سلفه، لذلك تحولت معابد الكرنك إلى تشكيلة فنية بديعة في هندستة المعماريه.
الاسس التصميمية لمجمع معابد أمون: لا شك أن عمارة معابد الحضارة المصرية القديمة تقدم لنا دروسا في كيفية التعامل مع الفضاءات التعبدية، وتتشابه مخططات المعابد في تخطيطها وتفاصيلها وتتكون في العادة من:
طريق الكبــــــاش: الطريق الذي يُؤدي إلى المعبد: تصطف على جانبي الطريق المؤدي للمعبد تماثيل رأسها رأس كبش وجسمها جسم أسد، وفي كل صف هناك 20 تمثال تمثل الإله آمون رع، ويعرف بطريق الكباش، وهو بطول 52 متراً، وعرضه 12 متراً. والتماثيل صممت بمقياس لا يجعلها تحجب منظر المعبد المهيب هو يزين الأفق، و يظهر تمثال ضخم يمثل رأس الفرعون أمينوفس الثالث. بينما جسده جسد أسد. ويمر الطريق بمدينة طيبة، وفيه كانت تقام الاحتفالات الضخمة، حيث يسير موكب الحشد لمسافة طويلة في طريق الاسود او الكباش في طقس احتفالي مهيب تملاء اجوائه التواشيح والترانيم.
البوابة الرئيسية والجدران الخارجية للمعبد: مدخل المعبد عبارة عن بوابة ضخمة مُقامة بين برجين عاليين تشبه “الصرح” وتكون بزاوية ميل تساوي 75 درجة. وتكون الجدران الخارجية مصمتة تتخللها البوابات والفتحات العلوية الصغيرة.
المسلتــــــين: تنتصب المسلتان على جانبي نقطة نهاية طريق الاسود او الكباش، ويحتشد سطح المسلتين برسومات تمجد الاله. تعملان بطريقة غير مباشرة لتوجيههم نحو مدخل المعبد الذي يتوسط واجهتـــــــــــه. ولهما تأثير على حشود الحجيج حيث تعزز من عملية الشحن الروحاني لكيلا ينفرط عقدهم. وتعبر المسلتين على عبقرية معماريي تلك الحضارة في المعالجات الفضائية التي تعمل بطريقة ايحائية ذكية. انتصابهما هنا في شموخ يكاد يشق عنان السمــــــــاء هو خير مؤشر لمدخل المعبد الذي يبعد عنه بعدة أمتار. يلمحهما الناظر من مسافة بعيدة جدا لكأنهما تدعوان الهائـــــــــــــــم في الصحراء لزيارة هذا المكان. والرسومات التي تغطي اسطحهما ترفعان من درجة الاحساس الروحي فتهئان زائر المعبد بشكل جيد لما هو مقبل عليه.
الصحن السماوي: تتصل بوابة المدخل بفناء الاعمدة، تلك الساحة المفتوحة للسماء ولكنها محاطة برواقات، فيدخل المتعبد وهو قادم من أطراف صحراء بلا حدود كان ملتحفا فيها بالسماء لمكان محاط من كل الجوانب ومعروش جزئيا. تلك المتغيرات المتدرجة ترفع من درجة تركيزه وهو يبدا طقوسه العبادية، ثم ينتقل بعد ذلك ليدخل للمكون التالي.
بهو الاعمدة: بهو الاعمدة الشاهقة التي تكاد ان تمسك بخناق المكان ومن فيه، حيث يضيق به المكان وترتفع ارضيته وينخفض سقفه. وتعتبر صاله الاعمدة الكبري أكبر صالة حجرية فى العالم، تقع على مساحة ٦ آلاف متر مربع حيث أضاف له سيتى الأول وابنه رمسيس الثاني عددا هائلا من الأعمدة حتى بلغ عددها ١٣٤ عمودا.
قدس الاقداس: ترتقي بضع درجات لتصل إلى واحد من اهم وأقدس المكونات الذي يشير اسمه لعظمة مكانته وهو قدس الاقداس. حيث يضيق المكان هنا إذا ما قارناه ببهو الاعمدة وينخفض مستوي العرش.
البحيرة المقدسة: تعد البحيرة المقدسة بمعبد الكرنك سر من أسرار الحياة الفرعونية القديمة، وما زال لغز هذه البحيرة، أحد عجائب معبد الكرنك، ويبلغ طول البحيرة 80 مترًا، وعرضها حوالي 40 مترًا. بداخلها مياه ثابتة من أكثر من 3000 سنة، ويتم تغذيه البحيرة بالمياه عن طريق قناة تصل البحيرة بمياه النيل” ولم تجف البحيرة أبداً. وهذه واحدة من أهم براهين إثبات عبقرية المهندس المصري القديم، منسوب مياهها ثابت لا تجف رغم عوامل الفقد والتسرب والتبخر، ولا طحالب أو أعشاب فيها، ولا تصدر منها الروائح الكريهة. كما هو معروف في البرك والمياه الراكدة.
يوجد على جانبى البحيرة الشمالى والجنوبى مقياس لنهر النيل، لتحديد مواعيد الفيضان كل عام، وتقع البحيرة خارج البهو الرئيس لمعبد الكرنك، وتحيط به من جهاته الثلاث الشرقية، والجنوبية، والغربية، وهناك يوجد تمثال كبير (لجعران) من عهد الملك أمنحتب الثالث. والبحيرة المقدسة تعادل عظمتها أهرامات الجيزة.
وبحسب المصادر التاريخية يرجع تاريخ البحيرة إلى عهد الملك تحتمس الثالث سادس الفراعنة من الأســـــــــرة 18 التي حكمت مصر في عام 1481 – 1425 ق. م. وكانت الكهنة تغتسل وتطهر فيها قبل قبيل البدء، أو بعد الانتهاء من أداء أي مراسم دينية أو إحتفالات قومية. وكان الملك والكاهن الأكبر يغتسلان في مياهها قبل دخولهما إلى حجــــــــــــــــرة قدس الأقداس. – ونوضح فيما يلي مراحل بناء مجمع معابد الكرنك:
في مرحلة الدولة الوسطى: قام الملك سنوسرت الأول من الأسرة الـ 11 باتخاذ ارض مدينة الكرنك مكانا لبناء المعبد الكبير، الذي يحتوي على المصلى الأبيض ومحكمة الدولة الوسطى مستخدما في بنائه الحجر الجيري.
وفي مرحلة الدولة الحديثة: كان العصر الذهبي للكرنك، حيث اهتم ملوك الأسرة الـ 18 الحاكمة بتطوير معبد الكرنك من الداخل، خصوصا بعد دمج عبادة آمـــــون مع رع ليصبح في النهاية امون رع كإله حرب.
الصروح العشرة للكرنك:
الصرح الأول: وهو أحد المداخل الثمانية للمعبد، ويقع في الجهة الغربية، وهو المدخل الرئيس للمعبد، والأخير زمنياً، بناه الملك نختنبو أحد ملوك الأسرة الـ 30، آخر الأسر في التاريخ المصري القديم.
الصرح الثاني: شيده الملك حور محب، والملك رمسيس الثاني، وزوّد بإضافات في عهد يورجتيس الثاني (بطليموس السادس). وكان طوله 97م وارتفاعه 29م وسمكه 14م.
الصرح الثالث: وفي عهد الملك امنحوتب الثالث قام ببناء الصرح الثالث وصالة الاعمدة، وهو الآن مهدم
الصرح الرابع والخامس: قام الملك تحتمس الأول ببناء الصرح الرابع والخامس وعدد مسلتين من الجرانيت الأحمر وبناء صالة الأعمدة.
الصرح السادس: الملك تحتمس الثالث في الجهة الغربية، وهو أصغر هذه الصروح، ويضم مجموعة من أعمدة الغرانيت المنقوشة بزهرة اللوتس، التي كانت تنبت في الوجه البحري. وعلى الجهة المقابلة الجنوبية منقوش عليه نبات البردي، الذي كان ينبت في الوجه القبلي. وكل عمود منها يحتوي في ثناياه على منحوتات ونقوش باللغة الهيروغليفية.
الصرح السابع: ثم قام الملك تحتمس الثالث ببناء المقاصير وبناء سور ضخم من الطوب اللبن حول مسلات الفراعنة الخاصة بالملكة حتشسبوت في الجهة الجنوبية.
الصرح الثامن: قامت الملكة حتشسبوت أشهر ملكات مصر الفرعونية عبر التاريخ ببناء الصرح الثامن وبناء مسلتين يصل طولها ٢٩ مترا، وتشييد بعض المقاصير الصغيرة،
الصرح التاسع والعاشر: ثم في عهد الملك أخناتون الذي توجه بالعبادة لاتون قرص الشمس وقام ببناء معبد خاص به، ولكن الملك حور محب أمر بهدمه، وقام بأنشاء الصرح التاسع والعاشر. – هذا ويضم مجمع المعابد بالكرنك: معبد الإله خونسو، وعدة معابد اخرى.
معبد الإله خونسو في الكرنك:
يعود تاريـــــــــــــــــخ تأسيس معبد “خونسو” إلي الأسرة 20 الفرعونية، شيده الملك رمسيس الثالث وأكمله كل من “بانجم وحريحور” كاهني معبد “أمون”، وهو معبد “إله القمر”، وقد اكتسب الإله خونسو شهرة شعبية واسعة في كل أنحاء مصر بقدرته على طرد الأرواح الشريرة وشفاء من أصابهم الجنون والمس. والربط ما بين خونسو وقدرات الشفاء وعالم الأرواح يعود لمعتقدات قديمة ترى للقمر سلطة كبيرة على الأجساد سواء بالصحة أو المرض. يوجد “معبد خونسو” في الركـــــن الجنوبي الغربي من السور المركزي، ويتم الوصول إليه من بهو الأعمدة لمعبد آمـــــــون على طول ممر حجري يتألف من كتل المعبد المزخرفة، و يضم تمثال لـ”خونسو” على هيئة قرد، وجدرانه مزخرفة بمناظر لرمسيس الرابع، موضحاً أن دور العبادة على جانبي الهيكل عليها ألوان حفظت جيد في مشاهد تظهر الملك وغيره من الحاشية، كما يوجد وراء الهيكل غرفة صغيرة للإله “خونسو” لها 4 أعمدة ولكل عامود 16 جانب.
معبد مدينه هابو: يقع فيالبر الغربي لمدينة الأقصر، ويعتبر من أكبر المعابد التي خصصت لتخليد ذكرى الملوك في الدولة الحديثة، وأبعاد المعبد هي: ٣٢٠ متر في الطول من الشرق إلى الغرب و٢٠٠ متر في العرض من الشمال إلى الجنوب، والمعبد محصن وأغلب الظن انه شيد في النصف الثاني لحكم الملك رمسيس الثالث علي نمط القلاع السورية.
مدخل المعبد موجود فى الجهة الجنوبية الشرقية، وهو عبارة عن بوابة علي جانبيها حجرتان للحراسة ثم نصل إلى بوابة رمسيس الثالث، تمثل المناظر التي على الجدران الخارجية الملك رمسيس الثالث يقوم بضرب الاسرى الأسيويين علي يمين الداخل، والإله رع حور يقوم بضرب الأسرى الأسيويين أمام أمون_رع علي يسار الداخل، وبعد ترك البوابة نرى على اليمين المعبد الذى ينتمي للأسرة الثامنة عشرة و نرى على اليسار المقابر ذات المقاصير لأميرات عصر الأسرتين 25 و 26، ثم نصل الي فناء كبير نجد في نهايته الصرح الكبير الأول تزين واجهته الفجوات الأربع المخصصة لساريات الأعلام وهناك مدخل في الجانب الشمالي من الصرح يوصل الي سلم، يوصل بدورة الي أعلي الصرح ثم ندخل الي الفناء الأول وتختلف الواجهات الأربع لهذا الفناء الواحدة عن الاخرى الواجهة الشرقية يحتلها الصرح و ما عليها من مناظر الحرب ضد الليبيين، والناحية الشمالية يوجد صفة تعتمد علي سبعة اعمدة، الناحية الجنوبية نجد واجهة قصر رمسيس الثالث، اما اذا اتجهنا ناحية الغربية نجد الصرح الثاني يقوم مقام الحائط الخلفي للفناء.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي سنتحدث فيها عن العمارة المصرية القديمة -ج2 فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.