العمارة في بلاد الرافدين
العمارة في بلاد الرافدين: مرت الحضارة الانسانية بمراحل من التطور إلى أن تظهر وتشيع وتترك أثاراً يمكن للباحث تتبعها، وقد حدث هذا التطور في كل تاريخ بلاد الرافدين ووادي النيل وفي وقت واحد متقارب، ولكن بمميزات واختلافات متمايزة بين الحضارتين، فنلاحظ أن العمارة في بلاد الرافدين تتكون من المعابد والقصور في حين أنها في مصــــــر تتكون من المعابد والمقابر الملكية، وتكونت أقدم المجتمعات البشرية المتحضرة في بلاد الرافدين، في كل من ممالك المدن المستقلة عن بعضها البعض ومكتفية بذاتها في كل شيء، وليس لها علاقة بالمدن المجاورة لها ولا ارتباط سياسي بينهما، بينما في مصر القديمة تكون المجتمع المتحضر بشكل موحد وتحت سيطرة ملكية مطلقة.
تأثير المناخ والمواد المستعملة في البناء على فن العمارة في بلاد الرافدين:
خصائص الموقع الجغرافي: يقع اقليم وادي الرافدين ضمن ما يسمى بالهلال الخصيب، حباها الله بنهري دجلة والفرات، ويكثر سقوط الامطار في بلاد الرافدين، واعتمد السكان على ري القنوات.
مواد البناء: أدى توفر الطيــــن الذي يجلبه مجري نهري دجلة والفرات عند الفيضانات الموسمية، إلى إستخدام الطين في صناعة الطابوق (الاجر) وقد استخدموا مادة الاجر المحروق في البناء لان الاجر غير المحروق لا يصمد ولا يتحمل هطول الامطار وغطوة بطبقة من الطلاء الشفاف Glaze وخاصة في بناء القصور الضخمة، والبوابات المهيبة، والمعابد، والزقورات، والاسوار، وقد شكلت مادة الطين نوع العمارة في بلاد الرافدين.
الخشب والحجارة: أدى ندرة الخشب لجعل البنائين يستعيضون عنه باستخدام الاقبية البرميلية في التسقيف عن طريق استخدام نوعين من العقود هما: العقد الحقيقي العادي والعقد المتدرج من دون استخدام الخشب ولا الشدادات الخشبية.
تخطيط المدن السومرية: السومريون هم أول مجتمع يبني المدينة نفسها بشكل متقدم. وكانوا فخورين بهذا الإنجاز كما هو واضح في ملحمة جلجامش التي تُفتتح بوصف لأوروك (جدرانها وشوارعها وأسواقها ومعابدها وحدائقها)، ويعتمد تخطيط المدينة على:
مبدأ الفصل التام بين الجزء الخاص وهو “المعابد والقصر الملكي” والجزء العام وهو: القطاع السكني والمرافق التجارية والخدمية الأخرى.
ترتبط المدينة بالأراضي الزراعية بالقرى بشبكة من الطرق، وكانت شبكة الطرق مقسمة إلى: شوارع واسعة للمواكب، وشوارع عامة عبر الشوارع والأزقة.
تشييد القصور: شيدت الكثيرمن القصور في بلاد الرافدين في فترات مختلفة من التاريخ وخاصة في الحضارة الاشورية، وتدل بقايا هذه القصور على ضخامتها واتساعها، والقصر الاشوري كان يقسم إاى عدة أقسام مثل: قاعة الأستقبال الرئيسية، الجناح الملكي وكان ملاصق لقاعة العرش، واجنحة خاصة بشؤون الحكم، وأخرى خاصة بالرجال، وثالثة خاصة بالنساء، كما يحتوي القصر على قسم خاص بالخدمات والمطابخ، وهنالك نوعان اساسيان من القصور هما: القصور الملكية، القصور الثانوية وهي قصور لسكن ولي العهد او كبار مسؤلي البلاط.
العمارة الآشورية: نشأت الحضارة الاشورية في شمال العراق بالقرب من ضفاف نهر دجلة، ونسبت إلى عاصمتها مدينة آشور، وينقسم تاريخ آشور إلى ثلاث فترات هي:
الفترة الآشورية المبـــــــــــكرة (2,600-2,025 قبل الميلاد).
الإمبراطورية الآشورية الوسطى (1,392-934 قبل الميلاد).
الإمبراطورية الآشورية الحديثـــة (934–609 قبل الميلاد).
نافست الإمبراطورية الآشورية الحديثة كل من بابل وأورارتو وعيلام ومصر القديمة على زعامة العالم القديم، وكانت الأمة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط في ذلك الزمان، إلا أن الإمبراطورية البابلية والتي أنشأها الملك الشهير حمورابي لم تكن تحت سيطرتهم، وكان كل ملك جديد في تاريخ الإمبراطورية الآشورية يحاول بناء قصور أكثر وأكبر وأحدث من سابقيه، كنوعٍ من استعراض القوة وإثبات قيمة الملك.
القصر الآشوري: لم يكن مسكنا للملك وأسرته فحسب، بل كان يشكّل المركز الاقتصادي والإداري للمجتمع عامة، فكان مكانا واسعا يضم المؤسسات الاقتصادية والإدارية التي تنظم شؤون البلاد، وكانت واردات ميزانية الدولة وصادراتها تعد وتعتبر أموال للقصر الملكي، ويعد الحاكم بصفته ملك بلاد آشور مسئولا عن ميزانية القصر، ومن أفضل الأمثلة على العمارة الاشورية:
قصر الملك سارجون في خورسباد: مبنى ضخم يتميز بموقعه وأسلوب عمارته وزخرفته، وتم بناء القصر في سبع سنوات، وبلغت المساحة التي شيد عليها القصر 25 فدانا، والقصر محاط بسور عال به 3 بوابات ذات عقود مستديرة، تعلوه أبراج شامخة للحراسة، وبه أكثر من 200 قاعة و30 فناء، منها فناء المدخل وهو خاص بالحرس، وفناء الشرف خاص بالزوار الذين يسمح لهم بمقابلة الملك، وفناء الإدارة ويتصل بالفناء الرئيسي ويضم الموظفين، وفناء يطل على المعابد وفي شمالها نجد الزاقورة وهي عبارة عن عدد من الأدوار حولها منحدر لولبي، وفوقها توجد قاعة قدس الاقداس.
الحضارة البابلية: الفترة البابلية هي آخر العهود الزاهرة وتنقسم لفترتين هما:
الإمبراطورية البابلية الأولى: من (1,894 – 1,595 ق.م.) أصبحت دولة بابل الدولة الأقوى في بلاد الرافدين، في عهد ملكها السادس الملك حمورابي الذي أقام إمبراطورية ضخمة بعد إنتصاره على كل الممالك من حوله، وازدهرت في عهدة مدينة بابل.
الإمبراطورية البابلية الثانية (العصر الكلدي): من (626-539 ق.م.) ومن أشهر ملوكها الملك نبوخذ نصر الثاني أو بختنصر: فترة حكمة من (605-562 ق.م.)، واشتهر البابليون بهندستهم المعمارية لا سيما في في عهد الملك نبوخذ نصر:
إضافة لأعمال نبوخذ نصر الحربية والتي لا تقل شئناً عن أسلافه ملوك بلاد الرافدين من الأكديين والآشوريين، فكان له أيضا عدة أعمال عمرانية منها أعاد نبوخذ نصر بناء المدينة القديمة، بما في ذلك جدرانها وبواباتها السبعة، وتشييد عدد كبير من المعابد الفخمة في بابل، وإقامة شارع الموكب، وأيضاً:
بوابة عشتار: البوابة الرئيسية لمدينة بابل، مدخل العجائب، ورمز العمارة الاستعراضية، وكانت تبعث الشعور بالهيبة في نفوس كل من يراها، رمز عظمة الملك نبوخذنصر، كانت كلها من الطوب المزجج باللون الأزرق(اللازورد)، مما يجعل واجهتها متألقة مثل الجواهر، مزينة بالثيران المجنحة لان الثور يمثل الاله “مردوك”، وكانت بوابة للقصر الذي يضم الحدائق المعلقة.
قصر الملك نبوخذ نصر بمدينة بابل: القصر مغلق من الخارج ومفتوح على أفنية داخلية، به عدد كبير من القاعات يجاوز ال 200 قاعة، منهم 5 قاعات كبيرة وقاعة العرش، ومحاط بسور خارجي محصن وهو يجاور بوابة عشتار وبجانبها طريق المواكب، وفي الشمال حدائق بابل المعلقة.
حدائق بابل المعلقة: كانت مجموعة من المدرجات الصخرية الوحدة تلو الأخرى، وبلغ ارتفاعها عن الأرض أكثر من 90 مترا، حيث ذكر المؤرخ الكلداني بيروسوس بأن هذه الجنائن كانت هدية الملك نبوخذ نصر لزوجتة، الميدية أميديا ابنة الملك سياخريس الذي تحالف معه نبوبولاسر، وأعدها المؤرخ والرحالة الاغريقي هيرودوت ضمن عجائب الدنيا السبع القديمة، ويقول هيرودوت إن سر روعتها يكمن في سر نظام السقي حيث قام بدعمها بالمياه عبر أنابيب تمكن من إصعاد المياه إلى الأعلى وهذا يكشف ان البابليين كانوا يعرفون نظرية أرخميدس، وقد زرعت الأشجار والنباتات والزهور في طبقة كثيفة من التربة على كل مدرج من المدرجات الصخرية بالوان زاهية، وظهر عنصر الشرفات الذي نقل للعمارة الإسلامية فيما بعد.
معابد الزقورات وبرج بابل: الزقورة: عبارة عن كتلة ضخمةعلى شكل طبقات متدرجة، تغلف واجهاتها بالحجر او الاجر، بتشكيل هندسي متميز، وجاءت زقورة بابل بسبعة طوابق لتعبر عن سباعية الكون، أي أن كل طابق يعبر عن كوكب من الكواكب، والمعبد كان في القمة، ونرى على اليمين معبد إيساجيل.
“بوابة عشتار – برج بابل – حدائق بابل المعلقة”