حضارات وادي السند والهند
حضارات وادي السند والهند:
في المقال السابق تحدثنا عن حضارات الامريكتين القديمة، واليوم نتحدث عن حضارات وادي السند والهند، وازدهرت هذه الحضارة في المناطق الممتدة من شمال شرق أفغانستان إلى باكستان وشمال غرب الهند. جنبًا إلى جنب مع حضارة مصر القديمة وحضارة ما بين النهرين، وهي واحدة من أقدم وأوسع الحضارات التي وجدت في العصر القديم، غطت مساحةً قدرها 1.25 مليون كيلو متر مربع، من شمال شرق افغانستان، مروراً بمساحة كبيرة من باكستان، وحتى غرب وشمال الهند، بينما مساحة المدن السومرية كلها كانت حوالي 65،000 كيلو متر مربع فقط، والحضارة المصرية القديمة كانت على مساحة حوالي 200،000 كيلو متر مربع.
واستقرت شعوب بأكملها في جميع أنحاء أحواض نهر السند الذي يعد أحد الأنهار الأساسية في آسيا وأحد الأنهار المهمة آنذاك سمي “غاغار هاكرا – Ghaggar-Hakra” والذي استعمل للعبور بين شمال شرق الهند وشرق باكستان. ومن الحضارات المعروفة التي نشأت هناك حضارة “موهينجو دارو- وحضارة هـــــارابا- “باكستان الان” والتي سميت حسب مواقع الحفر حيث وجدت آثار هاتان الحضارتان، ووصل عدد السكان خلال فترات ازدهارها ما يزيد على المليون شخص.
لم يكن هناك سيطرة لرجال الدين، أو للملوك والامراء بحيث يوجهوا ثروات الناس لبناء المعابد، لذلك لم تبنى المعابد الضخمة، ولكن أهله هذه الحضارة عبدوا ألهة ترمز للخصوبة، وكانوا يدفنون موتاهم في توابيت خشبية مع أنية من الفخار، وكانت أغلب الثروات توجه للصرف على الطرق والابنية وتحسين حياة الناس، لذلك كانت مدنهم من أفضل مدن العالم في التاريخ القديم.
حضارة هـــــارابا: نشأت في منتصف الالفية الثالثة قبل الميلاد من عام 2,500 ق.م. وحتى عام 1,800 ق.م.، عمل أهلها بالزراعة والرعي والتجارة كغيرها من الحضارات القديمة، وبمرور الوقت تطورت هذه الحضارة وبلغت مرحلة الذروة في تطورها الثقافي والحضاري كذلك التكنولوجي مما جعلها مركز الحضارة الأولى في المنطقة، وأحرز شعب هذه الحضارة تقدمًا واسعًا، واشتهرت المدن بتخطيطها الحضري، وبنيت البيوت بالطوب الاجوري، وكان اغلب البيوت مكون من طابقين، وكان كل منزل موصول بنظام صرف صحي متقن يمتد ليشمل المدينة كلها، وظهرت شبكات إمداد المياه للمنازل من بئر عامة مجاورة، وظهرت مباني اخرى استخدمت لتخزين الحبوب، واستخدموا المراكب النهرية والمركبات ذات العجلات التي تجرها الثيران، كوسائل للنقل، وتاجروا مع حضارات أخرى وسط أسيا وبلاد ما بين النهرين، وكانوا يحضرون خشب الارز من الهيمالايا، والنحاس والذهب والرصاص، واللولوء والاحجار الكريمة والخرز والصدف من الهند.
وبناءًا على القطع الأثرية التي وُجدت أثناء الحفريات فقد بدا واضحًا أن الثقافة غنية لحد ما بالفنون والحرف اليدوية مثل منتجات العقيق الاحمر، ونحت الاختام، كما استخدموا النحاس والبرونز لصناعة الالات والجرار والمرايا، واستخدموا الصدف والعاج، والذهب والفضة لصناعة الحلي وتطعيم الاثاث، وحسبوا الوقت والطول والكتلة بدقةٍ عاليةٍ جدًا.
إندثار حضارة وادي السند: وهناك عدة نظريات توضح اسباب نهاية تلك الحضارة منها: ربما يكون بسبب هجوم الاريون حضارة الهارابا ما بين عام 1800 – 1500 ق.م. فمات معظمهم أثناء الدفاع عن المدينة، نظرية أخرى ذهبت لوقوع كارثة طبيعية مثل تغير المناخ الذي قلل سقوط الامطار فأدى لإلى جفاف نهر ساراسواتي، وإما أن فيضاناً هائلاً قد ضرب المنطقة، أو قد يكون بسبب الزلازل أو تفشي أمراض مثل الملاريا أو الكوليرا قد تكون لعبت دور في ذلك، مما أجبر السكان على الهجرة من وادي السند إلى جنوب شرق أسيا لينشؤا قرى صغيرة أخرى ومزارع معزولة حول التلال السفحية لجبال الهيمالايا، لكنهم لم يتمكنوا من البقاء حتى في ذلك الموضع الجديد على المدى الطويل، حيث جفت الامطار هناك أيضاً وانتهت حضارة السند.
محمد بن القاسم الثقفي وفتح بلاد السند: في عهد الدولة الاموية وأثناء خلافة الوليد بن عبد الملك، استولى قراصنة السند من الديبل بعلم من ملكهم «داهر» في عام 90 هـ على 18 سفينة للمسلمين بكل ما فيها من الهدايا والبحارة والنساء المسلمات، فصرخت مسلمة «واحجاجاه»، وطار الخبر للحجاج باستغاثتها فجهز جيشاً بقيادة محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وأمده بكل ما يحتاج إليه في ميادين القتال من عتاد، وتحرك مسلمة بجيشه المكون من 20 ألف مقاتل، فاجتاز الجيش حدود إيران عام 90هـ إلى الهند، وبرزت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق، ورفع الرايات، والأعلام، ونصب المجانيق.
معركة الراور: ثم اتجه مسلمة نحو بلاد السند، وقام بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل «كراتشي حاليا»، فخندق الجيش بخيوله، وأعلامه، واستعد لمقاتلة جيش السند المكون من 50 ألف مقاتل، بقيادة الملك «راجا داهر» حاكم الإقليم، في معركة مصيرية عام 92هـ، وانتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين، فأرسل محمد بن القاسم الغنائم إلى الحجاج، وكانت ضعف ما أنفقه فقال الحجاج: (شفينا غيظنا، وأدركنا ثأرنا، وازددنا (60) ألف ألف درهم ورأس داهر.
فتح مدينة الكيرج (مومباي حالياً): تابع محمد بن القاسم تقدمه في بلاد السند، وخضعت له مدنها، ولم يبقَ أمامه إلا قوة الملك “دوهر” ملك الكيرج، مات الحجاج بن يوسف الثقفي في عام (95هـ) أثناء معركة الكيرج، واستطاع فيها المسلمون بقيادة محمد بن القاسم الانتصار وقتل ملك الكيرج “دوهر”، وواصل محمد بن القاسم الثقفي فتوحاته ونجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته عام 96هـ عند الملتان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حالياً).
ميدان ريجستان، سمرقند، أوزبكستان:
كان ميدان ريجستان هو قلب سمرقند النابض، كان ريجستان هو الميدان العام للمدينة حيث يجتمع الناس لسماع الإعلانات الملكية وأيضاً لمشاهدة الإحتفالات العامة والإعدام العام.
ثم تم بناء ثلاث مدارس تحيط بالميدان، وقد تم بناء هذه المدارس على الطراز المعماري الإسلامي المتميز. والثلاث مدارس هي مدرسة أولوغ بيك ومدرسة شيردار ومدرسة تيلا قاري، وقد تم بنائها في الميدان بهذا الترتيب.
وقد كاد الميدان أن يتهدم بسبب العديد من العوامل المختلفة، ولكن أعوام من أعمال الترميم قد أعادت له رونقه. ويستضيف ميدان ريجستان الآن العديد من الإحتفالات والمناسبات.
قلعة أغرا الحمراء، بالهند:
قام الإمبراطور أكبر بتشييد القلعة الأساسية في القرن السادس عشر، وتحديداً عام 1565، وتقف إلى الآن شاهداً على جمال الفن المعماري الإسلامي الهندي والفن التيموري.
ثم قام شاه جهان بإضافة عدة مباني إلى القلعة في زمن لاحق، وكذلك قام ببناء تاج محل وحدائقه الغناء بجوار القلعة. وتحتوي القلعة على عدة قصور رائعة الجمال، مثل قصر جهانجير وقصر خاس محل اللذان قام ببنائهما شاه جهان. وتم بناء العديد من المباني في هذا الأثر المغولي من الرخام الطبيعي المنحوت بدقة.
تحتفظ قلعة أغرا الحمراء برونقها، حيث تشعر بها وكأنك توشك أن ترى حياة الرفاهية الخاصة بسكانها تدور من حولك. ويدل ذلك على دقة التصميم والبناء. وهي أحد مواقع التراث العالمي الخاصة باليونسكو.