خلق السماوات السبع وانضباط حركة الكون

خلق السماوات السبع وانضباط حركة الكون: تحدثنا في المقال السابق عن خلق الارضين السبع وتثبيت الارض بالجبال واليوم بإذن الله نتحدث عن خلق السماوات السبع وانضباط حركة الكون: يقول الحق تبارك وتعالى: {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}[1]، وقال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[2] {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}[3]، ولقد أثبت علماء العصر الحديث بأن السَّماء عبارة عن طبقات بعضها فوق بعض وحدد عددها بالسبع.

أراء المفسرين: أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا، وقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: (إن أول ما خلق الله عز وجل من شيء ” القلم ” فقال له: اكتب. فقال: يا رب، وما أكتب؟ قال: اكتب القدر. فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة. قال: ثم خلق النون فدحا الأرض عليها، فارتفع بخار الماء ففتق منه السماوات، واضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإن الجبال تفخر على الأرض إلى يوم القيامة.)

التفسير والاعجاز العلمي: خلق الله الكون من كتلة ابتدائية واحدة ليدلنا على أن الخالق واحد! ثم انفلقت وتفتق عنها الذرات وتشكل الدخان الكوني الذي تكثَّف فيما بعد وشكل السماء والأرض بأمر من الله تعالى، وخلق الله في البدء سماء واحدة وارض واحدة، وخلقهما معاً في لحظة واحدة، ولكن شاءت إرادة الله أن يمايز الأرض الأولى إلى سبع أرضين قبل أن يمايز السماء الأولى إلى سبع طبقات، ولقد صنَّف العلماء طبقات الغلاف الجوي التي تحيط بسمائنا الدنيا (السماء الاولى) إلى ست طبقات رئيسية تتداخل في بعضها مما يجعل الفصل بينها غير ممكن تقريبا، وهذا التقسيم للغلاف الجوي هو بغرض قابليتها للدراسة. وذلك مثل تصنيف العلوم، فقد تجدها في زمن متقدم أكثر أو أقل، و نبين فيما يلي طبقات الغلاف الجوي:

  1. طبقة التروبوسفير: Troposphere تٌعتبر أول طبقات الغلاف الجوي وتمتد من سطح الارض إلى ارتفاع 10 كيلومتر، وهي الطبقة التي تحدث فيها معظم التغيرات الجوية التي نلمسها يوميا. وتعيش في هذه الطبقة كل الكائنات الحية، كما أن أغلب السحب تكون في هذه الطبقة من الغلاف الجوي لوجود حوالي 99% من الماء المتواجد في الغلاف الجوي يكون في هذه الطبقة، وتقل فيها درجات الحرارة مع زيادة الارتفاع.

2. طبقة الستراتوسفير: Stratosphere الطبقة الثانية من طبقات الغلاف الجوي وتمتد لغاية 50 كيلومتر فوق طبقة التروبوسفير، وتحتوي هذه الطبقة على ما يُسمى بطبقة الاوزون التي تقوم بامتصاص الاشعة فوق البنفسجية من أشعة الشمس، ذات الطاقة العالية وتحولها إلى حرارة، فتحمي سطح الأرض من أخطار الأشعة فوق البنفسجية.

3. طبقة الميزوسفير: Mesosphere ثالث طبقات الجو، ويصل بُعدها عن الأرض إلى 80 كيلومتر عن سطح البحر، أي أن سُمكها حوالي 20كم فوق طبقة الستراتوسفير، هي أبرد طبقة في الغلاف الجوي حيث يُمكن أن تصل درجة الحرارة إلى -100°م، كما تمتاز تلك الطبقة باحتراق الملايين من الشهب والنيازك بها وحماية الحياة على الأرض.

4. الثيرموسفير Thermosphere الطبقة الرابعة من الغلاف الجوي ويكون الهواء رقيقا في هذه الطبقة، كما تقع محطة الفضاء الدولية في هذه الطبقة.

ثم يعتبر العلماء أخر طبقتين منطبقات الغلاف الجوي من ضمن الفضاء الخارجي وهي:

5. الاينوسفير: Ionosphere والتي يصل ارتفاعها 190 كيلومتر فوق سطح الأرض، وتمتاز تلك الطبقات بخصائص تختلف عن خصائص طبقات الغلاف الجوي التي تعرف بسماء الأرض، بحيث تمتلك خصائص إشعاعية وأيونية وانعدام للجاذبية الأرضية.

6. الإكزوسفير: Exosphere (الطبقة الأخيرة الخارجية) من الغلاف الجوي.


هل طبقات الغلاف الجوي السبعة هي نفسها السماوات السبع التي حدثنا عنها القرآن الكريم؟

السماوات السبع ليست هي نفس طبقات الغلاف الجوي السبع فهناك سبع سماوات وهناك أيضا سبع طبقات مثلها في الغلاف الجوي، فطبقات الغلاف الجوي السبعة، ومجموعتنا الشمسية، وكل المجرات تقع في السماء الدنيا، أما السماء الثانية والثالثة والرابعة… حتى السابعة فلم نتمكن من رؤيتها بعد، ولكن قد يكشف الله للعلماء أسرار هذه السموات في المستقبل، وتلك السماوات متعلقة بالعوالم والأكوان العلوية الغير مرئية لنا والتي تناسب مخلوقات كعالم الملائكة والجان والموتى والجنة والنار، وكل سماء منها عالم مستقل له نظامه الخاص ومجال رؤية وطبيعة فيزيائية مختلفة تماما عن السماء الدنيا، وكل تلك البيئات المستقلة عن سماءنا الدنيا والتي تعلوها تفوقاً ونظاماً، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[1]، فالسماء الأولى بأرضها وفضاءها ومجراتها وكواكبها واجرامها ونظامها الفيزيائي وقوانين الجاذبية والمادة والعناصر الكيميائية وكل تلك المنظومة سماء مستقلة ضمن السماوات السبع الأخرى التي لكل سماء منها منظومتها الخاصة بها.

إنضباط حركة الكــــــــــــــــــــــــون:

قال تعالى: {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[4]،

تعريف سَبَحَ في اللغة: سَبَحَ: يَسبَح، سِباحَةً وسَبْحًا، فهو سابِح، ويسبحون أي: يدورون، أو يجرون في السّماء

أراء المفسرين: بيان لدقة نظامه – سبحانه – فى كونه، وأن هذا الكون الهائل يسير بترتيب فى أسمى درجات الدقة، وحسن التنظيم، قال البغوي: لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه، ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه، فهما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته، وقال عكرمة: يعنى أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغى للشمس أن تطلع بالليل، وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك، أن الشمس والقمر، كلهم يسبحون، أي: يدورون في فلك السماء.

التفسير والاعجاز العلمي: كل شيء في هذا الكون يتم بانضباط كامل ومقدر، ولقد تأكد العلماء وبعد قرون طويله أن كل ما في الكون هو في حركة دائمة سواء كانت حركة إنتقالية أو حركة دورانية حول محور أو مركز من مراكز الجذب، وأقرب مثال للحركة الدائمة في الكون هو المجموعة الشمسية التي تدور فيها النيازك والمذنبات والكواكب والكويكبات حول الشمس في مدارات شبه دائرية «بيضاوية» تتفاوت طولا كما تدور «التوابع» أو الاقمار حول نفسها.

كما أن الشمس والقمر والأرض يدورون في فلك السماء، وهذا ما بينه القرآن مفصلا وتفصيلا دقيقا في كلمات قليلة لا تتجاوز ثلاثة آيات على حين أن العلم ظل إلى عهد قريب يتحسس طريقه بالإفتراض أن الشمس ثابتة في مكانها بعد أن اقام الحجة على أن الارض تدور حول نفسها محدثة في حركتها هذه الليل والنهار، ولا يختل هذا الدوران مهمـا تعاقبت السنين والقرون، فزمن الدورة 24 سـاعة، ولا يأتي ليلين أو نهـارين متعاقبين، بل ليل يعقبه نهـار، ويكوّنان معاً اليوم من 24 سـاعة في ثبات تام يعجز عن تخيل أسبابه العقل البشري.

والأرض يصاحبهـا قمرهـا- تدور دورة كاملة كل سـنة أو كل 365 يومـاً وربع اليوم حول الشمس، لا يتبدّل أو يتغير زمن هذه الدورة على مدى القرون والدهور. وكذلك الشمس -ومعها منظومـتها الشمسية كلهـا بمـا فيهـا الأرض والكواكب الأخرى- تدور حول مركز المجرة مرة كل 200 مليون سنة، ومجرتنا التي تمثل المجموعة الشمسية إحدى أفرادهـا، لهـا أيضـاً دورتهـا حول نفسهـا وحول مركز الكون الذي لا يعرف سـره سوى الخـالق.

بالرغم من أن الأرض من توابع الشمس تدور حولهـا وحجم الشمس يزيد آلاف المرات عن حجم الأرض، ومع ذلك لا تطغى الشمس على القمر، هذا التابع الضئيل للأرض الصغيرة والتابعة لهـا، فلا تحوّله إليها أو تدركه بقوّتها وحجمها ووزنهـا، وجذبهـا الجبار الذي يتضاءل أمامه جذب الأرض، ليس هناك سبب ألا يحدث هذا إلا أن يكون هناك التزاماً من الشمس والقمـر بالسير والسباحة في أفلاك ثـابتة لا حيود عنهـا.

والآن، مـن يحفظ هذا الثبات والاستقرار في دورات الشمس والقمر ودورات الليل والنهـار وكل الدورات الأخرى؟ لا تعليل لهذا إلا أن كل هذه السباحة لكل كوكب أو نجم ما هي إلا نوع من أنواع التـســابيح، يسبح بهـا هذا الكون لخـالقه. إنــه تسبيح دائم ومستمـر لكل مـا في هذا الكون لله عز وجل.


المراجع:


[1] ) البقرة: 29)

[2] ) فصلت: 11 – 12)

[3] ) الملك: 3)

[4] )يس: 40)

Exit mobile version