عجائب الدنيا السبع: إن عمل الإنسان في البناء بدأ مع نزول أبينا ادم (علية السلام) إلي الأرض وبدأ يفكر في إنشاء مأوى له وكان البناء طبيعياً فطرياً ولقد حرص الإنسان علي أن يتضمن بناؤه للمأوى عنصرين رئيسيين هما الحماية من المناخ ومحاولة إيجاد جو داخلي ملائم لراحته وقد عكس تصميم المبني وتشكيلة عبر التاريخ الإنساني الحلول المختلفة المناسبة لكل حقبة وبيئة من اجل تحقيق هذا الهدف ولعلنا نلاحظ ذلك حتى في الكائنات الأخرى فلقد أودع الله في العنكبوت مهارات خاصة تمكنه من نسج الخيوط بأسلوب هندسي دقيق وبأشكال مختلفة تتناسب مع طبيعة المكان الذي ينسج فيه بيته كما أوحي الله إلي النحل أن تتخذ من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرش الإنسان, وبيوت النحل غاية في الدقة والإتقان فلو تأملنا الشكل المسدس فإننا نجدة الشكل الوحيد من بين الأشكال المضلعة والذي إذا جمع كل واحد منها إلي مثله لن يحدث بينهم مسافات خالية وهذا خاص فقط بالشكل المسدس دون الشكل المخمس أو المثمن أو المتسع وبذلك يعطينا النحل درسا في كيفية إقامة اكبر عدد من الخلايا أو البيوت في اقل مساحة متاحة. أما النمل فيبني بيوتاً تتوافر داخلها الرطوبة والدفء وهو يستخدم في سبيل ذلك مادة بناء خاصة يتخيرها من الطين الردئ التوصيل للحرارة كما يختار موقع المسكن بحيث لا تغمره مياه الأمطار أو الفيضانات, وتحمي جماعات النمل الأبيض نفسها وصغارها من الإشعاع الشمسي الوفير في المناطق الحارة الجافة بأن تبني لها حجرات أرضية تتجه من الشمال إلي الجنوب وتعتبر هذه الحجرات بمثابة الحصون المنيعة ضد البخر الشديد أثناء الصيف.
وخلال التاريخ الإنساني نجد أمثلة واضحة لاحترام الإنسان لبيئته ومحاولته التكيف معها, كما أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان وما يحيط به من هواء وماء وتربة وضوء الشمس والمعادن في باطن الأرض و طبيعة الأرض وما تحتويه من ثروات طبيعية ومواد إنشائية يؤثر علي نوع الإنشاء ولذلك نلاحظ أن العمارة المصرية القديمة اعتمدت علي الحجر وروعي في التصميم أسس علم الفلك والرياضة وخاصة في توجيه المباني واليونانية علي الرخام بصورة واسعة والرومانية علي الخرسانة بالسمنت الطبيعي كذلك أثرت أنواع العبادات وطرق ممارستها علي تحديد اشكال المعابد.
وليس عجيباً أن تكون عجائب الدنيا السبع والتي يرجع تحديدها إلى أحد البيزنطيين ويدعي “فيلون” حيث وصفها في كتاب له باللغة، اليونانية وقد ترجم هذا الكتاب بعد ذلك إلى اللغة اللاتينية باسم “وصف عجائب الدنيا السبع” وهي سبعة أعمال قديمة من روائع الفن والعمارة ترجع إلى العصور القديمة، والتي خلدها التاريخ هي من روائع العمارة. فاهرامات الجيزة (1) و حدائق بابل المعلقة (2) و منارة الإسكندرية (3) ومعبد ديانا بتركيا (4) وضريح هلينيرس (5) و تمثال رودس (6) وتمثال زيوس (7) هي جميعا نماذج معمارية أنتجتها مختلف الحضارات البشرية والتي كانت تباهي الشعوب الأخرى من خلالها.
- اهرامات الجيزة:
تعد اهرامات الجيزة في مصر من أقدم عجائب الدنيا السبع المتبقية للان وهي نموذج للحضارة المصرية القديمة ومعلوم أن العمارة المصرية القديمة لم ترتبط بالنواحي الدنيوية فقط، إنما تجاوزتها لتمهد لحياة ما بعد الموت والتي كان الفراعنة يعتقدون بها. ولذا فقد كان لكهنة الفراعنة سيطرة وحظوة استخدموا العمارة لتقوي سلطتهم هذه، فمثلا أشادوا المعابد الضخمة كمعبد الكرنك وغيره بمقاييس هائلة بحيث تشعر عامة الناس بالضآلة والرهبة أمام هذه المباني الدينية التي نقشوا على جدرانها قصصهم ومعتقداتهم الدينية.
شيدت الاهرامات بين عامي 2550 و 2480 قبل الميلاد كمقابر للفراعنة، تقف على الضفة الغربية لنهر النيل وهضبة الأهرام وكانت الجبانة الرسمية التي اختارها الفراعنة في الدولة القديمة للعاصمة القديمة “ممفيس” (“ميت رهينة” حالياً)
شاد الهرم الكبير الفرعون خوفوابن الملك سينفرو وهو الملك الثاني في الأسرة الرابعة التي حكمت البلاد منذ ألاف السنين ومسقط الهرم مربع طول ضلعه حوالي 227 متراً وارتفاعه 144مترا ويشغل مسطح قدرة ثلاثة عشر فداناً والثاني الفرعون خفرع وعلوه 136مترا والثالث الفرعون منقرع وعلوه 62مترا.
ولقد تم توجيه أسطح الاهرامات نحو الجهات الأصلية بدقة عالية وتم عمل مجريان يخترقان جسم هرم خوفو فتحاتهما في غرفة الملك, أحداهما تتجه نحو النجم الشمالي حيث تستقر الروح بعد الموت (حسب معتقداتهم) ثم تأتي عن طريق هذه الفتحة لتحل في مومياء الملك ثانية لتبعثها إلي الحية الأخرى, وأما المجري الثاني فهو في الجهة المقابلة وذلك من اجل استمرار التهوية العرضية للغرفة من الشمال إلي الجنوب وتقع غرفة الملكة أسفل غرفة الملك كما يرجح أن قمة الهرم كانت مذهبة ويبلغ وزن الحجر الواحد حوالي 2,5 طناً ويوجد بين الأحجار مونة جيرية ليس الهدف منها اللصق وإنما سهولة حركة الأحجار.
كان هناك لغز حير العلماء طويلاً هو حقيقة أن مركزي الهرمين الأول والثاني يقعان على خط مستقيم واحد، أما مركز الهرم الثالث الأصغر فيميل عن هذا الخط المستقيم بزاوية مقدارها 45 درجة تماما. إلى أن اكتشف العلماء أن المواقع الثلاث للاهرامات محسوبة فلكيا بدلالة ثلاثة نجوم تقع في منطقة وسط درب التبانة، والتي تشكل ما يشبه الحزام والذي يعرف لعلماء الفلك باسم Orion Belt،ووجدوا أن المسافات بين النجوم الثلاثة وكذلك الزوايا بينها هي مطابقة مليون بالمائه لتلك التي بين الاهرامات الثلاثة، حيث يقع نجمان منهما على خط مستقيم فيما يميل النجم الثالث بزاوية مقدارها 45 درجة عن هذا الخط المستقيم.
2. حدائـــــــــق بابل المعلقة:
نموذج للعمارة في بلاد ما بين النهرين حيث تعاقبت علي هذه الأرض عدة حضارات منذ الألف الرابع قبل الميلاد, وكان من أهم هذه الحضارات الحضارة السومرية في الجنوب والاكادية في وسط العراق والبابلية ومركزها مدينة بابل وكان البابليون من أوائل الشعوب القديمة التي وصلت إلى مستوى عالي من الحضارة ووصلت في عهد الملك حمورابي (1792 – 1750 ق .م) إلي ذروة حضارتها, ويمتاز فن العمارة في بلاد الرافدين بعدة خصائص حددتها طبيعة المناخ والأرض, من أهمها انه تجتاح بلاد الرافدين من عام لأخر سيول جارفة نتيجة ذوبان الثلوج في جبال أرمينيا فتسبب هذه السيول والفيضانات الخسائر البالغة، مما دفع المصممون إلي جعل منشاتهم بل ومدنهم علي ربوات اصطناعية وشيوع المنصات والشرفات في الباني الميزوباتامية ونلاحظ أنة نظراً لقلة الحجارة والأخشاب استعمل الطوب اللبن في البناء سواء في المباني المدنية أو الدينية وتبني المباني عامة علي مستوي مرتفع والمباني الدينية (الزقورات) هي عبارة عن أبراج مدرجة ذات مسقط مستطيل يتم الربط بين هذة المستويات بواسطة السلالم .فنجد داخل مدينه بابل مجموعه من القصور الفخمة يحيط بكل منها سياجه الخاص وكانت هذه القصور الشهيرة تحمل فوق أسقفها المسطحه حدائق رائعة تثير الإعجاب بأحجامها وأشكالها المتعددة وتزينها النافورات.
هي أول تجربة للزراعة العمودية في التاريخ، وكانت المياه ترفع عن طريق أنابيب لولبية إلى الحدائق، وتعود حدائق بابل المعلقة إلى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني، الذي حكم بين العامين 562 و605 قبل الميلاد. وذكر بأن سبب بنائها هو إرضاء زوجته اميتس الميدونية ملكة بابل والتي كانت ابنة أحد قادة الجيوش التي تحالفت مع أبيه، والذي بذل الجهد الكبير في قهر الآشوريين. والتي افتقدت المعيشة في تلال بلاد فارس وكانت تكره العيش في أرض بابل المسطحة.
لذلك قرر نبوخذنصر أن يبني لها بناء ظلت الدنيا تتحاكى بجماله وإتقانة، وسميت معلقة لأنها كانت مجموعة شرفات القصور المدرجة الوحدة تلو الأخرى، وبلغ ارتفاعها حوالي 90 متراً، وقد زرعت الأشجار والنباتات والزهور في طبقة كثيفة من التربة على كل مدرج من المدرجات الصخرية بالوان زاهية مما أدى إلى تسميتها بهذا الاسم.
3. منارة الاسكندريــــة:
في عصر البطالمة أقام بطليموس الثاني فنار الإسكندرية من الرخام في عام 280 ق.م وكانت أول منارة عرفها التاريخ وبلغ ارتفاع الفنار حوالي 120 مترا، استغرق بناؤة 12 عاماً، بتكلفة 800 طالنط من الفضة، أو ما يعادل 3 مليون دولار، وكان الغرض من بنائها هو هداية البحارة عند سواحل مصر المنخفضة. كان النور المنبعث من النار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس من المرايا النحاسية كضوء يتجه إلى المناطق المحيطة بحيث يرى النور على مسافة 70 ميلاً في البحر، وكان الفنار يقع على جزيرة فيروس. وكان المصريون يشعلون النار كل ليلة على قمة الفنار ليحذروا السفن المارة، وقد تهدمت المنارة سنة 702 هـ إثر الزلزال المدمر الذي حدث في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ثم بنى السلطان المملوكي الاشرف قايتباي قلعتة في نفس مكان الفنار بعد تهدمة سنة 884 هـ.
4. هيكل ديانا ( أرتيميس ):
هو معبد الإلهة الإغريقية آرتميس (أو من كانت تدعى ديانا في الأساطير الرومانية) وقد بُني الهيكل بكامله من الرخام باستثناء السقف فقد بني من الخشب المغطىَّ بالقرميد. وقد قام بتصميمه المعماري كريسفرون، وابنه ميتاغينس. وتصل أبعاد أساسات المعبد إلى 115 متر * 55 مترا، وبه أعمدة يصل ارتفاع الواحد منها إلى 12 مترا، تنتظم في صفين حول قدس الأقداس – الساحة الداخلية.
أحرِق ايروسترات المعبد عام 356 ق.م في الليلة التي ولد فيها الاسكندر الكبير، وأعيد بناؤه بمعبد شبيه على أساساته. ولكن دمر عند هجوم القوطيين عام 262ق.م ولم تبق سوى الأساسات وجزء من المعبد الثاني.
ولايزال بقاياه محفوظ في المتحف البريطاني كما استعملوا قسما من بقاياه في بناء كنيسة القديس يوحنا في أفسس والقديسة صوفيا في اسطنبول.
5. ضريح موسولوس:
تمتع الملك اليوناني موسولوس بشهرة واسعة في عصره حيث كان ميالا لحياة البذخ والترف، وفي عام 337 ق.م. إتخذ من مدينة هليكارناسوس وتقع غرب الأناضول (تركيا حاليا)،) عاصمة لمملكته كاريا، وقد شيد لنفسه وهو على قيد الحياة ضريحا فخمًا يتناسب مع مكانته، والذي سرعان ما اعتبر أحد عجائب الدنيا السبع القديمة لضخامته، ونقوشه البارزة الباهظة التكاليف، وزخارفها المنحوتة والتماثيل المتفاوتة الأحجام التي تتسم بالبذخ والعظمة، ويذهب بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن زوجة الملك موسولوس التي كانت تدعى «آرتميس الثانية» هي التي شيدت لزوجها الضريح بعد وفاته
أطلق على هذا البناء في ذلك الوقت (موسوليوم). وفي العصر الروماني أصبحت كلمة «موزوول» (موسول) لفظا عاما يعني أي مقبرة ضخمة، حتى أن تلك الكلمة أيضا أصبحت ترجمتها بالعربية في العصر الحالي ضريح، حيث يطلق على أي مقبرة ذات تصميمات معمارية ضخمة
كان الضريح عبارة عن بناء مستطيل الشكل، ارتفاعه الكلي يبلغ حوالي 45 مترا، يتكون من ثلاثة أجزاء. المستوى السفلي منه عبارة عن قاعة ضخمة من الرخام الأبيض، يليه المستوى الثاني الذي يوجد به 36 عمودًا، موزعة على جميع أجزاء البناء، تحمل تلك الأعمدة سقفا على شكل هرم مدرج، وفي قمة الضريح، وضع تمثال للملك موسولوس وزوجته، وهما جالسان في عربة تجرها 4 خيول.
وعلى جميع أركان الضريح، كانت تحكي قصصا مصورة لبعض المعارك الأسطورية، كما يوجد بقاعدته دهليز يؤدي إلى غرفة بها الكثير من الكنوز والتحف الذهبية، كذلك كانت رفاة وعظام موسولوس التي تم حرقها طبقا للطقوس اليونانية، ملفوفة في قماش مطرز بالذهب، موضوعة داخل تابوت من الرخام الأبيض الفاخر. يوجد الآن مسجد في نفس المنطقة التي كان يوجد بها الضريح.
6. تمثال رودس العملاق:
تم إنشاء تمثال رودس على جزيرة رودس اليونانية لإله الشمس هيليوس، بعد النصر الذي أحرزة أهل جزيرة رودس على الملك المقدوني أنتيجونيوس، واستغرق إنشاؤه 12 عاما، من عام 280 إلى عام 292 ق.م. والتمثال عبارة عن فارس يحمل مشعلاً باليد أليسري وقوس في اليد الأخرى، ماداً قدميه لتمر السفن البحرية بين قاعدتيه.
وقد صنع التمثال من البرونز، وبلغ ارتفاعه حوالي 50 متر وكان بداخلة درج حلزوني من القاعدة ويصل إلى موقع الشعلة التي يرفعها التمثال بيده.
وظل التمثال قائما لمدة 68 عاما، إلى أن تدمر أثر زلزال كبير سنة 224 ق.م.
7. تمثال زيــــوس:
تمثال ضخم أقيم في جبل أوليمبس باليونان، تكريماً للإله زيوس، وهو رب الآلهة عند الإغريق وقد صنعه النحات اليوناني الشهير فيدياس، وصنع التمثال من الخشب المكسو بالعاج والمرصع بالذهب والأحجار الكريمة ، بحيث كان زيوس يجلس على العرش المصنوعٌ من مزيج من الأحجار الكريمة، والذهب، وخشب الأبنوس ويحمل بيده اليسرى صولجاناً مُرصّعاً بكافة أشكال المعادن، وبيده اليُمنى تمثالاً صغيراً لآلهة النصر الإغريقية، وبلغ ارتفاع التمثال حوالي 12 متراً بالإضافة إلى قاعدته التي بلغ ارتفاعه حوالي 6 متر، أما الزخارف فكانت من الذهب وكانت العينان من الأحجار الكريمة، وقد دمر التمثال في الحريق في عام 426 ق.م
ولكن مما لاشك فيه أن الحضارة الإنسانية قد قطعت مراحل هائلة نحو التقدم والرقى منذ العصور القديمة وحتى الآن، وقد أمكن للإنسان أن يقيم الكثير من المنشآت الأخرى الجديرة بأن يطلق عليها اسم “عجائب الدنيا الحديثة” بالإضافة لبعض المظاهر الطبيعية الرائعة التي قامت بصنعها يد المولى عز وجل. مثل سور الصين العظيم وبرج بيزا المائل وتاج محل وقصر فرساي وبرج ايفل ومدينة صنعاء القديمة وغيرها.