عوامل تشكيل العمارة في الحضارة المصرية القديمة

عوامل تشكيل العمارة في الحضارة المصرية القديمة: تأثرت العمارة المصرية القديمة بالعديد من العوامل التي ساهمت في تشكيل الملامح الرئيسية لكل من الحضارة والعمارة المصرية القديمة ومن تلك العوامل:

  1. العوامل الجغرافية والمناخية: –

نهر النيل: ذلك النهر الخالد الذي يمنح بلادهم الحياة، وقد أطلق المصريون القدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة “إيترو عا” وهي بمعنى (النهر العظيم)، فقد تَمَحورت حياة مِصْر القديمة حول نهر النِّيل، فَطَوَّر المزارعون طُرُق الريّ لِلتّحكم في تدفُّق المِياه، مما يُتيح لِلمحاصيل النُمو سواء في الفصول الجافّة أو المُمطرة، وكان النهر يشق طريقه من جهة الجنوب وهو الجزء المرتفع من حيث المستوي لذلك سمى بمصر العليا، ليصل لمصبه في الشمال وهو الجزء المنخفض ولذلك سمى بمصر السفلى.

تتميز المدن المصريه عموما باعتدال درجات الحراره، وعندما كانت ترتفع درجات الحراره في مصر العليا، لجاء المعمارى القديم الى استخدام الحوائط السميكه لعزل الفراغات الداخليه عن الحراره المرتفعه فى الفراغ الخارجى.

قله سقوط الامطار بأستثناء بعض المناطق ادى ذلك الى استخدام الاسطح المستويه وعدم استخدام الاسطح المائله فى المبانى، بينما لجأت بعض الحضارات الاخرى للاسطح المائلة للتخلص من مياه الامطار والجليد المذاب.

العمارة المصرية القديمة لم ترتبط بالنواحي الدنيوية فقط، انما تجاوزتها لتمهد لحياة ما بعد الموت، وذلك لإيمانهم الراسخ بفكرة الحياتين، حياة اولي اعتبروها عابرة وليست جديرة بكثير اهتمام، ورفعوا من شان الحياة الاخرة لإعتقادهم الجازم بانها دائمة وسرمدية، وبناءً على هذا الفهم الراسخ اولوها اهتماما فائقا تجلي في العديد من جوانب عمارتهم بالغة التمييز والتفرد، وكانوا يعتبرونها بوابات الولوج للحياة الثانية السرمدية.

عقيدة قدماء المصريين:

زخرت عقيدة المصريين القدماء عن الحياة الآخرة بكثير من النصوص والصور والأشكال التى تنتشر فى الجبانات وعلى جدران المعابد، مما يبرهن على عمق وثراء وتنوع الفكر الدينى وإيمانهم العميق الذي وصل إلى حد الاعتقاد بوجود إله واحد مسيطر على هذا الكون.

من المهم التأكيد فى النهاية أن الحضارة المصرية القديمة لم تكن دائمًا وثنية، وإنما كانت على فترات معينة تنتشر فيها عبادة الأوثان وتقديس الحيوانات، مع وجود الموحدين والمؤمنين بالله.

نعيم المصرى القديم فى عالمه الأخروى «الجنة»، والتى صورها على أن بها أنهارًا من خمر وعسل مصفى وليس بها تعب ولا نصب، وفيها فواكه من عنب ورمان، وبها يتزاور الرجل مع زوجته وأهله وأحبائه، كما يوجد بها الربات وفيها كل المتع الحسية والجسدية، وهذا ما يتفق مع الفكر الإسلامى.

وفي إطار الظواهر الكونية والطبيعية المحيطة بهم، فقد اثرت حركة الشمس من مشرقها الى مغربها فى اختيار مواقع المبانى فى العماره المصريه القديمه، فجعلوا ما نعتبره نحن مدن الاحياء (المباني السكنية) بالجانب الشرقي للنهر، وخصصوا الضفة الغربية للنهر لاستيعاب كل ما هو معني بالحياة السرمدية، مثل المبانى الجنائزيه وبعض المبانى الدينيه.

في تشابه مع حركة غروب الشمس جعلوا مسار رفات الشخص بعد مماته يتم بانتقاله للضفة الغربية. حيث كانوا يعدون العدة هناك بتجهيز مباني ومنشئات العبور للحياة الباقية. بذلك استوعبوا فهمهم للانتقال من الحياة الاولي للثانية في إطار هاتين الظاهرتين الطبيعيتين.

كان لكهنة الفراعنة سيطرة وحظوة استخدموا العمارة لتقوي سلطتهم هذه، فمثلا اشادوا المعابد الضخمة كمعبد الكرنك وغيره بمقاييس هائلة بحيث تشعر عامة الناس بالضآلة والرهبة امام هذه المباني الدينية التي نقشوا على جدرانها قصصهم ومعتقداتهم الدينية.

كما برع الفراعنة -فيما برعوا فيه- امور السحر والكهانة وعلوم الفلك. وبمعتقداتهم كانت الشمس والاجرام السماوية ذات مكانة وكانت طقوسهم الدينية محسوبة فلكيا بحركات الشمس والقمر، اذ كانت الرحلة النيلية لنقل الموتى بعد تحنيطهم الى داخل الهرم تتم بدلالات الحركات القمرية.

العامل الاجتماعي: يمكن تصنيف البنية الاجتماعية للمجتمع المصري القديم إلى عدة طبقات في هرم اجتماعي على رأسه الفرعون واسرتة، وكانت طبقات المجتمع المصري القديم كما يلي:

الفرعون: امتلك الفراعنة السلطة المطلقة في مصر القديمة، حيث وُهبت تلك السلطة لهم من الآلهة، وكانوا يُعتبرون حلقة الوصل بين البشر والآلهة، وينفذون رغبات الآلهة في حكم البلاد، وسنّ القوانين، وتحقيق التوازن والعدل، وحماية البلاد من أي غزو خارجي عن طريق امتلاك جيش قوي، وتحقيق رفاهية الرعية، ويُبقون الآلهة سعيدة حتى يفيض النيل، ولا تجف المحاصيل، بالإضافة إلى ذلك كان الفرعون مالك جميع أراضي مصر القديمة، ولكنه كان يستطيع إهداء أي أرض لمن يشاء.

الوزير: ثاني أقوى منصب بعد الفرعون، ومهام الوزير كانت تتمثل في الإشراف على الإدارة السياسية، ويجب أن تحتوي جميع الوثائق الرسمية على ختمه. الإشراف على نظام الضرائب. رصد توريد المواد الغذائية. التأكد من سلامة العائلة المالكة. الاستماع إلى مشاكل النبلاء، والحكم في خلافاتهم، وحكم البلاد في حال عدم مقدرة الفرعون بسبب المرض، أو الإصابة، أو صغر السن، أو أي سبب آخر يمنع الفرعون من مزاولة مهامه.

طبقة الكهنة: الذين يعملون كوسطاء بين الناس والالهة.

طبقة النبلاء: شغلت العديد من المناصب الحكومية في الدولة، والتي كانت متاحة فقط للعائلة الحاكمة.

طبقة الجنود: كانت مهمة الجنود في المجتمع المصري القديم حماية الدولة من الغزو الخارجي، وإبطال أية ثورات داخلية، كما كانوا يشرفون على العمّال عند بناء الأهرامات، وقد كان الجنود يحصلون على الثراء من غنائم الحرب، ومن هبات الفرعون لهم

طبقة الكتّاب: تعمل على مساعدة الفرعون في تسيير شؤون المجتمع،

الطبقة الوسطى: تضم التجار وأصحاب الحرف الممتازة وصغار الموظفين

الطبقة الدنيا (الفلاحين والعمال): الفلاحين الذين يكدحون لتوفير حاجات البلاد من المواد الغذائية بزراعة الحقول، وتربية المواشي، والعمال الذين يشتغلون بالصناعة وصيانة القنوات والخزانات المائية، بالإضافة إلى العمل في المحاجر، وبناء الآثار الملكية.

وأخيرا في الجزء السفلي من الهرم طبقتي العبيد وأسرى الحروب.

تم اختيار المواد الهشة نسبيا (الطوب اللبن والقش) واستخدامها فى بناء المساكن الخاصه بالحياة الدنيا اما الاحجار والجرانيت فقد خصصت للمبانى الدينيه والجنائزيه كما ذكرنا من قبل.

يمتاز الإقليم المصري بكثرة ما به من أنواع الصخور حيث جمع ما بين الصخور النارية والرسوبية والمتحولة، وقد اكتسب المصريين القدماء معرفة دقيقة بهذه المناطق والتي كانت تشكل مخزونا للمواد الأولية المطلوبة لأكبر مشار يع النظام الملكي، ومن أهم تلك الصخور:

 الجــــرانيت: جمع بين ألوان عدة الأسود، الأحمر، الأشهب، وكان يستجلب من محاجر السودان.

الـــــبازلـت: وجد بصورة خاصة في الصحراء، وبكثرة في منطقة أبي زعبل.

الديـــوريت: وجد بمحاجر أسوان وكذلك بالصحراء الشرقية.

الرخـــــــام: وجد بواد سنور قرب بني سويف.

الدولوميت: جمع بين ألوان عدة كالأسود، الأصفر، الأزرق، ووجد في سلسلة الهضاب على طول وادي النيل.

 الحجر الجيري النوميليتي: وجد في سفح هضبة ا لأهرام وجبل المقطم وفي الهضبة الممتدة على جانبي النيل قرب مدينة قنا.

الجــبـــس: وجد في سلاسل جبال خليج السويس والبحر الأحمر وفي شاطئ سيناء الغربي قرب القصير.

الأحجار الرخوة: كانت وحدة البناء الرئيسية في الدولة القديمة واستخدم نوع منه امتاز بصلابته ودقة حبيباته في كساء الأحجار التي بنيت بها الأهرا مات والمصاطب الكبيرة، استخدم في تسقيف بعض المعابد والمقابر باستخدام الأعتاب والأعمدة والأساطين، وقد ظل الحجر الجيري يستخدم في بناء المعابد حتى أواسط الأسرة 18.

محاجر جبل السلسلة:

تعــــد محاجر جبل السلسلة من ضمن أكبر المحاجر التي إستخدمت في مصر لاستخراج قطع الحجر الرملي، واستخدامت على نطاق واسع بداية من عصر الأسرة الفرعونية الــ 18، واستمر استخدامها حتى العصور الحديثة، وكانت غنية جدا، بالحجر الرملي، وتقع على جانب نهر النيل بطول كيلومترين من الشمال إلى الجنوب، وإستخدم الحجر الرملي في بناء تماثيل الأقصر والكرنك، وكذلك معابد العصر اليوناني والروماني.

الخشـــــــب:

لم تصلح الأ شجار التي تنمو في مصر لإنتاج أخشاب البناء، ومنذ العصور القديمة كان المصريين يستوردوا أخشاب الصنوبر والأرز من لبنان، وتفسر قلة الأخشاب المستعملة في البناء فقر العمارة في العناصر الخشبية، وعلى الرغم من ذلك فقد وجد نبات البردي والبوص والسمار وفروع الشجر التي تنبت على ضفاف النيل مكانا لها في بدايات العمارة بمصر القديمة كونها مواد سهلة الاستخدام، فأقام منها المصريون أكواخهم البدائية بما كان يوائم حاجاتهم، حيث تميزت هذه المساكن بقلة مساحتها واستدارة مخططها وتقوس أعلى مداخلها وانحدار سقفها بما يمكن أن يعد أصلا للسقوف الحدباء والأقبية والقباب في ذلك الزمن البعيد، كما صنعت الموائد والأرائك والأسِّرة من أخشاب الأشجار..

وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي سنتحدث فيها عن الجزء الاول من تاريخ حضارات العراق القديم فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.

المراجع:

Exit mobile version