كيف بدأ خــــــلق الكــــــون؟

كيف بدأ خلق الكون؟

قضية خلق الكون من القضايا الغيبية التي لم يستطيع العلم التجريبي وهو في قمتة اليوم وضع تصور صحيح لكيفية بداية خلق الكون، واذا خاض فيها الانسان بغير هداية ربانية فانه بلا شك سيضل فيها ضلالا بعيداً، وقد تناولت العديد من آيات القرآن الكريم مراحل خلق الكون، وما يتعلق بها من حقائق علمية لم تُعرف مبادئها الأولية إلا في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، وبقيت أسئلةٌ عديدة تدور في العقل البشري عن كيفية بداية الخلق؟ كيف كان شكل الكون؟ وما هي أسرار خلـــق الإنسان؟ كيف بدأت الحياة؟ وقد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم بعض الاشارات لكيفية بداية خلقه للكون، ثمّ كيفيّة فنائه وإعادة الخلق للبعث والحساب على ما قدموا في هذه الحياة الدنيا، يقول الحق تبارك وتعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوآ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[1].

أولاً مرحلة الرتق: تعريف الرَّتْقُ في اللغةً[2].: رتَقَ يَرتُق ويَرتِق، رَتْقًا، فهو راتِق، وهي ضدّ الفَتْق، وكانتا رتقا أي كانتا مُلتصِقتين بلا فصْـلٍ. وقال ابن منظور في لسان العرب: رتْقاً: الرَّتْقُ ضدّ الفتْقُ.

تعريف الفتق في اللغةً: فتَقَ يَفتُق، فَتْقًا، فهو فاتِق، والمفعول مَفْتوق، وفَتَقَ الشيءَ: فَصَلَ أَطْرَافَهُ عَنْ بَعْضِهَا.

أراء المفسرين في بداية خلق الكون: اختلف المفسرون في المراد بالرتق والفتق: يقول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير، ورواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن المعنى كانتا شيئاً واحداً ملتصقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي، وأقرّ الأرض، وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء لأنه تعالى لما فصل بينهما ترك الأرض حيث هي وأصعد الأجزاء السماوية.

وقال كعب: “خلق الله السماوات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحاً توسطتهما ففتقهما بها، ويقول الرازي: وتحقيقه أن العدم نفي محض، فليس فيه ذوات مميزة وأعيان متباينة، بل كأنه أمر واحد متصل متشابه، فعند الوجود والتكون يتميز بعضها عن بعض، وينفصل بعضها عن بعض فبهذا الطريق، جعل الرتق مجازاً عن العدم، والفتق مجازاً عن الوجود”.

التفسير والاعجاز العلمي لبداية خلق الكون: أما الدكتور زغلول النجار[3] فقد فسر الأية على النحو التالي: “في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد الخاطئ بأزلية الكون بلا بداية ولا نهاية،‏ وعدم محدوديته إلى ما لا نهاية‏ وسكونه وثباته ‏(أي عدم حركته،‏ على الرغم من حركة بعض الأجرام فيه‏)،‏ بمعني أن هذا الكون اللانهائي الساكن كان موجودا منذ الأزل،‏ وسيبقي إلى الأبد‏،‏ وهي فرية لنفي الخلق‏،‏ والتنكر للخالق I،‏ في هذا الوقت نزل القرآن الكريم موجها أنظار هؤلاء الجاحدين من الكفار والمشركين والوثنيين إلى طلاقة القدرة الإلهية في إبداع خلق الكون من جرم ابتدائي واحد،‏ وذلك في صيغة استفهام توبيخي،‏ استنكاري‏،‏ تقريعي، وهذه الآية الكريمة واضحة الدلالة على أن الكون الذي نحيا فيه كون مخلوق له بداية.

كيف بدأ خلق الكون؟: توضح الآيات أن الأرض والسموات بما تحويه من مجرات وكواكب ونجوم والتي تشكل بجموعها الكون الذي نعيش فيه، كانت في الأصل عبارة عن كتلة واحدة ملتصقة كما في قوله تعالى {رتقاً} إذ الرتق هو الالتصاق، ثم حدث لهذه الكتلة الواحدة “فتق” أي انفصال وانفجار تكونت بعده المجرات والكواكب والنجوم، وهذا ما كشف عنه علماء الفلك.

مرحلة الدخان:

يقول الحق تبارك وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِىَ دُخــَانٌ فَقـَالَ لَهَـا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طـَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ}[1].

تعريف الدُخَانٌ في اللغةً: (الفعل) دخِنَ يَدخَن، دَخَنًا، فهو دخِن، والجمع: دُخْنٌ، يقال: دَخَنَتِ النَّارُ: دَخَنَتْ، ظهر وارتفع دخانُها، أما (الاسم): الدَّخَنُ، الدُّخَانُ وهو ما يتصاعد عن النار من دقائق الوقود غير المحترقة.

أراء المفسرين: قال ابن كثير: أي ثم قصد إلى السماء وهي بهيئة الدخان، وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض، قال ابن عباس: قال اللّه تبارك للسماء والأرض: إنقادا لأمري، طائعتين أو مكرهتين، وقال تعالى للسماوات أطلعي شمسي وقمري ونجومي، وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ}

التفسير والاعجاز العلمي: يقول الدكتور زغلول النجار أن الدراسات العلمية والبحوث الفلكية أثبتت في أواخر القــــرن العشرين، أن جرمًا بمواصفات الجرم الابتدائي للكون عندما ينفجر يتحول إلى غلالة من الدخان، وأن الكون كان ممتلئاً بغازي الهيدروجين والهيليوم وقليل من الليثيوم، بالإضافة إلى الغبار الكوني، وكان هذا الغاز يشبه الغيوم.

وتشكلت غيوم عملاقة من ثم التحمت هذه السحب الغازية تحت تأثير ظواهر كونية معقدة تعتمد على القوى النووية وقوة الجاذبية والقوة الإلكترومغناطيسية لتشكيل الكواكب والنجوم والمجرات من هذه الغيوم.

واختصر القرآن كل المعارف الإنسانية وكل هذه المصطلحات (غيوم من الغاز، غاز حار، غبار، ذرات…) في كلمة جامعة ومعبرة تدل على الغاز، والحرارة، وأيضاً فيها إشارة إلى ما يشبه الغيوم، وعبرت تعبيراً دقيقاً عن حقيقة تلك المرحلة من عمر الكون، واختصرت الجمل الكثيرة التي يطلقها العلماء للتعبير عن تلك المرحلة بكلمة واحدة فقط وهي {دُخَانٌ}.

أُلقِيَت الآية الكريمة {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِىَ دُخــَانٌ} في مؤتمر القاهرة في مبنى جامعة الدول العربية بالاشتراك مع الأزهر 1409هـ/ 1988م، ولما سمع البروفيسور الياباني (يوشيدي كوزاي) تلك الآية نهض مندهشاً وقال لم يصل العلم والعلماء إلى هذه الحقيقة المذهلة إلا منذ عهد قريب بعد أن التَقَطِت كاميرات الأقمار الاصطناعية القوية صوراً وأفلاماً حية تظهر نجماً وهو يتكون من كتلة كبيرة من الدخان الكثيف القاتم. ثم أردف قائلاً إن معلوماتنا السابقة قبل هذه الأفلام والصور الحية كانت مبنية على نظريات خاطئة مفادها أن السماء كانت ضباباً، وقال بهذا نكون قد أضفنا إلى معجزات القرآن معجزة جديدة مذهلة أكدت أن الذي أخبر عنها هو الله الذي خلق الكون قبل مليارات السنين.

ونورد في المقالات التالية بعضاً من تلك الدلائل التي ذكرها العلماء الافاضل في مراحل خلق الكون كــ مرحلة توسع الكون وخلق المجرات.

المراجع:

[1] ) الأنبياء: 30)

[2] ) تعريفات اللغة جميعها من موقع معجم المعاني الجامع)

[3] ) المرجع: الموسوعة الميسرة للإعجاز العلمي في القرأن الكريم، د. زغلول النجار)

[4] ) The Big Bang “, www.exploratorium.edu, Retrieved 23-01-2020. Edited)

Exit mobile version