ما هي الديانات في مصر والحبشة والجزيرة العربية قبل الإسلام؟
ما هي الديانات في مصر والحبشة والجزيرة العربية قبل الإسلام؟ في الحلقات السابقة تحدثنا عن الديانات التي كانت سائدة في الجزء الشرقي والغربي من العالم ثم تحدثنا عن بعض البشارات التي وردت في التوارة والانجيل عن قرب بعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، تعالوا بنا نستعرض الاحوال في بقية أجزاء العالم ومنها:
مصـــــر:
تحدثنا عن تاريخ مصر القديم في عدة مقالات سابقة، ويمكن للقارئ العزيز الرجوع للحلقة التي تحدثنا فيها عن: هل كان الفراعنة موحدين أم وثنيين، وعندما تم إحتلال مصر من الامبراطورية الرومانية بعد هزيمة (ماركوس انطونيوس وكليوباترا) على يد (أوكتافيوس) في معركة اكتيوم البحرية في عام 30 ق.م، بدأ التدخل الروماني في شئون مصر في العهد البطلمي، حيث كانت روما تتدخل لتختار ملك مصر. وحرم الشعب المصري من معظم الوظائف الادارية العليا في البلاد، ومن العيش في مدينة الاسكندرية التي كانت مخصصة للرومانيين والطبقة المصرية العليا فقط.
ثم بعد سقوط الدولة الرومانية الغربية سنة 476 ميلادية (أي قبل ميلاد الرسول بحوالي مائة عام) آلَت أملاك الدولة الرومانية الغربية –ومنها مصر- إلى الدولة الرومانية الشرقية، وبذلك تحولت مصر في عهود الرومان إلى مخزن يُمد الإمبراطورية الرومانية باحتياجاتها من الغذاء، وفقد المصريون السلطة في بلادهم.
وقد دخلت المسيحية لمصر فى منتصف القرن الأول الميلادى، مع دخول القديس مرقس أحد حوارييِّ السيد المسيح إلى الإسكندرية عام 65 م. وبشَّر بالمسيحية السمحة، ومما سهَّل لهم اعتناق المسيحية؛ اعتقاد المصريين القدماء في البعث بعد الموت، ومعاناتهم لظلم الرومان، فرأو أن المسيحية تبشر بحياة أفضل من الوثنية.
وحين ظهرت المسيحية في مصر كانت روما لا تزال على الوثنية وكذلك أباطرتها، فحاربوا المسيحيين واضطهدوهم في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، واضطهدوا الأقباط في مصر.
وحين تولى الإمبراطور دقلديانوس عرش روما سنة ٢٨٤ ميلادية شنَّ على المسيحيين (الأقباط) اضطهادًا دام نحو عشرين عامًا قاست فيها مصر الشدائد والأهوال، واستشهد خلالها الألوف من المصريين المسيحيين. وسُمي عهدُه «عصر الشهداء»؛ لكثرة من استُشهد فيه من المصريين المعتنقين للمسيحية.
وتتبع الرومان قادة الأقباط المصريين بالقتل والتعذيب حتى اضطروهم إلى الهرب إلى الصحراء، وإقامة أماكن عبادتهم في مناطق نائية أو مهجورة حفاظًا على حياة من تبقى منهم، ويعتبر دير سانت كاترين في جنوب سيناء من أقدم الأديرة، وقد تم بنائه في عهد الإمبراطور البيزنطي جوستنيان عام 545م ليحوي رفات القديسة كاترين.
ودقلديانوس هذا هو المقام له العمود المعروف بعمود السواري، وجسم العمود عبارة عن قطعة واحدة مصنوع من الجرانيت الأحمر. قطرها عند القاعدة 2,70 متراً، وعند التاج 2,30 متراً. ويبلغ الارتفاع الكلي للعمود بما فيه القاعدة حوالي 26,85 متراً.
وفي عام ٣٢٤ ميلادية أعلن الإمبراطور قسطنطين اعتناقه للمسيحية، وهو الذي اتخذ بيزنطة (القسطنطينية) عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية.
وقد سعى هرقل جهده في توحيد المذاهب المسيحية، وعقد لذلك مجمعًا في خلقيدونية، حضره بطارقة الشام والقسطنطينية وأقروا مذهبًا مسيحيًّا موحدًا، وأمر هرقل كل المواطنين في الشام ومصر أن يتبعوا المذهب الموحد، فكان من ذلك اضطهاد المسيحيين، ثم عين هرقل سنة 631 المقوقس بطرقًا للإسكندرية ونائبًا عنه بمصر، وطلب إليه أن يحمل أهل مصر على اعتناق المذهب المسيحي الموحد، فأبى الأقباط عليه ذلك.
وكان بنيامين كبير أساقفة الأقباط في مصر يتولى بطرقة الإسكندرية فعارض المذهب الجديد، فاضطهده المقوقس واضطره للهجرة من الإسكندرية تفاديًا لاضطهاد، وظل مختفيًا في أديرة الصعيد، ولم يظهر إلا بعد الفتح العربي لمصر.
بلاد الحبشـــــة: نجد أن الاحباش قد فرضوا سلطانهم على عرب اليمن الحميريين في الجنوب، وكانت الحبشة على المذهب المصري للنصرانية، وكان فيها شعب يعيش على الفطرة ، ويتعامل بالصدق والصفاء ، وربما كان الناس في تلك المنطقة أقرب من غيرهم إلى الالتزام بما تبقى لديهم من تعاليم السيد المسيح (عليه السلام)
اليمــــــــــــــــــــن: والتي تقع في الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية قامت عدة ممالك أهمها:
الدولة السبئية: وظهرت في الفترة من عام (1200 – 630 ق.م)، و أشتهروا ببناء السدود لحجز مياه الامطار بطرق هندسية متطورة، ومن أشهرها سد مأرب، وقد وردت قصتهم في القرأن الكريم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [1]، كما قص القرآن طرفًا من قصه ملكة سبأ، وبين كيف تمت مراسلة بين نبي اللَّه سليمان وملكة سبأ، انتهت بدخولها في دين سليمان وإسلامها للَّه رب العالمين. وتبين هذه الآيات أنه كان في هذه المملكة نظام الشورى تلتزم به الملكة، فيحكي القرآن عن قولها لأهل شوراها {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [2]، وقيل أنه بعث إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم، فعاقبهم الله تعالى على كفرهم وتكذيبهم لرسله حتى إنهار سد مأرب وأدى سقوطه إلى نكبة كبيرة جعلت السبئيين يتفرقون في البلاد.
الدولة الحميرية: حين تمكن الحميريون من إنتزاع العرش السبأي وتأسيس أسرة جديدة في الفترة من عام (115 ق.م – 525م)، واعتنق الحميريين الديانة اليهودية، وتتابع على عرش حمير عدد من الملوك كان أخرهم ذي نواس الذي عزم على إجتثاث المسيحية من اليمن، وذلك في سنة 523م، فهجم على مدينة نجران التي كانت أكبر مركز للمسيحية في اليمن، وخير أهلها بين الارتداد عن دينهم أو الموت حرقاً، فمن لم يرتد عن دينة حفر لهم أخاديد في الارض وأحرقهم فيها وأحرق أناجيلهم معهم، وتذكر بعض الروايات أنه أحرق ما يقرب من عشرين ألف، وقد ورد ذكر هذه الحادثة في القرأن الكريم.
جزيرة العرب : تعددت العقائد والديانات في شبه الجزيرة العربية، ، وسميت شبه جزيرة لأن الماء يحيط بها من ثلاث جهات فقط، وتميزت بموقعها الذي يتوسط بلاد الشرق الأدنى القديم، وازدهرت قبل الإسلام فيه عدة حضارات منها:
في شمال الجزيرة العربية: فقد قامت دولة الانباط، ثم دولة تدمر، ثم دولة الغساسنة في بلاد الشام، في الفترة من (220 م – 638 م) وهم من قبائل الازد اليمنية التي هاجرت على إثر إنكسار سد مأرب واستقروا حول نبع ماء يعرف بأسم غسان فعرفوا بالغساسنة، وكانوا يقيمون في دمشق في موضع على نهر بردى وكانت الجولان قاعدة ملكهم، وقد تحالف ملوكها مع الدولة البيزنطية.
الديانة النصرانية في شبه الجزيرة العربية: وهي الديانة التي جاء بها المسيح عليه السلام لبني إسرائيل لعبادة الله وحده لا شريك له، أما وصولها إلى شبه الجزيرة العربية، فكان عن طريق اتصال الغساسنة بالدولة البيزنطية ثم عن طريق التجارة بين بلاد الشام والعراق، بالإضافة إلى انتقال التجار المسيحيين بين اليمن والبحرين والحجاز، وقد اختلف المسيحيون في طبيعة السيد المسيح عليه السلام، فمنهم من اعتبره بشراً، ومنهم من اعتبره إلهاً.
دولة المناذرة: من القبائل العربية التي هاجرت من جنوب الجزيرة على إثر إنكسار سد مأرب وحكموا العراق واتخذوا الحيرة عاصمة لهم، في الفترة من (268 م – 633 م)، واحتل الفرس تلك المملكة في مهدها فأصبحت مملكة شبه مستقلة تابعة للفرس، وازدهرت بينهم المسيحية النسطورية وقد رحب بذلك الأكاسرة الساسانيين لان هذة الطائفة المسيحية كانت تعادي المسيحية الأرثوذوكسية، عقيدة أعدائهم البيزنطيين.
العقائد الحنفية: إنّ الأحناف هم من رفضوا عبادة الأوثان واتّجهوا نحو الحق، والحنيف هو المسلم الذي يحنف عن الأديان، ويُقال أن الحنف هو الميل عن النصرانية واليهودية والالتزام بتعاليم دين إبراهيم عليه السلام.
العقيدة الوثنية: ويقصد بها عبادة الأوثان، وتعود نشأتها إلى زمن بعيد جداً قبل الإسلام، وأول من غير دين إبراهيم وجلب عبادة الأصنام إلى جزيرة العرب ونشرها بين قبائلها، هو عمرو بن عامر بن لحيّ الخزاعي، وقد أخبر عنه الرسول في الحديث، الذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رأَيت عمرو بن عامِر الخزاعي يجر قصبه (أمعاءة) في النار“[3].
تطور الفكر الديني عند العرب في الجاهلية: رغم إيمان العرب بالله بأنه هو الرب الاعلى إلا أن عبادتهم كانت مشوبة برواسب فاتخذوا إليه شفعاء ووسطاء وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى}[4]، وبمرور الأيام أصبحوا يعتقدون أنّ لهؤلاء “الشفعاء” قدرة ذاتية على النفع والضر، فتوجهوا إليها بالعبادة مباشرة من دون الله.
وكان لكلّ قبيلة أو جمع من القبائل أصناماً يتعبّدون لها، ففي مدينة الطائف كان يوجد صنم “اللاّت” وترعاة قبيلة ثقيف، وكانت “العزى” تعبد في وادي نخلة شرق مكة.
أما (مناة) فكانت تعبد في بلدة قديد على الطريق بين مكة ويثرب، واتخذت بطن من همدان “يعوق” في صورة فرس، وكان لقبيلة هذيل صنم “سواع” ولقبيلة كلب صنمها “ود” واتخذت بطون من طيئ صنم “يغوث” في صورة أسد، أما “نسر” فكان لذي القلاع بأرض حمير، وكان “هُبُل” أعظم أصنام مكة، وبلغ عدد الأصنام بالكعبة: 360 صنمًا من مختلف الأنواع والأشكال، ومن أعجبها (إساف) و(نائلة) وهما: رجل وامرأة من اليمن زنيا بالبيت الحرام فمسخهما الله أحجارًا، ومع مرور الزمن عبدهما الناس، ووضعوا أحدهما على الصفا، والآخر على المروة، وكانوا يقدموا القرابين للالهة بين الصنمين.
أما بعض عرب الحيرة فقد أخذوا عبادة النار (المجوسية) عن الفرس.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن البشارات التي وردت في التوراة والانجيل بقرب بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] سورة النمل الاية: 23 [2] سورة سبأ الاية: 15 [3] الحديث عن أبي هريرة في صحيح مسلم.
[4] سورة الزمر الاية: 4