Web Analytics
عام

من حصار قريش إلى معجزة الإسراء والمعراج

من حصار قريش إلى معجزة الإسراء والمعراج

شهدت السنوات الممتدة من منتصف البعثة إلى عام 10 من الرسالة أحداثًا جسامًا في مسيرة الدعوة الإسلامية؛ فقد واجه النبي ﷺ وصحبه أطول مراحل الابتلاء، من حصار اقتصادي قاسٍ، إلى فقدان نصيرين من أعظم أنصاره، ثم جاء حدث الإسراء والمعراج ليكون منحة ربانية بعد محنة شديدة. وفيما يلي عرضٌ مفصلٌ لأبرز هذه الأحداث كما وردت في كتب السيرة الصحيحة.

أولاً: الحرب الاقتصادية ومقاطعة قريش لبني هاشم (616–619م)

بدأًت من السنة السابعة الى المحرم من السنة العاشرة من البعثة / 616-619م)

عندما أدركت قريش أن بني عبد مناف لا يمكن أن يخذلوا محمدًا ﷺ، وأن أبا طالب – رغم تقدّمه في السن – ما زال متمسكًا بنصرته، وأن قريش فشلت سياسيًا وإعلاميًا في إيقاف الدعوة، وأن الإسلام ينتشر يومًا بعد يوم، خصوصًا بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ومع أمان المهاجرين في الحبشة تحت حماية النجاشي، بدأت قريش تفكر في أسلوب أشد قسوة لإيقاف الدعوة.

فاجتمعوا وقرروا تعذيبًا جماعيًا من نوع آخر، يشمل كل من يحمي النبي ﷺ حتى وإن لم يدخل في الإسلام. فكتبوا صحيفة بالمقاطعة المطلقة لبني هاشم وبني المطلب، تقضي:

  • ألّا يزوّجوهم ولا يتزوّجوا منهم.
  • وألّا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم.
  • وألّا يُجالسوهم ولا يُخالطوهم.
  • وأن يستمر الحصار حتى يسلموا النبي ﷺ أو يتركوا دينهم. – وتم تعليق الصحيفة داخل الكعبة.

آثار الحصار: أحكم المشركون الحصار حتى بلغ الجهد ببني هاشم مبلغًا شديدًا:

  • لم يكن يصل إليهم شيء إلا سرًا من قِبل بعض قريش ممن بقيت فيهم ذرة إنسانية.
  • ساءت صحة المسلمين، وبليت ملابسهم.
  • جفّت أثداء النساء، وشحبت الوجوه، وذبلت الأجساد.
  • اضطر بعضهم إلى أكل أوراق الشجر.

واستمر هذا الحصار على بني هاشم والمسلمين أكثر من سنتين، ومع ذلك، ثبت المسلمون حول رسولهم ﷺ، والرسول مع ذلك مستمر في دعوته وأثبت المسلمين أن إيمانهم راسخ في قلوبهم لا يزحزحه جوع ولا عطش، حتى وإن اضطروا إلى أكل أوراق الشجر، فلم ينفضُّوا من حول نبيهم، واستمر الحصار قرابة ثلاث سنوات.

  • رفع المقاطعة: في المحرم من السنة العاشرة من البعثة 619م

ثانيًا: نقض صحيفة المقاطعة ورفع الحصار:

في المحرّم من السنة العاشرة للبعثة – 619م إستيقظ الضمير الانساني عند بعض رجال قريش، وقد كانت تغطية ظلمة الوثنية وأوهام الجاهلية، وتحركت فيهم عاطفة القرابة والرحم، فقرروا إنهاء هذه المقاطعة الظالمة وفَكَّ الحصار البشع عن بني هاشم وبني عبد المطَّلب، فاجتمع خمسة من وجهاء قريش وهم:

  1. هشام بن عمرو
  2. زهير بن أبي أمية
  3. المطعم بن عدي
  4. أبو البختري بن هشام
  5. زمعة بن الأسود

واجتمعوا على نقض الصحيفة، وواجهوا أبا جهل وتبرأوا من الظلم الواقع على بني هاشم، ودعوا إلى إنهاء الحصار فورًا. ولم يستطع أبو جهل الصمود أمامهم، وقال: إن هذا أمر دبر بليل” وقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها،

وعندما دخل المطعم بن عدي الكعبة ليمزق الصحيفة، فكانت المعجزة الربانية فى تسليط الله عز وجل ل (الأرضه) فأكلت كل ما في الصحيفة الجائرة إلا باسمك اللهم، فأيقن الناس بعدالة موقف رسول الله ﷺ ومن معه.

فانتهت المقاطعة، وكان الفرج بعد الشدة وخرج بنو هاشم وبنو المطلب من الحصار، وبذلك انتهت المقاطعة بعد 3 سنوات من الصبر، والثبات والتحمل. وخرج النبي ﷺ ومن معه من الشعب.

ثالثاً: موت خديجة بنت خويلد وعمه أبو طالب:

3-1: موت خديجة بنت خويلد:

  • في العام العاشر من البعثة – 619م، كانت الأحزان على موعد مع رسول الله ﷺ، فقد توفيت زوجته الوفية الصادقة السيدة خديجة  التي كانت تخفف عنه، وتؤيده في دعوته إلى الله عز وجل وهي التي آمنت به وساعدته بمالها، ورزقه الله منها الأولاد، فكان رسول الله  يحبها ويقدرها، وبشرها الرسول  بالجنة -قبل موتها- أتى جبريل عليه السلام النبي فقال: [يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب[1]، لا صخب فيه ولا نصب][2]،
  • وعن عائشة قالت: (كان النبي – إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، فغِرْتُ يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكرها، حمراء الشدق قد أبدلك الله خيراً منها، قال: [ما أبدلني الله خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء]. [3]

3-2 موت عمه أبو طالب:

وبعد وفاة خديجة بشهر توفي عمه أبو طالب الذي كان يحميه من أهل مكة، فقد ظل أبو طالب يحوط النبي ويدافع عنه، ويغضب له، ولم تستطع قريش أن تنال من النبي إلا بعد موت أبي طالب، فقال ﷺ: [ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب]. [4]

  • والذي ضاعف حزن النبي أن عمه أبا طالب مات كافراً، ومع حرص النبي على هدايته ودعوته للإسلام، فأبو طالب كان على يقين كامل وعلم تام بصدق النبى ﷺ وصحة دعوته ومع ذلك لم يؤمن به ولم يتبعه، والسر وراء ذلك التناقض بين العلم والعمل هو تقليد الآباء وإتباع العادات الموروثة والخوف من مخالفة الآباء والأجداد فيكون بذلك سبباً للمذمة والعار بظن المشركين، كما يظهر أثر الرفقة والصحبة السوء على المرء، وكيف أنها قد تكون سبباً للهلاك والخذلان فى أحرج اللحظات مثلما حدث مع أبى طالب الذى أحاط به أصدقاؤه وأقرانه وصدوه عن النطق بالشهادتين.

رابعاً: الإسراء والمعراج وفرض الصلوات الخمس::

في السنة العاشرة من البعثة 619م، تعرض رسول الله  ﷺ لظروف عصيبة ومحن متلاحقة؛ بوفاة سنديه العاطفي والاجتماعي، زوجه السيدة خديجة وعمه أبي طالب؛ وقد سدت قريش الطريق في وجه الدعوة في مكة وفي ثقيف، وأحكمت الحصار في وثيقة المقاطعة ضد الدعوة ورجالاتها من كل جانب، في هذه الظروف وبعد أن ضاقت به الأرض من المشركين اتسع له أفق السماء،

4-1: وجاءت معجزة الإسراء والمعراج[6] للقيام برحلة ربانية للإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج من المسجد الأقصى للسماوات العلا؛ لتكون بذلك منحة ربانية تمسح عنه الأحزان، وتنقله  إلى عالم أرحب وأفق أقدس وأطهر، إلى حيث سدرة المنتهى، فبينما كان الرسول  نائما بعد العشاء جاءه جبريل، فأيقظه وخرج به حتى انتهيا إلى دابة اسمها  البراق، تشبه البغل، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول اللهِ ﷺ قال: [أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء. قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة] [7]

أسرى الرسول بجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج إلى السماء الأولى فطرق جبريل الباب، فأجاب من وراء الباب، من؟ قال جبريل، قال ومن معك؟ قال محمد، قال اوقد أرسل إليه؟ قال جبريل نعم، فرد المجيب مرحبا به فنعم المجيء قد جاء وفتح باب السماء الأولى وتكرر هذا الأمر في أبواب السماوات السبع.

4-2: الصلوات الخمــــــــس:

وفرضت على الرسول ﷺ في حادثة الإسراء و المعراج عندما عرج إلى السماوات مع جبريل عليه السلام بأمر من الله عز وجل حيث رأى في السماوات العليا جميع الأنبياء صلوات الله عليهم حيث شاهد في كلِّ سماءٍ نبياً من الأنبياء، وهم: آدم عليه السلام، وكان في السماء الدنيا . عيسى ويحيى -عليهما السلام-، وكانا في السماء الثانية، فاستقبلا النبي ورحبا به، وفي السماء الثالثة قابل يوسف عليه السلام، ووصفه النبيّ بأنّه أُعطي نصف الجمال والحُسن،

ثم قابل إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، وبعده هارون عليه السلام في السماء الخامسة، وبعده موسى عليه السلام في السماء السادسة، ثمّ إبراهيم عليه السلام في السماء السابعه، ثم إلتقى بالله تعالى ففرض عليه الصلوات، قال النبي ﷺ: [ فرض اللَّهُ عز وجل على أُمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال ما فرض اللَّهُ لك على أمتك قلت فرض خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أُمتك لا تطيق ذلك فراجعت فوضع شطرها فرجعت إِلَى موسى قلت وضع شطرهَا فقال راجع ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعت فوضع شطرها فرجعت إليه فقال ارجع إلى ربك فإن أُمتك لا تطيق ذلك فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي] [8]

فرجع الرسول ﷺ إلى موسى فقال له راجع ربك فقال النبي استحيت من ربي، ثم انطلق به جبريل عليه السلام حتى انتهى به المطاف إلى سدرة المنتهى في الجنة.

4-3: موقف الناس من الإسراء والمعراج:

لمّا عاد النبي ﷺ من رحلته في الإسراء والمعراج، وقصّ ما حدث له للناس، فاشتد تكذيب الناس له، وقالوا إنّ الإبل بحاجة إلى شهرٍ لقطع المسافة بين مكة والقدس، وأراد المشركون استغلال هذه الفرصة لتحريض الناس عليه، فذهبوا إلى أبي بكر، وحدّثوه بما جرى، فقال لهم: “والله لئن كان قاله فقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة” فلذلك سمّاه النبي ﷺ بالصديق.

تابع النبي دعوته عارضا ذلك على القبائل في المواسم، وكان النبي يذهب إلى القبائل ومعه أبو بكر الصديق فيقول: ممن القوم؟ فيقولون: من بني فلان” ويبدو أن هذا السؤال كان يقصد به التعرف على القبيلة وعددها ومدى قدرتها على مجابهة قريش والخروج على سلطانها، وبعدما أحس النبي من قومة الصدود طيلة عشرة سنوات بعد البعثة، وبعد دراسة أحوال القبائل جميعاً، رأى أن أقوى القبائل العربية وأعزها بعد قريش هي قبائل الطائف (ثقيف وهوازن)، فقرر رسول الله ﷺ الذهاب للطائف.

المصادر:
– ابن هشام، السيرة النبوية، ج2.
– الطبري، تاريخ الأمم والملوك.
– ابن كثير، البداية والنهاية، ج3

[1] (المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر الكبير).

[2] (رواه اليخاري:  3820 عن أبي هريرة رضي الله عنه).

[3] (ابن كثير (البداية والنهاية) :3/126).

[4] (الراوي:عروة بن الزبير المحدث:الألباني المصدر:فقه السيرة الجزء أو الصفحة:123).

[5] (القصص: 56)

[6] (هناك اختلافٌ بيِّن في زمن الإسراء والمعراج فابن سعد في (الطبقات 1/214) يرى أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، في رمضان، وابن عبد البر يرى أنه كان في ربيع الأول. ومن أضعف الأقوال قول من قال: إن الإسراء كان في رجب.)

[7] (رواة مسلم)

[8] (فتح الباري شرح صحيح البخاري – كتاب الصلاة / باب 1 – 1-15 ج2)

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى