نظريات قيام الحضارات وأسباب انهيارها
نظريات قيام الحضارات وأسباب انهيارها: لا يمكن التفكير في تاريخ الإنسانية، دون التفكير والتأمل في ماض موغل في القدم، يمتد عبر أجيال وحقب طويلة، بدءا من الحضارات الشرقية القديمة، كالحضارة الفرعونية، والبابلية، والاشورية، والهندية، والفارسية، والصينية، مرورا بالحضارة اليونانية، والرومانية، وصولا إلى الحضارتين العربية الإسلامية والغربية.
ونظريات قيام الحضارات وأسباب انهيارها هي محاولات لفهم القوى المسيرة للتاريخ، للعثور على قواعد تحكم سير الحوادث، لمعرفة أسباب قيام الحضارات وتدهورها… وكلها محاولات لم تصل بعد إلى وضع قواعد أو قوانين أو حتى خطوط عريضة تعين على إدراك ما وراء الحوادث، أو تساعد على تعريفنا بالطريق الصحيح الذي ينبغي على البشر أن يسيروا فيه، ليصلوا إلى بناء مجتمع إنساني أكثر أمنا واستقرارا وأقدر على توفير أسباب الرخاء والسعادة للبشرية.
- إلى حين قريب كان الناس يعتقدون أن التاريخ هو علم الماضي، وأن موضوعه هو دراسة ما مضى وفات من الأحداث، كقيام الدول وتعاقب الملوك على عرشها ثم سقوطها وقيام غيرها، والحروب والغارات والهجرات واتفاقات السلام ونوازل الطبيعة ذات الأثر المحسوس في حياة الناس، كالزلازل والفيضانات.
- وسير من يسمون بعظماء البشر وقادة الناس وما قاموا به من أعمال توصف بأنها عظيمة، سواء أكانت نافعة كإقامة السلام وحماية القانون وتأمين الناس وإنشاء المرافق التي تعود بالخير على البشر، أو غير نافعة كقيادة حملات الغزو والتدمير وتخريب مراكز العمران، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء، وغير ذلك من أمور الأمور الماضي، وأحوال القيامة ومقدماتها.
- ونتيجة لهذا المذهب في فهم التاريخ فقد كانت كتب التاريخ في العصور القديمة والوسطى، عبارة عن سجلات للأحداث تروى على علاتها دون تدقيق وتمحيص، أو سردا لتراجم العظماء وما قاموا به من الأعمال وما أنشأوا من الدول، إذا كانوا من أهل السياسة والحروب وما ألفوا من الكتب إذا كانوا من أهل الفكر والعلوم، أو ابتكروا من الأشياء إذا كانوا من أهل الحرف العملية كالطب، والكيمياء، والنبات، والمعمار.
وقد احتاج التاريخ في الغرب إلى قرون طويلة لكي تظهر شخصيته ويستقل كعلماً كاملا له أصوله ومناهجه وقواعده. أما عند المسلمين فقد ولد من أول الأمر علما مستقل الشخصية واضح الخصائص، لأنه نشأ على نفس الأصول التي قام عليها علم الحديث، وهي الضبط والدقة والأمانة وتحري الصدق.
- فقد بدأ التاريخ عند المسلمين بالسيرة النبوية، وهي في ذاتها حديث نبوي طويل، لأن الحديث هو كل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو استحسان أو استهجان أو إقرار.
- وقد التزم المحدثين الأوائل الذين مهدوا لكتابة السيرة، من أمثال أبان إبن عثمان وعبيد بن شرية وعروة بن الزبير الأصول التي اعتمدها المحدثون فيما رووا من أخبار ، وكذلك فعل أصحاب المغازي من أمثال موسى بن عقبة و محمد بن إسحاق
- أما الأساطير التي شابت علم التاريخ عند المسلمين فيما بعد فقد أتت من مصدر آخر غير الحديث وهو التفسير، ذلك أن أوائل من تعرضوا لتفسير القرآن الكريم لم يجدوا بين أيديهم تفاصيل يشرحون بها الكثير مما ورد في القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية، فالتمسوا ذلك فيما وصل إليهم من تفاصيل ما روي من هذه الأحداث في الكتب الدينية المتداولة بين اليهود والنصارى.
- وفي الحكايات التي كان يتناقلها الفرس والهنود والمصريون والإغريق وغيرهم ممن دخل الإسلام، وساعد على ذيوعها أيضاً دخول بعض أهل الكتاب في الإسلام حاملين معهم ما ورد في كتبهم الدينية من أخبار عن الماضي، وخاصة الأنبياء والرسل ومن تبعهم من الأقوام وما قام بينهم وبين خصومهم من صراع، فدخل الكثير من ذلك كله في تفسير القرآن الكريم، وقد أنكر فقهاء المسلمين الكثير من هذه التفاصيل وسموها بالإسرائيليات.
تعريف مفهوم الحضارة: مازال الصراع محتدماً بين النقاد والباحثين حول تعريف مفهوم الحضارة والثقافة والمدنية، بسبب اختلاف النظرة إليها من شخصٍ لآخر، بالإضافة لاختلاف المدارس الفكرية بين الفلاسفة والباحثين، حيث بينوا أن الحضارة تقتصر على التقدم المادي للمجتمع، في حين تقتصر الثقافة على أفكار وعقائد الإنسان.
والحضارة في اللغة: جمعها حَضَارات، وتعرف بأنها الإقامة في الحضر، والحضر هم من يقيمون في المدن، وهي بذلك عكس البداوة والتي هي الإقامة المتنقلة في البوادي.
وفي الاصطلاح: فإن الحضارة هي جملة المظاهر التي تعبر بواسطتها الأمم عن ثقافاتها، كما أنها حصيلة ما يكتسبه الفرد في مجتمعه، وهي كل ما يشتمل على العقيدة، والقانون، والأخلاق، والعادات، الفنون، كما تعتبر الحضارة شاملة لكل من الثقافة، والمدنية، وإن أي إهمال لأي منهما قد يؤدي إلى ضعف، ولربما يكون بداية لانهيار الحضارة.
الثقافة في اللغة: مأخوذة من الفعل ثقف، وتطلق هذه الكلمة على الفطنة، والعلم، والذكاء.
الثقافة في الاصطلاح: كما جاء في إعلان مكسيكو عام 1982م، بأنها هي جميع السمات المادية، والروحية، والعاطفية، التي تميز أي مجتمع عن غيره، وتضم طريقة حياة هذا المجتمع، وفنونه، وآدابه، إضافة إلى عاداته، وتقاليده، وحقوق الإنسان الأساسية فيه.
المدنية: مصطلح جديد ظهر في عصرنا الحديث، وتعرف المدنية بأنها نظام الحضارة العابرة للقوميات والقارات والأديان، تشمل العالم بأكمله مثل الحضارة الحديثة التي نعيشها الان، بما فيه من العمران، ووسائل الترفيه، ووسائل الاتصال، وظهرت المدنية نتيجة التفاعل الحاصل بين العلوم وتطبيقاتها من ناحية، وما أنتجته الأمة من ناحية أخرى؛ وهذا ما جعلها ترتبط بالمجالين: الاقتصادي والصناعي.
“أما ول ديورانت مؤلف كتاب” قصة الحضارة ” فيعرف الحضارة بأنها “نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي. وبناء على ما تقدم يمكن تعريف الحضارة بأنها:
- مجموعة المظاهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية لأمة من الأمم يتناقلها الأبناء جيلا بعد جيل.
- التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالي يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.
وهناك نظرياتٍ كثيرة اهتمت بدراسة عوامل قيام الحضارات وانهيارها عبر التاريخ القديم، ومن المؤكد أن المستقبل سيشهد قيام وانهيار حضارات أخرى، في ظل حركة تاريخية لا تعرف الهدوء والسكينة لأن الأمر يتعلق في نهاية المطاف، بواقع ومستقبل أرقى مخلوقات على الأرض، ألا وهو الإنسان الطامح دوماً إلى الارتقاء والتغيير، ومن أهم هذه النظريات:
2. نظرية الدورة الحضارية (تعاقب الحضارات) لأزوفالد شبنجلر .
3. نظرية التحدي والاستجابة لأرنولد توينبي.
المراجع:
[1] (ولد العلامة عبد الرحمن ابن خلدون: في تونس سنة 732هـ (1332م)، وأقام في المغرب حتى عام 784هـ ، ثم انتقل إلى مصر، ومكث بها ما يناهز ربع قرن ( 784 – 808هـ)، حيث توفي ودفن في مقابرها سنة 1406م.)