من الفكرة إلى التنفيذ

من الفكرة إلى التنفيذ – تفاصيل تصميم مبنى سكني في تسعينيات القاهرة.
في تسعينيات القرن الماضي، كانت القاهرة تعيش مرحلة معمارية انتقالية مهمة، شهدت فيها المدن الجديدة والأحياء الحديثة مثل مدينة نصر نموًا عمرانيًا متسارعًا وتطورًا في أنماط البناء. في هذه الفترة، لم يكن التصميم المعماري مجرد استجابة لمتطلبات السكن، بل كان انعكاسًا لتحولات اجتماعية واقتصادية وفكرية عميقة. وفي هذا السياق، جاءت تجربة تصميم وتنفيذ هذا المبنى السكني كمثال حي على ملامح تلك المرحلة، حيث امتزجت فيه الرؤية الجمالية بالاعتبارات الوظيفية والتقنيات المتاحة آنذاك.
موقع المشروع وأبعاده
يقع المبنى في أحد أهم شوارع مدينة نصر – القاهرة، على قطعة أرض ناصية وفّرت له حضورًا عمرانيًا مميزًا بفضل واجهته الرئيسية المطلة على شارع رئيسي بعرض 50 مترًا، وواجهة جانبية على شارع فرعي بعرض 20 مترًا.
تبلغ مساحة قطعة الأرض 637 م² بأبعاد 28م × 22.75م، وقد تم الالتزام بجميع الاشتراطات البنائية الخاصة بالمنطقة، فجاءت الارتدادات كالتالي:
- 3 أمتار من الجوانب
- 4 أمتار من الخلف
هذا الموقع الاستراتيجي جعل من المشروع نقطة جذب سواء للسكان الباحثين عن سكن مريح في قلب المدينة، أو للمستثمرين الراغبين في الاستفادة من الحركة التجارية النشطة في المنطقة.
التكوين المعماري للمبنى
يتألف المبنى من أربعة عناصر رئيسية تترابط وظيفيًا ومعماريًا بشكل متكامل:
- بدروم: خُصص للخدمات والمخازن والجراج، وهو ما وفر حلاً عمليًا لاحتياجات التخزين وركن السيارات دون التأثير على المساحات السكنية.
- الطابق الأرضي: مخصص بالكامل للأنشطة التجارية، مع وجود مدخل جانبي مستقل لخدمة الوحدات السكنية، ما يعزز الخصوصية ويفصل الحركة التجارية عن السكنية.
- الدور الأول: يضم 9 مكاتب إدارية متفاوتة المساحة، صُممت لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتتنوع وظائفها بين غرف الاجتماعات، والمكاتب التنفيذية، ومساحات العمل المفتوحة، ومناطق الاستقبال، بما يتيح مرونة في الاستخدام ويزيد من القيمة الاستثمارية للمبنى.
- 9 طوابق متكررة (من الثاني حتى العاشر): تحتوي على وحدات سكنية تم تصميمها لتلبية احتياجات الأسر المصرية في تلك الفترة، مع توزيع متوازن للمساحات بين غرف النوم، والمعيشة، والخدمات.
الطابق الأرضي

- عدد 4 محلات تجارية تطل مباشرة على الشارع الرئيسي، ما يعزز القيمة الاستثمارية للمبنى.
- مدخل سكني مستقل يقع على الارتداد الجانبي، لضمان خصوصية سكان المبنى بعيدًا عن الحركة التجارية.
- شقة سكنية بالدور الأرضي مطلة على الحديقة الخلفية، بمساحة رحبة تتكون من:
- 3 غرف نوم
- غرفة معيشة
- غرفة طعام
- مطبخ
- 2 حمام
الدور الأول

- الدور الأول: يضم 9 مكاتب إدارية متفاوتة المساحة، صُممت لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتتنوع وظائفها بين غرف الاجتماعات، والمكاتب التنفيذية، ومساحات العمل المفتوحة، ومناطق الاستقبال، بما يتيح مرونة في الاستخدام ويزيد من القيمة الاستثمارية للمبنى.
الأدوار المتكررة (الثاني حتى التاسع)

كل دور يحتوي على عدد 3 شقق كل شقة تتكون من 3 غرف وصالة، تتوزع وظائفها كالآتي:
- 3 غرف نوم
- معيشة داخلية
- صالون
- غرفة طعام
- مطبخ
- 2 حمام
الأسلوب المعماري
- جاء التصميم بأسلوب حداثي بسيط يركز على الوظيفة أولاً مع لمسات جمالية غير متكلفة. تم اعتماد واجهات تجمع بين العناصر الرأسية والأفقية في توزيع الفتحات والنوافذ، ما يمنح المبنى إيقاعًا بصريًا مريحًا دون مبالغة في التفاصيل الزخرفية.
كما جرى استغلال الواجهة الرئيسية التجارية لإبراز المشروع على الشارع الرئيسي من خلال فتحات عرض واسعة وزوايا رؤية مدروسة.
- هذا التوزيع يحقق التوازن بين المساحات الخاصة والعامة داخل الوحدة السكنية، بما يلبي احتياجات الأسر المتوسطة والكبيرة.
- ومن الناحية الوظيفية، فقد تضمن المبنى سلمًا رئيسيًا متسعًا يربط جميع الطوابق، إلى جانب مصعد كهربائي يخدم السكان ويوفر سهولة الحركة الرأسية بين الأدوار المختلفة. الجمع بين السلم والمصعد عزز من مرونة الاستخدام، ولبّى احتياجات مختلف الفئات من قاطني المبنى وزواره، مع ضمان تحقيق معايير السلامة والراحة.
- في تلك الحقبة، لم تكن أدوات التصميم الرقمي منتشرة بعد، فتم رسم المشروع بالكامل بالطرق التقليدية باستخدام المسطرة التي، والمثلثات، وأدوات التحبير، وكان هناك خطّاط محترف لكتابة الأبعاد ومسميات الغرف على اللوحات. هذا الأسلوب اليدوي منح المصممين قدرة أكبر على التركيز في التفاصيل الدقيقة، لكنه تطلب وقتًا وجهدًا مضاعفين مقارنة بالأساليب الرقمية الحالية.
المواد المستخدمة
من الفكرة إلى التنفيذ: جاءت مواد البناء والتشطيب متأثرة بظروف السوق المحلي في بداية التسعينيات، حيث تم الاعتماد على:
- الخرسانة المسلحة كأساس للهيكل الإنشائي.
- الطوب الأحمر التقليدي في الحوائط الداخلية والخارجية.
- الرخام والسيراميك في تشطيب المدخل والأرضيات لخلق مظهر أنيق ومتين.
- الألومنيوم والزجاج الشفاف في النوافذ والواجهات لإدخال الضوء الطبيعي وتعزيز التواصل البصري مع الشارع.
الحلول الإنشائية والتوزيع الداخلي
حرص التصميم على تحقيق أقصى استفادة من المساحة مع الحفاظ على جودة الحياة داخل الوحدات. فتم تخصيص سلم ومصعد في قلب المبنى لضمان حركة رأسية مريحة وآمنة بين الطوابق، مع مراعاة أن تكون المسافات بين الوحدات ومسارات الحركة داخل كل طابق واضحة وسلسة.
التحديات التي واجهت فريق التصميم
من أبرز التحديات التي واجهت المهندسين في تلك الحقبة:
- القيود البنائية الصارمة التي فرضت حلولًا ذكية لاستغلال المساحة.
- غياب التقنيات الرقمية مما جعل مراحل الرسم والإخراج عملية يدوية دقيقة تستغرق وقتًا طويلاً.
- دمج الوظائف المختلفة (تجارية وسكنية) في مبنى واحد مع الحفاظ على الخصوصية والانسيابية الوظيفية.
خلاصة التجربة
يمثل هذا المشروع نموذجًا واقعيًا للعمارة السكنية – التجارية في القاهرة خلال التسعينيات، حيث كانت المباني تمثل حلولًا متكاملة للحياة اليومية في مدينة سريعة التغير. من الفكرة الأولى إلى التنفيذ النهائي، عكست التجربة مزيجًا من الفكر المعماري الوظيفي والقدرات التقنية التقليدية التي سبقت عصر الأوتوكاد والنمذجة الرقمية.
لقد كانت هذه التجربة أكثر من مجرد تصميم مبنى؛ كانت مدرسة مهنية مبكرة ساهمت في تشكيل رؤية المعماريين تجاه العلاقة بين الفضاء، والمادة، والمجتمع في مرحلة مهمة من تاريخ العمارة المصرية الحديثة.
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة عن: من الفكرة إلى التنفيذ – تفاصيل تصميم مبنى سكني في تسعينيات القاهرة.
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن: فانتظرونا.
المراجع:
للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:
الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257
اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031
التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1
الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/