مدن الجيل الرابع في مصر
مدن الجيل الرابع في مصر: بين التخطيط الاستراتيجي والعمارة المعاصرة
التحديات السكانية والتوسع الحضري في مصر
واجهت مصر، على مدار العقود الثلاثة الماضية، تحديات متراكمة تتعلق بالكثافة السكانية والتوسع الحضري غير المتوازن. فعلى الرغم من الامتداد الجغرافي الشاسع للدولة، ظل أكثر من 90% من السكان متمركزين على أقل من 7% من المساحة الكلية، في شريط ضيق يمتد على طول وادي النيل والدلتا.
وفي ظل هذا الواقع، أصبح إنشاء المدن الجديدة خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه، ليس فقط لتخفيف الضغط عن المدن القائمة، بل أيضًا لإعادة توزيع السكان والموارد بشكل أكثر عدالة، وخلق بيئات عمرانية حديثة تتسم بالتخطيط المسبق والبنية التحتية المتطورة، وتلبي احتياجات السكان المتزايدة، بما يسهم في تحسين جودة الحياة.
مقدمة: لماذا مدن الجيل الرابع؟
بدأ برنامج إنشاء المدن الجديدة في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1978م كاستجابة أولى لمشكلة التركز السكاني والتوسع العمراني غير المنضبط في عواصم المحافظات والمدن الكبرى.
مدن الجيل الأول:
بدأت بـ7 مدن مستقلة على مساحة 344 ألف فدان لها قواعد متنوعة، وتهدف للهجرة من المدن، ونشأت بأنشطة اقتصادية مختلفة مثل:

مدينة العاشر من رمضان: تقع في محافظة الشرقية، وتتبع إدارياً لهيئة المجتمعات العمرانية، تُعد من أكبر المدن الصناعية في مصر، أنشئت لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية ولتوفير فرص عمل للشباب، واستقطاب الزيادة السكانية إلى خارج العاصمة القاهرة، تبلغ مساحتها حوالي 95,000 فدان (384.45 كم²)، وتقع المدينة على طريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي، تبعد عن القاهرة 46 كم، وعن الزقازيق 39 كم، وعن بلبيس 20 كم، وبلغ عدد سكان المدينة حوالي 268,208 نسمة في 2022.
- مدينة 6 أكتوبر.
- مدينة السادات.
- مدينة برج العرب الجديدة.
- مدينة الصالحية الجديدة.
- مدينة 15 مايو.
- مدينة دمياط الجديدة.
مدن الجيل الثاني:
بعد نجاح الجيل الأول قررت الحكومة تنفيذ الجيل الثانى بعدد 8 مدن، وكانت عبارة عن مدن تابعة هدفها الاستيعاب السكانى، وتتوسع عمرانيا، وعندما توسعت تم عمل أنشطة وقواعد اقتصادية لها لتتحول لمدن مستقلة، ومنها:
- مدينة بدر
- مدينة العبور
- مدينة بني سويف الجديدة.
- مدينة المنيا الجديدة.
- مدينة النوبارية الجديدة.

مدينة الشيخ زايد: بمحافظة الجيزة، وتتبع إدارياً لهيئة المجتمعات العمرانية أنشأت بقرار جمهوري سنة 1995، بمنحة من صندوق أبو ظبي للتنمية،
وتبعد حوالي 20 كم من ميدان لبنان بحي المهندسين ويحدها طريق مصر- الإسكندرية الصحراوي وامتداد محور 26 يوليو ومدينة 6 أكتوبر وتبلغ مساحتها حوالي 9,500 فدان. عدد سكان مدينة الشيخ زايد الآن حوالي 150 ألف نسمة ومن المنتظر أن يصل إلى 500 ألف نسمة عند اكتمال نموها.
مدن الجيل الثالث:
النوع الثالث هى المدن التوأمية، وهى مدن ذات قواعد اقتصادية أحادية لحل مشكلات المدن مثل:
- القاهرة الجديدة.

مدينة الشروق: تقع في محافظة القاهرة، وتتبع إدارياً لهيئة المجتمعات العمرانية، أنشأت بقرار جمهوري سنة 1995، في إطار التوسع العمراني لاستيعاب الأعداد السكانية المتزايدة وإعادة توزيع السكان داخل منطقة القاهرة الكبرى، تقع المدينة شرق القاهرة ويحدها من الشمال طريق مصر-الاسماعيلية ومن الجنوب طريق القاهرة – السويس الصحراوي ومن الشرق تحدها مدينة بدر والطريق الدائري الإقليمي ومن الغرب يحدها الطريق الدائري بمساحة اجمالية ٥٣ ألف فدان
- مدينة أسيوط الجديدة.
- مدينة طيبة الجديدة.
- مدينة سوهاج الجديدة.
- مدينة أسوان الجديدة.
- مدينة قنا الجديدة.
- مدينة الفيوم الجديدة.
- مدينة أخميم الجديدة،
مدن الجيل الرابع:
ومع مرور العقود، وتراكم الضغوط الناتجة عن النمو السكاني السريع، دخلت الدولة مرحلة جديدة من التفكير العمراني، تُوِّجت بالإعلان عن ما يُعرف بـ مدن الجيل الرابع عام 2018، عقب تجاوز عدد سكان مصر حاجز المائة مليون نسمة. و ضمت المرحلة الأولى منها عدد 24 مدينة لمضاعفة المسطح المعمور فى مصر، وأبرزها:
- العاصمة الإدارية الجديدة.
- مدينة العلمين الجديدة.
- مدينة المنصورة الجديدة.
- مدينة شرق بورسعيد.
- مدينة الجلالة.
- مدينة الإسماعيلية الجديدة.
- امتداد الشيخ زايد.
- ناصر «غرب أسيوط»، وغرب قنا،
- توشكى الجديدة.
- حدائق أكتوبر.
- وشرق ملوى.
- الفشن الجديدة شرق بنى سويف.
وحتى سبتمبر 2021، بلغ عدد المدن الجديدة قيد التخطيط أو التطوير نحو 37 مدينة، إضافة إلى 24 مدينة قائمة تخضع لعمليات تطوير وتحول إلى مدن ذكية. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوسع العمراني واسع النطاق خلال السنوات المقبلة، بما يضمن طلبًا متزايدًا ومستدامًا على شركات المقاولات، والمكاتب الاستشارية، والمقاولين الفرعيين في السوق المحلي.
وجاءت هذه المرحلة بوصفها تحولًا نوعيًا في فلسفة التخطيط العمراني، لا يقتصر على إنشاء تجمعات سكنية جديدة، بل يهدف إلى تحويل تحديات النمو السكاني إلى فرص تنموية، من خلال بناء مدن مخططة تستوعب الزيادة السكانية، وتعيد توزيع السكان والأنشطة الاقتصادية على رقعة جغرافية أوسع.
وتُعرَّف مدن الجيل الرابع بأنها مدن ذكية، متصلة، ومستدامة، تراعي البعد البيئي والاجتماعي والاقتصادي في آن واحد، مع تركيز واضح على تطوير البنية التعليمية، والخدمات المعرفية، والبنية الرقمية، بما يسهم في جذب الفئات العمرية الشابة، ودعم التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة. وفي الوقت نفسه، لم تغفل هذه المدن الأسس التقليدية للتخطيط الحضري، مثل كفاءة شبكات النقل، وتوفير المساحات الخضراء، وتحقيق المرونة في التصميم العمراني.
مبادئ تخطيطية ومعمارية مشتركة بين مدن الجيل الرابع
قبل تناول نماذج المدن الجديدة على حدة، يجدر التوقف عند مجموعة من المبادئ والتوجهات التخطيطية والمعمارية التي تشترك فيها مدن الجيل الرابع، وتشكل الإطار العام لهويتها العمرانية:
1. المخطط المركزي متعدد القطاعات
تعتمد هذه المدن على تقسيم وظيفي واضح، يوزع الأنشطة السكنية، والصناعية، والتعليمية، والترفيهية على محاور ومناطق محددة، مع إنشاء مراكز خدمية موزعة جغرافيًا، بهدف تقليل الازدحام وتحقيق كفاءة الحركة داخل المدينة.
2. شبكات نقل متكاملة
يُعد النقل عنصرًا محوريًا في تخطيط مدن الجيل الرابع، حيث يتم ربطها بشبكات القطار الكهربائي أو السكك الخفيفة، إلى جانب محاور طرق رئيسية عالية الكفاءة، مع تعزيز أنماط الحركة المستدامة داخل الأحياء مثل المشي وركوب الدراجات.
3. الاستدامة والفضاءات الخضراء
تحظى المساحات المفتوحة بدور أساسي، سواء من خلال الحدائق العامة، أو المحاور الخضراء والمائية، أو التراسات المزروعة، إلى جانب اعتماد إجراءات تهدف إلى خفض البصمة الكربونية وتحسين جودة البيئة الحضرية.
4. المرونة المعمارية والتكيف المناخي
تتبنى الكتل المعمارية حلولًا مرنة قابلة للتعديل والتطوير، مع مراعاة الخصوصية المناخية المحلية، والاعتماد على تقنيات التبريد السلبي، ومعالجات الواجهات التي تقلل من استهلاك الطاقة.
5. الرقمنة والبنية التحتية الذكية
تشمل هذه المدن أنظمة ذكية لإدارة المياه والكهرباء، وتحسين كفاءة جمع وإدارة النفايات، واستخدام أنظمة الإنارة العامة الذكية، بما يعزز كفاءة التشغيل وجودة الحياة.
الاستغلال الأمثل للأراضي والتنمية المستدامة
يسهم إنشاء المدن الجديدة في تحقيق الاستغلال الأمثل للأراضي غير المستغلة في مختلف أنحاء الدولة، كما يفتح آفاقًا واسعة لخلق فرص عمل جديدة، ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة، وتعزيز مناخ الاستثمار. وإلى جانب ذلك، تلعب هذه المدن دورًا محوريًا في تحسين الأداء البيئي، من خلال تبني مبادئ التصميم المستدام، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتطبيق نظم فعالة لإدارة المخلفات، وهي سمات أساسية لمدن الجيل الرابع المنتشرة حاليًا في أنحاء الجمهورية.
تطور الكثافة السكانية وأبعاد الأزمة
مع تزايد عدد السكان، شهدت الكثافة السكانية في مصر ارتفاعًا ملحوظًا، حيث ارتفعت من نحو 6.6 نسمة/كم² عام 1882 إلى 103.6 نسمة/كم² في مارس 2023. وتشير التقديرات إلى أنه في حال وصول عدد السكان إلى نحو 120 مليون نسمة بحلول عام 2030، قد ترتفع الكثافة إلى حوالي 119 نسمة/كم².
غير أن جوهر الأزمة لا يكمن في متوسط الكثافة على مستوى الدولة، بل في التركيز الشديد للسكان داخل المساحة المأهولة. فقد بلغت الكثافة السكانية في المساحة المأهولة عام 2021 نحو 1494 نسمة/كم²، مع تباينات حادة بين المحافظات. ففي حين تقل نسبة المساحة المأهولة عن 5% في محافظات مثل البحر الأحمر والوادي الجديد ومطروح وأسوان، تصل إلى قرابة 100% في محافظات الدقهلية والشرقية والغربية وكفر الشيخ والإسماعيلية، وتقترب من هذا الحد في محافظات أخرى مثل بورسعيد والقليوبية والمنوفية.
ويؤدي هذا التفاوت إلى فروق كبيرة في الكثافة داخل المساحة المأهولة، والتي تُحسب بقسمة عدد السكان على المساحة المأهولة بالكيلومتر المربع، ما يعكس حجم الضغط الحقيقي على العمران والخدمات.
الكثافة السكانية في القاهرة الكبرى
تُعد محافظة القاهرة النموذج الأوضح لهذه الأزمة، حيث بلغت الكثافة السكانية في المساحة المأهولة مستوى قياسيًا، يناهز 52 ألف نسمة/كم²، وهو رقم يضع العاصمة المصرية في مصاف أكثر المدن كثافة على مستوى العالم. وتأتي محافظة الجيزة في المرتبة الثانية بكثافة تبلغ نحو 7.4 آلاف نسمة/كم²، بفارق كبير يعكس خصوصية وضع القاهرة.
ويكشف التوزيع الجغرافي للسكان عن تركُّز واضح في محافظات وادي النيل والدلتا، وفي الحواضر الكبرى وإقليم القاهرة الكبرى، مقابل انخفاض شديد في الكثافة بمحافظات الحدود. ووفقًا لتعداد 2017، تستحوذ محافظات الوجهين البحري والقبلي على أكثر من 80% من سكان الجمهورية، بينما تمثل المحافظات الحضرية نحو 17%، ولا تتجاوز نسبة سكان محافظات الحدود 1.7%، رغم اتساع مساحاتها الجغرافية.
الحاجة إلى حل جذري وإعادة رسم الخريطة السكانية
أمام هذه المعطيات، بات من الضروري تبني حلول جذرية تعيد رسم الخريطة السكانية لمصر، وتستوعب الزيادة السكانية المستمرة، وتخفف من حدة التكدس في الوادي والدلتا. وقد تجسدت هذه الرؤية في مسارات متوازية، شملت القضاء على العشوائيات والمناطق غير الآمنة، وتحسين جودة الحياة في الريف المصري من خلال مبادرات قومية مثل “حياة كريمة”، إلى جانب إنشاء مدن جديدة تستهدف جذب السكان بعيدًا عن الشريط الضيق لوادي النيل.
غياب الحلول سابقًا والتحول في السياسات العمرانية
على مدار عقود، ظل العبء الأكبر من إنتاج العمران السكني ملقى على عاتق القطاع الخاص، وهو ما أفرز أنماطًا سكنية لا تتناسب اقتصاديًا مع شريحة واسعة من المجتمع، في ظل غياب رؤية شاملة أو تدخل فعال من الدولة. وأسفر ذلك عن انتشار البناء العشوائي، وظهور مناطق غير مخططة، وزيادة الضغط على شبكات المرافق غير المؤهلة لاستيعاب هذا النمو غير المنضبط.
ومن هنا، كان تشخيص أسباب أزمة التكدس السكاني وفهم محدداتها خطوة أساسية نحو صياغة حلول واقعية، في مقدمتها إنشاء مدن جديدة مخططة تمنع التمدد العشوائي، وتوفر أنماط إسكان متنوعة (اجتماعي – متوسط – فاخر – سياحي)، بجودة تنفيذ مرتفعة، وآليات تمويل مرنة تراعي مختلف الفئات الاجتماعية، وبخاصة محدودي الدخل.
خاتمة: بين التخطيط والهوية… نحو عمران يعكس روح المكان
تمثل مدن الجيل الرابع في مصر أكثر من مجرد استجابة كمية لأزمة التكدس السكاني، فهي تعبير عن تحول نوعي في الفكر التخطيطي والمعماري، يسعى إلى بناء مدن قادرة على استيعاب النمو السكاني، دون التضحية بجودة الحياة أو فقدان الخصوصية الثقافية والعمرانية. لقد أعادت هذه المدن طرح سؤال جوهري طالما شغل المعماريين والمخططين: كيف يمكن للمدينة الحديثة أن تكون ذكية ومستدامة، دون أن تكون منبتّة الجذور أو منزوعة الهوية؟
ويكشف تتبع المبادئ التخطيطية لمدن الجيل الرابع عن إدراك متزايد لأهمية العلاقة التكاملية بين التخطيط العمراني واللغة المعمارية؛ فالمخطط لم يعد إطارًا هندسيًا محايدًا، بل أصبح أداة لتشكيل أنماط العيش، وتنظيم الحركة، وتوجيه الكتل المعمارية، وخلق فضاءات عامة تعزز الانتماء والشعور بالمكان. وفي المقابل، لم تعد العمارة مجرد استجابة شكلية للمخطط، بل وسيلة للتعبير عن الخصوصية المناخية، والاجتماعية، والثقافية، في سياق معاصر يستفيد من التقنيات الحديثة دون أن يخضع لها بالكامل.
ومع اتساع رقعة المدن الجديدة، تبرز أهمية الانتقال من مرحلة التأسيس والتشييد إلى مرحلة صياغة الهوية؛ حيث يصبح التحدي الحقيقي هو تحويل هذه المدن من تجمعات عمرانية مخططة إلى مدن نابضة بالحياة، تمتلك ملامح معمارية واضحة، وتوازنًا مدروسًا بين العالمي والمحلي، وبين متطلبات الحداثة وخصوصية السياق المصري.
وفي هذا الإطار، سنحاول في المقالات التالية التعمق في قراءة نماذج محددة من مدن الجيل الرابع، مثل:
- العاصمة الإدارية الجديدة.
- مدينة العلمين الجديدة.
- مدينة المنصورة الجديدة.
- مدينة حدائق أكتوبر، وغيرها، بهدف تحليل تجاربها التخطيطية، واستكشاف لغتها المعمارية، وتقييم قدرتها على إنتاج هوية عمرانية متماسكة تعبّر عن روح المكان، وتستجيب في الوقت ذاته لتحديات المستقبل. فهذه المدن، بما تحمله من طموح وحجم استثمار غير مسبوق، تمثل مختبرًا حيًا لإعادة تعريف المدينة المصرية في القرن الحادي والعشرين.
“نستكمل في المقال التالي رحلتنا مع موضوع العاصمة الإدارية: الحلم الذي يصنع واقعًا إنسانيًا جديدًا.”
للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:
الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257
اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031
التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1
الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/



