Web Analytics
تاريخ العلومعلماء المسلمين في الكيمياء

جـابر بن حيان

المقدمة

يُعد جابر بن حيان من أعظم علماء المسلمين والعصور الوسطى، بل ويصفه الكثيرون بأنه أبو الكيمياء ومؤسسها الحقيقي. ترك إرثًا علميًا ضخمًا لا يزال أثره ممتدًا في علوم الكيمياء والطب والفلسفة حتى اليوم. في هذا المقال نتناول سيرته، نشأته، إسهاماته العلمية، وأقوال العلماء عنه.

مولده ونشأته

اسمه الكامل جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي الكوفي الطوسي، ويُكنّى أبا موسى أو أبا عبد الله، وكان معروفًا بلقب الصوفي لزهده.
تذكر المصادر أن والده “حيان بن عبد الله” كان يعمل في العطارة، وانتقل من الشام إلى مدينة طوس بسبب الاضطرابات السياسية والتغيرات الاقتصادية، وهناك افتتح دكانًا للعطارة، وبعد فترة قصيرة وُلد جابر بن حيان.

نشأ جابر في بيئة علمية مهتمة بالبحث والمعرفة، حيث كان يساعد والده في تجارة العقاقير، الأمر الذي أكسبه خبرة مبكرة في عالم النباتات والأعشاب. منذ صغره كان ميّالًا للعزلة والتأمل، شديد الذكاء، تستهويه الطبيعة وظواهرها، ودائم التساؤل عن أسباب تكوين الأشياء. وكان والده يجيب عن تساؤلاته، ويطلعه على أسرار عالم النباتات والمعادن وخواصها.

حرص “حيان” على تعليم ابنه علوم النباتات والأعشاب والدواء، وأدخله في عالم الكيمياء والفلسفة القديمة، حتى أصبح لدى جابر وهو في سن الصبا مخزونًا ضخمًا من المعارف الطبية والطبيعية والفلسفية.

وعلى الرغم من انتشار فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب في ذلك العصر، حذره والده من الانخداع بهذه الخرافة، وأعده ليكون عالمًا حقيقيًا يعتمد على التجربة لا على الوهم.


المصاعب التي واجهته وسفرة في طلب العلم:

كان والد جابر من أنصار العباسيين ضد الأمويين، مما أدى إلى القبض عليه وقتله، فهربت أسرته إلى اليمن حيث أكمل جابر دراسته في القرآن والعلوم الأخرى. ثم عادت أسرته إلى الكوفة بعد سقوط الدولة الأموية، ولذلك يُنسب جابر إلى ألقاب مختلفة: الأزدي، الكوفي، الطوسي، والصوفي.

انضم جابر إلى حلقات العلم عند الإمام جعفر الصادق، وتلقى منه العلوم الشرعية واللغوية والكيميائية، كما استفاد من مؤلفات خالد بن يزيد بن معاوية الذي ترجم كتب الكيمياء اليونانية. وبذلك جمع جابر بين العلم الشرعي والفلسفي والتجريبي، مما جعله من رواد النهضة العلمية الإسلامية.

إسهاماته في علم الكيمياء

جابر بن حيان لم يكن مجرد ناقل للعلوم القديمة، بل طورها وأدخل عليها المنهج التجريبي القائم على التجربة والملاحظة الدقيقة. ومن أبرز إنجازاته:

  • اكتشافات كيميائية مهمة:
    • أول من حضر الأحماض المعدنية مثل حمض الكبريتيك (سماه زيت الزاج)، وحمض النيتريك، وحمض الهيدروكلوريك.
    • أول من استخرج ماء الذهب وفصل الذهب عن الفضة باستخدام الأحماض.
    • اكتشف الصودا الكاوية (NaOH) واخترع القلويات (Alkali).
  • ابتكار أدوات وتجهيزات مخبرية:
    • طوّر أساليب التقطير، التبلور، التبخير، والانصهار.
    • اخترع جهاز التقطير المعروف بـ Alembic (الأمبيق).
  • تطوير النظريات الكيميائية:
    • شكك في نظرية أرسطو عن العناصر الأربعة، وبيّن أن التراب مركب من عناصر عديدة.
    • وضع أساس قوانين الاتحاد الكيميائي والنسب الثابتة قبل دالتون بقرون.
    • قسّم المواد إلى ثلاثة أقسام:
      1. المواد الروحية (الكحولات).
      2. الفلزات.
      3. المركبات الكيميائية.
  • إدخال المنهج التجريبي للعلوم: كان يؤكد دائمًا على أهمية التجربة قائلاً:
    “من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان.”
  • ابتكارات أخرى:
    • حضّر مركبات كيميائية مثل كبريتيد الزئبق وأكسيد الزرنيخ.
    • استعمل ثاني أكسيد المنغنيز في صناعة الزجاج.
    • اخترع أحبارًا مضيئة وأوراقًا مقاومة للحريق.
    • وضع أسس علم السموم وصنفها إلى حيوانية ونباتية وحجرية.

أهم مؤلفات جابر بن حيان:

تعود شهرة جابر بن حيان بشكل أساسي إلى مؤلفاته الكثيرة التي شكّلت علامة فارقة في تاريخ العلم. ومن أبرزها كتاب “السموم ودفع مضارها” الذي ألّفه عام 198 هـ / 813م، واتبع فيه المنهج التجريبي العلمي بدقة. ويتألف الكتاب من خمسة فصول تتناول أسماء السموم وأنواعها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان والحيوان، إضافة إلى العلامات التي تدل عليها، وطرق العلاج والوقاية منها. وقد قسّم جابر السموم إلى ثلاثة أصناف رئيسية: حيوانية، نباتية، وحجرية مثل الزئبق والزرنيخ والزاج. ويُعدّ هذا الكتاب همزة وصل مهمة بين الطب والكيمياء.

كما يُعدّ كتابه “الرسائل السبعين” من أهم مؤلفاته، إذ يضم سبعين مقالة تناولت أبرز تجاربه الكيميائية والنتائج التي توصل إليها، حتى أصبح يُعتبر خلاصة علم الكيمياء عند العرب في عصره. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية على يد جيرار الكريموني عام 1187م، وكان له تأثير بالغ في تطور الفكر الكيميائي في أوروبا.

لقد التزم جابر في مؤلفاته جميعها بالاعتماد على المنهج العلمي التجريبي، وهو ما جعله يستحق بجدارة لقب المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء، الذي كان يُعرف آنذاك باسم علم الصنعة.

ولا تقتصر أعماله على الكيمياء فحسب، بل تضم أيضًا شروحًا لكتب أرسطو وأفلاطون، ورسائل في الفلسفة، والتنجيم، والرياضيات، والطب، والموسيقى. ويذكر الزركلي في كتابه الأعلام أن لجابر مؤلفات تتراوح بين 232 كتابًا و500 كتاب، لكن معظمها ضاع بمرور الزمن. وقد تُرجم العديد من كتبه إلى اللاتينية في بدايات القرن الثاني عشر، ثم إلى الإنجليزية عام 1678م. وظلّت كتبه مرجعًا أساسيًا في أوروبا لعدة قرون، وأسهمت بشكل كبير في تطوير الكيمياء الحديثة. ويؤكد ماكس مايرهوف هذا الأثر بقوله: “يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر بن حيان بصورة مباشرة”، والدليل على ذلك بقاء الكثير من المصطلحات التي وضعها مستخدمة حتى اليوم في اللغات الأوروبية.

لقد احتوت مؤلفاته على مركبات كيميائية جديدة لم تكن معروفة من قبل، الأمر الذي جعلها محل دراسة أشهر علماء الغرب مثل كوب وبرثولية وكراوس وهولميارد الذي أنصفه ووضعه في القمة، إضافة إلى سارتون الذي أرّخ به لحِقبة ذهبية في تاريخ الحضارة الإسلامية. وله مؤلفات أخري مرتبة في الجدول التالي:

الكتابالكتابالكتاب
أسرار الكيمياءالشمس كتاب الذهبكتاب الخالص
نهاية الإتقان في الكيمياءالقمر كتاب الفضةكتاب الملك
أصول الكيمياءكتاب المجرداتكتاب الرسائل السبعين
كتاب الخواص الكبيركتاب الخواصكتاب المماثلة والمقابلة
السموم ودفع مضارهاالخمائر الصغيرةصندوق الحكمة
كتاب إخراج ما في القوة إلى الفعلعلم الهيئةكتاب الموازين

مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه

  • وصفه ابن خلدون: “إمام المدونين في الكيمياء حتى إنهم يسمونها صنعة جابر.”
  • قال عنه أبو بكر الرازي: “أول رائد للكيمياء وأستاذ العلماء.”
  • فرانسيس بيكون: “أول من علّم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء.”
  • مارسيلان بيرتيلو: “إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق.”

أطلق عليه عدة ألقاب منها: أبو الكيمياء، شيخ الكيميائيين المسلمين، الأستاذ الكبير.

إسهاماته في العلوم الأخرى

إلى جانب الكيمياء، برع في الطب والصيدلة والفلك والهندسة والفلسفة، وكان له تأثير كبير في الفكر العلمي حتى عصر النهضة الأوروبية، حيث ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية وأثرت في العلماء الغربيين.

خاتمة

لم يكن جابر بن حيان مجرد عالم عاش في العصور الوسطى، بل كان رائدًا سبق عصره بقرون، فوضع اللبنات الأساسية لعلم الكيمياء الحديث، ورسخ المنهج التجريبي، وقدّم للبشرية إرثًا علميًا جعل اسمه خالدًا في تاريخ العلوم.

وبكدة نكون وصلنا لنهاية المقال عن موضوع: جـابر بن حيان.

في المقال القادم نتحدث عن: ابو المنصور الموفق

المراجع:

للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:

الفيسبوكhttps://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257

اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031

التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1

الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى