Web Analytics
الحضارة الاسلامية

من الأزمات تصنع النهضات

من الأزمات تصنع النهضات: دروس من الهجرة الأولى وإسلام القادة

المقدمة:

لم تكن السنوات الأولى للدعوة في مكة مجرد مرحلة اضطهادٍ ومعاناة، بل كانت مدرسةً عميقة شكّلت وعي الجيل الأول وصنعت منه رجالًا ونساءً حملوا نور الرسالة إلى العالم. ففي قلب الأزمات الكبرى واشتداد ضغوط قريش على المسلمين، ظهرت لحظات فارقة رسمت ملامح نهضة الإسلام المبكرة؛ لحظات كشفت أن الشدائد ليست نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية.

في هذا المقال نستكمل ما كنا قد بدأناه في المقال السابق عن: الجهر بالدعوة وسياسة التدرج حيث سنواصل استعراض باقي الأساليب الأخرى التي استخدمتها قريش في مواجهة دعوة الإسلام ومنها:

المحور الرابع: الأيذاء البدني للمستضعفين:

أرادت قريش تخويف المسلمين الأوائل وخاصة المستضعفين منهم، الذين لا يملكون عشائر في مكة، وجعل الكفار يحبسونهم ويعذبونهم، بالضرب والجوع والعطش، ورمضاء مكة والنار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فكان أمية ابن خلف يخرج بلالاً إذا حميت الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من  مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى فيجيبهم بلال وهو في ذلك البلاء: “أحد …أحد”. وبقى على هذا الحال حتى أنقذه ابو بكر رضي الله عنه، واعتقه.

وكان خباب بن الارت سيافا، يصنع السيوف ويبيعها لقريش، وكانت مولاتة وتدعى “أم أنمار” تأتي بالحديد المحمي وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، ولكنه يكظم أنفاسه حتى لا يرضي غرور جلاديه، ومر به الرسول وهو يعذب، فطار قلبه رحمة وأسى، ولكن ماذا يملك أن يفعل له غير أن يثبته ويدعو له: (اللهم انصر خبابا) وبعد أيام قليلة نزل بأم أنمار قصاص عاجل، إذ أنها أصيبت بسعار جعلها -كما يقولون- تعوي مثل الكلاب، وكان علاجها أن يكوى رأسها بالنار!.

و كان بنو مخزوم يخرجون بعمار ابن ياسر وأمه سمية وابيه يعذبونهم برمضاء مكه، فيمر بهم رسول الله وهو لا يملك إلا عبرة تغرورق في عينية ويقول لهم: [صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة] [1]. فصبرت الاسرة حتى جاء أبو جهل إلى سمية وطعنها في قلبها وهي تأبى إلاّ الإسلام، وقتلوا زوجها ياسراً فكانا أول شهيدين في الإسلام، لقد استشهدت سمية وزوجها دون الاستجابة لطغيان الشرك أو الاستسلام لمطالب الطغاة وهذا عبد الله بن مسعود يضرب ضربا مبرحا لانه جرؤ على تلاوة ايات من القران الكريم جهاراً نهاراً عند الكعبة المشرفة، حتى إن رسول الله نفسه لم ينج من إيذاء قريش.

المحور الخامس: تشديد الإيذاء ومحاولة قتل رسول الله:

  • تحمل الأذى في سبيل الله والدعوة إليه شأن جميع الرسل وأصحابهم منذ بعث الله الرسل إلى البشر، وتكذيب الأمم لرسلهم وإيذاؤهم لهم قديم وأليم وصل إلى درجة قتل الأنبياء بغير حق، كم حرص رسول الله على هدايتهم، وكم حزن أن يرى المؤمنين من حوله قلة بينما تستبد الشهوات بكثرة البشر الساحقة فتهوي بهم إلى الحضيض، وكم إنفطر فؤادة النبيل لصحراء تموج بدنس الشرك ومن ورائها الشياطين تسخر فيه ذرية ابليس من ابناء أدم ليقفوا من دعوتة موقف المعارضة والتسفيه منذ اللحظة الأولى.
  • كان النبي r في بداية الدعوة يعبد الله في المسجد الحرام دون أن  يتعرضوا له في عهد عمه أبي طالب الذي كان يحميه من أذاهم وكانوا يخشونه ويهابونه فلما مات أبو طالب بعد عشر سنوات من البعثة بدأ المشركون النيل والإيذاء المباشر لرسول الله r بالسخرية والتنكيل والاستهزاء.
  • بينما كان النبي r يصلى عند الكعبة، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ وقد نحرت جزور بالامس، فقال أبو جهل:‏ أيكم يقوم إلى سلاَ جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم، ‏وهو عقبة بن أبي معيط‏‏ فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضعه على ظهره بين كتفيه، فجعلوا يضحكون، ويميل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا‏‏ ورسول الله r ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فلما قضى صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم فقال‏:‏ ‏[‏اللهم عليك بقريش‏]‏ ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال:‏ ‏[ ‏اللهم عليك بأبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط‏]‏، يقول عبد الله بن مسعود وعد السابع فلم نحفظه ـ فوالذي نفسى بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله r صرعى في قليب بدر‏.‏[2]
  • في أحد المرات غضب أبو جهل من النبي ﷺ وأراد قتله فقال لأصحابه ممن يعادي الإسلام: “يا معشر قريش، إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غداً بحجر ما أُطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم”، فقالوا له: “والله لا نسلمك لشيء أبداً، فامضٍ لما تريد”، فلمّا أصبح صباح اليوم التالي قام أبو جهل وأخذ حجراً كما وصفه وجلس ينتظر قدوم النبي للمسجد الحرام فأتى النبي r ليصلى صلاته بين الركن اليماني والحجر الأسود واجتمع أعداء الإسلام من قريش في ناديهم ينتظرون ما يفعل أبو جهل فلمّا سجد النبي احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا اقترب منه رجع مُنهزماً مُنتقعاً لونه مرعوباً قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا له: “ما لك يا أبا الحكم ؟”، قال: “قمتُ إليه لأفعل به ما قلتُ لكم البارحة، فلما دنوتُ منه عرض لي دونه فحل من الإبل، لا والله ما رأيتُ مثل هامته، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهمَّ بي أن يأكلني”
  • فلمّا سمع النضر بن الحارث ما قاله أبو جهل قام وخطب في قريش قائلاً ينصحهم بالتدبر مما حصل، فقال: “يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم؛ وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم؛ وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها: هزجه ورجزه؛ وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم “.

فرية القول بأن الاسلام انتشر بالسيف:

إن ما أوضحناه في هذا المقال والذي سبقة يوضح ما مر به المسلمين  من مراحل كثيرة من الاضطهاد كفيلة بأن تدفع عنهم فرية القول بأن الاسلام قد انتشر بالسيف، فلقد كان السيف مسلولاً عليهم قتلًا وتعذيبًا وتشريدًا طوال عشر سنوات في مكة، ومع ذلك ظلوا يزدادون عددًا ولا يقلون، ولم يكن المسلمون يملكون سيفًا، وتغربوا مع أهليهم، حتى بلغوا الحبشة، ولم يأمنوا على أنفسهم في مكة قبل التجائهم إلى (يثرب) بعد أن ضاق بهم جوار الكعبة، وهو الجوار الذي لم يضق من قبل بكل لائذيه في عهد الجاهلية.

وحتى حينما اصبحت لهم دولة في المدينة المنورة بعد ذلك، لم يعمد المسلمون قط إلى القوة إلا لمحاربة القوة التي تصدُّهم عن الاقتناع، فإذا رصدت لهم الدولة القوية جنودها حاربوها؛ لأن القوة لا تحارب بالحجة والبينة، وإذا كفوا عنهم لم يتعرضوا لها بسوء، وقد بيَّن الأستاذ العقاد أن المسلمين سالموا الحبشة ولم يحاربوها، وإنما حاربوا الفرس، وحاربوا الروم؛ لأنهم هم الذين بدءوا بالعدوان على المسلمين. ولم يبدء النبي ﷺ أحدًا بالعداء، وإنما كتب إلى الملوك والأمراء يبلغهم دعوته بالحسنى، فالجهاد في جوهرة لون من الوان تكريم الانسان وحمايته من الطغاة والمفسدين، والذين لا يدعون الناس أحرارا يؤمنون بما يرغبون بل يفرضون عليهم العقائد الفاسدة، ويحملونهم عليها حملاً.

سياسة النبي في هذه المرحله:

  • سلك النبي سياسة السلم مع قريش في هذه المرحله، فلم يقابل الشر بمثله، بل تحمل هو وأتباعه أذى قريش، وصبروا صبراً جميلاً، ومع أن الاسلام أباح إستعمال القوة في الدفاع عن الدعوة، ولكن المسلمين كانوا في هذه الفترة ضعافاً لا يمكنهم أن يدافعوا عن أنفسهم، بل كان هذا يضرهم ولا ينفعهم، ويجعل قريش تطغى في أذاهم، فكان من حسن السياسة في هذه الفترة ضبط النفس، وأن يصبروا على ذلك الاذى ويقابلوا السيئة بالحسنة.
  • وقد أخذ المسلمون بهذه السياسة اللينة بكرامة نفس ونبل خلق، فكانوا كراما على ضعفهم، أعزاء رغم قلة عددهم. كذلك فأن الدعوة السلمية كانت أشد أثراً في مثل بيئة قريش، والتي قد يدفعها القتال لزيادة العناد، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة، وربما أدى الصدام إلى إفناء الجماعة المسلمة، ولتجنب إحداث مذبحة ومقتلة داخل كل بيت، إذ لم تكن هناك سلطة نظامية تعذب المؤمنين وتفتنهم، وإنما كان ذلك موكولاً إلى أولياء أمورهم، وكانت النخوة العربية من عادة العرب في البيئة القبلية وأن يساعدوا المظلوم.
  • وقد ساعد ذلك المسلمون أثناء حصارهم في شعب أبي طالب، وأثناء دخول الرسول مكة بعد عودته من الطائف فقد دخل في جوار رجل مشرك هو المطعم بن عدي، وقد فشلت سياسة قريش في القضاء على الدعوة، وإن كانت قد نجحت في الاقلال من عدد الداخلين فيها. وكان من مقتضيات هذه الظروف المتأزمة أن إتخذ رسول الله r  خطوتين كان لهما أكبر الاثر في تسيير الدعوة وتحقيق هدف المرحلة وهو تثبيت دعائم الايمان في نفوس الصحابة وتخفيف البلاء والايذاء من قريش عنهم وهما‏:‏

1 ـ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومى مركزا للدعوة ومقرًا للتربية‏.‏

 2- أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة‏.‏

إسلام حمزة بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه: أسلم في العام الثالث للبعثة 613م

عَمُّ النبي ﷺ وكان سبب إسلامه أنه عندما علم أن أبا جهل مر بالرسول r عند الصفا فآذاه وشتمه، فغضب حمزة فقصد أبا جهل في المسجد الحرام وضربه بقوس كان معه وقال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول. وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: «ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت» فقال حمزة: «وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً»، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن الرسول محمداً قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.

  • هجرة الحبشة الاولى: (في شهر رجب من العام السادس للبعثة /أواخر 615م)

لما رأى رسول الله ﷺ ، ما يصيب أصحابه من البلاء، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، أراد النبي أن يسلك طريقاً أخر في الدعوة، فرأى من حسن السياسة أن يبعد أصحابة عن مكة، ليرتاحوا إلى حين من ذلك العذاب، فقال لهم: [لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه] [3]، وكان أهل الحبشة يدينون بالنصرانية، وهي أقرب إلى الاسلام مما كانت عليه قريش، وهنا نرى أن الرسول بحكمتة قد جمع المعلومات الكافية عن ملك الحبشة وتأكد أنة لا يظلم عنده أحد، ولا يجبر أحد على الدخول في دينة، حتى لا يرمي أصحابة للتهلكة أو الفتنة في دينهم، وهنا نرى السرية في الهجرة، فخرج بعض صحابة رسول الله إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم، وكانوا عشرة رجال وخمس نسوة، وكان الامير عليهم عثمان ابن مظعون، ولم تشعر بهم قريش إلا وهم في الحبشة، وكانت أول هجرة في الإسلام. وكانت الهجرة الاولى خيراً للمسلمين وفتحاً جديداً للإسلام، استطاع المسلمون فيها أن يكسبوا أرضاً جديدة تكون منطلقاً لدعوتهم، واستطاعوا أن يقيموا شعائر دينهم بأمان.

إسلام عمر بن الخطاب: (أسلم في أواخر العام الخامس للبعثة / 615م)

كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد خروج الصحابة إلى الحبشة في العام السادس من البعثة النبوية، وكان شاباً قوياً، وكانت شدته الظاهرة تكمن خلفها رحمة فقد أخبرت إحدى مهاجرات الحبشة أن عمر قال لها وهي ترحل: إنه للانطلاق يا أم عبد الله؟ فقالت نعم واللّه. لنخرجن في أرض اللّه، حتى يجعل اللّه لنا مخرجا بعد أن آذيتمونا وقهرتمونا. فقال عمر: صحبكم اللّه: قالت: ورأيت له رِقَّة لم أكن أراها من قبل ثم انصرف وقد أحزنه خروجنا، فيما أرى. فقال لها زوجها: اطمعت في إسلامه؟ قالت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، ولكن يبدو أن إحساس المرأة كان صادقاً فقد كان الرسول ﷺ يدعو اللّه أن ينصر الإسلام به إذ كان يقول: [اللهم أعز الإِسلام بأحب الرجلين إليك بأبي جهل أو  بعمر بن الخطاب] [4]. فاستجاب اللّه دعاءه فأسلم عمر فاعتز به الإِسلام، وكان إسلام عمر حدثًا بارزًا في التاريخ الإسلامي، فقد قوّى وجوده شوكه المسلمين، وأصبح لهم من يُدافع عنهم ويحميهم من أذى من بقي على الوثنية، ويُلاحظ فرحة المسلمين بإسلام عمر، منها ما قاله صهيب الرومي: «لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وقال عبد الله بن مسعود: «ما كنا نقدر أن نصلّي عند الكعبة حتى أسلم عمر‏»، و:«ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر»[5].

رجوع مهاجري الحبشة وهجرة الحبشة الثانية:

في شهر شوال من العام السادس للبعثة 616م، وبعد ثلاثة أشهر من خروج مهاجري الحبشة رجعوا إلى مكة حيث لم تتيسر لهم الاقامة فيها لانهم قليلو العدد، أضف إلى ذلك ان معهم نسائهم واولادهم ولم يطب لهم العيش في دار الغربة، ولما وصلوا قريباً من مكة لم يتمكن من الدخول إلا من دخلها مستخفياً، أو في جوار رجل من المشركين، ثم زاد المشركون في تعذيب هؤلاء العائدين وسائر المسلمين، ولما دخل بنو هاشم وبنو عبد المطلب شعب أبي طالب مع رسول الله ،فأشار رسول الله على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وينضموا إلى إخوانهم الذين بقوا هناك، فقرر المسلمون الهجرة مرة ثانية، ولكن الهجرة في هذه المرة كانت أشق وأصعب من سابقتها، حيث تيقظت قريش لها، وقررت إحباطها، لكن المسلمين كانوا قد أحسنوا التخطيط والتدبير لها ويسَّر الله لهم السفر ، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن تدركهم قريش، وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً ، وثماني عشرة إمرأة.

الخاتمة

وبذلك نكون قد وصلنا لنهاية موضوعنا عن:  تُظهر لنا دراسة الهجرة الأولى وإسلام القادة العظام أن الأزمات ليست مجرد اختبارات عابرة، بل هي لحظات تصنع رجالاتها وتُعيد تشكيل مسار الدعوات الكبرى. فقد قدّمت الهجرة إلى الحبشة درسًا خالدًا في فقه المستضعفين، وفي البحث عن المنافذ الآمنة حين تغلق السبل، بينما مثّل دخول عمر وحمزة في الإسلام نقلة نوعية أعادت الثقة للمسلمين وفرضت على قريش واقعًا جديدًا لم تستطع تجاهله. هذه المحطات مجتمعة تكشف كيف يمكن للأحداث الشديدة أن تصبح روافع للنهضة، وكيف أن الثبات والصبر وصواب القرار الاستراتيجي قادرون على تحويل لحظات الانكسار إلى بدايات قوة. وفي المقالات القادمة، سنواصل تتبع هذه المسيرة المباركة لنفهم كيف تشكّلت الهوية الأولى للأمة، وكيف ساهمت كل أزمة في كتابة فصل جديد من تاريخ الدعوة.

جاءت الهجرة الأولى إلى الحبشة كنافذة أمل ومساحة أمان فتحتها العناية الإلهية أمام المستضعفين، بينما شكّل إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب نقطة تحوّل قلبت موازين المواجهة داخل مكة نفسها. ومن خلال هذه الأحداث المتتابعة، تتجلّى لنا حكمة البناء الإلهي للأمة، وكيف تصنع الصعوباتُ القوة وتصقل الإيمان وتؤسس لنهضةٍ تاريخية لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم.


[1] (الحاكم: 3/ 388)

[2] (صحيح مسلم: حديث رقم 3453 عن عبد الله بن مسعود t)

[3] (سيرة ابن هشام 1/328 ).

[4] (رواه احمد في مسندة – والترمذي في سننة ).

[5] (صحيح البخاري).

للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:

الفيسبوكhttps://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257

اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031

التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1

الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى