العمارة الإغريقية
العمارة الإغريقية : تعد الحضارة اليونانية أو الإغريقية واحدة من أعظم الحضارات القديمة، والتي استمرت من عام 1200 ق.م، وانتهت كسلطة حضاريّة ذات نفوذ مع وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 ق.م، وقد اتصلت الحضارة الإغريقية بالحضارة المصرية القديمة منذ العصر الذي بدأت فيه البلاد الإغريقية تلعب دورًا هامًّا في تاريخ الشعب المصري إلى أن انتهى الأمر باحتلال «الإسكندر المقدوني» البلاد عام ٣٣٢ق.م.
العمارة الإغريقية : سعت الحضارة الاغريقية إلى الكمال في التعبير المعماري والفني عن طريق استخدام اشكال بسيطة أخذت من الحضارات السابقة لخلق لغة معمارية تناسب ثقافتهم، كما ظهر النبوغ الحسابي والترتيب الكلاسيكي فتم ثقل الفنون، وقدم المعماريون الإغريق مجموعة من أروع المباني وأكثرها تميزًا في العالم القديم بأكمله، وأصبحت العديد من أبنيتهم مثل المعابد، والمسارح، والملاعب من السمات الأساسية للبلدات والمدن منذ العصور الوسطى حتى الآن، ولعل البانثيون في أثينا أكبر مثال على ذلك، الذي بُني في القرن الخامس قبل الميلاد لاستضافة تمثال أثينا العملاق ولإظهار عظمة أثينا للعالم، وما يزال البانثيون شامخًا على هضبة الأكروبوليس.
وتعد العمارة الإغريقية أول الحضارات التي تهتم بالدقة المتناهية في التصميم من ناحية النسب الجمالية ومراعاة الأشكال الفنية الجميلة، والتفاصيل المعقدة، والتناغم، والانسجام، والتوازن.
وبنى الإغريق معظم معابدهم ومبانيهم الحكومية بثلاثة طرز وقد تنعكس هذه الأنماط في نوع الأعمدة التي استخدموها، فلقد اهتم اليونانيون بالعمود كعنصر مهم من عناصر العمارة، لإنه يقع عليه حمل السقف المتكون من بلاطات مثبتة على الخشب فأوجدوا ثلاثة أنواع من الاعمدة وهي:
العمود الدوري “الدوريك”: وهو أقدم أشكال الاعمدة اليونانية، وأبسطها وأشدها صلابة وأكثرها فخامة، فعندما زار المعماري الإغريقي مصر وجد أن معظم مساكنها بهذه الاعمدة ووجد أنها تتميز بالبساطة فتأثر بهذا العمود البسيط وقد طبقه مع تغيير بعض التطعيمات المعمارية به. يرتكز مباشرة على الارض من دون قاعدة، تاجه مكون من قطعتين، قطعة مستديرة وقطعة مربعة فوقها، وأعمدة الدوريك مدببة بحيث كانت أوسع في الأسفل مما كانت عليه في الأعلى، وقد استخدم هذا العمود في معبد البارثنون.
العمود الايوني: ويمتاز بأنه أرق من العمود الدوريك، وكان له قاعدة في الأسفل، ولبدنه أربع وعشرين تجويف مشطوفة، أعطت الأعمدة شعوراً بالعمق والتوازن، أما تاجه فيتكون من وسادة ملفوفة بغلاف حلزوني متجه نحو الاسفل، ويوجد هذا النوع من الاعمدة في معبد (أرتيمس ديانا).
العمود الكورنثي: له قاعدة مشابه للعمود الايوني إلا أنه يختلف في بعض الحليان والنسب وموجود في معبد (زيوس) الاولمبي أوجه مزخرف بأوراق نبات البردي على شكل صفين في كل صف أربع أوراق، ولقد أصبح العمود الكورنثي مشهورًا في الحقبة اللاحقة لليونان كما تم نسخه بشكل كبير من قبل الرومان.
وتتألف طرز العمارة الإغريقية من قسمين، الاول هـــــو: العمــــــود: يتألف من القاعدة وبدون العامود تاج العامود
الكورنيش: يتكون من الحامل العلوي ويكون مزين بزخارف منحوتة ويعلو الكورنيش جبهة مثلثية في الواجهتين الأمامية والخلفية
العوامل المؤثرة على تكوين العمارة الإغريقية
العوامل التاريخية: تعرضت اليونان لغزو متكرر من العجم والفرس، فدمروا المعابد والتماثيل فى الأكروبول تلك القلعة المقدسة على هضبة أثينا . ثم انتصر الإغريق على الفرس بعد ذلك فى موقعة “ماراثون” وإنتصروا أيضاً فى موقعة بحرية عام 480 ق.م وموقعة “برية” عام ٤٧٩ ق.م، وقد خلد الشعب الإغريقى هذه الإنتصارات بما اقاموه من معابد بعد ذلك، ولما جاء بركليس فى القرن الخامس ق.م. أعاد بناء المعابد على هضبة الأكروبول حيث وصلت أثينا إلى أوج عظمتها فى ذلك العهد سواء من الناحية المعمارية أو الفنية، ثم انتشرت الحضارة الاغريقية على يد الملك فيليب وابنه الإسكندر الاكبر الذي وحد بين مصر واليونان وأنشأ مدينة الإسكندرية، وامتدت الفتوحات إلى شمال الهند.
العوامل الجغرافية: شبه الجزيرة اليونانية محاطة بالبحر من ثلاث جهات، ولذلك ساعدت موانيها الطبيعية على البحر المتوسط على سهولة التجارة، وتأثرها بحضارات مختلفة. وامتدت الحضارة الإغريقية إلى بلاد أخرى مجاورة كجزيرة صقلية وجنوب إيطاليا آسيا الصغرى وساعدت الجبال الموجودة على تقسيم اليونان إلى مناطق ذات نفوذ مختلفة ومن هنا نشأت المنافسة بين هذه الولايات لإبراز حضارة كل منها.
العوامل المناخية: تمتاز اليونان باعتدال مناخها وصفاء جوها وصحوته، وساعد الجو على ممارسة أوجه النشاط المختلفة في الهواء الطلق واهتمامهم بالمباني المكشوفة والساحات العامة وكذلك من أهم خواص العمارة في اليونان وجود البوائك وذلك نظرًا لشدة أشعة الشمس وهطول الأمطار فجأة
الدين في الحضارة الإغريقية: اعتقد الإغريقيون بالعديد من الآلهة، وكان الدين الإغريقي يعتمد على عبادة الأشخاص أو الظواهر الطبيعية، واعتقدوا أن لكل إله أو إلهة دور أو دوران محددان يؤدونه، ويتحكمون فيه في الحياة، وكان للدين تأثير كبير على الإغريق مما ظهر بوضوح في معابدهم ويرجع هذا التأثير لأنهم كانوا ينظرون للدين نظرة فلسفية عميقة وأن الآلهة ستعتني بهم سواء كانوا على قيد الحياة أو عندما يموتون، واعتادوا أن يذهبوا للعبادة وتقديم الذبائح على شكل حيوانات، كما أعدوا مهرجانات تكريمًا للآلهة، ولقد حاول الإغريق أن يصلوا للكمال المعماري في هذه المباني من خلال النسب الذهبية والمقاس الإنساني.
من الناحية الجيولوجية: اهتم الإغريق اهتماماً بالغاً بجودة الرخام المتوفر في أثينا وجزر “باروس وناكسوس” ومكونات عناصره للحصول على خطوط مستقيمة منتظمة وأسطح ملساء، وكانوا يضيفون طبقة من الرخام على حوائط المباني من الحجر للحصول على أسطح رخامية جميلة، وهذه الظاهرة من أهم مميزات العمارة اليونانية.
من الناحية الإجتماعية :
كان المجتمع الإغريقي في جوهرة مبني على النظام الطبقي القائم على إمتلاك الثروات، من المواطنين الأثينيون والميتيك ( الأجانب والحرفيون) والعبيد. وفي كثير من المدن الاغريقية كانت المجتمعات في المجتمع اليوناني إلى ثلاث طبقات:
- طبقة السادة من الحكام والنبلاء والفلاسفة: وهي الطبقة المميزة في المجتمع الاغريقي وتتمتع بجميع الحقوق وكانت تمتلك معظم الثروات والأراضي.
- الطبقة المتوسطة: وهي الطبقة التي يندرج تحتها فئات الحرفيين والمزارعين وكان لها ممتلكاتها المحدودة إلى جانب دخل محدود لكثير من الحرفيين والصناع.
- طبقة العبيد: وهي الطبقة المعدومة من الأرقاء والكادحين المستعبدين، وكانت تمثل القاعدة العريضة من عدد السكان، وكثيراً من أفراد هذه الطبقة كانوا يعملون كعبيد أحرار في أرض النبلاء أو في قصورهم.
المعابد الإغريقية: تعتبر المعابد الإغريقية تراثا خالدا للعمارة عند الإغريق وثروة معمارية للباحثين وطلاب العلم، وعلى العموم يمكن القول بأن المعابد الإغريقية كانت في منتهى البساطة، ذات جو فلسفي عميق، كثير الأعمدة من الخارج، يحيط بها فضاء فسيح، وعلى ذلك أمكن رؤيتها من جميع الجهات بنفس الدقة والروعة والجمال.
وشيدت المعابد على قاعدة تتكون من ثلاث درجات، والمعبد عبارة عن قاعدة مستطيلة الشكل تحتوي على حجرة داخلية تسمى بالهيكل، بها تمثال الإله أو الآلهة، كما احتوت بعض المعابد الكبيرة على حجرتين أو ثلاثة.
ويحيط بالقاعة أو الخلوة رواق خارجي اما على جانبي المدخلين أو على جوانبه الأربعة ويتجه مدخل المعبد نحو الشرق بحيث تتصل أشعة الشمس على تمثال الإله، والمدخل المقابل يقع في الجهة الغربية، ومعظم المعابد كانت خالية من النوافذ، معتمدة على أشعة الشمس التي تدخل من الباب الشرقي.
معبد البارثينون: هو علامة اليونان القديمة، فهو معبد رخامي تم إستخدام العمود الدوري، حيث تم بناؤه ما بين عامي 447 و432 ق.م.، بني على هضبة الأكروبول من الرخام الأبيض الناصع على الضفة الجنوبية من الهضبة في ذروة الإمبراطورية اليونانية القديمة وكان مكرسًا للإلهة اليونانية أثينا. وعلى مر القرون، صمد البارثينون في وجه الزلازل والحرائق والحروب والإنفجارات والنهب، لكنه لا يزال، رمزًا قويًا لليونان القديمة والثقافة الأثينية، صممه المهندسان الإغريقيان أكتينوس وكاليكراتس وهما معماريان يونانيان عاشا في القرن الخامس ق.م.، وقام كل منهما بتصميم بعض المعابد الشهيرة في بلاد اليونان. وأشرف على أعمال النحت في المعبد النحات الإغريقي الشهير فيدياس.
معبد الإلهة الإغريقية آرتميس (ديانا في الأساطير الرومانية): وقد بُني الهيكل بكامله من الرخام على الطراز الايوني، باستثناء السقف فقد بني من الخشب المغطىَّ بالقرميد. صممه المعماري كريسفرون، وابنه ميتاغينس. وتصل أبعاد المعبد إلى 115 متر * 55 مترا، وبه أعمدة يصل ارتفاع الواحد منها إلى 12 مترا، تنتظم في صفين حول قدس الأقداس – الساحة الداخلية. أحرِق ايروسترات المعبد عام 356 ق.م في الليلة التي ولد فيها الاسكندر الكبير، وأعيد بناؤه بمعبد شبيه على أساساته. ولكن دمر عند هجوم القوطيين عام 262ق.م ولم تبق سوى الأساسات وجزء من المعبد الثاني.
تابع المقال القادم لتتعرف على أهم سمات العمارة الرومانية.
المراجع: wikimedia.org / artincontext.org