تطور الحركة العلمية عند الرومان
تطور الحركة العلمية عند الرومان: كانت روما في بدايتها تُحكم من قِبل الملوك، وبعد تعاقب سبعة ملوكٍ عليها أسقط الرومانيون الحكم الملكي وحكموا أنفسهم بأنفسهم. حيث تولى السلطة ما يعرف بمجلس الشيوخ الذي أقر القوانين فيها، وهنا كانت بداية الجمهورية الرومانية، وكما هو معروف فإن روما شهدت صعود وسقوط بعضٍ من أعظم الأباطرةٍ على مرِّ التاريخ منهم “يوليوس القيصر-Julius Caesar” و”تراجان-Trajan” و”أغسطس-Augustus”. وفي النهاية أصبحت الإمبراطورية الرومانية واسعةً جدًا لدرجةٍ أصبح من غير الممكن جمعها تحت قيادةٍ واحدةٍ وفي نهاية المطاف تم غزوها من قبل الملايين من البربر من شمال وشرق أوروبا.
بدأت الحضارة الرومانية مع تعيين يوليوس قيصير دكتاتوراً دائماً لروما سنة 44 ق. م، وفي أواخر القرن الثاني الميلادي بدأت بعض القبائل القوية في الشمال والشرق تهدد الإمبراطورية الرومانية التي لم تعد تستطيع الدفاع عن جميع حدودها، بسبب الخلافات الداخلية وبدأت الإمبراطورية تتفكك على أثره حتى أعاد الإمبراطور قسطنطين توحيدها عام 324م، وفي عام 395م انقسمت الإمبراطورية الرومانية بصورة نهائية إلى إمبراطوريتين هما:
الإمبراطورية الرومانية الشرقية: (البيزنطية) وعاصمتها القسطنطينية (هي الآن إسطنبول في تركيا).وعاشت لأكثر من ألف سنة، من 450م وحتى 1453م، عندما ضرب أكثر من 100 ألف جندي حصارًا على القسطنطينية، وفي مايو من العام نفسه، استولى السلطان محمد الفاتح الثاني على المدينة.
استخدم السلطان محمد الفاتح العلم والفن والهندسة المعمارية لتنفيذ برنامج طموح للبناء تضمَّن إعادة التجار اليهود والمسيحيين والحرفيين ليسكنوا في المدينة، وأسس البازار الكبير الذي رسخ المكانة الرفيعة للمدينة كمركز تجارة دولي، كما غيَّر اسم المدينة إلى إسطنبول، وقام بتجديد كنيسة آيا صوفيا، وحوَّلها إلى أول مسجد سلطاني بالمدينة، كما تعاقد مع مهندسين معماريين إيطاليين للمساعدة في بناء قصره الإمبراطوري الجديد، قصر الباب العالي، واصبح الأسلوب المعماري الدولي الجديد قائمًا على الأنماط الكلاسيكية والإسلامية والإيطالية المعاصرة، وحفز ذلك التسابق الدولي بين الإمبراطوريات الشرقية الاسلامية الجديدة والرومانية الغربية جيلًا جديدًا كاملًا من المفكرين والكتاب والفنانين في عصر النهضة. وقدم العديد منهم خدماتهم للسلطان محمد الفاتح.
والإمبراطورية الرومانية الغربية: وكانت عاصمتها روما وتميزت تلك الفترة بـالحكم الاستبدادي، وانتهت الحضارة الرومانية بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة 476 ميلادية، وألت أملاكها للإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكانت الديانة السائدة في الإمبراطورية الرومانية والمناطق الخاضعة: اليهودية ثم تحولت للنصرانية)
الإمبراطورية الرومانية والمسيحية: ظهرت المسيحية في فلسطين وقد كانت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية، وسرعان ما انتشرت في الجزء الأوروبي من الإمبراطورية، وتم اضطهاد المسيحيون لأول مرة على يد الامبراطورية الرومانية سنة 64م، عندما اتهم الامبراطور نيرون المسيحيون بالوقوف خلف حريق روما العظيم، كما ذكر المؤرخ الروماني تاسيتس، ووفقا لتقاليد الكنيسة، فإن بطرس وبولس استشهدا في عهد نيرون في روما.
وظل الرومان يضطهدون المسيحيون الأوائل حتى مطلع القرن الرابع الميلادي، وكان اعتناق قسطنطين الذي حكم روما بين عامي (306–337م) نقطة تحول للمسيحية، حيث أصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية، وأخذ قسطنطين دور الحامي للعقيدة المسيحية، فدعم الكنيسة بالأموال والأراضي، وبنى عدد كبيراً من الكاتدرائيات، ومنح رجال الدين بعض الامتيازات (كالإعفاء من ضرائب معينة)، وولى المسيحيين رتباَ رفيعة في الدولة، وأرجع الممتلكات التي صادرها دقلديانوس خلال «الاضطهاد العظيم»، وبنى قسطنطين بين عامي 324م و330 عاصمة إمبراطوريته الجديدة في بيزنطة على مضيق البوسفور، والتي سميت القسطنطينية من أجله.
أما تطور الحركة العلمية عند الرومان وبداية التفكير العلمي فقد ورث الرومان المعرفة اليونانية وتركزت إسهاماتهم في الممارسات العلمية أكثر وكانوا صناع قوانين وأطباء ومهندسين أكثر منهم مفكرين ومتأملين.
تطور الحركة العلمية عند الرومان في الطب: أمّا الطب فقد أخذوه عن اليونان، عندما وصل أرشاجاثيوس الإسبرطي، وهو ممارس طبي، إلى روما في عام 219 ق.م.، ولكنَّهم أحسنوا صياغته، وتنظيمه، وطبَّقوه على الصحة العامة والخاصة، وبلغت مهنة الطب في ذلك الوقت درجة عظيمة من التخصص، فكان في البلاد إخصائيون في المسالك البولية، وفي أمراض النساء، وكان فيها أطباء مولِّدون، وأطباء رمد، وإخصائيون في أمراض العين والأذن، وأطباء بيطريون، وجراحو أسنان، وكان في وسع الرومان أن تكون لهم أسنان صناعية من ذهب، وأسنان مرتبطة بأسلاك، وكباري وأسنان ذات قشرة ذهبية، كما كان لديهم عدد كبير من الطبيبات، وقد كتبت الكثيرات منهنَّ كتبًا في الإجهاض كانت واسعة الانتشار بين سيدات الطبقات الراقية، وكان الجراحون يتخصصون في فروع الجراحة المختلفة، وقلَّما كان يوجد جراح غير متخصص في فرع خاص.
أمثلة عن الممارسات الطبية: أدرك القادة الرومانيون أهمية الصحة العامة وذلك عن طريق ملاحظة صحة الجنود في ساحة المعارك، وكان معظم الجراحين الرومان قد اكتسبوا خبراتهم العملية في ساحة الحرب، وكانوا يحملون معهم مجموعة أدوات تحتوي على مُخِرِج أسهم، وقسطرة، ومشارط وملاقط، كما اعتادوا تعقيم أدواتهم في ماء مغلي قبيل استخدامها.
كما أجرى الرومان العمليات الجراحية ولم يمتلكوا وسائل تخدير فعّالة للعمليات الجراحية المعقّدة، فاستخدموا مادة الأتروبين في التخدير لتخفيف الآلام، كما استخدموا الخل الحمضي لتنظيف الجروح الظاهرية،وكان تشريح جثث الآدميين عملاً غير مشروع، ولكنهم كانوا يستعيضون عن ذلك بفحص أجسام المجروحين أو المحتَضَرِين، ولم تكن لديهم القدرات بالتوغّل عميقًا داخل جسد الإنسان.
تطور الحركة العلمية عند الرومان في الهندسة: تُعد الحضارة الرومانية امتداداً للحضارة الإغريقية (400 ق م -400 م) لذلك احترم الرُّومان الإرث المتبقِّي من مهندسي العمارة الاغريقيَّة، إلا أنَّ الرُّومان كانوا مخترعين عظماءَ فعملوا على إيجاد تقنيَّات بناء وموادَّاً جديدة، ليجمعوا بين التقنيَّات والتَّصميمات المبدعة، ويُخرجوا لنا مجموعة جديدة من الأبنية المعماريَّة التي كانت استجابة للاحتياجات العمليَّة للمجتمع الرُّوماني وكان من أهم إنجازاتهم:
- تأسيس قنوات جر المياه المتطورة وكان إنجازًا هامًا إذ طور الرومان تصميم قنوات المياه التي ظهرت لدى مصر القديمة والهند واليونان، وذلك حتى يتم الاستفادة منها بشكل أكبر في الزراعة.
- تصميم مجموعة متنوعة من الأبنية المتفردة، مثل مباني البازيلكا وقوس النَّصر وهياكل الكولوسيوم والبانثيون، التي أصبحت فيما بعد أحد عجائب الدنيا السبع.
- برع الرومان كذلك في إنشاء الطرق، مما ساهم في تطوير أنظمة الطرق في جميع أنحاء العالم الرُّوماني، إذ أدرجوا مجموعة من الابتكارات المعمارية بمجال هندسة الطرق.
أما نظام المجاري في روما فكان متقدمًا للغاية لدرجة أنه بقي مستخدمًا حتى أواخر القرن السابع عشر دون أن يُبنى غيره.
وكانوا يرفعون الأحمال أو الحجارة الثقيلة، أو يجرونها بوساطة البكرات أو القوائم الخشبية العمودية تديرها الروافع التي يدفعها فيها الحيوانات أو الآدميون.
وكانت القناطر التي تحمل هذه الطرق نماذج طيبة لتضافر العلم والفن، ولقد ورث الرومان عن مصر البطليموسية أصول الهندسة المائية واستخدموها على نطاق بلغ من السعة حدًا لم يسبقهم أحد إليه من قبل، وبقيت الأساليب التي نُقِلَت عنهم لم يطرأ عليها تغيير إلى هذه الأيام، وقد وضعوا الأسس، وشادوا الأرصفة تحت الماء كما كانت تشاد هذه وتلك في أقدم العهود، وكانوا يدفعون في أنواع المجاري أسطوانات مزدوجة مملوءة بمواد البناء، وقد أحكموا إغلاق كل منهما ونزحوا الماء مما بينهما، وغطوا الجزء المعرى بالحجارة أو الجير، وأقاموا الرصيف المطلوب إقامته على هذا الأساس. وقد أقيمت على نهر التيبر قبالة روما تسعة جسور بعضها قديم: كجسر سبليسيوس الذي لم يكن يجوز استخدام المعادن فيه، وبعضها متقن البناء كجسر فبريسيوس لدرجة أنه بقي صالحًا للاستعمال إلى هذه الأيام
بسقوط الامبراطورية الرومانية في الغرب خلال القرن الخامس، دخلت أوروبا الغربية مرحلة العصور الوسطى مع الصعوبات الكبيرة التي أثرت في انتاج القارة الفكري بشكل كبير.
وأما الرومان فإن اعتزازهم بأنفسهم وغرورهم بشعبهم ومآثره دفهم إلى مغامرات عسكرية بعيدة المدى عادت بشر كبير وخير قليل للرومان أنفسهم، وبلغ من اعتدادهم بأنفسهم أنهم كانوا إذا أرادوا تكريم شخص أو شعب منحوه حقوق الرومان أى رفعوه إلى مقام جنسهم، واستمر غرور الجنس هذا يعشش فى رؤوس الأمم حتى فى عصرنا كما ظهر عند طلائع الفاشية فى عدد من دول أوربا وكذلك عند اليهود .
إذ انهارت الإمبراطورية الرومانية على سبيل المثال تحت وطأة التوسع الاستعماري المفرط والتغير المناخي والتدهور البيئي وضعف القيادة. لكن اجتياح القوطيين الغربيين لروما في عام 410، ومن بعدهم الفنداليون عام 455 كان بمثابة الضربة القاصمة التي عجلت بنهايتها.
ولا توجد حضارة على وجه الأرض محصنة من الانهيار، مهما بلغت عظمتها. إذ وصلت مساحة الإمبراطورية الرومانية في عام 390 إلى 4.4 مليون كيلومتر مربع، ثم تقلصت مساحتها بعد خمس سنوات إلى مليوني كيلومتر مربع، وفي عام 476، لم يعد لنفوذها وجود.
اذا راجعنا تاريخ الدولة الرومانيَّة، وجدنا تعدِّيًا على معظم المشتركات الإنسانيَّة، إن لم يكن كلها، وظهر بجلاء في تتبُّع النصارى واضطهادهم في كلِّ أرجاء الدولة الرومانيَّة، ولم تنظر بعين الاعتبار للمشتركات العامَّة أو الخاصَّة، كلُّ هذا أدَّى إلى سقوطها وتشرذمها، ولقد كانت تضمُّ عشرات الشعوب في داخلها، لكنَّها فقدت القدرة على التعارف الداخلي، فحدث التفكُّك، وزاد الأمر تعقيدًا اصطدامها خارجيًّا مع القبائل الجرمانيَّة في غرب أوربَّا فكان الانهيار!
ول ديورانت: قصة الحضارة 2/450.