الادلة الفطرية على وجود الله: يتساءل البعض فيقول: إذا كنا قد أيقنا بأنه لابد من وجود إله واحد يدبر حركة هذا الكون فما هي الادلة التي تعرفنا بوجود اله خالق لهذا الكون وتفرده بالخلق والايجاد؟ وهل يستطيع الانسان بفطرته أن يهتدي لوجود الله تعالى وربوبيته ؟ تلك الاسئلة هي موضوع حديثنا اليوم بإذن الله.
الادلة على وجود إله خالق مبدع لهذا الكون لا تعد ولا تحصى وطالب الحق يكفيه دليل واحد، أما صاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل.
قيل لرابعة العدوية “إن فلاناً أقام ألف دليل على وجود الله” فضحكت وقالت “دليل واحد يكفي” قالوا وما هو؟ قالت: لو كنت ماشيا وحدك في الصحراء وزلت قدمك وسقطت في بئر ولم تستطع الخروج منها فماذا تصنع قال: أنادي يا الله قالت فذالك هو الدليل
ونبدأ بالادلة الفطــــــــــرية:
والمقصود بالدليل الفطري هو تلك الصفات المغروزة في كل إنسان منذ ولادته، فالايمان بوجود إله شئ كامن في النفس، إنه غريزة فطرية لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد، حقيقة يحسها كل إنسان في أعماق نفسه وفي قرارة وجدانه، وفي كل ذرة من ذرات الكون من حوله مثل:
التقام الطفل لثدي أمه، وكغريزة الأمومة وحب الام لطفلها واهتمامها به ورعايته، وكغريزة حب البقاء، وحب الجمال. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِنْ مولودٍ إلا يولدُ على الفِطْرَةِ، فأبواه يهوّدانِهِ، أو ينصّرانِهِ أو يمجِّسانِهِ[1] والانسان بفطرته السليمة يهتدي إلى الخالق سبحانه وتعالى، وفي قرارة نفس كل إنسان الايمان بالله لان الله أخبرنا بذلك في سورة الروم قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *}[2]، فالمقصود بالفطرة هنا الإسلام، فالله جل جلاله قد فطر الناسَ على دين الإسلامِ والتوحيد.
من معاني الفطرة الشعور بأن هناك قوة عليا مدبرة ومهيمنة على كل شئ في هذا الوجود فالإِنسان يستَدِلّ بالآثار على المؤثر، ويهتدي بفطرته السليمة لوجود الله عز وجل.
ولذلك عندما سئل الأعرابي عن وجود الله سبحانه وتعالى قال بفطرته السليمة: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، افسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج ألا تدُلُّ على السميع البصير؟ فالاعرابي بفطرته السليمة إهتدى إلى قانون السببية وهو مبدأ عقلي يقول بأن: “هُناك سبب أو علة وراء كل حدث في الوجود“
فعندما شاهد الاعرابي أثر أقدام في الرمال تعرف إلى أن هناك شخص أو حيوان قد سار من هذا المكان وعندما يشاهد الكون من حولة سماء وجبال وشمس وقمر تسير في إنتظام دون أن تصطدم ببعضها ففطرتة السليمة تعرفه بأنه لابد من وجود خالق لهذا الكون.
وقد فطر الله تعالى الناس على معرفته والإيمان به، وجعلهم مستعدين جميعا للنظر والتفكر في أيات الله في الكون من حولهم نظر يؤدى إلى الاعتراف بوحدانيته، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله تعالى:- إنى خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم- أى صرفتهم عن دينهم- وحرمت عليهم ما أحللت لهم»[3].
كما ان الخوف غريزة فطرية في الانسان، فعند المرض والاخطار والشدائد يتوجه الناس الى الله بالدعاء كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[4]، فهؤلاء الذين يشركون بالله إذا ما ركبوا في البحر وهاجت بهم الريح وجاهم الموج من كل مكان وانقطع الامل في النجاة فلن يخطر ببالهم أن هناك من يمكن أن ينجيهم إلا الله سبحانة وتعالى، فيلجأوا إلى الله بالدعاء، فإذا نجاهم إذا هم يشركون .
ولم يستطع الملاحدة إنكار نزعة التدين في البشر، لأنها واقع لا يمكن إنكاره، فعمدوا إلى إنكار كون هذه النزعة فطرية، ففسروا نزعة التدين بتفسير تطوري، مفاده أن الإنسان بحث عن شيء يسد فراغه الروحي فلجأ إلى التدين.
الفطرة الإنسانية فيها نزعة أخلاقية متجذرة، يدرك الإنسان من خلالها الحلال والحرام.
فمن الذي أودع هذه النزعة؟ وما الذي يفسر شعور الإنسان الضروري بأن العدل قيمة حسنة وأن الظلم قيمة سيئة؟
قال العارف بالله ابن عطاء الله السكندري: “دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، و بوجود أوصافه على وجود ذاته، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه“
وقد أخذ الله العهد على البشرية جمعاء وهم في عالم الغيب في أصلاب أبائهم قبل أن يخرجوا لهذا الوجود قال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُواْ بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ أَوْ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنۢ بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ} [5].
يقول الدكتور مصطفى محمود:
عندما ترى عباقرة في الهند يعبدون البقر، وجراح أعصاب ملحد لا يرى في خلق الله إتقان، ودكتور جامعة يناقش الله في الميراث،وأديباً في اللغة العربية يعترض على فصاحة القرأن، ومفكراً يرى في الدين رجعية!
وفي المقابل: تجد رجلاً بسيطاً يقوم في عز البرد القارس ليصلي الفجر… وأمرأة عجوز طاعنة في السن لا تعرف القراءة والكتابة ومع ذلك لا تترك قيام الليل وصيام النوافل، وشيخاً عاجزاً ينهض على عكازة متجهاً نحو المسجد لاداء صلواته.
فاعلم أن المسألة لم تتعلق يوماً بالعقول والشهادات، إنما بالقلوب قال جل جلاله: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ}[6].
ويروي الدكتور مصطفى محمود حديث قدسي حيث يقول الله لعبــــــــــــــــده:
يا عبد انت لا تملك الا ما ملّكتك لا تملك نفســـــــــــــــــــــــــــــك فأنا خالقها
ولا تملك جسدك فأنا سوّيتـــــــــه أنت بي تقوم وبكلمتي جئت الى الدنيا
يا عبد قل لا اله الا الله ثم استقم فلا اله الا انا ولا وجود حق الى لي وكل ما سواي مـــني
من صنـــع يدي ومن نفخة روحي يا عبــــــــــــد كل شيء لي فلا تنازعني ما لي
اردد كل شيء الي أثمره بيدي و ازيد فيه بكرمي .. أسلِم اليّ كل شيء تسلم من كل شـــــــــيء
إلهي لا تعذبني، فإني مُقِــــــرٌ بالذى قد كان مني و ما لى حيلة، إلا رجائى لعفوك إن عفوت و حسن ظني فكم من زلة لى فى البرايا، و أنت علي ذو فضل و مَنِّ إذا فكرت فى ندمي عليها، عضَضت أناملي و قَرَعْت سِنِّي يظن الناس بى خيرا،و إنى لشر الناس، إن لم تعف عني.
ومع أن معرفة الله تعالى غريزة فطرية في الانسان إلا أنه قد يعرض لهذه الفطرة أحيانا ما يشوهها، من الشهوات والمطالب المادية، ولذلك نتوجه إلى الادلة العقلية لفهم الكون، فتابعنا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى حيث سنعرض الادلة العقلية على وجود الله تعالى، ونبدأ بدليل الإتقان في خلق الكون في مرحلة الرتق والفتق.
نسأله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا – اللهم زدنا علماً وانفعنا بما علمتنا انك انت العليم الحكيم
ونورد في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى: معجزات الانبياء والمرسلين
والسلام عليكم ورحمه الله
[1] الحديث في الصحيحين عن أبي هريرة [2] سورة الروم الاية:30 [3] صحيح مسلم عن عياض بن حمار
[4] سورة يونس الاية:22 [5] سورة الاعراف الاية:172-173 [6] سورة الحج الاية:46