Web Analytics
مدارس العمارةنظريات العمارة

عمارة القرن العشرين في مصـــــر (عصر الخديوي إسماعيل)

عمارة القرن العشرين في مصر: رأينا في المقال السابق الدور الكبير الذي قام به محمد علي باشا باني نهضة مصر الحديثة، إلا النهضة العمرانية الحقيقية، بدأت بها بشكل جدي ومدروس ومخطط له، في عهد الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا أكبر أبناء محمد علي. الذي تولى الحكم في مصر عام 1863م، تعالوا بنا لنرى كيف إستطاع إسماعيل باشا تحقيق إنجازات حضارية عظيمة تضاهي تلك التي قام بها جده محمد علي باشا:

عصر الخديوي إسماعيل: خامس حكام مصر من الاسرة العلوية، وهو ابن ابراهيم باشا ابن محمد علي، وحكم الخديوي اسماعيل مصر و السودان بعد وفاة محمد سعيد باشا في الفترة من عام (1279هـ – 1296هـ /1863 م – 1879م)، وبعد أن تولى إسماعيل باشا ببضعة أسابيع زار مصر السلطان «عبد العزيز»، فكان أول من زارها من سلاطين آل عثمان منذ عهد سليم الأول؛ فاحتفل به إسماعيل باشا احتفالًا كبيرًا، واجتهد في أن تكون هذه المقابلة فاتحةً لعلاقات ودِّية بينه وبين الباب العالي، وسعى إسماعيل باشا لدى الباب العالي ليمنحه لقبًا أرقى من «الباشا» المعتاد فحصل إسماعيل بمقتضى فرمان ١٨٦٧م على لقب «الخديوي»، وهو لقب تركي يعني «المُعظَّم – أو الفارس الشجاع»، بدلًا من لقب «الوالي». ثم حصل على عهدًا بجعْل الوراثة في أكبر أنجال الخديوي،  وأثناء فترة حكمه عمل على:

تطوير التعلـــــــــيم: رأى إسماعيل باشا كما رأى جده العظيم محمد علي من قبله أنه لا يتسنى له القيام بإصلاحاته ومشروعاته الخطيرة في البلاد إلا بتعليم أبناء الأمة، فإهتم بالتعليم الامر الذي كان له دور بارز في نهضة البلاد الحديثة، وقام الخديوي اسماعيل بزيادة ميزانية نظارة المعارف، من ستة آلاف جنيه في عهد سعيد إلى أربعين ألف جنيه، وكان لبعض نظَّار الحكومة فضل عظيم في هذه النهضة، وبخاصة «شريف باشا» و«رياض باشا» و«علي مبارك باشا»،

  • وفي عهده تم وضع قانون أساسي للتعليم، وأنشأ دار العلوم لتخريج المعلمين ودار الكتب.
  • كما فصل التعليم المدنى عن التعليم العسكرى، وطور الكتاتيب واهتم بتعليم البنات، واهتم بالتعليم الازهرى فحدد له مناهج ومقررات وامتحانات.
  • كما يعود الفضل في إنشاء دار الكتب الحالية لهمة الخديوي إسماعيل؛ إذ جمع لها كل ما وصلت إليه يده من الكتب المنسوخة باليد والمصاحف المزخرفة التي كانت مبعثرة في جميع أنحاء البلاد
  • وأهم المدارس العالية والخصوصية مدرسة الهندسة، ومدرسة الطب والولادة، ومدرسة الحقوق، ومدرسة الفنون والصنائع، ومدرسة اللغة المصرية القديمة، ومدرسة الألسن والمعلمين — قلم الترجمة — ومدرسة دار العلوم — المعلمين الناصرين.
  • وبدأ اهتمام الشعب بالتعليم بعد ما كانو يخشون منه ايام محمد على، حيث كان التعليم في كل هذه المدارس بالرغبة، لا بالإكراه كما كان في عصر محمد علي.وظهرت في عهده بعض الصحف مثل الأهرام والوطن ومجلة روضة المدارس.
  • وبهذا فإن إسماعيل باشا يُعتبر من أعظم المشجعين للنهضة الحديثة بالديار المصرية، بما قام به وبما تم في عصره من التعليم والنهوض بالأمة.

عمارة القرن العشرين في مصر و تطوير العمـــــــران: عمل على تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والإدارية في مصر، بشكل كبير، و يمكن أن نطلق علية لقب أبو العمارة الحديثة في مصر. فهو يستحق لقب المؤسس الثاني لـ عمارة القرن العشرين في مصر المحروسة بعد إنجازات جده محمد علي باشا، ومن إنجازاته:

  •  أضاف لشبكات الري حوالي 8400 ميل من الترع، مثل ترعة الابراهيمية، ترعة الاسماعيلية، وقنوات ري جديدة وتوسع في نظام الري الدائم، مما جعل مساحة الاراضي الزراعية تزيد في عهدة حوالي مليون فدان أي بنسبة 30%، لتصبح 4 مليون و800 ألف فدان (كانت قبل عهدة 3 مليون و800 ألف فدان).
  • أضاف 910 ميل من خطوط السكك الحديدية، ربطت بين المدن الرئيسية في الدلتا ووصلت لمدن الفيوم وأسيوط.
  • بني 430 كوبري وجسور على النيل، ورصفت الطرق، ومد 5200 ميل من خطوط الهاتف “التلغراف”.
  •  إصلاح وتوسيع ميناء الاسكندرية، وبناء 15 فنار لإرشاد السفن.
  • ساعدت هذه المشاريع على زيادة الدخل القومي للبلد بأكثر من 10 مليون جنية في السنة، وهذا كان 3 أضعاف إيراد مصر في عهد الخديوي سعيد، لكن للأسف صاحب هذا الدخل زيادة أكبر في المصروفات
  • أمر بتخطيط القاهرة على النمط الأوروبي من ميادين فسيحة ‏وشوارع واسعة، وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في المقال القادم، وأنشئت المدارس الحديثة، وبنى القصور الفخمة، والحدائق الغنية بالأشجار ‏‏والنباتات النادرة، واستهدف تخطيط مدينة القاهرة الجديدة إنشاء مجموعة من القصور الفخمة أهمها قصر عابدين ليكون مقراً للحكم، وقصر رأس التين وقصر القبة، وقد وزع اسماعيل الاراضي المطلة على مداخل القاهرة على الاعيان وكبار رجال الدولة مجاناً واشترط عليهم أن يقوموا ببناء قصورهم عليها خلال سنتين مما عجل بتعمير المداخل وإزالة الخرائب والعشش، كما أنشأ دار الأوبرا وكوبري قصر النيل، ونورد فيما يلي تفاصيل بعض المنشأت الهامة التي اقيمت أو استكملت في عهده:

قصر عابــــدين: عابدين بك هو أمير اللواء السلطاني في عهد محمد علي باشا، وبعد وفاته اشترى الخديوي إسماعيل قصره من أرملته وهدمه وأمر ببناء قصره الذي لايزال قائماً حتي الآن، شاهداً علي العديد من الأحداث، فأمامه كانت مظاهرة عرابي ضد الخديوي توفيق عام 1882م، وفيه تم حصار الملك فاروق بدبابات الإنجليز في 4 فبراير 1942م، قام بتصميم القصر وتنفيذه المعماري الفرنسي “دي كوريل روسو” وصممه على الطراز الكلاسيكي ليُحاكي القصور الأوروبية آنذاك.

  • وقد استعان الخديوي اسماعيل بمعماريين وفنانين فرنسيين وإيطاليين ومصريين وأتراك. للانتهاء من بناء القصر قبل افتتاح قناة السويس عام 1869م. وتكلف بناء القصر 700 ألف جنيه مصري، بينما بلغ ثمن أثاثه 2 مليون جنيه.
  • ويضم القصر قاعات وأروقه كثيرة، ويبلغ عدد غرفه 500 غرفة، كما يضم مكتبة بها أكثر من 55 ألف كتاب، وأهم قاعاته: الصالون الأبيض وغرفة مكتب الملك فاروق، وصالون قناة السويس، والقاعة البيزنطية، وقاعة العرش، وصالة للطعام، وحجرة البلياردو التى أهدتها الإمبراطورة أوجينى للخديو إسماعيل، وجناح الحرملك الذى يضم مجموعة من التحف والتماثيل والسجاد والساعات المحلاة بالذهب، إضافة إلى جناح الملك فاروق، وجناح الملكة فريدة، وجناح ولى العهد.
  • وبالقصر ثلاثة متاحف هى متحف قصر عابدين الحربي، ومتحف هدايا الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومتحف الفضيات الذى يضم مقتنيات أسرة محمد على الذى أنشئ فى عهد مبارك.
  • وظل القصر مقراً لحكم مصر حتي قيام ثورة يوليو 1952، حيث حُكِمت مصر منه فى عهد 6 ملوك من أسرة محمد علي، تلاهم الرئيس محمد نجيب، والرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات، وتبلغ مساحة القصر: 25 فدانًا تقريبًا.
قصر-عابـــــدين
قصر-عابـــــدين

قصر رأس التين – الاسكندرية:

يطل قصر رأس التين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بمدينة الإسكندرية ويعد من أجمل المعالم التاريخية والأثرية، وقد بدأ محمد علي في بناءه عام 1834م علي الطراز الأوربي الذي كان شائعاً بمدينة أنذاك نظرا لكثرة الجاليات الأجنبية الموجودة في الإسكندرية في تلك الفترة، وتم افتتاح القصر رسمياً عام 1847م، وأعاد الملك فؤاد بنائه علي طراز يتماشى مع روح العصر الحديث علي يد المهندس الإيطالي فيروتشي عام 1879م، وأصبح مشابهاً لقصر عابدين وقصر القبة، ويضم القصر: دور أرضي وطابقين علويين، وهناك جناح للضيافة وجناح الإعلام ومبني الأميرات، والممرات الزجاجية التي تربط القصر بمبني الأميرات، أما الملحقات فهي محطة السكة الحديد، والمرسي علي الواجهة الخلفية كما يوجد مبنيان حديثان وهما مسجد البرقي ومبني الأشراف الرئاسية ويوجد بالقصر عدد من القاعات المميزة ومبني استراحة محطة القطار.

قصــــــر القبة: بناه الخديوي إسماعيل، على أطلال منزل قديم لوالده إبراهيم باشا واستمر بناء القصر لمدة ٦ سنوات، وبدأ العمل في إنشائه عام ١٨٦٧م، وقد افتتح القصر رسميًّا في يناير عام 1873 في حفل زفاف الأمير محمد توفيق ولي عهد الخديوي إسماعيل، وأتخذه الملك فؤاد الأول مقرًا لإقامته منذ عام 1925م. وكان قصر القبة مقر إقامة شاه إيران محمد رضا بهلوي بعد لجوئه السياسي إلى مصر عام 1979م.

ويتكون القصر من طابقين يغلُب عليهما التماثل، ويبلغ عدد غرف وقاعات القصر قرابة ٤٠٠ غرفة وقاعة، اشترك في بناء القصر وديكوراته المهندسون المصريون والأتراك والفرنسيون والإيطاليون، وهو مبني على الطراز الكلاسيكي الذي كان سائدًا في ذلك العصر، تبلغ المساحة الكلية لقصر القبة 792,409 مترًا مربعًا (۱۹۰ فدانًا تقريبًا)، وللقصر ثمانية مداخل ويبلغ طول سور القصر من الجهة الشمالية ٤٥٠ مترًا، ومن الجهة الجنوبية ٤۰۰ متر، ومن الناحية الغربية والشرقية ۱۸۰۰ متر.

قصر الزعفـــران: يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1865م في عصر الخديوي إسماعيل، حيث عهد الى مغربى بك بالأشراف على بنائه وهو أحد الذين أبتعثهم الخديوي للدراسه فى فرنسا، وصمم القصر على نفس طراز قصر فرساي في فرنسا، ويطل القصر على حي العباسية من أربع واجهات، وواجهات القصر معشقة بنوافذ وشرفات بعقود نصف دائرية، وزخارف جصية بهيئة فروع نباتية، وأكاليل زهور غاية في الجمال، وفى عام 1872م أعتلت صحه الوالده باشا والدة الخديوي اسماعيل ونصحها الأطباء بالعيش فى مكان ذو هواء نقى وجاف وهو ماكان يتمتع به قصر الزعفران، وبلغت مساحة حدائق القصر 100 فدان زرعت به مساحات شاسعه من نبات الزعفران وهو سبب تسميه القصر لأن رائحه الزعفان كانت تفوح فى أنحاء المنطقه، ويتكون القصر من ثلاث طوابق ، يشمل الطابق الأول بهو الاستقبال وعلى جانبيه قاعتان اليسرى تستخدم حالياً كقاعه اجتماعات رئيسيه لمجلس ادارة الجامعه وأما القاعه اليمنى فهي القاعه الشهيره التى توجد بها المائده التى وقعت عليها معاهده 1936م ولا تزال موجوده الى الان، وتستخدم كقاعه اجتماعات، والسلم الذهبي يؤدى للطوابق العليا من القصر وهو مصنوع من النحاس المغطى بطبقه مذهبّه وهو شديد الفخامه ولا يوجد له مثيل فى القصور المصريه، والسقف العلوى للقصر مصنوع من الزجاج البلورى المعشق بالوان زاهيه يغلب عليها لون السماء الازرق وتنعكس اضاءته على السلم الفخيم، ويوجد في الطابق الثانى: ثمان غرف نوم كل غرفه ملحق بها صالون وحمام تركى مصنوع من الرخام والاضاءة تعتمد على كوّات من الزجاج الملون يعلوها قباب ملونه بالوان السماء، تستخدم الغرف حاليا كمكاتب لرئيس الجامعه ونوابه .. والطابق الثالث كان مخصصاً للحاشيه وهو الآن يستخدم كمكاتب اداريه، وهناك قصور اخرى تستخدم حالياً كسفارات في أحياء الزمالك وجاردن سيتي والمعادي.

كوبري قصر النيل: حاول الخديوي إسماعيل بجعل مصر باريس الشرق، ووضع أسس تحويل القاهرة إلى مدينة حديثة تصاحب افتتاح قناة السويس في عام 1869م، وبدأت قصة إنشاء الكوبرى مع تفكير الخديوي إسماعيل فى إنشاء جسر يربط بين ميدان الإسماعيلية “التحرير حاليًا” والضفة الغربية من النيل بمنطقة الجزيرة، وبدأ العمل فى إنشاء الكوبرى عام 1869م، واستمر بناء الكوبرى 3 سنوات حتى منتصف عام 1871، بتكلفة 113.850 جنيه مصري، وبلغ طـوله 406 أمتار، وعرضه 10.5 متر، وكان الكوبرى مكوناً من 8 أجزاء منها جزء متحرك من ناحية ميدان التحرير طوله 64 متراً لعبور المراكب والسفن، ويتم فتحه يدوياً من خلال تروس، علاوة على جزأين نهائيين بطول 46 متراً، و5 أجزاء متوسطة بلغ طول كل منها 50 متراً، وتم تأسيس دعائم الكوبرى من “الدبش” المحاط بطبقة من الحجر الجيرى الصلب، كما تم تنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط، وصممت فتحات الكوبرى كى يمكنها حمل 40 طناً، والسماح بعبور عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان، وبلغ ارتفاع جسم الكوبرى عن سطح النيل حوالى 10 أمتار، تحسباً لفيضان النيل، بالإضافة إلى وضع 4 أسود من البرونز تم تصنيعها خصيصاً فى فرنسا ونقلت للقاهرة. 

عمارة القرن العشرين في مصر: وفى العام نفسه افتتح كوبرى قصر النيل على نهر النيل بطول 406 أمتار، وكان يعد آنذاك من أجمل قناطر العالم، حيث زُيّن بتماثيل برونزية لأربعة من السباع (الأسود) نحتت خصيصًا فى إيطاليا.. كما افتتح أيضًا كوبرى أبو العلا على النيل على بعد كيلو متر تقريبًا من الجسر الأول، والذى صممه المهندس الفرنسى الشهير “جوستاف إيفل”، صاحب تصميم البرج الشهير بباريس، وتمثال الحرية بنيويورك.

كما أمر الخديو إسماعيل بإنشاء “حديقة الحيوان” على مساحة 80 فدانا، وافتتحت في عهد إبنة الخديوي محمد توفيق عام 1891م. وكانت تسمى «جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا». والتوسع فى انشاء الحدائق العامة مثل جنينة الأورمان وجنينة الأسماك وجنينة الأزبكية بالقاهرة، وجنينة الشلالات بالاسكندرية.

وسنتحدث في المقال القادم بإذن الله عن: منطقة القاهرة الخديوية التي شهدت نهضة عمرانية كبيرة خلال النصف الثاني من القرن الـ 19 وأوائل القرن العشرين وخلال فترة حكم الخديوي إسماعيل الذي أراد أن تصبح القاهرة أفضل مدينة في العالم.

المراجع:

  • أثر الثورات المجتمعية على تطور الفكر المعماري م. أيمان سامي عبد العليم عمارة
  • إطلالة على المعماريين المصريين الرواد” من تأليف الدكتورة شيماء عاشور.
  • الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى