Web Analytics
مدارس العمارةنظريات العمارة

عمارة القرن العشرين في مصــــــر (عصر محمد علي)

عمارة القرن العشرين في مصـــر: رأينا في المقال السابق والذي كان بعنوان مصر المحروسة دولة صنعت التاريخ كيف أنه بعد جلاء الحملة الفرنسية عن مصر أبتهج المصريون بخروج الفرنسيين من مصر، ولكنهم رأوا أن البلاد كانت تموج بالقوات العثمانية التي كانت تضم أخلاطا من الجنود الأكراد، والألبانيين، والأتراك وغيرهم، وسرعان ما أصبحوا عوامل فوضى وإضطراب، وتنازع على السلطة في مصر آنذاك ثلاثة قوى مختلفة المصالح هي:

  • الدولة العثمانية: والتي أرادت أن تبقى مصر كإحدى ولايات السلطنة العثمانية.
  • بريطانيا العظمى: كانت تطمع في احتلال المواقع الهامة على شواطئ مصر في البحرين المتوسط والأحمر لتضمن لنفسها السيادة في البحار في طريقها إلى الهند.
  • بقايا الممـــــاليك: الذين سبق لهم حكم مصر قبل الفتح العثماني، وكان لهم قوة لا يستهان بها أثناء الحكم العثماني نفسه.

عصر أسرة محمد على (1219هـ – 1371هـ /1805 م – 1952م).

وكما يقول عبد الرحمن الرافعي فقد تجاهلت هذه القوى الثلاث في تنازعها على السلطة العامل القومي ولم تحسب حسابه لكن رجلاً واحدا أدرك مدى تأثيرا هذا العامل لمن يستعين به وهو محمد على قائد الكتيبة الألبانية في الجيش التركي في مصر فتقرب إلى القوة الوطنية الشعبية، حتى قرر زعماء الشعب وعلى رأسهم عمر مكرم عزل الوالي العثماني واختيار الألباني محمد على بدلا منه، وفى يوليو 1805م.

محمد علي باشا: وصل إلى سدة الحكم بفضل إرادة القوى الشعبية إلى منصب الوالي ولم يجد الباب العالي في إسطنبول أمامه إلا إصدار فرماناً بذلك، وحكم محمد على من عام (1219هـ – 1264هـ /1805 م – 1848م).

الحرب الإنجليزية المصرية الأولى (حملة فريزر عام 1807م): رغبت بريطانيا بإزاحة محمد علي باشا وتنصيب حاكــــــم صوري تديره بريطانيا ويكون مواليا لها في جميع مصالحها، فأرسلت بريطانيا حملة قوامها 5 آلاف جندي تحت قيادة الجنرال ألكسندر ماكنزي فريزر، وكانت جزءً من الحرب الإنجليزية العثمانية، والتي تم التحالف فيها مع المماليك، وانتهت الحملة بفشلها وانتصار محمد على والمقاومة الشعبية.

الزراعة في عهد محمد علي: قام محمد علي بإصلاحات عديدة إدارية وزراعية من أجل تقوية مصر. فتقدمت الزراعة في عهده تقدما سريعا نظراً لجهوده فى زيادة الرقعة الزراعية بالقطر المصرى عن استصلاح الأراضى واستخدام طرق حديثة فى الزراعة وتجربة زراعة سلالات جديدة من المحاصيل وإلغاء نظام الإلتزام الذى أدى إلى تأخر النهضة الزراعية في مصر، وضياع حقوق الفلاحين. ثم قام محمد علي بتوزيع مساحات الأرض علي الفلاحين بحيث خصص لكل أسرة ما بين 3-5 أفدنة حسب قدرة كل منها، وكانت كل محاصيل الأراضي الزراعية تباع للحكومة، التي تقوم بتوريد جزء منها لمصانعها و أسواقها. و جزء آخر للوكلاء الأوروبيين تمهيداً لتصديرها للخارج

كما قام محمد علي بتحسين طرق الري عن طريق شق ترعة المحمودية و الخطاطبة في البحيرة، و مد ترعة الجعفرية و البقيدي في الغربية، والنعناعية والسرساوية والباجورية في المنوفية، و غيرها من الترع في وجه بحري. و الاهم من كل ذلك أنه قام بإنشاء القناطر الخيرية، التى تتحكم في تتدفق المياه للثلاث رياحات رئيسية في دلتا النيل وهي: (المنوفى، التوفيقى ،البحيري) و نتج عن ذلك تحويل أراضي الوجه البحري إلي ري دائم.

القناطر الخيرية

و كان محمد علي لا يشجع على الاستيراد كثيراً، إذ كان يري كما شاهد في أوروبا قبل مجيئه إلي مصر أن الدولة القوية هي التي تزيد صادراتها عن وارداتها .

الجيش المصري: أدرك محمد على أهمية تكوين جيش نظامي قوى، فعهد إلى الكولونيل الفرنسي “أوكتاف جوزيف” بتكوين جيش مصري قوي على الاسس الاوروبية، وسلمه الف مملوك في عام 1820م، لتكون نواة الجيش المصري الحديث، لتكون أسوا مقراً لاول مدرسة حربية للضباط في مصر، وتخرجت أول دفعة بعد 3 سنوات، وأسلم الكولونيل بعد ذلك وأختار له محمد علي إسما عربياً ولكفاءته منحة رتبة باشا وزوجة إحدى بناتةوكان الساعد الايمين لابراهيم باشا ابن محمد علي وخاض معه كل حروبه، ونجح في تكوين جيش مصري قوي بفضل تأسيس و إنشاء المدارس الحربية لتدريب الطلبه على أحدث وسائل القتال، وكيفية إدارة المعارك بما يتلائم مع مستجدات العصر آنذاك. حتى وصل الجيش المصري في عهد محمد علي إلى أوج مجده بانتصاراته المدوية في كل من اليونان والأناضول وقبرص وكريت وشبه الجزيرة العربية والسودان، كما سحق حملة فريز، ولم يعدم محمد علي كافة الوسائل الشرعية وغير الشرعية لإزاحة المنافسين وذبح المناوئين من المماليك فهيمن بقبضة حديدية على البلاد.

وقد تطلب تكوين الجيش وجهاز الدولة الجديد مجموعة من المثقفين والمتعلمين فأوفد محمد على العشـــــــــــــرات من الشبان المصريين الى أوروبا لدراسة العلوم الحربية والفنية والهندسية والزراعية والطب واللغات والحقوق.

وفى عام 1812م فتح محمد على لأول مرة فى مصر دار للطباعة، وصدرت أول جريدة مصرية هي الوقائــــع المصرية.

تطوير التعليم: قام محمد علي بنشر المدارس على اختلاف درجاتها، وكان التعليم مجاناً في كافة “التجهيزية والابتدائية والمدارس العالية”، والحكومة كانت تنفق على التلاميذ ما يحتاجوا من مسكن وغذاء وملبس، بل وتجري على كثير منهم الارزاق والمرتبات، حيث كان المتعلم يدخل الجيش اجبارى لان المدارس كانت عسكرية ايام محمد على، فكان غرض محمد علي من التعليم أن يكوِّن عددًا عظيمًا من الضباط والموظفين ليساعدوه في إدارة شئون البلاد، وولذلك كان الأهالي في بدء افتتاح المدارس غير راضين عن ادخال أبنائهم فيها، بل كانوا نافرين منها نفورهم من الجندية، فكانت الحكومة تدخلهم المدارس في غالب الاحيان بالقوة، ولكن ما لبث المصريين ان راوا ثمرات التعليم فكفوا عن المعارضة في تعليم أبنائهم في المدارس واقبلوا عليها.

وأول ما فكر فيه محمد علي من بين المدارس العالية مدرسة الطب بأبي زعبل، والحق بها مدرسة خاصة بالصيدلة، وكان كلوت بك صاحب الفضل الكبير على النهضة الطبية الحديثة في مصر.

كما أنشأ مدرسة الهندسة والتي ساعدت على تطور عمارة القرن العشرين في مصر، وهذا يدل على الجانب العملي من تفكيره، حيث راى أن البلاد في حاجة ماسة إلى أطباء لتعهد صحة الناس، ومهندسين لتعهد أعمال العمران فيها، وبخصوص تعليم الهندسة سنوضحه فيما يلي:

عمارة القرن العشرين في مصر المحروسة
المهندسخانة

مدرسة المهندسخانة: أنشأ محمد علي مدرسة المهندسخانة بالقلعة عام 1816 لتدريب واعداد المتخصصين في المساحة، ويبدوا أن مدرسة القلعة لم تف على مر السنين بحاجات البلاد الى المهندسين، فأنشأ محمد علي في سنة 1834 مدرسة اخرى للمهندسخانة في بولاق، لتخريج المتخصصين الفنيين للعمل في المشروعات المدنية والعسكرية على السواء وظلت تؤدى رسالتها حتى اغلقت في مطلع عهد محمد سعيد باشا عام 1854م. مع غيرها من المدارس، الذي لم ينتهج سياسة محمد على حيث قال: “أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة“.

ثم اعيدت دراسة الهندسة عام 1858م في مدرستين منفصلتين احداهما لهندسة الري بالقناطر الخيرية والاخرى لدراسة العمارة بالقلعة ثم اغلقتا مرة اخرى عام 1861م، وفى عام 1866م افتتحت مدرسة الري والعمارة بسراي الزعفران بالعباسية وكانت الدراسة بها لمدة خمس سنوات منها سنة اعدادية ويتخصص الطالب في السنتين الاخيرتين إما في هندسة الري أو العمارة، لتخصصات عام 1869م لتقسم الدراسة مرة اخرى الى قسمي الري والعمارة وفي عام 1923م سميت باسم: مدرسة الهندسة الملكية.

وهكذا استطاع محمد على بهذه الإصلاحات القضاء على مخلفات القرون الوسطى الأكثر رجعية وأنشأ جيشا وأسطولا قويا وجهاز للدولة لتساير مصر بموجب هذه الإصلاحات التقدم الأوروبي الحديث.

ويمكن القول بأن عمارة القرن العشرين في مصر بدأ من عصر محمد علي باشا أول من أدخل العمارة الغربية إلى “القاهرة”، فأحضر بعض المهندسين الغربيين مشترطاً عليهم أن يعلم كل خبير هندسي منهم، 4 مصريين، فنون العمارة والتشييد. وبدأ محمد علي بالتركيز على الصناعات والحرف في منطقة “السبتية”، وإزالة الأنقاض والقمامة من حولها وردم البرك والمستنقعات المنتشرة فيها، وتحويل مساحات شاسعة منها إلي حدائق ومتنزهات، حتي إنه أصدر قراراً عام 1831 م أمر فيه بتعمير الخرائب، وتحديد مساحتها، كما أنشأ في العام 1843 مجلساً أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها. وفي العام 1846 تم توسعة شارع الموسكي وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليه، ومن أمثلة المباني التي شيدها محمد علي في عصرة ما يلي:

  • قصر محمد علي بشبرا الخيمة “باقي منه الان البناء المعروف بالفسقية”. -قصر الجوهرة بقلعة القاهرة.
  • قصر رأس التين: استكمل محمد علي بناء القصر القديم عام 1845م، ثم استكمل أبناءة من بعدة بناء القصر الجديد.
  • مدرسة الطب البشري والمستشفى بأبي زعبل. -مدرسة الطب البيطري برشيد ثم بشبرا.
  • المدرسة البحرية بالاسكندرية – منار الاسكندرية – دار الصناعة (الترسانة) بالاسكندرية.
  • مدرسة الهندسة ببولاق – مطبعة بولاق – دار صناعة بولاق.
  • القناطر الخيرية – ترعة المحمودية – الترع والجسور في باقي انحاء البلاد.
  • مدرسة الزراعة بنبروة ثم بشبرا. – مصنع الاسلحة بالقلعة – دار صناعة الخرطوم.
  • مصانع غزل القطن بفوة ورشيد – مصانع بسمنود وإسنا
  • مسجد محمد علي بالقلعة. – مسجد نبي الله دانيال ومدفن العائلة المالكة بجوارة.
  • سبيل محمد علي بالغورية والنحاسين، وبه مدرسة لتعليم القرأن، تصدقا على روح ابنه طوسون المتوفي 1816م.

  مسجد محمد علي: أنشأه محمد علي باشا في الفترة من 1830م إلى 1848م وعهد إلى المهندس التركي «يوسف بشناق» بتصميم المسجد على الطراز العثماني، فاقتبس من تصميم مسجد السلطان أحمد بالآستانة، مع بعض التغييرات الطفيفة، ويبلغ سمك الجدران في الأساس 2.20 م، ويتناقص هذا السمك حتى يصل إلى 1.90 م في أجزائه العلوية، وقد كسيت الجدران من الداخل والخارج بالرخام الألبستر المستقدم من محاجر بني سويف، والمسجد في مجموعه مستطيل البناء، ينقسم إلى:

قسم شرقي: معد للصلاة مربع الشكل طول ضلعه من الداخل 41 م، تتوسطه قبة مرتفعة قطرها 21 م، وارتفاعها 52 م، عن مستوى أرضية المسجد، وهي محمولة على أربعة عقود كبيرة وتتكئ أطرافها على أربعة أكتاف مربعة، ومن حولها توجد أربعة أنصاف قباب، ونصف خامس يغطي بروز المحراب.

أما القسم الغربي: فهو صحن تتوسطه فسقية عبارة عن فناء كبير مساحته 53 م × 54 م، يحيط به أربعة أروقة ذات عقود محملة على أعمدة رخامية، وتحمل قباباً صغيرة منقوشة من الداخل ومغطاة من الخارج بألواح الرصاص مثل القبة الكبيرة وبها أهلة نحاسية، وعلى طرفي الوجهة الغربية للصحن مئذنتان بارتفاع 84 م عن مستوى أرضية الصحن، وقد شُيد المسجد في قسم من أرض قصر الأبلق داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي، ويجاوره داخل القلعة مسجد الناصر قلاوون، أما خارجها وبالقرب من سور القلعة تقع عدة مساجد أثرية أخرى مثل مسجد السلطان حسن، مسجد الرفاعي، ومسجد المحمودية، ومسجد قاني باي الرماح، ومسجد جوهر اللالا.

مسجد محمد علي باشا

خلف محمد علي بعد وفاتة ابنة إبراهيم باشا لمدة شهر ثم مات، تلاه ابنة عباس الاول ابن طوسون ابن محمد علي لمدة 6 سنوات (1264هـ – 1270هـ /1848 م – 1854م)وفقا لفرمان 1841م في حصر الحكم في أكبر أبناء محمد علي سناً.

محمد سعيد باشا: (1270هـ – 1279هـ /1854 م – 1863م) تولى الحكم عام 1854م خلفا لعباس الاول، تحت حكم الخلافة العثمانية، وكان الابن الرابع لمحمد علي، شهدت مصر في عصره بدايات التدخل الأجنبي وذلك عن طريق القروض الأجنبية، حيث منح سعيد باشا فرديناند دليسيبس عام 1854م حق امتياز حفر قناة السويس وفق ما يلي:

الامتياز الأول: منحه تأسيس شركة عامة لحفر قناة السويس واستثمارها لمدة 99 عاما من تاريخ افتتاح القناة للملاحة.

الامتياز الثاني: وجاءت شروطه مجحفة لمصر والمصريين حيث كانت من أهم شروطه:

  • تمنح الحكومة المصرية الشركة الحق في إنشاء قناة السويس، وإنشاء ترعة للمياه الصالحة والتي سميت بترعة الإسماعيلية فيما بعد، تستمد مياهها من النيل وتصب في قناة السويس.
  • لشركة ديليسيبس فرض ما تشاء من رسوم على السفن التي تمر في قناة السويس أو ترعة الإسماعيلية.
  • تتنازل الحكومة المصرية للشركة مجـانا عن جميع الأراضي المملوكة لها والمطلوبة لإنشاء قناة السويس وترعة الإسماعيلية.
  • مدة الامتياز 99 سنة تبدأ من افتتاح قناة السويس وتصبح القناة بعدها للحكومة المصرية.
  • يكون أربع أخماس أي 80%من العمال مصريين، وأصبح ذلك شرط إلزاميا على الحكومة المصرية للشركة، كما أن الشركة لم تدفع أي أجر للعمال طوال مدة الحفر وكانوا يعملون بالسخرة، ولا يوجد إمدادات بالطعام أو العلاج، مما تسبب في موت الالاف من المصريين.
  • تحصل مصر على 15% من صافي الأرباح مقابل الأراضي والامتيازات الممنوحة للشركة، ويصدق السلطان العثماني على امتياز حفر قناة السويس شرطا لصحته.
  • وترتب على ذلك: -فتح باب التدخل الأجنبي في شئون مصر، وارتباك الميزانية المصرية، وتورط البلاد في الاستدانة من البنوك الأجنبية، وعدم استفادة مصر شيئا من قناة السويس فقد عادت معظم الارباح أرباحها للشركة الأجنبية.

وسنتحدث في المقال القادم بإذن الله عن: عصر الخديوي إسماعيل المؤسس الثاني لعمارة القرن العشرين في مصر بعد جدة محمد علي باشا.

المراجع:

  • أثر الثورات المجتمعية على تطور الفكر المعماري م. أيمان سامي عبد العليم عمارة
  • إطلالة على المعماريين المصريين الرواد” من تأليف الدكتورة شيماء عاشور.
  • الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى