مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية: تعد مدينة الاسكندرية من أهم المدن التي أنشأها الإسكندر الأكبر لاقت المدينة عناية فائقة من الملوك البطالمة خاصة بطليموس الأول والثاني اللذان اكتملت في عهدهما ملامح المدينة العمرانية وعني كلاهما بالفنون والعلـوم والآداب وعملا علي ترسيخ أسس ودعائم الحضارة الإغريقية فصارت الإسكندرية محط أنظار العالم أجمع.
مكتبة الإسكندرية القديمة: اختلف المؤرخون حول الشخص الذي بنى المكتبة، فمنهم من يقول أن الإسكندر وضعها في تخطيطه عند بناء الإسكندرية، بينما يعتقد أخرون أن بطلمــــــــــيوس الأول هو الذي أمر بتأسيس المكتبة وتنظيمها على نفقته، ثم أكمل ذلك خلفه بطليموس الثاني وكان ذلك في عام 280 ق.م.؛ وقد نظم المكتبة ديمــــــــــتريوس دي فاليري، تلميذ الفيلسوف اليوناني أرسطو، وكانت أغنى مكتبة في العالم بعد مكتبة « برجاما» شمال غربي آسيا الصغرى.
وضمت المكتبة في أوج عظمتها ما يقرب من 125 ألفا من الكتب المطبوعة المجلدة. وفي عهد بطليموس الثاني وبحلول منتصف القرن الثالث ق.م.، أصبح المبنى الأصلي أصغر مما يكفي، فنقلت مجموعة إلى “المكتبة الابنة” وكانت تقع في السرابيوم الذي يقع في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة، المعروف بالحي الشعبي. وامتلأت أرفف المكتبة بما يقرب من700،000 لفافة، أي ما يعادل أكثر من 100،000 كتاب من الكتب الحديثة المطبوعة.
وعانت المكتبة من الانهيار البطيء بدءاً من عصر قيصر وكليوباترا. وقد وقعت الكارثة الأولى للمكتبة في عام ٤٨ ق.م.، وذلك عندما قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبــــــة الإسكندرية بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعدما شعر أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه، وامتدت نيران حرق السفن إلى جزء المكتبة الواقع على الميناء فأحرقتها، حيث يعتقد بعض المؤرخون أنها دمرت، إلا أن مارك أنطونيو أهدى كليوباترا المائتين ألف لفافة التي كانت موجودة في مكتبة « برجاما» على سبيل التعويض للخسائر الفادحة التي نجمت عن الحريق. ولكن الاضطرابات العنيفة التالية التي حدثت داخل الإمبراطورية الرومانية أدت إلى الإهمال التدريجي، ثم الدمار الشامل للمكتبة.
وكانت المكتبة مناراً تستقبل العلماء من كل الثقافات، وعمل في أروقة المكتبة القديمة خيرة علماء ذلك العصر مثل:
- أرسطرخس: الذي قال بمركزية الشمس داخل النظام الشمسي جاعلا الشمس هي مركز الكون بدلا من الأرض، وأن الأرض تدور حول الشمس وسبق بها نظرية كوبرنيكس بنحو 18 قرنا.
- إيراتوسثينس: أثبت أن الأرض كروية، وحسب محيط الأرض بدقة مذهلة، كما تحدث عن إمكانية الإبحار حول العالم ، وذلك قبل ١٧٠٠ عام من قيام كولومبوس برحلته الشهيرة.
- هيبارخوس: وضع أول أطلس للنجوم، وحسب السنة الشمسية بدقة حيث بلغ الفارق ٦.٥٠ دقائق فقط
- الشاعر اليوناني كاليماخوس: وضع أول فهرس للكتب وقسمة تبعاً للمواضيع والمؤلفين، ولذلك اعتبر كاليماخوس أبا علم المكتبات
- إقليدس: وضع مبادئ علم الهندسة وهي نفسها المبادئ التي تُدرس في المدارس حول العالم حتى يومنا هذا.
ثم اندثرت المكتبة تماماً منذ ما يزيد علي 20قرن من الزمان ولكنها استمرت في إلهام وعلى الرغم من تلاشيها، ظلت ذكرى المكتبة القديمة حية في الأذهان واستمرت في إلهام العلماء والمفكرين في كل بقاع العالم.
المسابقة المعمارية الدولية لإحياء مكتبة الإسكندرية
ظل حلم إعادة بناء مكتبة الإسكندرية العظيمة يداعب مخيلة الكثيرين من العلماء والمثقفين في كل مكان لتمارس من جديد دورها كمنارة للفكر والعلم والثقافة. وفي يونيو /1988 أعرب المجتمع الدولي عن رغبته في إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة وقامت الحكومة المصرية باختيار الموقع علي مقربة من الموقع التاريخي للمكتبة القديمة وتبلغ مساحة الموقع المخصص للمكتبة حوالي 40,000 متر مربع في وسط مدينة الإسكندرية في مواجهة الميناء الشرقي والبحر المتوسط كما قامت بالاشتراك مع منظمة اليونسكو بطرح مسابقة معمارية دولية نظمها اتحاد المعماريين الدولي حيث تقدم 524 فريقا بمشروعات في نهاية المسابقة من شتي بقاع العالم.
وبعد أن فحصت لجنة التحكيم المشروعات قامت بالتصفية الأولية علي أساس المعايير التالية:
- وضع المشروع بالنسبة للأفق (الشكل المعماري)
- التخطيط الطبيعي وما يتعلق بالبيئة.
- الجدوى الاقتصادية
- التعبير الرمزي
وعلي أساس هذه المعايير تم اختيار 45 مشروعاً أعيد فحصها بالتفصيل من قبل لجنة التحكيم والتي توصلت للقرار النهائي وتم تبني الرؤية المعمارية الجريئة التي قدمها مكتب “سنوهيتا” النرويجي المكتب الفائز بالمـــــــــركز الأول بالمسابقة؛ ويضم فريق التصميم 9 معماريين من جنسيات مختلفة (النرويج – مصر – الأرجنتين – ألمانيا – النمسا)
وصف المشروع الفائز:
ويصف المعماري الأمريكي “جون كارل وارانيكي” رئيس لجنة التحكيم الدولية التصميم الفائز بأن المكتبة تأخذ شكلاً اسطوانياً مائلاً، حيث ينحدر السطح المستدير برقة إلي البحر والميناء ويتجه نحو السماء والشمس والقمر.
ومن مستوي سطح الأرض تبرز المكتبة للعيان كشكل اسطواني قوي وهي تشبه قمراً جديداً أخذا في النمو ليصبح بدراً كاملاً، إنها تبدو للأنظار من هذا الموقع بالذات أشبة ببعث جديد لشكل سابق هو مكتبة الإسكندرية القديمة.
أبرز السمات التي يتميز بها المشروع هو شكله الدائري الصريح، فقد هدف المصممون إلي إيجاد مبني ذي تكوين واضح يقف متميزاً عما حوله من النسيج العمراني الممتد علي طول الكورنيــــــــــــــش ويستلهم المبني شكله الدائري من قرص الشمس فعندما يشاهد المرء ” القرص ” المتسع المائل، والذي يبدو وكأنه ” ينهض” من باطن الأرض مباشرة كالشمس تشرق عبر الأفق.
والمبني في ضخامته ومقياسه الهائل يذكرنا بعمارة أهرامات مصر القديمة ويبلغ قطر المبني الرئيسي 160 متر، وتتوزع فضاءات المكتبة المتنوعة داخل هذه الهيئة الاسطوانية، كما جاء الجدار الدائري الضخم لصالة القراءة بمثابة همزة وصل بينه وبين التاريخ ووظائف المبنى حيث نحتت فيه 6300 حرف وجملة ورمز من لغات حضارات العالم المختلفة القديمة والمعاصرة.
وتكلف المشروع الذي نفذته مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة نحو 160 مليون دولار، وتقدر مساحة المكتبة بنحو 80 ألف متر مربع، وتضم 11 دورًا.
ويتم الدخول للمكتبة عن طريق قنطرة ضيقة تؤدي إلي المبني وفي الساحة العامة يوجد المبني الكروي الذي يضم متحفاً للعلوم وقبة فلكية، وبعد أن نعبر البوابات الفسيحة للمكتبة ندخل “بهو بطليموس” والذي استمد اسمه من أسرة البطالمة مؤسسي المكتبة القديمة ويمتد هذا البهو علي ثلاثة مستويات وتضم جدران هذا البهو أماكن لإقامة المعارض ومتجراً لبيع الكتب ومكتبة للأطفال تطل علي الساحة والبحر معاً.
وبعدما نغادر هذا المكان يضيق الممر بنا ونمر عبر نقطة تفتيش صغيرة نعبر منها إلي قاعة “كاليماخوس” أبا علم المكتبات هذه القاعة هي نقطة تجمع لرواد المكتبة وتقودنا هذه القاعة التي تزينها بعض الزخارف إلي وسط المبني ونعبر من خلال شرفة داخلية إلي أول منظر لساحة المكتبة وبالاقتراب أكثر من القاعات الرئيسية ، تضفي الإضاءة الطبيعية غير المباشرة والإضاءة التي وزعت بعناية جو خاص على المكتبة من الداخل.
وتم تنظيم الفراغات الإنتفاعيه داخل المبني علي 9 مستويات تضم عدة مستويات تحت الأرض بعمق 15.8 مترا ، وثمة مستويات أخرى فوقها بارتفاع 37 مترا ً تشكل القاعة الرئيسية فضاءً مفتوحا ً موحدا ً بسبعة مستويات على شكل شرفات
ويقع قسم المطالعة فيها بحافة كل شرفة ، وبجانبه مباشرةً ،رفوف الكتب بنظام استعارة مفتوح ويعطي هذا الأسلوب في تخطيط وتصميم المكتبات لقارئ المكتبة القدرة على استخدام سريع للكتب ، كما يمنحه إمكانية توليد فكرة متكاملة عن مكان موقعه في القاعة الفسيحة كما تنتشر فيه أعمدة دقيقة ، يصل عددها إلى نحو 90 عمودا ً ، يتحدد مكانها طبقا ً لنظام الشبكة الوحدة القياسية (Module) والتي تقدر أبعادها بـ 9.6× 14.4 مترا ً، وهو مقياس يلائم أبعاده نظام تخزين المكتبات الموحد.
ويشتمل المجمع الثقافي الضخم للمكتبة والتي تتسع لملايين الكتب (ما بين 4 و8 ملايين مجلد) علي:
أولاً: 6 مكتبات متخصصة مقسمة على النحو التالي:
- المكتبة السمع بصرية 2- مكتبة المكفوفين وضعاف البصر
3- مكتبة الطفل 4- مكتبة النشئ
5- مكتبة الميكروفيلم 6- مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصةثانياً: يضم المجمع الثقافي بالمكتبة ايضاً ثلاثة متاحف تضم هي:
1- متحف الآثار 2- متحف المخطوطات 3- متحف تاريخ العلوم
(والحق بالمكتبة حديثا متحف رابع هو متحف السادات).
ثالثاً: مركزاً للربط الإلكتروني وأرشيف الإنترنت.
رابعاً مبني القبة السماوية ويضم:
- قاعة استكشافات لتبسيط العلوم للأطفال
- ثلاث معارض دائمة
- خمس قاعات للمعارض الفنية المؤقتة
خامساً: مركزاً للمؤتمرات يتسع لآلاف الأشخاص
سادساً: سبعة مراكز بحثية تغطي المجالات التالية:
- المخطوطات 2. توثيق التراث 3. الخطوط والكتابات
4. العلوم المعلوماتية 5. دراسات البحر المتوسط والإسكندرية
6. الفنــــــــــــــون 7. البحث العلم
