Web Analytics
الحضارة الفرعونيةتاريخ العمارة

هل كان الفراعنة وثنيين أم موحدين؟

  • هل كان الفراعنة وثنيين أم موحدين؟ إن الايمان بوجود خالق لهذا الكون عقيدة ضرورية لبناء السلوك الانساني على قاعدة ثابتة يطمئن الفرد والمجتمع اليها فهي الرقيب والحارس الأمين على سلوك الانسان، وجاءت الرسل تترا منذ أدم عليه السلام لتعرف الناس بالله الخالق حين تضل البشرية سبيلها إلى الخالق.
  • إن الاعتقاد بوجود الإله أو الآلهة التي عبدها الناس على مر العصور إنما كانت وليدة اقتناع وإيمان أيا كان حظهما من العمق، ومداها من الصدق، فعابد النار أو الحجر أو الحيوان أو الشمس أو القمر إنما عبد معبوداته تلك بعد ان ملكت عليه زمام نفسه، وأخذت بمجامع قلبه، وتمثلت له قوة خارقة لا حد لها، إليها مصائر أموره، وعليها مدار ضره ونفعه، فآمن بها واستسلم لها ووجه إليها وجهه وقلبه وعقله.
  • وسواء أكان هذا الإيمان منبعثا من أعماق النفس أو عن طريق الإيحاء والإغراء، فهو على أية حال إيمان ملك النفس وخالط المشاعر، وبغير هذا لا يكون إيمانا ولا يسمى ديناً، وانه إذا لم يبلغ هذا الحد فستظل نفس الإنسان فارغة خواء، وسيظل الإنسان قلقا مضطربا حتى يقع على الإله الذي يسكن إليه قلبه ويطمئن به وجدانه.
  • ولقد بنى المصريون القدماء تصوراتهم عن كيفية نشأة الكون ومختلف المخلوقات والكائنات على حقائق مستمدة من البيئة المصرية القديمة تعكس خبرتهم بالحياة فوق الأرض وبالكون من حولهم، وكانت تصورات رمزية تحاول فهم الخلق وطبيعته ودور الخالق في عملية الخلق وكيف أبدع الحياة وعن دور العناصر المختلفة في الخلق وأهمية كل منها في هذه العملية المعقدة وتراتب ظهورها في سلم الخلق.
  • ووفقا لمعتقداتهم الدينية، آمنوا بأن هناك قوة إلهية عليا غير محدودة الإرادة والقدرة على الخلق والإبداع والابتكار أوجدت كل الكائنات وكل الأشياء منذ البداية واستمرت تخلق وتبدع وتجدد ما أخرجت للوجود بصورة لانهائية دون كلل أو ملل.
  • وكان لدى المصريين القدماء إيمان راسخ بفكرة الحياتين، حياة اولي اعتبروها عابرة وليست جديرة بكثير اهتمام، وحياة اخرى رفعوا من شانها لاعتقادهم الجازم بانها دائمة وسرمدية، وبناءً على هذا الفهم الراسخ اولوها اهتماما فائقا تجلي في العديد من جوانب عمارتهم بالغة التمييز والتفرد، وكانوا يعتبرونها بوابات الولوج للحياة الثانية السرمدية.
  • يقول السير والس بدج في كتابه عن ديانة قدماء المصريين: “إن التسابيح الموجهة لـ الله الواحد، كانت تسمع في وادي النيل، قبل خمسة آلاف سنة، وأنهم كانوا يعتقدون في الله العظيم الواحد، خالق البشر، وسائر الشرائع، والمزود بروح خالد لا تفنى”.
اعتقد المصري القديم بالحساب

تقول الدكتورة زكية طبوزادة في مقدمة كتاب الموتى للمصريين القدماء لبول بارجيه إن مما يبرهن على عمق الفكر الدينى وثرائه وتنوعه وإيمانه الثابت تكرار لفظ الاله الواحد في مختلف نصوص الكتابة أهمها قول أنوبيس:” يا أيها الإله الواحد الذي ليس له ثان“، سوف يأتى يوم للحساب يقتص فيه الإله من الظالم وتُرد الحقوق إلى أصحابها، كما عرف المصرى القديم مسألة تلقين الميت، وفي فقرة أخرى من الكتاب تصف الحياة بعد الموت في الجنات الموعودة: ” ستحيا في نعيم، ولكن لن يكون فيها لذة، حياة أبدية لن ينالها المصري القديم بعد وفاته، إلا بعد الوقوف أمام المحكمة الكبرى ليحاسب على أعماله وما أقترفه في دنياه، وإذا برأته المحكمة نال الحياة الأبدية ونعم فيها بصحبة الابرار من الموتى.

  • والمتأمل في الفكر الديني في مصر القديمة يرى مدى تأثره واستيعابه للرسائل السماوية، وأنَّ الحياة الدنيا ما هى إلا صراع بين الخير والشر، ولعل في اسطورة إيزيس وأوزيريس أوضح مثال على ذلك، فالصراع الذي قام بين أوزريس وأخية ست هو صورة للصراع بين قابيل وأخيه هابيل والذي انتهى في كلتا الحالتين بمقتل الأخ الطيب.
  • كما تبنى الفراعنة قيما وأسسا أخلاقية قامت عليها حضاراتهم، وتذخر النصوص المصرية القديمة بالعديد من الأمثلة ومنها كتاب الموتى الذي نجد فيه تحية المصري القديم المفضلة كانت السلام، فيقول السلام لك، السلام عليك، السلام عليكم.
  • يتعرض التاريخ والحضارة المصرية القديمة باستمرار لهجمات كثيره، فيلصق الكثيرين بالفراعنة أنهم كلهم كانوا وثنين وليس البعض منهم، والحقيقة أن الوثنية ظهرت في مصر مع قدوم الهكسوس، مؤكدًا أن المصريين القدماء كانوا يعبدون الإله الواحد الأحد، وكان المصريون على توحيد خالص، على الملة الادريسية الحنيفية، وأن التعددية في مصر القديمة فهمت خطأ وأن انوبيس ورع وبتاح هي أسماء لقوى ملائكية كما ورد في كتاب الموتى، أن كل هؤلاء خاضعين لأمر إله واحد متصرف في الكون.
  • ذكر ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان” إن إدريس عليه السلام كان يعيش في أرض بابل، لكنه تعرض لبعض المضايقات فدعا الله أن يرسله إلى أرض مشابهة فأرسله إلى مصر، ويذكر المؤرخ المصري مانيتون عندما دوّن قصة الخلق المصرية القديمة وأحداث أول الزمان وصفًا لأوزوريس يتشابه مع إدريس بأنه يتلقى من حين لآخر دعوة الآلهة فيصعد إلى السماء ويتعلم منها فنون البناء بالحجر والخط بالقلم والزراعة والحكمة وتخطيط المدن.
  • ويصفه بأنه أول من جعل الجبتيين (المصريين) يسكنون البيوت بعد أن كانوا يسكنون الكهوف خوفًا من الوحوش والمسوخ، كما تنوه بأنه أول من شيّد المعابد الضخمة، واهتم بتعليم الطب، وابتكر أدوات الزراعة والري مثل المحراث والشادوف، وازدهرت في عهده المدن والصناعات وعرف الناس لبس الأثواب الكتانية، وكان يتلقى وحى الاله ويرى الرؤى في نومه، وقد حكم مصر بالعدل حتى اغتاله سِت ثم عاد إلى الحياة ثم رفعه الإله، وهو وفقًا للعقيدة المصرية القديمة قاضى قضاة محكمة الآخرة.
  • وجدت متون هرمس بالإسكندرية وقد كتبت عام 300 بعد الميلاد، بعد سيدنا إدريس بزمن طويل جداً فمن الممكن أنه قد نالها بعض التحريف لكن روح النص الأصلي موجود فيها، ونجد فيها حينما يتحدث عن الاله: ” الإله هو الوحدة، وكل شيء جزء من الكائن الواحد الأعلى، مثل الواحد الذي هو منبع كل الأرقام التالية، الإله منبع كل شيء، ولكن مثل الرقم واحد الذي يبقى واحداً سواء أضرب في نفسه أو انقسم عليها، فالإله يبقى دائماً وحدة واحدة (لا تتكاثر ولا تنقسم). وطبيعته متناقضة حيث إنه يوجد كل شيء، فهو الخالق لذاته، خفي عنا دوما، ولكنه أيضاً العالم الذي يحيط بنا، وليس له اسم معين، لان كل الأسماء تصفه.
  • وفي متون هرمس أيضاً يقول إدراك الإله أتوم ” أحد أهم المعبودات في الميثولوجيا المصرية، اسمه يعني «التام» أو «الكامل»” شاق وتحديده مستحيل، فلا يستطيع الناقص والفاني إدراك الكامل والخالد بيسر وسهولة، أتـــوم هو الواحد الصمد، غير متحرك ومع ذلك هو أصل الحركة ذاتها، لا يشوبه نقص، هو الباقي دوماً، هو الخالد أبداً، هو الواقع الحق كما إنه المطلق الاكمل الاسمى.
اخناتون

ويقول زاهى حواس عن التوحيد الذي يبدو موثقا بشكل أكبر ومنسوب إلى الملك امنحتب الرابع “إخناتون”، الذي حكم البلاد تقريبا بين عامي 1379 و1362 ق.م. وأحد أشهر فراعنة مصر القديمة على الإطلاق، والذي كان ملكًا مسالمًا، وفيلسوفًا هادئًا، منصرفًا إلى دعوة دينية، وكانت دعوته قريبة من التوحيد، ولكنها لم تصل إلى الكمال الذي وصلت إليه الرسالات السماوية. حيث ألغى عبادة الآلهة المتعددة، وقال بأن خالق الكون والكائنات هو الخالق الواحد، ورمز له بقرص الشمس، وكانت مشكلته أنه أخذ من الشمس مظهرا من مظاهر قدرة الإله الواحد؛ فظهر كما لو كان يتعبد للشمس، والحقيقة أن أخناتون كان يؤمن بالإله الواحد خالق الكون كله.

  • وأجاب الدكتور مصطفى محمود في لقاء تلفزيوني على سؤال: هل كان الفراعنة وثنيين أم موحدين؟ موضحاً أنه تم إلصاق تهمة الوثنية بالحضارة المصرية القديمة نتيجة لترجمة خاطئة لعالم المصريات البريطاني فلندرز بترى في بداية القرن 20 م حيث قام بترجمة علامة (نــتر) وكتب بجوارها (ربما يكون معناها إله) ولكنه لم يجزم القول، وتابع الأجانب من غير المصريين ترجمتها إلى إله بمعنى الإله الخالق، مما أعطى فكرة الاعتقاد بتعدد الألهه عند قدماء المصريين،  والحقيقة أن الكلمة تحمل معاني كثيرة، والمعنى الحقيقي ل “نــتر” هي قدرات كونية وصفات لإله التوحيد الواحد الاحد، ولا يقصد به الاله الخالق، وإنما كل ما هو محبب وقريب من الله الواحد الاحد.
قبر من عصر البداري

غسل وتطهير جسد المتوفى قبل دفنه: كان المصري القديم يؤمن بالبعث (الحياة الثانية بعد الموت) ولذلك كان غسل وتطهير جسد المتوفي يعد خطوة على درجة كبيرة من الأهمية في سبيل الإعداد لرحلة الخلود والإقامة في العالم الآخر. والاهتمام بإعداد وتجهيز المدفن أو المقبرة وتزويدها بالأثاث وكل ما يلزم المتوفى خلال هذه الرحلة يعد من أهم الشئون التي اعتنى بها المصري القديم، كما شاهدنا ذلك في عصر ما قبل الاسرات فكانو يدفنون موتاهم بعد لفهم بالحصير في الصحراء ورأس الميت في إتجاه الجنوب وينظر إلى الغرب، وكانوا يدفنون معهم حيواناتهم المحببة أو بعض التماثيل لحيوانات أو لنساء أو للطيور.

التحنيط: في إطار إيمان المصري القديم بحياة ما بعد الموت وأنها حياة أبدية لا موت بعدها، فقد سعى إلى اتخاذ كل الوسائل اللازمة للحفاظ على جسده سالمًا لا يمس. ومنذ عصور ما قبل التاريخ والمصري حريص على أن يدفن موتاه في وضع القرفصاء، وهو نفس وضع الجنين في بطن أمه، معتقدًا أنه كما بدأ حياته جنينًا كان لابد أن يدفن على نفس الوضع ليبعث من جديد في العالم الآخر. ولهذا أخذ يهتم بالمقبرة التي بدأت على شكل حفرة أخذ يطورها على امتداد سنوات طويلة، ثم تطورت إلى مصطبة، فمصطبة مدرجة، فهرم، وأخيرًا إلى مقبرة محفورة في الصخر. والتحنيط يمثل علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية القديمة، ويعبر عن خبرة متميزة في علوم الطب والتشريح والكيمياء.

  • وختاماً فإن التوحيد قد بدأ في مصر القديمة، منذ عصر ما قبل الاسرات ولفترات طويلة ضاربة في أعماق التاريخ. وكان المصريين القدماء يؤمنون بأن هناك يوم حساب وحياة أخرى يعيشون فيها مدى طويل فكانوا يتركوا ملابس وحلي ومتعلقات شخصية للميت لأنه سيرتديها أمام محكمة الله، فلا بد من إعادة كتابة التاريخ الفرعوني في الكتب المدرسية، بطريقة أخرى يتعلم منها الجيل الجديد ماذا قدم الفراعنة للعالم، وأنهم ليسوا وثنيين، بل كانوا موحدين، وعندما وصف القرأن الكريم الفرعون بالظالم كان المقصود فرعونا واحدا فقط، وهو «فرعون موسى»، والفترة الفرعونية عاش فيها عددٌ من الأنبياء، من بينهم سيدنا موسى، وسيدنا يوسف عليهم السلام.

المراجع:

  • كتاب الموتى للمصريين القدماء لبول بارجيه، ترجمة الدكتورة زكية طبوزادة، صفحة 6-7. بتصرّف.
  • كتاب الموتى الفرعوني للسير والس بدج، ترجمة د. فيليب عطية.
  • المعارف لابن قتيبة، البداية والنهاية لابن كثير، أطلس تاريخ الأنبياء والرسل لسامى المغلوث.

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى