أصل الكون عند الديانات السماوية

أصل الكون عند الديانات السماوية: تعتقد معظم الطوائف المسيحية واليهودية والمسلمون أن إله واحد غير مخلوق كان مسؤولاً عن خلق هذا الكون.

أصل الكون عند الديانة اليهودية:

اعتبر بني إسرائيل القدماء أن الكون مكون من أرض مسطحة على شكل قرص يطفو على الماء، السماء في الاعلى، والعالم السفلي في الادنى، وقد سكن البشر الأرض في فترة الحياة، ثم سكنوا العالم السفلي بعد الممات، وبدأ اليهود في تبني الفكر اليوناني بعد مخالطتهم لهم وأعتقدوا بأن العالم السفلي سيكون مكانًا للعقاب على الأفعال السيئة، وأن المستقيمين في الحياة الدنيا سوف يتمتعون في الاخرة في السماء. وذُكروا بأن الله تعالى قد صنع العالم بستة أيام قبل أن يستريح في اليوم السابع، وفي كل يوم، كان الله يقسم بين الأشياء.

أصل الكون عند الديانة المسيحية:

منذ وقت مبكر من حياة المسيحية، تؤكد المسيحية أن الله هو خالق الكون حيث تقول: «أنا أؤمن بالله، الأب عز وجل، خالق السماء والأرض.» وفي سفر التكوين أية-1 تقول: «في البدء خلق الله السماوات والارض”، وفي العهد الجديد، يروي يوحنا قصة الخلق فيقول: «في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه»[2].

كيف نشأ الكون في الإسلام؟

الإشارات الكونية في القرآن الكريم: هناك الكثير من الآيات الكريمة التي تشير إلى مظاهر الكون وإلى بعض النواميس والقوانين والنظريات التي تحكم حركة الكون، والتي قدرها بعض الباحثين بسدس آيات القرآن الكريم، والله سبحانه وتعالى خالق العالم بأسره العلوي والسفلي والعرش والكرسي، وهو الأول أي الأزلي الذي لا بداية لوجوده، كان في الأزلِ وحده ولم يكن شيء معه من العوالم الكثيفة كالعرش والشمس والقمر والإنسان ولا من العوالم اللطيفة كالنور والظلام والأرواح، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

[كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض]،[3] وقال أيضاً: [أولُ ما خلق الله القلم، ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة][4]

قال تعالـــــــى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوآ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}.[5] نزل القرآن الكريم موجها أنظار هؤلاء الجاحدين من الكفار والمشركين والوثنيين إلى طلاقة القدرة الإلهية في إبداع خلق الكون من جرم ابتدائي واحد،‏ وذلك في صيغة استفهام توبيخي،‏ استنكاري‏،‏ تقريعي، وهذه الآية الكريمة واضحة الدلالة على أن الكون الذي نحيا فيه كون مخلوق له بداية، فلقد:

تقدير الله العجيب في الخلق، وتدبيره الدقيق في الكون: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه[6]، فهو سبحانه وتعالى الموجود الأزلي الذي لا ابتداء لوجوده، وما سواه حادث مخلوق خلقه الله بقدرته فأبرزه من العدم إلى الوجود، قال الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[7]، وقال سبحانه: {ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا}[8]، فله السيطرة المطلقة على السماوات والأرض . سيطرة الملكية والاستعلاء ، وسيطرة التصريف والتدبير ، وسيطرة التبديل والتغيير، إن تركيب هذا الكون يدعو إلى الدهشة، وينفي فكرة المصادفة نفيا باتا. ويظهر التقدير الدقيق الذي يعجز البشر عن تتبع مظاهره، في جانب واحد من جوانب هذا الكون الكبير .

وقال تعالـــــــى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[9]، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}.[10] أي من تعب كما أدعى اليهود.

يقول [ أ . كريسي موريسون ] رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك في كتابه بعنوان : الإنسان لا يقوم وحده، “ومما يدعو إلى الدهشة أن يكون تنظيم الطبيعة على هذا الشكل، بالغا هذه الدقة الفائقة. لأنه لو كانت قشرة الأرض أسمك مما هي بمقدار بضعة أقدام، لامتص ثاني أكسيد الكربون الأوكسجين، ولما أمكن وجود حياة النبات”.  ويقول أيضاً:

“ولو كان الهواء أرفع كثيرا مما هو فإن بعض الشهب التي تحترق الآن بالملايين في الهواء الخارجي كانت تضرب جميع أجزاء الكرة الأرضية، وهي تسير بسرعة تترواح بين ستة أميال وأربعين ميلا في الثانية. وكان في إمكانها أن تشعل كل شيء قابل للاحتراق. ولو كانت تسير ببطء رصاصة البندقية لارتطمت كلها بالأرض، ولكانت العاقبة مروعة. أما الإنسان فإن اصطدامه بشهاب ضئيل يسير بسرعة تفوق سرعة الرصاصة تسعين مرة كان يمزقه إربا من مجرد حرارة مروره !” 

” إن الهواء سميك بالقدر اللازم بالضبط لمرور الأشعة ذات التأثير الكيميائي التي يحتاج إليها الزرع، والتي تقتل الجراثيم وتنتج الفيتامينات، دون أن تضر بالإنسان، إلا إذا عرض نفسه لها مدة أطول من اللازم، وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور – ومعظهما سام – فإن الهواء باق دون تلويث في الواقع، ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان. ويقول في فصل آخر : 

” لو كان الأوكسجين بنسبة 50 في المائة مثلا أو أكثر في الهواء بدلا من 21 في المائة فإن جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال، لدرجة أن أول شرارة من البرق تصيب شجرة لا بد أن تلهب الغابة حتى لتكاد تنفجر . ولو أن نسبة الأوكسجين في الهواء قد هبطت إلى 10 في المائة أو أقل، فلن تكون هناك حياة. 

وهكذا ينكشف للعلم البشري يوما بعد يوم ، شيء من تقدير الله العجيب في الخلق، وتدبيره الدقيق في الكون، ويدرك البشر شيئا من مدلولات قوله في سورة الفرقان: ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا )

نسأله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، اللهم زدنا علماً وانفعنا بما علمتنا انك انت العليم الحكيم

[1] الإصحاح الأول من سفر التكوين (من 1:1 وحتى 2:3). [2] إنجيل يوحنا 1: 1.

[3] صحيح البخاري رقم: 3191 عن عمران بن حصين [4] رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث عبادة بن الصامت

[5] الأنبياء: 30 [6] عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب عن عمر رضي الله عنه. [7] سورة الزمر الاية:62 [8]سورة الفرقان الآية: 2 [9] سورة الأنعام الآية: 1 [10] سورة ق الآية: 38

Exit mobile version