- إقتصاد العرب قبل الاسلام: كان بدو العرب يعتمدون على الرعي والتنقل لأماكن الماء، مما يجعلها في حروب مع بعضها للحصول على موارد الماء، أما في المدن فكان إقتصاد الجزيرة العربية في ذلك الوقت يعتمد على شبكة التجارة العربية القديمة، وبالإضافة لذلك فهناك نشاطات اقتصادية متعددة منها الزراعة والصناعة، وسنلقي الضوء على بعض النظم الاقتصادية ومنها:
أولاً: الزراعــــــة: ازدهرت الزراعة في بعض المناطق بالرغم من عدم وجود أنهار دائمة في الجزيرة العربية، فاستعمل العرب قديما أنظمة السدود وقنوات الري خصوصا في اليمن، ولقد عرفت بلاد اليمن قديماً بشهرتها في إنتاج العطور والصمغ، والكافور والورس وهو نوع من النبات يشبة الزعفران، وكان لهذة المنتجات الزراعية اليمنية سوق رائجة في مصر القديمة حيث كانت تستخدم في عملية التحنيط أو تحرق في المجامر بالمعابد،
وازدهرت الزراعة بوجة خاص في عصر الدولة السبئية حيث حققوا اعظم مشروعات الري في العصر القديم بإنشاء شبكة من السدود أهمها سد مأرب أعظم سدود بلاد العرب وروى أن سد العرم بنته الملكة بلقيس صاحبة نبي الله سليمان ويقع سد مأرب على بعد 145 كم تقريبا إلى الشمال الشرقي من صنعاء وبني السد لحجز مياة الامطار والسيول والاستفادة منها في ري مساحات كبيرة من الاراضي وتحويلها إلى جنات يانعة جاء ذكرها في القرأن الكريم: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[1].
ولم تكن الزراعة قاصرة على عرب الجنوب، وإنما كانت عند عرب الشمال وشرق الجزيرة العربية ووادي القرى شمال الحجاز والطائف، فأهل الطائف كانوا يزرعون الحنطة والحبوب والفواكة وبالاخص العنب والتمر وكانوا يجففون العنب ويصدرونة إلى مكة لمزجه بمياه ابارها، واشتهرت يثرب بخصوبة ارضها وكثرة مياهها مثل وادي العقيق، وبكثرة نخلها وكانت تقع بين لابتين أوحرتين،
ويلاحظ أن اليهود والعرب زرعوا النخل على شكل صفوف في بساتين منظمة، حتى أن البطون والقبائل نزلت فنظمت نفسها في شعاب، وفي الشعاب بساتين، وفي البساتين قنوات وابار، ساعدت خصوبة التربة مع توفر المياه في زراعة أنواع أخرى كالشعير والفواكة كالعنب والرمان والتمر، أما مكة فكانت مركزاً تجارياً ودينياً هاماً ولم يكن بها زراعة.
وكانت الزراعة من الحرف الهامة عند أهل الحيرة، أملتها عليهم طبيعة المكان لوقوع المدينة في أرض السواد وعلى نهر كافور عاملاً هاما لتوجة السكان نحو الزراعة خاصة في عصر المناذرة، كذلك إشتغل الغساسنة بالزراعة، مستغلين مياه حوران التي تتدفق من أعلى الجبال في الزراعة، فعمرت القرى والضياع في عدة قرى من جنوب الشام.
ثانياً: التجارة: كانت الجزيرة العربية قلب العالم قديماً ومعبر طرق مواصلاته وتجارته، فمن الصين تأتي التجارة على طريق بري يمر بسمرقند وبخارى ومرو ونيسابور والري بفارس ثم يعبر شمال العراق إلى أسيا لصغرى فأوروبا…. ومن الهند وجزرها كانت تأتي التجارة بحراً إلى الخليج العربي، ثم تتخذ لها عنده طريقين:
- الطريق الاول: يصعد في الخليج ثم يدخل أرض العراق عند الابلة فالبصرة، فشمالاً إلى ديار بكر، فاسيا الصغرى فأوروبا.
- الطريق الثاني: يتجه بحراً في المحيط إلى عدن فمكة، فدمشق فحمص فحلب، فاسيا الصغرى فأوروبا…
أي أن تجارة العالم قديماً ما كان لها أن تقوم ولا لامرها أن ينتظم إلا من خلال الجزيرة العربية، لذا كانت التجارة هي الحرفة الرئسية للعرب قبل الإسلام، فإلى جانب إشتغالهم بتصريف منتجاتهم الزراعية والصناعية كانوا يعملون وسطاء للتجارة بين الهند وبلاد العراق والشام ومصر، يحملون لالي الخليج العربي وحرير الصين وسيوف الهند وتوابلها والعاج الافريقي والذهب الاثيوبي.
وتمكن عرب الجنوب من السيطرة على الطرق التجارية بين الشمال والجنوب منذ القرن 13 ق.م. ولم يلبث نفوذهم السياسي أن أدرك شمال الحجاز، وكان للنشاط التجاري في بلاد اليمن والحجاز أثر كبير في قيام دويلات عربية على تخوم الشام والعراق قبل الاسلام منها دولة الانباط، إذ كانت البتراء عاصمتهم المركز التجاري الرئيسي لطرق القوافل بين غزة وبصرى وما بين دمشق وأيلة، أما تدمر فكانت منذ نشأتها مركزا تجارياً هاماً ومحطة للقوافل بين العراق والشام، وخاصة منذ قيام الدولة الاخمينية حتى قيام الدولة البارثية منذ سنة 250 ق.م. عندما انفصلت العراق عن الشام.
- أما أهل الحيرة فقد إشتغلوا بالتجارة إلى جانب الزراعة والرعي، فكان قرب الحيرة من الفرات يتيح لاهلها ركوب السفن في الفرات حتى الابلة، ثم يركبون السفن الضخمة من هناك يطوفوا البحار إلى الهند والصين جهة الشرق، وإلى البحرين وعدن من جهة الغرب.
- أدرك الرومان أهمية بلاد الحجاز، فأخذوا يتطلعون إلى السيطرة على الطريق التجاري إلى الهند، ونجحوا في السيطرة على الطريق البحري عبر البحر الاحمر بفضل حلفائهم الاحباش، إلا أنهم أخفقوا عندما حاولوا بسط نفوذهم على الحجاز، وفشلت حملة أبرهة الاشرم، ولم يطل مقام الاحباش في اليمن إذ حل الفرس محلهم، وتقلص نفوذ البيزنطيين، وأصبح يقتصر على فلسطين.
- كانت مكة مركزاً تجارياً ودينياً هاماً نظراً لانها كانت تتحكم بطرق التجارة بين اليمن والشام، واستفادت من مكانة الكعبة الدينية عند العرب، في حماية قوافلها التجارية مما ساعد على الازدهار الاقتصادي.
- لم يشتهر أهل يثرب بالتجارة كأهل مكة، وكان اليهود قد إشتغلوا بالصيرفة والربا وإستولوا على السوق التجارية في يثرب، إلا أن هذا لم يمنع أهل يثرب من أن يرحلوا إلى الاسواق العربية في عكاظ ومجنة،
- وأن يستوردوا ما يحتاجونه من الزيت والنبيذ والعطور وغيره، وقد استعمل العرب الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي في التبادل التجاري.
رحلتا الشتاء والصيف: تقع مكة في وادي غير ذي زرع، لذلك كان عماد حياة أهلها على التجارة، وكانت تنظيمات قصى بن كلاب عاملاً هاماً ساعد على رفع مكانة مكة إلى مركز الصدارة على بلاد العرب كلها، إذ أجاد زعماء مكة الافادة من التطورات السياسية التي أدت إلى تفكك الاحلاف القبلية في جنوب الجزيرة وعلى أطراف الهلال الخصيب، وإستفادوا من تنظيمات جدهم قصى ليكونوا الوريث الطبيعي لتلك القوى المتداعية،
ومنذ نهاية القرن السادس الميلادي، إحتكرت قريش تجارة الهند بفعل جهود زعيمها هاشم بن عبد مناف، المؤسس الحقيقي للنظام الاقتصادي الذي سارت عليه مكة، واستطاع هاشم أن يشرك الاغنياء مع الفقراء في التجارة، وصارت القوافل مشروعاً مشتركاً، يشترك فيها أهل مكة جميعاً، وبذلك توسعت تجارة قريش، ونجح في أخذ الايلاف من زعماء القبائل ورؤساء الدول فعقد معاهدة تجارية مع حكومة بيزنطة،
ولم تسمح بيزنطة لتجار العرب بحرية الاقامة والتجارة إلا في عدد ثابت من مدن سورية مثل بصرى وغزة والقدس، وكانت بصرى المحطة الاخيرة لقوافل قريش والسوق الرئيسية للغلال بالنسبة للحجاز، ويعتبر هاشم أول من سن رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق ورحلة الصيف إلى الشام، وبذلك إستطاع أهل مكة أن يديروا تجارة دولية واسعة، من هنا ازدادات المراكز التجارية في الجزيرة العربية اهمية، وكانت القوافل التجارية الكبرى تمر بأطراف شبه الجزيرة العربية علي ثلاثة محاور رئيسية:
- الطريق إلى الشام: حيث كانت تسلك القوافل الطريق الجنوبي الشمالي من جدة بالحجاز إلي الشام وسيناء ومصر.
- الطريق الثاني: يقع في أطراف شرق الجزيرة العربية متجها من الخليج العربي جنوب العراق ليصل لبلاد الرافدين شمالا، ليعرج منها للشام الي دمشق لتصل هذه القوافل لبلاد الشام وفلسطين.
- الطريق الثالث: كان يقع بغرب الجزيرة العربية ويمر بحذاء ساحل البحر الأحمر. ويبدأ من اليمن عبر جدة، فالمدينة ليتجه شمالا للشام والبتراء بالأردن، ولما جاء الاسلام وبدأ انتشاره في تلك الجهات زادت اهمية هذه الطرق لانها اصبحت طرق الحجاج
وكانت دار الندوة تنعقد حين يأتي ميعاد خروج القافلة للتجارة، وكان بني أمية تتزعم إدارة هذا المجلس لما اشتهروا به من خبرة واسعة في ميدان المال، وكان يعهد إلى شيخ من بني أمية قيادة القافلة وإعدادها لما يعلقة أهالي مكة من امال في نجاح القافلة، لضخامة رؤوس الاموال المستثمرة فيها حيث كان يساهم معظمهم بنصيب معين في تكاليف إعداد القافلة.
وكان العرب يعرفون أنواعًا من المعاملات المالية كالقراض والمضاربة والرهن، واستعمل العرب الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي في التبادل التجاري كما استعملوا المكاييل والموازين ومقياس الطول في عمليات البيع والشراء.
الاسواق: إرتبط بالاشهر الحرم أعظم مظاهر النظم القبلية المشتركة وهو إنعقاد الاسواق السنوية العامرة على مقربة من المسجد الحرام في مكة، وكانت تعقد في أماكن محددة، واشتهر من أسواق العرب قبل الاسلام: سوق دومة الجندل، سوق المشقر، سوق سحار بعمان، سوق الشحر، سوق عدن، وسوق عكاظ.
سوق عكاظ : أهم هذة الاسواق، لوقوعة قرب مكة وحرص ملوك اليمن وأمراء الحيرة والغساسنة على إرسال قوافلهم التجارية إلى سوق عكاظ للبيع والشراء والاستفادة من حركة التبادل التجارية الواسعة هناك، ولذا أصبح هدف الباحثين عن الشهرة، ليس في ميدان المال والتجارة فحسب، وإنما في ميادين أخرى مثل السياسة والادب.
ثالثاً : الصناعة: أما الصناعة فكانوا أبعد الامم عنها، وكانوا يتركون العمل فيها للاعاجم والموالي، حتى عندما أرادوا بنيان الكعبة، إستعانوا برجل قبطي نجا من السفينة التي غرقت بجدة، ثم أقام بمكة أما في المدينة: فقد عرفت عدداً من الصناعات منها الصناعات المعدنية والحدادة كصناعة السيوف والرماح والنبال والدروع، والفؤوس والقدور، وكذلك صناعات صياغة الحلي الذهبية والفضية، والصناعات الخشبية المعتمدة على مواد النخيل مثل الخوص والحبال والاثاث كالكراسي والمناضد وأبواب البيوت والنوافذ والمحاريث والهوادج والأسرة والصناديق، كما قامت في بعض المدن حرف الصياغة والدباغة، والغزل والنسيج، بالإضافة إلى تربية الماشية .
رابعاً: القضاء في مكة قبل الاسلام: عــرف العرب التحاكم فيما تنازعوا فيه حسب تقاليدهم وتجاربهم، فتارة يتحاكمون عند شيخ القبيلة وتارة إلى الكهنه، أو إلى من عرف بينهم بجودة الرأى وأصالة الحكم، وكان هناك قضاة في مكة يحكمون بين الناس، فكان عامر بن الظرب [2] وهو أول من لقب بحكيم العرب، يجلس في الاسواق والمواسم فيأتيه الناس من شتى القبائل فيحكم بينهم، و من القوانين التي سنها عامر بن الظرب: ” قانون الخلع، ففرق بين الزوج و زوجته التي عافته ونفرت منه، ورد عليه الصداق، وايضاً (تخصية الزاني)،
ويلاحظ أن القضاة بعد عامر كانوا من بني تميم، وأخرهم كان سفيان بن مجاشع، وهو أخر من إجتمع له الموسم والقضاء في عكاظ حتى جاء الاسلام، وهناك وظيفة أخرى كان لها علاقة بالقضاء وتسمى “الاشناق” حيث يحمل أحد الأجواد دفع الدية عن أهل القاتل، وقد يطلب المساعدة من قبيلته كي يكملوا عدة الدية أو الغرم. ويعد دفع الأشناق من مكرمات الرجال، وكانوا يفتخرون بذلك على سائر الناس، وقد كانت قريش قد اختارت قومًا عهدت إليهم “الأشناق”.
فكانت لابي بكر الصديق وهو من بني تميم، فكان إذا إحتمل منها شئ ليساعد من لا يتمكن من دفع الدية، أعطته قريش مقابل ما تحمل من المغارم.
الخاتمة
وبذلك نكون قد وصلنا لنهاية موضوعنا عن: إقتصاد العرب قبل الاسلام والذي كان قائمًا على التجارة والزراعة، أما القضاء في مكة فتارة كانوا يتحاكمون عند شيخ القبيلة وتارة إلى الكهنه، حتى جاء الإسلام ليؤسس نظامًا يقوم على الوحدة، العدالة، والمساواة.
في الحلقة القادمة سوف نتحدث عن: أهم الاحداث قبل مولد النبي فانتظرونا.
المراجع:
[1] (سبأ: 15)
[2] (ولد عامر بن الظرب في مكة المكرمة، وانتقل مع اسرته الى الطائف ونشأ في بيت علم، حيث تعلم القراءة و الكتابة والانساب وتعاليم ملة ابراهيم عليه السلام، وكان ابوه الظرب العدواني من كبار الحنفاء في مكة المكرمة، أسس دار الحكمة، وعمل قاض للعرب من حنفاء العرب وساداتهم، يلقب بـ حكيم العرب.)
للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:
الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257
اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031
التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1
الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/
