البشارات التي وردت في التوراة والانجيل
البشارات التي وردت في التوراة والانجيل: بعد أن تحدثنا عن الديانات التي كانت سائدة في الجزء الشرقي من العالم في ايران والهند والصين ثم استعرضنا الجانب الغربي من العالم وتحدثنا عن المراحل التاريخية للديانة اليهــــودية والمسيحية وعلاقتها بالإغريق والرومان.
سنلقي الضوء اليوم على بعض البشارات بقدوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي وردت في التوراة والانجيل:
أولاً: بعض البشارات التي وردت في التوراة: ورد في التوراة في أسفار موسى الخمسة وأسفار الأنبياء والأسفار الشعرية، والتي تشكل مجتمعة ما يعرف بالعهد القديم، وهو الذي يؤمن به اليهود والمسيحيين مجتمعين، و كان لهذه البشارات دور في اعتناق أهل المدينة المنورة للإسلام، لانهم كانوا مخالطين لقبائل اليهود في المدينة، ومن هذه البشارات:
- ثم نادى ملاك الله إبراهيم ثانية من السماء وقال: (أقسم بذاتي، يقول الله: لأنك فعلت هذا الأمر، ولم تبخل علي بابنك الوحيد، إني سأباركك بكل بركة. وسأعطيك أحفاداً بعدد نجوم السماء وحبات رمل الشَّواطئ. وسيستولي أحفادك على مدن أعدائهم. وبنسلك ستنال كل أمم الأرض بركة، لأنك أطعتني)[1]. وتشير هذه البشارة بوضوح إلى أن الذبيح كان هو “الابن الوحيد” لنبي الله إبراهيم. وبحسب سفر التكوين، فإن إسماعيل كان هو الابن الوحيد لإبراهيم قبل أن يولد إسحاق ب 14 سنة.
- (جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلالا نوره من جبال فاران، ويبعث برسول مؤيد بعشرة الاف قديس، وبشريعة حق تذهب كل باطل وتذهقه كما تحرق معة الحطب)[2]. وقد فسرها المسلمون بأن الله قد تجلى لموسى عند نار تراءت له في سيناء، والذي جاء بعد موسى هو عيسى وهو ليس من أهل مكة، وفاران وهو اسم مكة القديم، وهنا إشارة إلى أنبياء الله الثلاثة موسى وعيسى ومحمد وإلى ما أوتي هؤلاء من التوراة والإنجيل والقرآن.
- طوبى لهؤلاء الذين يسكنون في بيتك وفي حضرتك، فهم يسبحون بحمدك طوال اليوم، طوبى لأناس منك قوتهم قد عزموا على الحج، وهم يعبرون في وادي بكة، جاعلين برك مياه الخريف مصدر مائهم، ويسعون من جبل إلى جبل حتى يمثلوا في حضرة الله على جبل صهيون.) [3]، و”صهيون” هي تسمية تطلق على “القدس الجديدة” وهي مكة المكرمة في ديانة الإسلام. وأما جبل صهيون فهو جبل عرفات. و “وادي بكة” ذكر في القرآن الكريم: {ِإنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}[4].
- جمع يعقوب عليه السلام أبناؤه الأسباط الاثني عشر وراح يوصيهم و هو على فراش الموت فقال: (لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب)[5]. وقد أثبتت أن النبوة فى بنى إسرائيل إلى زمن معلوم و ليست أبدية، وأن زوال النبوة من بنى إسرائيل تكون حين مجىء شيلون اوشيلوه، وهي كلمة عبرية ومعناها من له الامر، والرأي الراجح عند غالبية المسلمين ومنهم ديفيد بنجامين[6]. هو أنها تحريف لكلمة “شيلواه” والتي تعني بالعبرية “رسول الله”.
- ولاشك أن يهود المدينة كانوا يعرفون أنه قد أقترب زمان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يزعمون أنه منهم، ويتوعدون به العرب، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنهم يعرفونه بصفاته، وإنما أنكروا نبوته وجحدوها لما تبين لهم أنه من العرب، قال تعالى: {ِوَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [7].
ثانياً بعض البشارات التي وردت في الانجيل:
- كثرت البشارات بقدوم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة من الأناجيل، من ذلك ما ورد في إنجيل يوحنا، ونصه: “الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه مما يسمع به، ويكلمكم ويسوسكم بالحق، ويخبركم بالحوادث والغيوب“[8]، وقد ذكر الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام في كتابه الكريم: { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[9]، وهذا من أقوى البراهين على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى أن القرآن تنزيل إلهي فعلا؛ إذ لم يكن في وسع النبي محمد أن يعرف أن كلمة البرقليطوس كانت تعني “أحمد” إلا من خلال الوحي، وهذه حجة جازمة؛ لأن المدلول الحرفي للاسم اليوناني يعادل بدقة كلمتي “أحمد ومحمد”.
- يقول لهم يسوع : (أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار راس الزاوية؟ من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا – لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تعمل أثمارة – كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض. ومن سقط هو عليه يسحقه.»[10]، حيث يعلن عيسى في هذا المثل على الملأ طرد اليهود من مملكة الله بسبب قتلهم للأنبياء والرسل، ويعلن أن مملكة الله ستنتقل من اليهود إلى أمة أخرى تنتج الثمار.. ويشير عيسى الى المثل الذي ذكرة نبي الله داوود عن حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون، وهذه البشارة هي عن رسول الله لكونه آخر من أرسل من الأنبياء والرسل، وينطبق هذا مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: [إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.] وفي رواية: [ فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء]. [11].
- كما أن إنجيل برنابا في الإصحاح 41 تكلم عن إخراج آدم وحواء من الجنة، حيث نص على ما يلي: فاحتجب الله، وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس، فلما التفت آدم رأى مكتوباً فوق الباب لا إله إلا الله محمد رسول الله.
- حين تحدث السيد المسيح عليه السلام إلى الحواريين بشرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قادم إلى العالم، فسأله الحواريون: ما معلم من عسى أن يكون ذلك الرجل الذي سيأتي إلى العالم؟ أجاب يسوع بابتهاج قلب: إنه محمد رسول الله، ومثل هذه البشارات تتكرر في إنجيل برنابا في مواضع كثيرة، إذاً: هناك بشارات في التوراة والإنجيل تبشر بظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- وقد وردت في الأناجيل إشارات كثيرة إلى أن عيسى عليه السلام ارسل إلى بني إسرائيل فقط، يقول عيسى عليه السلام: «إنما بعثت فقط إلى الخراف الضالة، من بني إسرائيل»[12]، كما يوصي أتباعه ويقول لهم: « لا تذهبوا إلى منطقَة غير يهودية، ولا تدخلوا مدينة سامرية، بلِ اذهبوا فقط إلى خراف بني إسرائيل الضالة»[13]، بينما تشير الايات إلى عالمية رسالة سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[14].
- كما أن ملك الروم هرقل في ختام حوارة مع أبي سفيان قال له: فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أَنِي أَعلم أَنِي أَخلص إِلَيْهِ لَتجشمْت لقاءة، ولو كنت عنده لَغسلت عن قدمه يعني سيظهر نبي، ولم أكن أظن أنه منكم أيها العرب. [15].
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن: إختيار العناية الالهية للبشرية عندما وصل واقع البشرية لحد كبير من الضلال؛ اختار الله أحب قلوب العباد إليه قلب محمد صلى الله عليه وسلم لمهمة عظيمة لإصلاح عقائد البشر.
[1] سفر التكوين 10:22 من 16 الى 18 [2] سفر التثنية 33:2 [3] الزبور 84
[4] سورة ال عمران الاية: 96 [5] سفر التكوين 10:49
[6]. (ديفيد بنجامين: كان والده كاثوليكيًّا من طائفة الروم الكاثوليك في ايران بدأت قصته مع الإسلام عندما ثارت تساؤلات صادقة في رأسه، وبدأ يتساءل: هل النصرانية على حق؟! هل كل ما جاء هو منزل من عند الله؟! وظلَّ يقرأ الكتب المقدسة لعله يصل إلى الحقيقة، وبعد أن قرأ الكثير من الكتب عَلِم أن الدين الإسلامي هو الدين الحق؛ لذلك قرر تقديم استقالته من كل مناصبه الكنسيَّة، وإشهار إسلامه وتسمَّى باسم (عبد الواحد داود). المصدر: (كتاب عظماء أسلموا، للدكتور راغب السرجاني.)
[7] سورة البقرة الاية: 89 [8] إنجيل يوحنا: الإصحاح 16: 25 – البرقليطوس Periqlytos؛ البارقليط، الفارقليط، البيريكلتوس.. وأشباهها، هي حركات صوتية لنفس الكلمة العبرانية. وقد اختلفت تفاسير كلمة الفارقليط؛ فمنهم من فسرها بأنها لفظ سرياني مشتق من فاران، بمعنى مكة، وجبل فاران هو جبل حراء، والقليط بمعنى المتحنث المتعبد، ويأتي بمعنى الحامد وأحمد، والكثير الحمد، وقيل: هي كلمة آرامية الأصل، تعني المخلص من اللعنة. وكانت هذه الكلمة دارجة بين المؤمنين آنذاك وكانت تتعلق بخاتم الأنبياء. وقيل: هي كلمة يونانية تعني بالترجمة الحرفية لها “أحمد أو محمد” بالعربية.
[9] سورة الصف الاية: 6. [10] انجيل متى: 21: 42 وانجيل لوقا: 18:20، ويشير عيسى u الى ما قاله النبي داود في الزبور 22:118) [11] رواة أبو هريرة، [البخاري (4/162)، ومسلم (4/190)].
[12] ماثيو 24:15. [13] إنجيل متى 5:10. [14] سورة الانبياء الاية: 107. [15] الرواية عن عبد الله بن عباس عن أبي سفيان بن حرب. في فتح الباري لابن حجر العسقلاني.