العمارة المحلية التراثية
العمارة المحلية التراثية: تحدثنا في المقال السابق عن أثر الانفتاح الاقتصادي على العمارة المصرية، واليوم نتحدث عن العمارة المحلية التراثية من خلال مبادئ العمارة المحلية التراثية وبعض الاعمال ومفردات العمارة المحلية التراثية:
أولاً: مبادئ العمارة المحلية التراثية:
- إستخدام المواد المتوفرة بشكل كبير في البيئة المحلية: مما يسهم في توفير المال وتقليل البصمة البيئية، “أنظر تحت قدميك وابني”، لخّص حسن فتحي بهذه المقولة مفهوم العمارة المكوّنة من: البيئة والمكان والمناخ، والتي تتوجّه نحو الإنسان الذي ينتمي لهذه البيئة ويعيش في هذا المكان، ويستخدم ذلك الموقع، ويتعايش مع مناخه.
- مراعاة توجيه المبني: إن اختلاف توجيه كتلة المبنى يؤثر في مقدار تعرض أسطح المبنى لأشعة الشمس المباشرة، حيث تستخدام الانارة الطبيعية، وحرارة الشمس للتدفئة، ومراعاة العناية بالظل لمكونات المبنى، لان الظل من أهم العوامل المساهمة في توفير الطاقة بنسبة تصل لأكثر من 30%، كما أن التوجيه الصحيح للمبنى بحيث يكون البعد الأكبر في اتجاه الرياح السائدة (الشمالية، والشمالية الغربية) يسمح بتوجيه حركة الهواء داخل الفراغ العمراني، مما يحسن الأداء الحراري وبالتالي تقل الطاقة المستخدمة، ويتم توفير الطاقة الكهربائية.
- تكييف المنزل مع المناخ المحلي: يراعى عند تصمم العمارة المحلية استخدام طرق تسمح بتدفئة المباني في الشتاء وتبريدها في الصيف بطرق محلية فعالة ومستدامة.
- استخدام مواد يمكن إعادة تدويرها واستخدامها في حال هدم المبنى.
- استخدام الخضرة كعنصر من عناصر التصميم: للأشجار دور مهم في تخفيف الاحمال الحرارية الواقعة على المبنى، من خلال تخفيض كمية الاشعاع الشمسي الساقط على الغلاف الخارجي للمبنى، وبالتالي تقليل درجة حرارة الهواء الداخلي في المبنى، وأفضل أنواع الأشجار هي التي تتساقط اوراقها في فصل الشتاء فتسمح لأشعة الشمس بالوصول للغلاف الخارجي للمبنى.
ثانياً: بعض الامثلة التي عملت على إحياء العمارة المحلية التراثية:
ويعتبر المعماري العالمي حسن فتحي من أبرز من قام بإعادة إحياء أساليب التصميم والبناء المحلي، وقد خالف كل الاتجاهات التي كانت سائدة من الاتجاه نحو عمارة الغرب الحداثية، وغاص في أعماق البيئة المصرية والانسان المصري ليخرج للعالم بفكر جديد، مستمداً مصادره من العمارة الريفية النوبية، حتى أصبحت أفكاره هي الأساس لما عرف بعد ذلك بالعمارة البيئية والمستدامة، وقد تميز باحترامه لثقافة وهوية المجتمع والاستفادة من الخبرات المحلية في البناء، واستخدام مواد البناء المتوفرة محليا، وكانت مواد البناء الشائع استخدامها في بناء البيوت هي إما الطابوق الطيني أو الحجر مع الجص، وكان الهيكل الإنشائي يعتمد على الجدران الساندة، وكان أسلوب حسن فتحي ذا منهجية تؤكد على التوافق بين العمارة والبيئة المحيطة بالمكان الذي يقام فيه المشروع، وإشراك اصحاب المكان في عملية البناء حيث يقول: “لا يمكن لشخص واحد بناء بيت بمفرده، ولكن يمكن لـ10 أشخاص بناء 10 بيوت”. تلك كانت الفلسفة المعمارية لشيخ المعماريين الراحل، ومن أهم أعماله: مشروع قـــــــرية القـــــرنة الجديدة في مدينة الأقصر في عام 1945م، وقريـة باريـس: أنشئت عام 1962م بمحافظة الوادي الجديد.
رمسيس ويصا واصف: كانت فلسفة المعماري رمسيس ويصا تقوم على التكامل بين الطبيعة والإنسان، مشتركا في ذلك مع رفيق دربه في الفكر المعماري حسن فتحي، معتمداً على خبرته بالفنون في مصر التي تحمل مزيجا فريدا يجمع بين العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية، واستخدم مواد البناء المتوفرة محلياً، فبنى بالطــوب الطينــي المجفــف مستخدماً القبــاب والقبــوات، ومن أهم أعمالة مركز رمسيس ويصا واصف للفنون، ومتحف حبيب جورجي بالحرانية وكنيسة المرعشلي بالزمالك،ومتحف محمود مختار، وكنيسة الشهيد مار جرجس بميدان هليوبوليس بالقاهرة .
قرية كفر الجونة: – الغردقة –1987م – 1994م للمعمارين م. رامي الدهان و م. سهير فريد
الجونه : هى منتجع سياحى يقع فى مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر، تعود نشأتها إلى عام 1990م حين قامت شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية بتطويره على مجموعة من الجزر، كأحد مشروعاتها السياحية.
أحياء الجونة: الجونه عبارة عن عدة أحياء غارقة فى الخضرة، كل حي يمتاز بطراز مختلف تماماً عن الآخر فهناك الحي الإسلامي – الحي الأمريكي – الحي الهندي – الحي الأندلسي – الحي الإفريقي وحي النوبة، وهذا الحي موجود بين قلب المدينة وبين الحي الإيطالي ويعتبر أجمل أحياء الجونة ويعرف باسم “كفر الجونة” ويشتهر ببيوته ومقاهيه الشعبية وفنادقه وطرقه ذات العبق التاريخي، جو قرى الصعيد المصرية الصغيرة حيث الشوارع المبلطة بالحجر والأزقة والدكاكين والمقاهي ويتفرع الكفر إلى شوارع تمتلئ بالمطاعم والبازارات الغنية بكل ما يذكرك بالجونة الجميلة.
تصميم قرية كفر الجونة: يتميز الموقع بتضاريس كنتورية مختلفة ساعدت على إعطاء المشروع طابعة المميز من حيث تنوع الكتل وتدرجها رغم أن مباني المشروع لا تتعدى الدور الواحد، ويتكون المشروع من 871 غرفة مزدوجة موزعة على مجموعات بحيث يتوسط كل مجموعة فناء مفتوح من جهة واحدة ناحية البحر، ويربطهم ببعض طرق للمشاة، متصلين بالمبنى الرئيسي والذي يتكون من: منطقة للاستقبال بمساحة 200م2، والمطعم بمساحة 400م2، بالإضافة للخدمات من مطابخ ودورات مياه، وغرف للإدارة والمداخل الخلفية، ويطل المبنى على حمام سباحة كبير مقسم لـ 3 أجزاء، الأول مخصص كمنطقة استرخاء وبه كافتيريا وشلالا صغير يصب في حمام السباحة الكبير، وحمام سباحة صغير للأطفال، أما النادي الصحي فهو مصمم على هيئة حمام روماني يعلوة قبة كبيرة محملة على ثمانية أعمدة بالإضافة لصالة الساونا وصالة جمنزيوم وغرف تغيير الملابس ، والتي أنشئت فوق كتلة صخرية على حدود البحر مباشرة بارتفاع 5 أمتار، ويحيط بها تراسات متدرجة والمشروع مصمم على الطراز النوبي.
طريقة الانشاء: كان الهدف الأول هو الاستفادة من المواد المحلية في بناء عناصر المشروع، حيث تم استخدام الحجر الرملي المتوفر في المحاجر المحيطة بالمشروع، وبما أن الحجر لا يمكن تهذيبه بالصورة المناسبة لبناء العقود فقد استعان المصمم بالطوب الطفلي المصنع في محافظة قنا، وقد تركت الحوائط على حالتها ولم تستخدم مواد للنهو والتشطيب الخارجي، أما الاسقف فقد بنيت باستخدام الطوب الرملي المستخدم بدرجات الوان داكنة تتراوح بين البني والاحمر وتم تكحيل العراميس بلون وردي فاتح.
مركز زوار قرية النزلة بمحافظة الفيوم: اهالي القرية مشهورين بمهارتهم في صناعة الفخار، ويشير المعماري حمدي السطوحي إلى أن حكاية تطوير قرية النزلة بدأت عندما طلب الأهالي مشورته لطلاء بضعة مباني شيّدوها حديثاً بالطين الأبيض، لتتماشى مع الطابع المعماري للقرية، فاقترح عليهم فكرة استخدام الزلعة كوحدة معمارية تؤدي إلى تلطيف الجو وتخفيض درجات الحرارة، حيث أن الميزة في تلك التجربة هو أنها أشركت الأهالي في البناء، فبعد أن كانوا فخارين مهرة، أضيفت إليهم ميزة القدرة على البناء بواسطة منتجهم الثقافي الأبرز وهو الزلعة المصنوعة من الفخار. وتم بناء مركز زوّار يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، تبرز أهم منتجات الأهالي من الأواني وأبراج الحمام، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، مثل فيلم “البوسطجي” (1968) وفيلم “دعاء الكروان” (1959)، ومنافذ البيع، وتجليد الورش بالفخار، التي تعكس حالة متجانسة “تحيي الماضي وتتحرّك نحو المستقبل.
ثالثا: مفردات المعالجات المناخية بالعمارة المحلية التراثية التي أسست لمفهوم العمارة الخضراء: تعتبر الفتحات بأنواعها من أهم مفردات المعالجات المناخية والتي تميزت بصغر مساحتها، ويتخللها معالجات بالزخارف والزجاج الملون لمنع الاشعة المباشرة من الدخول، ومن أهمها ما يلي:
القمريات والشمسيات: يشكل الزجاج المعشق فناً من فنون البناء والديكور في التراث الإسلامي، والتي تم توظيفها لإيجاد علاقة تجمع بين القيمة الجمالية والنفعية، فمن وظائفها منع الحشرات التي تتسلل من خارج المبنى إلى داخله، وهي بهذا تحقق مبدأ أمني يتعلق بحياة الإنسان، كما أنها ترشد من كمية الضوء الداخل إلى المكان وتمنع الأتربة، وهي تخفف الأحمال على الأعمدة الحاملة للعقود، وقد تطور الزجاج المُعشق في العصر المملوكي، و سُمي “بالشمسيات والقمريات” نسبةً إلى وظيفة نوافذ الزجاج المعشق والتي عكست ألوان متألقة عند سقوط أشعة الشمس صباحاً، وضوء القمر ليلاً، فإذا كانت النوافذ مستديرة الشكل سُميت “قمرية”، و إذا كانت غير مستديرة سُميت “شمسية”.
المشربيــــــة: المقصود بالمشربية ذلك الجزء البارز عن حوائط الغلاف الخارجي لجدران المبني، وقد تطل المشربية على الشارع أو على الفناء الداخلي للمنازل الإسلامية، وتستند المشربية على كوابيل ومدادات من الحجر أو الخشب، بينما تغطى جوانبها حشوات من الخشب الخرط المكوّن من برامق مخروطية الشكل، دقيقة الصنع تجمع بطريقة فنية بحيث ينتج عن تجميعها أشكال زخرفية هندسية ونباتية أو كتابات عربية، وكانت الزخارف تبطن بالزجاج الملون وتجعل فيها نوافذ تفتح عموديا، ومن أجمل النماذج للمشربيات تلك التي نجدها في منزل زينب خاتون وقصر المسافر خانة والهراوي وبعض المنازل القديمة بالقاهرة ورشيد، وكذلك في المتحف الإسلامي .
الافنية الداخلية والنافورة: يمثل الفناء الداخلي عنصرًا معماريًّا مهمًّا عند تصميم المبنى؛ وهو مساحة مفتوحة محاطة بحوائط داخل المبنى وتطل عليها بعض نوافذ الحجرات لتلطيف درجة الحرارة داخل الحجرات، ولتوفير الاضاءة والتهوية الطبيعية واستخدام الطاقة الطبيعية وخفض الطاقة المستهلكة، ويُزرع في أغلب الفناءات شجر، وتزود بنافورة ماء.
ملقف الهواء: يعد الملقف أحد عناصر التهوية والتكييف نظرًا لفعاليتها في تلطيف وتهوية الأبنية خصوصًا في المناطق الحارَّة، في الواقع يختلف مفهوم تكييف الهواء Air Conditioning عن مفهوم التهوية Ventilation؛ حيث يعني الأخير إدخال الهواء النقي إلى الأماكن المغلقة وسحب الهواء الفاسد منها. وحتى يشعر الناس بالراحة فهم يحتاجون إلى هواء نقي خالٍ من الغبار والدخان والروائح الكريهة. والملاقف تقوم بدور التكييف والتهوية معًا، وقد عرفت الحضارة العربية عناصر كثيرة للتهوية والتكييف، ودمجت هذه العناصر في البنية السكنية بهدف توفير الراحة الحرارية للسكان، حيث يخفض الملقف درجة الحرارة من ٥٠° مئوية خارج المنزل إلى أقل من ٣٠° مئوية داخله، وهذا يعني أنه يوفر راحةً حراريةً للمقيمين في المبنى لا توفرها النوافذ.