معجزات الانبياء والمرسلين
معجزات الانبياء والمرسلين: الإيمان بالرسل هو ركن من أركان الإسلام و يعني تصديق الناس برسالات الرسل وإقرارهم بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله عز وجل، وقد تحدثنا في مقال سابق عن من هم الانبياء والرسل الذين أرسلهم الله لهداية البشرية؟ تعالوا بنا لنتعرف على معجزات الانبياء عليهم الصلاة والسلام
تعريف المعجزة: هي أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدِّي، يُجْرِيها الله على يد مدعي النبوَّة تأييداً لدعواة، وكأن المعجزة تقول صدق عبدي فيما يبلغ عني. ومعنى ذلك أنَّ الرسول يتحدَّى قومه بهذه المعجزة؛ في حدود قدراتهم الممنوحة لهم بحسب مستواهم والتي لا يستطيعون الإتيان بمثلها منفردين أو مجتمعين، ليتأكَّدوا أنهم مرسلين من قِبَلِ الله، ومن ثَمَّ يتأكَّدون من صدق الرسول أو النبي، وأنه مؤيَّد من السماء.
معجزات الانبياء السابقين: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة]، ولقد أيد الله عز وجل أنبياءة، الذين أرسلهم لهداية البشرية، وانتشالهم من مستنقع الضلالة والعمى، بالمعجزات الخارقة للعادة، والخارجة عن المألوف، ومن ثَمَّ يتأكَّد قومه من صدق الرسول أو النبي، وأنه مؤيَّد من السماء.
وكانت هذه المعجزات تلائم وتنسجم، مع ما يشتهر به القوم أو يفخرون به، ومع مستوى تفكيرهم ونضج عقولهم. ولقد أجرى الله تعالى هذه المعجزات على يدي أنبياءة لحكم متعددة منها: زيادة يقين المؤمنين بهم، وحضهم على تنفيذ تعليمات أنبياءهم، وإجزال النعم عليهم من أجل تعميق إيمانهم بالله تعالى.
- فنوح عليه السلام أيده الله بأن مكنه من صناعة سفينة ضخمة، أنقذته هو وأهله من الطوفان العظيم الذي أغرق به الكافرين، قال تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [1]
- وهود عليه السلام، نبي قوم عاد الذين حسبوا عندما بنوا الحصون والقلاع، أن الله لن يستطيع هلاكهم، فتحداهم هود فقال: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ} [2]. تحداهم وقال أنا معي قله ضعيفة، وأنتم أقوياء جبابرة، ورغم هذا فلن تستطيعوا أن تمسوني بسوء. فأيده الله بالرياح الشديدة، التي اقتلعت قصورهم من جذورها، وحطمت حصونهم وكأنها لم تكن.
- أما نبي الله صالح عليه السلام فقد أيده الله بأن أخرج ناقة ضخمة ولودا من صخرة صلدة، وذلك بناء على طلب قومه ثمود، لتكون دليلاً على صدق نبوته ورسالته، قال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [3].
- وإبراهيم الخليل عليه السلام، جعل الله تعالى النار التي ألقاه فيها قومه بردا وسلاما، فلم تؤذه ولم يصبه أي مكروه، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيم}َ [4].
- ويوسف عليه السلام، أيده الله بالقدرة على تفسير وتأويل الأحلام، قال تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [5].
- أما موسى عليه السلام، فكان قومه مشهرون بالسحر، فأيده الله بمعجزات كثيرة، قال تعالى: {فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} ، وقال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [6]. بداية من العصا التي تحولت عندما ألقاها إلى ثعبان يسعى ويلتهم ما القاه السحرة من حبال هيئت للناس كأنها ثعابين، ثم الجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والجدب، ونقص الثمرات، ومعجزة شق البحر، ومعجزة إهلاك عدد من رجال بني إسرائيل ثم إحيائهم، ومعجزة تفجير اثنتي عشرة عينا من أجل أن تشرب أسباط بني إسرائيل، كلها كانت أيات لفرعون وقومة ولبني إسرائيل.
- كما أيد الله عيسى عليه السلام بمعجزات كثيرة، منها أنه كان يخلق من الطين كهيئة الطير، ويشفي الأعمى والأبرص، ويحي الموتى بإذن الله تعالى، وأنزل على قومه من السماء مائدة عامرة بأطيب الطعام والشراب قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي} [7].
- معجزات خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام:
- أولاً – القرأن الكريم – معجزات معنوية عقلية: وهي ما يؤكِّد علماء الأصول أنها المعجزة التي اخْتُصَّ بها سيدنا محمد، وهي القرآن الكريم، فهو “معجزة عقليَّة أدبيَّة ليست حسيَّة مادِّيَّة؛ وذلك لتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة؛ فالمعجزات الحسيَّة تنتهي بمجرَّد وقوعها، أما العقليَّة فتبقى.
- ولما كان قومه معرفون بفصاحتم وقوة بيانهم، فهم قوم بلاغة وفصاحة، وقوم شعر وأدب، حتى قيل بأن الشعر ديوان العرب، ولا تكاد قبيلة من القبائل العربية تخلو من شاعر مجيد، أو خطيب مفوه، ولذلك أيده الله بمعجزه القرآن الكريم، فوقف أمامها الناس حائرين، فهم قد سمعوا كلاما لم يسمعوا مثله قط، ورأوا من الآيات والبراهين، ما عجزت عقولهم عن تصورها،
- وقد قسم العلماء وجوة الاعجاز في القرأن الكريم إلى أربعة أقسام نبينها فيما يلي:
- الإعجاز البلاغي: فالقرأن الكريم مُعجِز في ألفاظه وأسلوبه، وهو مُعجِز في بيانه ونظمه، هذه السمة مصاحبة له في كل ألفاظه وتراكيبه وآياته وسوره ومقاطعه وفواصله.
- الإعجاز التأثيري: التأثير في مجال إعجاز القرآن يعني ما يتركه السماع أو التلاوة لآياته من أثر ظاهر أو باطن في الإنسان (سواء المؤمن أوغيره) فلا يستطيع دفعه أو مقاومته.
- الإعجاز الغيبي: الغيب هو كل ما غاب عن الإنسان ولم تدركه حواسه، قال تعالي: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه} [8]، وقد تضمن القرآن غيوبا في كثير من آياته وسوره، بعضها يتعلق بالماضي وبعضها بالحاضر وبعضها بالمستقبل.
- غيوب الماضي: إحتوى القرآن الكريم على تفصيل تأريخي للأنبياء والمرسلين السابقين، قصها القرأن كما حدثت في الواقع التاريخي، وهو من علم الله أوحى به إلى رسوله قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [9]، فيدخل ذلك في الإعجاز الغيبي للقرآن الكريم، وهو التاريخ الذي لم يكن العرب يعرفون عنه شيئاً، فقد كانوا أميين لايعلمون القراءة والكتابة
- وإذا وازنا بين ما جاء في القرآن من قصص وأخبار وأحداث، وبما جاء في الكتب السماوية السابقة على الإسلام، نجدها متشابهة في الموضوع، فكلها تدور حول أخبار الأنبياء والرسل والأحداث المرتبطة بأقوامهم، وقصة الخلق والطوفان وميلاد عيسى u وخروج بني إسرائيل من مصر… وكل هذه الأخبار صادقة لصدورها من علام الغيوب، مع الإشارة إلى أن صفة الصدق لا تنطبق إلا على ما جاء في الكتب السماوية الأصلية، وأما الموضوعة والمحرفة والمتداولة حاليا، فما فيها من حكايات وروايات وأخبار.
- غيوب الحاضر: يقصد به زمن الرسالة الممتد من البعثة إلى وفاتة . وفي القرآن الكريم الكثير مما يتعلق بغيوب هذه المرحلة، نذكر طائفة منها:
- إخبار القرأن الكريم عن غلبة الروم: قال تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [10]، فالآية من باب الإخبار بالغيب، نزلت هذه الايات حين انتصر سابور ملك الفرس من عام 602م الى عام 623م على الروم وتمكن جيش الفرس من محاصرة القسطنطينية عاصمة الروم.
- وفي عام 622م تمكن هرقل من الاستيلاء على السلطة في القسطنطينية وأعاد تنظيم الجيش، ومن عام 624م الى عام 629م انتصر الروم على الفرس واقترب جيش الروم من المدائن عاصمة الفرس.
- وكلمة ” بِضع ” في اللغة تدل على ما بين ثلاث وتسع، وقد جاء انتصار الروم على الفرس بعد سبع سنين من نزول الآية. كما بشر القرأن، وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها اللّه قبل وقوعها ووجدت في زمان من أخبرهم اللّه بها من المسلمين والمشركين.
- إخبار القرآن بأن أبا لهب لن يدخل إلى الإسلام أبدا: قال تعالى : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [11]، وفي هذه الآيات إخبارٌ من الله تعالى أن عمَّ النبي r أبا لهب سيموت على الكفر ولن يدخل في الإسلام، وهو أمر غيبي أوحاه الله لنبيِّه r وكان بإمكان أبي لهب أن يعلن إسلامه ليكذِّب هذا الخبر، ولو في الظاهر لكنه لم يفعل ، وبين نزول الآية وموته ما يقرب من عشر سنوات، وهي مدة طويلة للتفكير في الإسلام وإبطال الخبر الغيبي الذي جاء به القرآن، فكيف لرسول الله r أن يعلم أن أبا لهب سوف يثبت على شركه ويموت عليه إن لم يكن بوحي من الله ؟ وكيف يمكن للرسول أن يتحدى بأمر قابل منطقيا للحدوث لولا أنه من غيب القرآن الذي يفيد القطع واليقين؟
- وعد الله بعودة نبيه لمكة: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [12]
- نزلت هذه الآية على النبي r في منطقة الجحفة وهو في طريق هجرته من مكّة إلى المدينة، وفي الآية بشارة له بأن الله سوف يردّه إلى مكة ظافرًا مظفّرًا، وبصورة قطعيّة ودون أي قيد وشرط. وبعد ثماني سنوات من نزول هذه الآية تحقّق الوعد الإلهي وردّ الله مُحمَّدًا r
- هزيمة الجمع في بدر: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [13]، فالآية من باب الإخبار بالغيب، وتدل على إعجاز القرآن الكريم، والاية مكية، وقد نزلت حيث لم يفرض جهاد بعد، ولذا قال عمر t: يوم نزلت أيُّ جمع يهزم أيّ من جموع الكفار؟ ثم قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله يثب في الدرع، وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فعرفت تأويلها يومئذ.
- الإخبار بالفتح الأعظم (فتح مكة): قال تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [14]، و”إذا” لما يستقبل من الزمن، وهو إخبار بفتح مكة قبل وقوعه، وإشارة إلى قرب أجله r كما قال ابن عباس. وهذا من أظهر الدلائل على صدق نبوته r.
- غيوب المستقبل: من أنواع الغيوب الواردة في القرآن الكريم، الإخبار بأحداث ستقع في المستقبل فوقعت كما أخبر بها. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
- الوعد بحفظ القرأن الكريم: قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}َ [15]، فقيض له الصحابة الكرام الذين جمعوا القرأن في مصحف واحد، بحيث يبقى مصوناً من الزيادة أو النقصان، ولو حاول أحدهم تغييرة بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا: هذا كذب وتغيير لكلام الله تعالى، فتم وعد الله بحفظ القرأن الكريم.
- الإعجاز العلمي في القرأن الكريم: المقصود بالإعجاز العلمي هو ما ورد في القرآن الكريم من أوصاف وإشارات لبعض الحقائق الكونية التي لم يكن الإنسان قد اكتشفها.
نسأله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، اللهم زدنا علماً وانفعنا بما علمتنا انك انت العليم الحكيم
وبكدة نكون وصلنا لنهاية حلقتنا النهاردة
في الحلقة القادمة والي هنتحدث فيها عن الإعجاز العلمي في القرأن الكريم فانتظرونا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
والسلام عليكم ورحمه الله
[1] سورة هود من 41-42. [2] سورة هود الاية 55. [3] سورة الاسراء الاية 59.
[4] سورة الانبياء الاية 69. [5] سورة يوسف الاية 37. [6] سورة الاعراف الاية 133.
[7] سورة المائدة الاية 110. [8] سورة النمل الاية 65. [9]سورة هود الاية 49.
[10] سورة الروم الاية 1-2. [11] سورة المسد الاية 1. [12] سورة القصص الاية 85.
[13] سورة القمر الاية 45. [14] سورة النصر الاية 1. [2] سورة الحجر الاية 9.