وولتر غروبيوس ومدرسة الباوهاوس
وولتر غروبيوس ومدرسة الباوهاوس: الباو – هاوس تعني بالالمانية “بيت البناء” وقد أنشأها هنري فان دوفيلد Henry Van de Velde سنة 1906م، في مدينة فايمر في المانيا. وقد رسمت مدرسة الباوهاوس معايير ونهجاً جديداً للفن والعمارة من خلال تصميماتها الوظيفية، وطرق التدريس التي تقوم على التجريب، الامر الذي جعل للباوهاوس تأثير كبير على الحداثة الدولية، لذلك تعتبر واحدة من المؤسسات التعليمية الأكثر أهمية في القرن 20.
الاساس الفكري للمدرسة: وكان الهدف من إنشاء المدرسة هو عمل إرتباط بين الفنون والحرف اليدوية، وإحياء الحرفة من جديد، بحيث يتم توحيد كل أشكال النشاط الفني التشكيلي، وإعادة تنظيمها ووضعها في منصه واحدة تحت لواء فن العمارة أو مدرسة الباوهاوس، وكان الابتعاد عن الزخرفة الزائدة التي كانت سائدة في معظم الفنون في أوروبا خلال حقبة ما قبل القرن الـ 20 أمراً لا بد منه، ويلاحظ في أعمال الباوهاوس: التبسيط والتجربة والعودة إلى الشكل الأساسي.
وكان نهج المدرسة يقوم على تزاوج الفن والعمارة وتنظيم المباديء التصميمية لتناسب العصر الحديث، و إزالة الحواجز بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية, ومن منهجها أن يتعلم طالب الفنون الجميلة ولمدة ستة أشهر من بداية دراسته الحرف اليدوية فتجد الطالب مجبراً أن يمارس تلك الحرف في ورش بدلاً من المراسم التقليدية, ويقوم بتدريس الحرف حرفيون يعملون جنباً إلى جنب مع الطالب فيكتسب خبرات عدة منها النسيج، والتصوير الحائطي، الدهانات وأنواعها، تعشيق الزجاج، ديكور المسرح، أعمال المعادن. لذلك ترتكز انها نتائج مجموعه يقوم بها المعماري بدور المنظم لكل الاعمال بالشكل والمستوى اللائق وكان هذا مبدأ غروبيوس .
مدرسة الباوهاوس لا تزال أيقونة مهمة في عالم العمارة، وما يزال لها نفوذ وحضور في العالم، يجسد قيم الحداثة والعقلانية في التصميم، ويرى العديد من النقاد أن الباهاوس كانت وسيلة ابداعية غير محددة بطراز أو ضوابط معينة، ولم تكن ذات طراز معين بحد ذاتها، وكانت مدرسة الباوهاوس تجمع ما بين المدرسة التكعيبية والتعبيرية. كما أنها قد تأثرت بأفكار الفنان الإنكليزي وليم موريس من ناحية محاولة الدمج بين الحرفة والفنون الجميلة، .وبقيت أفكار الباوهاوس من تصميم معماري ومفروشات وطباعة، ووجدت إقبالاً كبيراً في مناطق كثيرة من العالم وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية.
أشهر رواد هذه المدرسة من المعماريين:
المعماري والتر غروبيوٌس: Walter Gropius
- ولد غروبيوٌس فى برلينٌ عام 1883م، وكان والده معمارياً ايضاً، وقد انهى دراسة العمارة عام 1907م، ثم عمل فى مكتب المعمارى بيتٌر بهرنز لمدة 3 سنوات حتى عام 1910م، أسندت إليه إدارة المدرسة عام 1919م، ويعتبر هو مؤسس مدرسة الباوهاوس وواضع برامجها، وكان له تأثيرٌ كبيرٌ على المعمار الحديثٌ بوصفه مهندسا معماريا ومعلما على حد سواء، واستمر في إدارة المدرسة حتى سنة 1928م ثم غادر ألمانيا إلي انجلترا واستقر في أمريكا كرئيس لقسم العمارة بجامعة هارفارد سنة 1938م.
- تنامى فكر غروبيوٌس المعمارى من خلال 3 مراحل في حياته:
- من عام 1907 – 1922: كان فكره مثالياٌ ومتأثرا بالتعبيريةٌ والنزعات التجريدة ومؤمنا بأهميةٌ تزاوج العمارة مع الفنون.
- من عام 1923 – 1931: مرحلة النضوج والتحول نحو العقلانيةٌ والوظيفٌيةٌ وربط الفكر التجديدٌى بالجوانب العمليةٌ والتطبيقٌيةٌ، وتبلور هذا الفكر من خلال مشاركته فى العديدٌ من المعارض والملتقياٌت الدوليةٌ.
- من عام 1932 – نهايةٌ حياٌته: مرحلة التصدى بجرأة لمشاكل وهموم العمارة الحديثٌة وتعتبر مرحلة صقل وتطويرٌ للنهج المعمارى الخاص به، حيث ارتبطت افكاره بالجوانب الإنسانيةٌ، وانتهج أسلوب الإبداع وربط الأفكار والدراسات بالأفكار والتطبيقٌية من خلال مشاريعه.
مصنع فاجوس للاحذيه: قام غروبيوس في عام 1911م بالاشتراك مع هانز ادولف مايرز بتصميم اول مبنى هام في حياته، بتكليف من المالك كارل بنشايت الذي أراد بناء ذا دلالة جذرية في التعبير عن انفصال الشركة من الماضي، وقد حدد المبنى الخطوه الاولى في طريقه انشاء الهياكل الحديديه لحمل الاسقف، و اختفاء الحوائط الخارجيه الصماء و استبدالها بحوائط شفافه من الزجاج.
- هانـز مايرز: ” معماري سويسري، والمدير الثاني لمبنى الباوهاوس، عينه غروبيوس قبل رحيلة في عام 1927م، لكن مايرز غير اتجاه مدرسة الباوهاوس وفقا لأفكاره الخاصة، بالإضافة إلى نزعة تحويل مدرسة الباوهاوس للجانب العلمي على حساب الفني، أضف يضاف إلى ذلك التزام ماير العلني بالماركسية، وأدى ذلك إلى” تسييس” مدرسة الباوهاوس، وفي النهاية انتهى الأمر إلى إقالة ماير عام 1930م.
- ميسٌ فان دوروه: تولى إدارة المدرسة بعد إقالة مايرز عام 1930م، واتخذ موقفا مستقلا للغاية يجسد عمارة الطليعة، كما حاول أيضا مواجهة “التسييس” الذي كرسه “مايرز” للباوهاوس، ولكن لم يكن قادرا على القيام بذلك في وقت قصير من منصبه، وخلقت مبادئ المدرسة نوعاً من الاستنكار من السياسيين والأكاديميين. ويعد “ميس فان” واحد من أشهر معماريي القرن العشرين شهرة وتأثيرًا، ويمكن إيجاز فلسفته المعمارية أحيانًا بعبارة “الأقل هو الأكثر” ويعتبر واحدا من أهم رواد العمارة الحديثة إلى جانب لو كوربوزييه ووالتر غروبيوس.
- كما ظهر ايضاً في مدرسة الباوهاوس العديد من الرواد منهم: جوزيف ألبيرز، ألبرز آني، وباير لهربرت، غوتل هيرمان، ديكمان إريك، سلوتزكي نعوم وغيرهم. وهؤلاء الرواد تأثروا كما أثروا في مسيرة ووجهة المدرسة خلال تاريخها القصير. وقد اغلقت المدرسة لكنها ظلت مرجعا ومنارة مهمة في تاريخ العمارة والفن والمعاصر.
وولتر غروبيوس ومدرسة الباوهاوس: تعتبر مدرسة الباهاوس الألمانية من أكبر المؤثرين على نشوء الطراز الدولي، وكانت تهتم بالحرف اليدوية، أو ما يسمى بالفنون التشكيلية كالرسم، التلوين، النحت، ثم اهتمت بالحرف القائمة على إستخدام الماكينة، تأثرت المدرسة بأفكار الفنان والمعماري الإنكليزي ويليم موريس William Morris (1834-1896) المؤسس النظري للحركة المعمارية الحديثة وأول داعية لدمج وتطويع الناتج المعماري وتطبيع الآلة معه من خلال الاستفادة منها واستخدمها في إثراء العملية التصميمية.
مبادئ مدرسة الباوهاوس:
- خلط العمارة بالفن والتكنيك الصناعي.
- تنظيم المبادئ التصميمية لتناسب عصر التكنولوجيا الحديثة.
- ظهور الأفكار الخاصة بسبق التجهيز والتوحيد القياسي.
- التصميم على موديول مع عدم استخدام الزخارف.
- ادخال التصوير الفوتوغرافي ومونتاج الصور إلى الفن، واستخدام نمط معين في طباعة الصورة.
- استخدام الألوان الأساسية كالأحمر والأزرق والأصفر ، لتأكيد الوظيفة، والاهتمام بالنسب والتناسب.
- الحجم والتصميم يعكسان وظيفة المبنى.
- التركيز على الاشكال الهندسية الأساسية مثل: الدائرة والمربع والمثلث، واستخدام الخطوط والابتعاد عن المركزية.
- تميزت أعمال المدرسة بتأكيدها على الشكل form من خلال التجديد باستخدام المواد الإنشائية الجديدة.
- كما ترى الباوهاوس مستقبل العمارة في العمل المعماري الجماعي الذي يتسم بالعطاء و الديمقراطية و التوجه الفكري المحدد.
وولتر غروبيوس وتصميم المقر الجديد لمدرسة الباوهاوس: قام غروبيوس بتصميم المقر الجديدٌ لمدرسة الباوهاوس من خلال عمل جماعى بالاشتراك مع أساتذة وطلبة المدرسة، حيث تم وضع تصميمٌ لمجموعة مباني المدرسة، ويعتبر مثال حي يجسد افكار ونظرياٌت المدرسة، وأراد والتر غروبيوس دمج الطلاب بمدرسة الباوهاوس ، فالديكور الداخلي للمبنى بالكامل تم تنفيذه من قبل ورشة الدهانات بالمدرسة، وتركيبات الإضاءة بواسطة ورشة المعادن ، وأسماء الفراغات بواسطة ورشة الطباعة، الواجهات .. أصبحت النوافذ الستائرية الضخمة “وهي عبارة عن حشوات من الزجاج بين قوائم من الحديد ” فى واجهة مبنى ورشة العمل جزءاً لا يتجزأ من تصميم المبنى. أراد منها خلق شفافية ، جعلت الشمس تمر عبر هذه النوافذ الواسعة لتملئ أشعتها أرجاء المكان طوال اليوم ، على الرغم من أنها خلقت تأثير سلبي في أيام الصيف الدافئة. وللحفاظ على الحوائط الستائرية تلك تمت وضعها للأمام وإرجاع الأعمدة الإنشائية عن الجدران الرئيسية لتخلق عزل فراغى وظل أكبر.
وانتقلت المدرسة من مدينة Weimer إلي مدينة Dessau بألمانيا سنة 1926 وأطلق عليها الباوهاوس أي بيت البناء House of Building واشتهر جروبيوس بعمل الغلاف الخارجي للمباني من مواد خفيفة الوزن كالزجاج.
ويظهر في التكوين المعماري للمدرسة مبدأ الوظيفة من خلال فصل مبني المدرسة و الورش و إسكان الطلبة وكانت رؤية جروبيوس للعمارة تتركز في أنها نتاج مجموعة Team work يقوم المعماري فيها بدور المنظم Coordinator لكل الأعمال وبهذا اختلف جروبيوس عن جيل الرواد الأول فبينما كانت عمارتهم تعبر عن ناتج فكر ومحاولات شخصية كانت عمارة جروبيوس ناتج فكر الجماعة
تتكون المدرسة من مجموعة من المباني، ويحتوي المبنى الأكبر على الورش التابعة للباوهاوس والمبنى الآخر على
الفصول والمكتبة التابعين لمدرسة الحرف لمدينة ديساو, ويصل بينهما جسر يحتوي على الإدارة وقسم العمارة ومن الجهة الآخرى مساكن الطلبة الموجودة على خمسة طوابق وبه 28 غرفة وملحقاتها، ويتصل الدور الأرضي بصالتي المطعم والمسرح وتحته المغسلة والمطبخ وباقي الخدمات، والمباني كلها من الخرسانة المسلحة، ولها حوائط خارجيةٌ خفيفٌة، ويعٌتبر تصميمٌ مبنى مدرسة الباوهاوس تطبيقٌ عملى للأفكار والمبادئ التى نادت بها المدرسة.
وفي عام 1932 تم إغلاق مدرسة الباوهاوس في ديساو من قبل الاشتراكية الوطنية، الحزب السياسي الذي اعتلى سدة الحكم والذي وضع نهاية لمدرسة الباوهاوس.
وكان للباوهاوس تأثير كبير على الفن والهندسة المعمارية والديكور والتصميم الخارجي والطباعة، وتصميم الجرافيك. يعتبر أسلوب الباوهاوس في التصميم من أكثر تيارات الفن الحديث تأثيرا في الهندسة والتصميم في الفن المعاصر.
نلتقي في المقال القادم مع رائد العمارة العضوية المعماري الامريكي فرانك لويد رايت.
المراجع:
عمارة القرن العشرين – دراسة تحليلية للمهندس صلاح زيتون.
نظريات العمارة – د. هشام حسن علي