ما هو اثر الثورات الصناعية على العمارة؟
ما هو اثر الثورات الصناعية على العمارة؟ مرت الحضارة الانسانية بالعديد من التطورات على مر العصور، في البداية عاش البشر في مجموعات صغيرة، واعتمدوا على الصيد وجمع الثمار من أجل البقاء، ثم كانت الثورة الزراعية، وسمح تطور الزراعة بنمو المستوطنات الدائمة، وظهرت المدن، وأدى التحضر إلى إنشاء الحكومات والتسلسلات الهرمية الاجتماعية والتطورات الثقافية، وعندما جاءت الثورة الصناعية، شهد هذا العصر تحولًا كبيرًا من العمل اليدوي إلى الإنتاج القائم على الآلة، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية بشكل كبير، ثم دخلنا في العصر الرقمي حيث أدى التقدم في التكنولوجيا والاتصالات والنقل والعولمة إلى تغيير طريقة ونمط الحياة، تعالوا بنا في جولة لنتعرف أكثر على تلك الطفرات الحضارية وتأثيرها على العمارة على وجه الخصوص.
الثورة الصناعية الاولى: دامت لمدة مائة عام من منتصف القرن 18 إلى منتصف القرن 19. واستخدمت الماء والبخار لتحريك الآلات.
النشأة التاريخية: جاءت الثورة الصناعية الاولى تتويجا منطقيا لتطور علمي هائل جاء ثمرة لعصر التنوير وعصر النهضة الأوروبية، والتي قامت على أسس النهضة العلمية في الحضارة العربية الإسلامية ثم انتقلت فيما بعد إلى أوروبا، ويذكر أن العالـــم العربي بديع الزمان الجزري (توفي عام 1206م): اخترع مضخة الكبس قبل بداية الثورة الصناعية بأكثر من خمســـة قرون، وأصبح هذا الاختراع هـــو اللبنـــة الأساســـية لابتكار المحرك البخاري، وتفجرت شرارة الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا باكتشاف الآلة البخارية على يد جيمس واط أواخر القرن الثامن عشر
العالم الأسكتلندي جيمس واط: له دور كبير في تطوير الثورة الصناعية الأولى، حيث أجرى عدة تجارب للاستفادة من البخار كقوة محركة، وأجرى بعض التعديلات والتحسينات على محرك بخاري من طراز نيوكومن، فاخترع له مكثفـــــا وادخل المضخة الهوائية وغلاف لأسطوانة البخار وزوده بمؤشر للبخار، مما جعل المحرك البخاري آلة تجارية ناجحة في العام 1775م، وبحلول العام 1800م أنتج منها نحو 500 وحدة، وقد سميت وحدة القدرة الكهربية واط باسمه تخليدا له.
العالم الإنجليزي صامويل براون: حصد براءة اختراع لأول محـــرك احتراق داخلي صالح للتطبيقات الصناعية في عام 1823م. – فالثورة الصناعية الاولى قد أتت بمتغيرات في وسائل الإنتاج من خلال استخدام ماكينات البخار وبعض الاكتشافات الكهرومغناطيسية التي سمحت بظهور التراسل، وأسهمت الآلات البخارية في التحول من المجتمعات الزراعية ومجتمعات الإقطاع إلى عمليات التصنيع الجديدة.
الثورة الصناعية الثانية: بدأت في حدود عام 1860م تقريبًا في بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا فيما بعد، ثم انتشرت في كل أوروبا بحلول العقود الأولى من القرن العشرين ثم إلى باقي العالم، واعتمدت بشكل رئيسي على مصادر الطاقة المخزونة في باطن الأرض من نفط وغاز، واستخدمت الكهرباء من أجل الانتاج واسع النطاق.
أهم ملامح هذه الثورة: اختراع وتطوير صناعة الصلب واختراع الموتورات المبنية على فكرة «الاحتراق الداخلي» Internal Combustion، واختراع الدينامو والتطورات الهائلة في المجال الكهرومغناطيسي والكهرباء، ومن أهم العلماء الذين أثروا في تلك الفترة:
- العالم الأميركي توماس إديسون: أسهم اكتشافه للكهرباء في تفجير الثورة الصناعية الثانية، حيث شـــاع اســـتعمال المصبـــاح الكهربائي اعتبارا من 1880م.
- العالم الألماني كارل بنز: نجح في ابتكار محرك احتراق داخلي يعمل بالغازولين، في عام 1885م.
- العالم الأميركي هنري فورد: أول من صنع سيارة ذات تكلفة اقتصادية للجمهور عام 1913م، عبر تقنية الإنتاج الضخم “Mass Production” والتـــي من خلالها تّصنع كميات كبيرة من المنتجات باستخدام خطوط التجميع.
- غيرت الثورة الصناعية الثانية: حياة الإنسان على وجه الأرض تماماً، وبدأ النمو الاقتصادي السريع في الحدوث بعد عام 1870م وحتى 1914م، أي قبل الحرب العالمية الأولى، حيث كانت فترة نمو للصناعات الجديدة مثل: الفولاذ والنفط والكهرباء، تضمنت الابتكارات عمليات تصنيع الصلب، والإنتاج الشامل، وخطوط التجميع، وأنظمة الشبكات الكهربائية، وازدياد استخدام الآلات المتقدمة في المصانع التي تعمل بالبخار، كما شملت التطورات التكنولوجية خلال تلك الفترة: محرك الاحتراق الداخلي، والهاتف، والمصباح الكهربائي، والفونوغراف.
ما هو اثر الثورات الصناعية على العمارة؟ أدى التقدم العلمي والتكنولوجي الذي شمل معظم مجالات الحياة في نهاية القرن التاسع عشر لتغير كثير من موازين الفكر المعماري، أثرت الثورة الصناعية الاولى والثانية بشكل واضح في التطور المادي لطبيعة الأشكال المعمارية Form، وكان لظهور المواد والتقنيات البنائية الجديدة الفضل في التطور الفعلي للأساليب الإنشائية، ومن العوامل الاساسية التي ساهمت في قيام عمارة الحداثة في القرن العشرين:
- إستخدام الحديد كعنصر إنشائي في الخرسانة المسلحة: وكان الفرنسي فرانسوا كونيه Coignet أول من استخدم الخرسانة المسلحة المقواة بقضبان حديدية، كأسلوب لبناء المباني، وفي عام 1853، بنى كونيه أول هيكل خرساني مقوى بالحديد، وهو منزل من أربعة طوابق في ضواحي باريس.
- اختراع المصاعد: في عام 1852 قام المخترع الأمريكي اليشا كرافس اوتـــــس باختراع منظومة المسك الميكانيكي والتي تقوم بمسك العربة بشكل أوتوماتيكي على السكك عند انقطاع حبال السحب أو حدوث كسر في عتلة التعليق أو زيادة سرعة الماكينة مما أدى إلى زيادة ثقة الناس في ركوب المصاعد، وفي عام 1854م عرض اوتس المصعد في معرض كريستال بالاس والذي أقيم في نيويورك، الأمر الذي أدى لظهور أول ناطحة سحاب من مباني المكاتب والشقق في شيكاغو، وأصبح المصعد الكهربائي من اهم المنظومات الخدمية في المباني ويعتبر من تطبيقات الهندسة الكهروميكانيكية أو الميكاترونكس وأصبحت الحاجة للمصاعد الكهربائية ضرورة لكي تنجح المباني الرأسية.
- تطوير تقنيات صناعة الزجاج: يعود تاريخ صناعة الزجاج إلى نحو سنة 3500 قبل الميلاد في بلاد الرافدين أو في مصر، والزجاج معدن يلين عند تسخينه ما يجعل من السهل تشكيله. ولذلك استُخدم في العديد من المجالات، وقد شاع استخدام الزجاج المعشق في العصر السلجوقي والعثماني في النوافذ الجصية للمباني المعمارية الهامة كالجوامع والمدارس، وشهدت صناعة الزجاج تطوراً كبيرا مع الثورة الصناعية كما سنرى في المثال التالي:
- وكان القصر الزجاجي الذي بناه جوزيف باكستون سنة 1851 م باكورة المباني التي ا وأوحى هذا المبنى للعامة استخدام الزجاج كمادة للبناء في العمارة المحلية.
- قصر الكريستال Crystal Palace اعتبر تصميم قصر الكريستال الذي أقيم في لندن سنة 1851م لاستقبال أول معرض عالمي لجيتكس، بمثابة خطوة متطورة في حركة العمارة للأجيال اللاحقة، والتصميم للمعماري جوزيف باكستون Joseph Paxton ، وتم استخدام الزجاج كمادة أساسية في البناء، واستخدام عناصر ومفردات معمارية بشكل جديد، حيث قدم الحديد والزجاج كمعيار تقني أمام المعماريين غير وجه العمارة في القرن الــ 19 وحرص المصمم علي استخدام التماثيل والحدائق في داخله لخلق فضاءات تخفف من حدة تكرار العناصر.
الثورة الصناعية الثالثة “الثورة الرقمية”: بدأت خلال ثمانينات القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، الباحث الاقتصادي الأميركي الشهير جيريمي ريفكين، في كتابه الأخير “الثورة الصناعية الثالثة”، يقول إن مصادر الطاقة الحالية، ستكون عاجزة ذات يوم عن تلبية حاجات سكان العالم الذين تجاوز عددهم الـ 7 مليارات نسمة، والاعداد في تزايد مستمر، وعلينا البحث عن إيجاد منظومة فعالة وشاملة لمصادر الطاقة المتجددة والمتوفرة، التكنولوجيا الرقمية تشمل التطورات التي حدثت خلال الثورة الصناعية الثالثة مثل الكمبيوتر الشخصي والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومصادر الطاقة المتجددة.
ما هو اثر الثورات الصناعية على العمارة؟ لا شك أنه كان للثورة الرقمية تأثير كبير على العمارة، فاستخدام الحاسب الآلي في التصميم قد ساعد المصممين والمعماريين في تقديم تصاميم رائعة ومبتكرة مفعمة بِالدِيناميكة والحركة، استطاعوا من خلالها التعبير عن أفكارهم وتجسيدها في تصاميم جذَّابة تتميز بِالمرونة والانسيابية، وتحقق القيم الجمالية، ومثال على ذلك أحد مشاريع المعمارية العالمية زها حديد محطة مترو الرياض، والذي يمثل العمارة البارامترية التي تعتمد بشكل أَساسي على الخطوط المتدفّقة والمنحنية التي تشبه النسيج وتمتاز بالإنسيابية والحركة.
الثورة الصناعية الرابعة.. عصر الروبوتات: في كتابه «الثورة الصناعية الرابعة»، يصف كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ «المنتدى الاقتصادي العالمي»، كيف أن الثورة الرابعة تختلف اختلافاً جوهرياً عن الثلاثة السابقة، التي تميزت بشكل رئيسي بالتقدم التكنولوجي، وتستند الثورة الصناعية الرابعة إلى الثورة الرقمية، التي تمثل طرقاً جديدة تصبح فيها التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات وحتى جسم الإنسان. تتميز الثورة الصناعية الرابعة باختراق التكنولوجيا الناشئة في عدد من المجالات، بما في ذلك الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة.
يمكنكم الاطلاع على مقال لي بعنوان: قراءة في عمارة القرن العشرين لتتعرف على تفاصيل أكثر.
المراجع: