Web Analytics
عام

تصميم وتنفيذ فيلا في اليونان:

حين يتحول الضوء إلى عنصر معماري

في قلب كيفيسيا، إحدى الضواحي الخضراء الراقية شمال أثينا، تقف فيلا 13 كعمل معماري يتجاوز حدود السكن التقليدي، لتغدو تجربة مكانية متكاملة، حيث لا يُنظر إلى المبنى بوصفه كتلة صامتة، بل كحوار مفتوح بين الضوء، والطبيعة، والإنسان.

على مساحة تقارب 520 مترًا مربعًا، تنكشف الفيلا كقصيدة معمارية منحوتة في الأرض، مكوّنة من ثلاثة أجنحة مستقلة تتوزع برفق فوق منحدر طبيعي مُشجّر، في استجابة ذكية لطبوغرافية الموقع بدل فرض كتلة واحدة صلبة عليه.


الفكرة المعمارية: العمارة كحالة شعورية

ينطلق التصميم من فكرة أساسية مفادها أن الخصوصية لا تتعارض مع الانفتاح، وأن الضوء يمكن أن يكون عنصرًا بنائيًا لا يقل أهمية عن الخرسانة أو الحجر.
لذلك، تم تفكيك الكتلة المعمارية إلى أجنحة متباعدة نسبيًا، مرتبطة بصريًا وحركيًا، لكنها تحتفظ باستقلالها الوظيفي والنفسي.

هذا التفكيك لا يخدم فقط الجانب الوظيفي، بل يسمح بتشكيل فراغات بينية تعمل كمناطق انتقالية، تُهيّئ المستخدم نفسيًا قبل الانتقال من فضاء إلى آخر.


التنظيم الفراغي: سيناريو معماري مدروس

جناح المعيشة: التعليق بين الأرض والسماء

أحد أبرز عناصر المشروع هو جناح المعيشة المُعلّق، الذي يبدو وكأنه ينفصل بصريًا عن بقية الكتل. هذا الجناح، المتموضع بعناية في زاوية الموقع، يمنح شعورًا بالتحرر والانفصال عن صخب الحياة اليومية، مع إطلالات مدروسة على الغطاء النباتي المحيط.

الفراغ الداخلي هنا يتسم بالانسيابية، حيث تتداخل مناطق الجلوس والطعام والمطبخ دون حواجز صلبة، مع فتحات زجاجية واسعة تسمح بتدفق الضوء الطبيعي طوال اليوم.

جناح النوم: الخصوصية كقيمة معمارية

في المقابل، صُمم جناح غرف النوم بروح أكثر انغلاقًا، مع فتحات محسوبة، وتوجيهات مدروسة تحمي الخصوصية دون حرمان الفراغ من الإضاءة الطبيعية.
العلاقة بين الداخل والخارج هنا أكثر حميمية، حيث تُستخدم الفناءات الصغيرة والفراغات نصف المفتوحة كوسيط بصري ونفسي.


الحركة الرأسية: الدرج كعنصر ضوئي

لا يُعد الدرج في هذه الفيلا مجرد عنصر وظيفي، بل هو تجربة معمارية قائمة بذاتها.
الدرج العائم، المُضاء بالكامل بنور الشمس الطبيعي، يتحول إلى محور بصري يربط بين المستويات المختلفة، ويعمل كمنحوتة داخلية تتغير ملامحها على مدار اليوم بتغير زاوية الضوء.

هذا الاستخدام الذكي للضوء الطبيعي يعزز الإحساس بالحركة الزمنية داخل الفراغ، ويجعل الانتقال بين الطوابق تجربة حسية لا آلية.


الواجهات والمواد: صمت أنيق

تعتمد الواجهات على لغة معمارية هادئة، قائمة على التباين بين الكتل الصماء والفتحات الرأسية الدقيقة.
استخدام الشرائح الرأسية (Louvers) لا يخدم فقط الجانب الجمالي، بل يعمل كعنصر تحكم بيئي في الضوء والظل، ويؤكد الطابع المتوسطي المعاصر للمبنى.

المواد المختارة — بين الخرسانة المصقولة، والزجاج، والأسطح ذات الملمس الناعم — تُسهم في إبراز نقاء الفكرة دون افتعال، وتسمح للمبنى بأن يندمج بصريًا مع محيطه الطبيعي.


العلاقة مع الموقع: احترام الطبوغرافيا

أحد أهم نجاحات المشروع يتمثل في تعاملِه الذكي مع الانحدار الطبيعي للأرض.
فبدل تسوية الموقع وطمس ملامحه، استثمر التصميم هذا الانحدار لخلق مستويات متدرجة، تمنح كل جناح إطلالته الخاصة، وتُقلل من الأثر البصري للكتلة المعمارية على المشهد العام.


خاتمة: عمارة تُرى وتُحَسّ

فيلا 13 ليست مجرد مسكن فاخر، بل تجربة معمارية قائمة على التوازن:
توازن بين الخصوصية والانفتاح،
بين الكتلة والفراغ،
وبين الصمت والضوء.

إنها عمارة لا تفرض حضورها بالصخب، بل بالهدوء، لا تسعى للإبهار اللحظي، بل لخلق علاقة طويلة الأمد بين الإنسان والمكان.
رحلة سينمائية عبر الهندسة والظلال والصمت… حيث يصبح الضوء هو المعماري الحقيقي.

المراجع: موقع https://www.archdaily.com/

م. أشرف رشاد

هنا يمكنكم الاطلاع على فنــــــــــــون العمارة المختلفة ولان العمارة هي ام الفنون فسنلقي الضوء على المبادئ الأساسية للهندسة المعمارية مثل: تاريـــــــــــــــــخ وطرز العمارة عبر العصور المختلفة، وأهم النظريات والمدارس المعمارية، وكذلك التصميم المعماري عبر تحليل الأفكار المعمارية للمشاريع المختلفة، وأعمال الديكورات الداخلية والتشطيبات، نسأل الله أن ينفع بهذا العمل ويكون خالصاً لوجهه الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى