عمارة سكنية بحي توريل
عمارة سكنية بحي توريل… تجربة تجمع بين شخصية المكان ومتطلبات السكن العصري
المقدمة
تمثل عمارة سكنية بحي توريل بمدينة المنصورة تجربة معمارية تسعى إلى الجمع بين شخصية المكان ومتطلبات السكن العصري، في لحظة زمنية كانت تشهد فيها المدينة تحولات عمرانية واجتماعية واضحة. ففي مطلع التسعينيات، بدأت المنصورة—ولا سيما أحياؤها الراقية مثل حي توريل—تدخل مرحلة إعادة تشكيل عمراني، اتسمت بمحاولة الموازنة بين الطابع التاريخي الراسخ للمدينة وبين متطلبات التوسع الحديث وأنماط الحياة المتغيرة. وفي هذا السياق، جاء تصميم هذه العمارة كاستجابة واعية لطبيعة الحي، تحافظ على هدوئه ورقيه، وتلبي في الوقت ذاته احتياجات سكان يبحثون عن سكن مريح، عملي، ومتوافق مع روح العصر.
في تلك الفترة، كنت ما أزال أؤدي خدمتي العسكرية كضابط احتياط بإدارة المشروعات في القوات المسلحة، إلا أن ارتباطي بالعمارة لم يكن يومًا مرتبطًا بالوقت المتاح، بل بالشغف والرغبة في التعلم. كنت أخرج بعد انتهاء الدوام الرسمي لأعمل بأحد المكاتب الاستشارية في منطقة المهندسين، مدفوعًا برغبة حقيقية في اكتساب الخبرة العملية والتعامل المباشر مع مشروعات حقيقية على أرض الواقع. ومع محدودية الوقت، كان التركيز مضاعفًا، والالتزام أكبر، وهو ما حوّل هذا المشروع من مجرد مهمة تصميمية إلى تجربة شخصية ومهنية فارقة.
جاء مشروع العمارة السكنية بحي توريل كفرصة حقيقية للتعلم والمشاركة الفعلية، حيث أسهمت مع مجموعة من الزملاء بالمكتب في إعداد التصميمات المعمارية والمخططات التنفيذية. وقد شكّلت هذه التجربة مدرسة تطبيقية متكاملة، جمعت بين التفكير التصميمي، ودراسة التفاصيل الإنشائية، وفهم آليات التنفيذ، والتعامل مع واقع الموقع ومتطلباته، وهي خبرات أساسية كان لها أثر واضح في تشكيل مساري المهني لاحقًا.
وعلى المستوى المعماري، عبّر المشروع عن مرحلة مهمة في تطور العمارة السكنية في مصر آنذاك، حيث بدأت أنماط المعيشة تتغير، وتبدلت طبيعة الأسرة، وظهرت الحاجة إلى إعادة التفكير في توزيع الفراغات الداخلية والعلاقات الوظيفية بين المساحات. وكان التحدي الأساسي هو تصميم مبنى يحترم قيود قطعة الأرض، ويعكس القيمة العمرانية للحي، مع توفير تنوع في أنماط الوحدات السكنية يلبي احتياجات شرائح مختلفة من السكان، دون الإخلال بالهوية العامة للمبنى أو السياق العمراني المحيط به.
موقع المشروع وأهميته
قامت العمارة على قطعة أرض مميزة في حي توريل، أحد أرقى أحياء المنصورة، وتحديدًا على نقطة التقاء شارع توريل مع شارع الفلكي، ما منح المشروع واجهتين تجاريتين حيويتين، الواجهه الرئيسية مطلة على شارع توريل بعرض 10 مترًا، وواجهة جانبية على شارع الفلكي بعرض 15مترًا.
تبلغ مساحة قطعة الأرض 316.80 م² بأبعاد 23.95م × 13.20، وقد تم الالتزام بجميع الاشتراطات البنائية الخاصة بالمنطقة، فجاء ارتداد خلفي تطل عليه معظم الخدمات من حمامات ومطابخ والسلم الرئيسي للعمارة.
هذا الموقع خلق فرصتين مهمتين:
- تنشيط الحركة التجارية من خلال محلات الدور الأرضي.
- توفير المدخل الرئيسي للعمارة من شارع الفلكي منح السكان خصوصية وانسيابية في الحركة، بينما بقيت الواجهة المطلة على شارع توريل واجهة نابضة بالحياة تحرك النشاط التجاري.
التكوين المعماري لمشروع عمارة سكنية بحي توريل (Ground + 7 Floors)
الدور الأرضي – علاقة قوية بالشارع
صُمم الدور الأرضي ليكون امتدادًا طبيعيًا للحياة الحضرية حول المبنى، وضم:

- خمسة محلات تجارية على شارع توريل.
- محلين إضافيين على شارع الفلكي.
- مدخل رئيسي للعمارة السكنية من شارع الفلكي، بما يضمن خصوصية السكان وحركتهم المستقلة.
هذا الدمج بين الوظيفة التجارية والسكنية أعطى المبنى طابعًا حضريًا متوازنًا، يجمع بين الحركة والخصوصية.
الأدوار من الأول إلى الرابع – وحدات سكنية متنوعة تخدم مختلف الفئات
في كلٍ من هذه الأدوار الأربعة، تكرر نفس التنظيم ليضم كل دور:
- شقتين فاخرتين (3 غرف نوم + صالون + طعام + مطبخ + 2 حمام).
- شقة ثالثة متوسطة (2 غرفة نوم + صالون + طعام + مطبخ + حمام واحد).

هذا التنوع كان مقصودًا ليلائم احتياجات العائلات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ما جعل المبنى أكثر جذبًا لسكان من شرائح مختلفة.
الدور الخامس – مستوى أعلى من الخصوصية والراحة
يتكون من شقتين فقط، كل منهما عبارة عن وحدة سكنية واسعة تضم:
- 3 غرف نوم
- صالون
- معيشة
- طعام
- مطبخ
- حمامين

وهذا التخصيص في عدد الوحدات منح الدور طابعًا أكثر هدوءًا وفخامة.
الدور السادس والسابع – تجربة تاون هاوس في قلب عمارة سكنية
يُعد هذا الجزء من المشروع من أكثر العناصر تميزًا، حيث تم تحويل الطابقين السادس والسابع إلى فيلتين تاون هاوس مستقلتين في تصميمهما الداخلي، وهو حل معماري لم يكن شائعًا حينها في عمارات الدقهلية.
الدور السادس – جناح الاستقبال

كلتا الفيلتين تضمان في هذا الدور:
- غرفة معيشة
- صالون
- غرفة طعام
- مطبخ
- حمام
- سلم داخلي خاص بكل فيلا
كان الهدف خلق “منطقة استقبال” منفصلة تمامًا عن جناح النوم، بما يشبه توزيع الفلل المستقلة.
الدور السابع – جناح النوم

يضم كل جناح:
- 3 غرف نوم
- معيشة داخلية
- حمام
- بانتري
هذا الفصل بين الضيافة والمعيشة منح سكان الفيلتين نمطًا مريحًا أقرب للسكن الخاص منه للشقق التقليدية.
الرؤية التصميمية والمعمارية
اعتمد التصميم على:
- إبراز الواجهات بشكل أنيق يتناسب مع طابع حي توريل.
- توزيع أفقي متوازن للوحدات.
- تحقيق مرونة داخلية للشقق.
- فصل تام بين الحركة السكنية والحركة التجارية.
- الاستفادة من الركن المميز للأرض لإعطاء المبنى حضورًا بصريًا قويًا.
كما روعي في التصميم توظيف فتحات تهوية وإضاءة طبيعية مناسبة لكل وحدة، بما يضمن كفاءة السكن وراحته.
كما يجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع تم إنجازه في فترة ما قبل انتشار برامج الرسم الهندسي مثل الأوتوكاد وغيره من البرمجيات الحديثة. كان العمل يُنفّذ بالكامل يدويًا باستخدام أقلام التحبير والاخراج المعماري للفرش، كنا نستخدم شبلونات الإخراج المعماري لضبط التفاصيل والحواف بدقة، إضافةً إلى استخدام الخطاط المتخصص في كتابة المسميات والأبعاد على اللوحات. أما المنظور المعماري للمشروع فقد أُنجز على يد أحد أبرز المعماريين في تلك الفترة، المهندس علاء، الذي كان يعتمد على جهاز Airbrush لإضافة الظلال والألوان ومنح العمل طابعه الجمالي المميز.
الخاتمة
مثّل مشروع عمارة سكنية بحي توريل تجربة معمارية ناضجة في مرحلة مبكرة من مسيرتي المهنية، حيث تداخل فيه الحدس المعماري مع متطلبات السوق واحتياجات السكان. ولم يكن المشروع مجرد مبنى سكني، بل كان خطوة نحو فهم عميق لطبيعة العمران المصري في التسعينيات وكيف يمكن للمعماري أن يصنع فارقًا بين كتلة خرسانية ومكانٍ حقيقي يسكنه الناس.
موعدنا اللقاء القادم مع مقال بعنوان: حين يتحول الضوء إلى عنصر معماري
للحصول على مزيد من المعلومات برجاء متابعى على المنصات التالية:
الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100088893776257
اليوتيوب: https://www.youtube.com/@ashrafrashad8031
التيك توك:https://www.tiktok.com/@ashraf.r1
الانستاجرام:https://www.instagram.com/ashraf.rashad.58/



