العصر الذهبي للحضارة الإسلامية

العصر الذهبي للحضارة الإسلامية: المرحلة الثانية – مرحلة الازدهار – مرحلة الإبداع

إستمرت هذه المرحلة زهاء ثلاثة قرون، حيث مثل القرن الثالث والرابع والخامس للهجرة (من منتصف القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر للميلاد) بزوغ فجر العصر الذهبي الذي تفوق فيه العرب والمسلمون في كل ميادين الحضارة وتزعموا العالم خلالها في ميادين الرياضيات والكيمياء والطب والفلك والزراعة والاقتصاد والصناعة والأدب والملاحة والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا، وتتلمذ الأوربيون على أيديهم في كل ميادين العلم والمعرفة. ولقد أسهمت عدة عوامل في الوصول للعصر الذهبي للحضارة الإسلاميةمرحلة الازدهار والابداع – يمكن ان نجملها في النقاط التالية:

  1. تشجيع الخلفاء والسلاطين والامراء والوزراء وكبار رجال الدولة للعلم والعلماء:

وبينما كانت أوربا تعيش في ظلام القرون الوسطى تعاني شعوبها منذ سقوط روما أقسى صنوف العذاب من الفقر والجهل والمرض لفترة جاوزت أكثر من ألف عام، كانت العواصم في الوطن العربي الكبير كبغداد زمن العباسيين، والقاهرة زمن الفاطميين، وقرطبة زمن الأندلسيين، تموج بالأزدهار الحضاري الزاهي ساطعة أنوارها المعرفية لا على بلدان المنطقة فحسب، بل جاوزتها إلى البلدان الأوربية ودخلت جامعاتها.

2. إزدهار حركة الترجمة والاقتباس في الحضارة الإسلامية:

بفضل حركة الفتوح وما أسفرت عنه من اتساع دولة الاسلام وأستقرار المسلمين في الاقطار التي فتحوها، تلك الاقطار التي كانت مراكز حضارية مهمة قبل الاسلام فعندما فتح المسلمون فارس والعراق والشام ومصر في القرن السابع الميلادي واطلعوا على ما في هذه البلاد من مدارس، مثل مدرسة الإسكندرية والتي تأسست 331 ق.م، ومدرسة أنطاكيا شمال الشام تأسست 300 ق.م وكانت تحتضن حضارة اليونان وفكرهم الافلاطوني، ولم يكونوا على جهل بهذه الثقافات جهلا تاما، لأن بعض المؤثرات الثقافية من المدارس السابقة تسربت إليهم.

 وبفضل ما أثاره الإسلام من حماسة للعلم وحثهم على التسامح إزاء الديانات الأخرى أدى ذلك إلى تزود المسلمين بقسط نافع من الثقافات التي التقوا بها ولم يكن السبيل إلى معرفتها إلا بترجمتها.

عرف علماء العرب والمسلمين أن الحضارة الإنسانية ليست وقفاً على جماعة من الناس، بل إنها صرح عظيم أسهمت فية الأمم كلها في سلسلة متينة من الحلقات المترابطة، ولذلك ذكروا في مصنفاتهم بكل وضوح المادة المقتبسة من علماء الحضارات الأخرى أو ما يسمى بالمراجع اليوم.

اعتمد العرب والمسلمون على اليونانيين في الفلسفة والمنطق والطب والرياضيات والفلك والاجتماع، واستفادوا من الهنود في معالجة الأمراض ومعرفة خصائص العقاقير، ومبادئ الحساب والهندسة والموسيقى والفلك والنجوم، وفروع الرياضة الأخرى، ونقلوا عنهم وعن الفرس الحِكَم والقصص والأقوال المأثورة. لكنهم لم يقفوا عند حد النقل والترجمة أو التعليق والنقد، بل أضافوا الكثير إلى علوم الشعوب الأخرى، من رياضيات وفلك وطب وفلسفة وموسيقى، وغذوها بتجاربهم وأبحاثهم واكتشافاتهم التي لا تعد.

ولان حركة الترجمة تعتبر من أهم العوامل التي أدت الي أزدهار الحركة العلمية والفكرية فى العالم الاسلامى ولذلك سندرسها بشئ من التفصيل: هناك أراء مختلفة حول تطور حركة الترجمة في العصر العباسي، وأحد هذه الاراء هو أن حركة الترجمة قد تطورت عبر ستة مراحل رئيسية هي:

1-2 – الترجمة في عهد الخليفة أبا جعفر المنصور    2-2- الترجمة في عهد الخليفة هارون الرشيد

3-2- الترجمة في عهد المأمون                         4-2- الترجمة فى عصر ما بعد المأمون

5-2- تأثير صناعة الورق في الحضارة الإسلامية     6-2- دور بيت الحكمة في حركة الترجمة 

   1-2 الترجمة في عهد الخليفة أبا جعفر المنصور: حكم من ( 136 – 158هـ / 753 – 774م):

في نهاية القرن الثامن الميلادي لم يكن بحوزة العرب من الثروة العلمية إلا ترجمة لموسوعة طبية وكتب فلكية ولكن لم ينته القرن التاسع إلا وقد تمثلوا كل علوم اليونان وأصبح لديهم علماء من الطراز الأول. فقد تعرفوا على مدرسة جنديسابور [1] التي لعبت الدور الرئيسي في الحركة العلمية التي كانت بغداد مسرحها كما زودتها بخميرة حركت العالم الإسلامي برمته، وأخذت حركة الترجمة إلى العربية تتسع وتزداد قوة في العصر العباسي.

2-2 الترجمة في عهد الخليفة هارون الرشيد: حكم من (170- 193 هـ / 786 – 809 م)

صار الخليفة هارون الرشيد على خطى جده المنصور، فوسع العمل وأكثر من التراجمة وجلب الكتب الإغريقية إلى بغداد إما عن طريق الشراء او الاستنساخ أوغنائم حرب، وشملت كتبا في الطب والهندسة والرياضيات والفلك والتنجيم.

2-3 الترجمة في عهد المأمون: حكم من  (198-218هـ /813 – 833م)

2-4 الترجمة فى عصر ما بعد المأمون:

الخليفة المتوكل علي الله [10] من أهم الخلفاء بعد المأمون وكان له دور بارز في رعاية حركة الترجمة واعاد للترجمة بعض ما كانت علية في عصر المأمون، وخلال هذه الفترة انبثقت حركة واسعة من التدوين والتاليف على حساب حركة الترجمة وكنتيجة مباشرة لها، كما ان القرن 4هـ / 10م كان هو العصر الذهبي للمترجمين العرب الذين اثبتت ترجماتهم ما كانوا يتمتعون بة من مقدرة وكفاءة في هذا المجال فنافسوا اقرانهم التراجمة من غير العرب ومن اشهر هؤلاء: سنان ابن ثابت ابن قرة وعيسى ابن اسحق، وحنين بن إسحاق الذي ترجم كتبا عديدة في المنطق والفلسفة والطبيعة، لكن أغلب ما نقله كان في الطب وقد ترجم من اليونانية إلى السريانية والعربية فترجم لجالينوس 95 كتابا إلى السريانية نقل منهم إلى العربية 39 كتابا فقط.

في المقال القادم بإذن الله سنناقش دور بيت الحكمة في حركة الترجمة، فتابعونا.


المراجع:

[1] مدرسة جنديسابور: (أسسها كسرى الأول أنو شروان (531-567). وكانت في أوج مجدها حين فتح العرب بلاد فارس سنة (19هـ-642م) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وقد التقت فيها حضارة اليونان بحضارات الشرق بفضل العلماء السريان، كانت لغة العلم في جنديسابور اليونانية مع اللغات الفارسية والسريانية. وكان لمدرسة جنديسابور مستشفى يعد من أكبر المشافي في العهد السابق للإسلام بثلاثة قرون.  كان للسريان إسهام كبير في جنديسابور وشهرة واسعة، لذلك فقد اعتمد الخلفاء المسلمون عليهم في العلاج والترجمة.) [2] الزندقة: حركة ظهرت على يد مجموعة من اليهود والمجوس وغيرهم، فقد غاظهم ما رأوة من إنتشار دين الإسلام، فعملوا على تدبير المؤمرات والفتن للكيد له من داخله، فأظهر كثير منهم الدخول في الإسلام والتستر به بقصد إفساد عقائد المسلمين، وقد شوه هؤلاء الزنادقة الدين والإسلام، ووضع الزنادقة أحاديث مكذوبة على رسول الله ما يقارب اثنى عشر الف حديث باطلة بهدف إيقاع الشك في نفوس الجهلة من المسلمين.) [3] (كتاب بيت الحكمة لسعيد الديورجي ص 36) [4] (ضحي الإسلام أحمد أمين ج1 ص299.) [5] (مانفرد أولمان (Manfred Ullmann) من كتاب ضحي الإسلام أحمد أمين ج1 ص300). [6] (ابن النديم- الفهرست: ص579 وما بعدها) [7] (جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي ج3 ص142 مطبعة الهلال بالفجالة مصر 1904.) [8] (أحمد أمين: ضحى الإسلام الجزء الأول ص277 مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة 1952) [9] (موفق الدين أبي العباس أحمد بن قاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق الدكتور نزار حنا ص276-284 منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت 1965.) [10] المتوكل على الله: بن المعتصم بن هارون الرشيد حكم في الفترة من 232– 247 هـ / 846 – 861م كان متمذهباً بمذهب الشافعي وهو أول من تمذهب له من الخلفاء. يعتبره عدد من العلماء محيي السنة ومميت البدعة أمثال الذهبي وخليفة بن خياط لإنهائه فتنة خلق القرآن.


Exit mobile version