حســــــن فتــــــحي شيخ المعماريين ومهندس الفقراء – ج2
يعتبر حسن فتحي من أعظم المعماريين العرب في القرن العشرين، وقد حققت أعماله شهرة عالمية بالرغم من التحديات التي واجهها في بلده، وعى الرغم من وفاته ما زالت أفكاره و أعماله مصدر إلهام لكثير من المعماريين، وقد تعددت الكتابات عن حسن فتحي وفلسفته في البناء وقام الكثير من الباحثين بتحليل أعماله من خلال مقالات وأبحاث ورسائل ماجستير ودكتوراه، ونتناول في هذا المقال والذي سبقه بعضاً من أعمال المعماري العظيم الذي افني نفسه في حب العمارة لايمانة الكبير بمبادئة التي ظل يحارب من أجلها حتى وفاته عليه رحمه الله، نستكمل ما كنا قد بدأناه في الجزء الاول.
مدرسة قرية فارس الابتدائية:
تقع في قرية فارس التابعة لمركز كوم أمبو بمحافظة أسوان، قام ببنائها شيخ المعماريين المهندس حسن فتحي عام 1957 وهي مصممة على نظام معماري فريد، وتتكون من 10 فصول دراسية ومكتبة وجامع صغير، وصالة متعددة الاغراض، وجناح الإدارة والخدمات، وقد بلغت التكلفة الكلية للمشروع وقتها 600 جنية فقط، لكن المدرسة تعرضت لتصدعات وشروخ بسبب عدم الصيانة الدورية وأصبحت آيلة للسقوط، وتم إخلاء المدرسة في يوليو عام 2015، وكانت هيئة الأبنية التعليمة رأت أن الحالة الفنية للمدرسة لا تصلح للترميم لأنها رممت قبل وتعرضت المدرسة للهدم، لولا تدخل الرأي العام للمحافظة على أعمال حسن فتحي، فوجه المحافظ بأن تتولى الهيئة العامة للأبنية التعليمية بالبدء في إنشاء مدرسة ابتدائي ورياض أطفال جديدة بالقرية، على أن يتم تسليم وزارة الآثار والسياحة لمباني المدرسة القديمة، وذلك لتنفيذ أعمال الترميم بها وتحويلها إلى مركز إشعاع ثقافي، خاصة أن شيخ المعماريين المهندس حسن فتحي هو الذي شيدها.
ويفترض أن تضم جميع أعمال المعماري حسن فتحي، إلى قائمة المباني التراثية ذات الطابع المعماري المتميز، فالمعماري الشهير ينال تقديرا كبيرا على مستوى العالم، لأنه أستخدم خامات بسيطة من البيئة، وصاحب فكرة العمارة لخدمة الفقراء، والعمارة تتوافق مع البيئة، فالإنسان هو الهدف من العمارة، وحسن فتحي نقل فكره لجيل من التلامذة، كما كان يعلم الحرفيين البناء بأنفسهم في المجتمعات التي يبنون فيها.
تميز المعماري حسن فتحي نابع من احترمه للثقافة المحلية، وثقافة المجتمع الذي يبني له، محاولا ايجاد حلول تواكب العصر وتخدم الانسان وتتوافق مع البيئة باستخدام المواد المحلية المتوفرة، فعندما اراد البناء في اسبانيا استمد تصميمه لمنزل “الفا بيانكا” من العمارة المحلية للأندلس والمغرب، وعندما اراد البناء في المملكة العربية السعودية استمد تصميمه لمنزل “نصيف” من العمارة النجدية المحلية، وليس كما يعتقد البعض ان تميزه ينحصر في استخدام الطين والقباب والقبو فقط كما سيتضح من الأمثلة التالية:
منزل نصيف في مدينة جدة: اكتمل البناء عام 1973.
يقع منزل نصيف في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، ومساحة البناء: 2100 متر مربع، مازالت فلسفة تصميم هذا المنزل تجذب الانتباه في المملكة العربية السعودية حتى اليوم، وقد استخدام حسن فتحي الاساليب المعمارية المتوافقة مع البيئة، كالطراز المحلي لنجد والحجاز، واستخدام الاحجار المحلية، والاخشاب المزخرفة، كما أهتم بتنسق الحدائق الخارجية، واستخدام البرجولات الخشبية، وكان ذلك بدعم من مالك المنزل الدكتور عبد الرحمن نصيف الذي كان يؤمن بأفكار المعماري حسن فتحي.
قصر الفا بيانكا في جزيرة مايوركا: إكتمل البناء عام 1979.
يقع قصر الفا بيانكا في جزيرة مايوركا على الساحل الشرقي الاسباني على مساحة 50 فدان، والقصر ملك للفنانين يانيك فو وبن جاكوبر، ويعد من النماذج المعمارية الفريدة التي تتسم بالحفاظ على الهوية واحترام البيئة والمواد المتوفرة محليا، وقد جمع حسن فتحي بين الطراز الاندلسي والمغربي، في تصميمه للأبواب والنوافذ والمشربيات، واستخدام الطوب والخشب في البناء، واهتم بتنسيق الحدائق الخارجية.
وقد تحول قصر الفا بيانكا بإسبانيا الى متحف للفنون حاليا، وتم اضافة مبنى جديد للعرض تحت الارض احتراما للمبنى الاصلي وعدم التأثير عليه، بينما في مصر لم يتم الحفاظ على مباني حسن فتحي، ولم تسجل أعماله ضمن قوائم المباني المتميزة، بل إن معظم أعماله تتعرض للإهمال وربما للهدم.
منزل ميت ريحان “قصر نازلي” اكتمل البناء عام 1980
تم بناء مسكن ميت ريحان في منطقة شبرامنت ويعتبره النقاد من أكثر مساكن حسن فتحي إتقانا، وقد تم إضافة الطابق العلوي أثناء عملية الانشاء بناء على طلب المالك. شاهد عرض لحياة حسن فتحي.
وصف المنزل: يتكون المسكن من طابق أرضي +أول، وتبلغ إجمالي مساحته 663م2 منها 158م2 أفنية، وتبلغ مساحة الدور الأرضي 442م2 تقريبا والدور الأول 221م.2 يشتمل على:
الدور الأرضي علي: جناح المعيشة والاستقبال، وجناح النوم ويشتمل على غرفة نوم إضافة إلى فراغ المعيشة بجناح النوم الرئيسي، وجناح الخدمة بمدخل خاص، والسلم الرئيسي المؤدي للدور الأول.
الدور الاول يشتمل علي: غرفتي نوم ومعيشة خاصة وفراغ النوم بجناح النوم الرئيسي و التراسات.
ويوفر تعدد المداخل إضافة إلى الفناء الداخلي عدة بدائل حركة لأهل البيت، كما حرص فتحي على توفير الخصوصية لأهل المنزل، فمجال حركة الضيوف مباشر وغير كاشف لفراغات السكن.
استخدام حسن فتحي الطراز المملوكي للواجهات الخارجية، مع مادة الحجر وتم دهانة بزيت الحلبة حتى لا يتغير لون الحجر في البناء.
العوامل التي أثرت على فكر المعماري حسن فتحي:
- في الحقيقة أن أفكار حسن فتحي لم تأتي من العدم، بل هي إحياء لمفاهيم معمارية كانت تطبق في مصر منذ الاف السنين، أيام الحضارة المصرية القديمة وما تلاها، وفي وقت مبكر من حياته المهنية بدأ فتحي بدراسة أنظمة البناء في مصر لفهم خصائصها الجمالية، ومعرفة ما طبقه أجدادنا لمعالجة المشاكل المناخيه، ودرس أسلوب البناء في العمارة المصرية القديمة والبيوت المملوكية والعثمانية، فقام باستخدام تلك العناصر المعمارية في مشاريعه مثل:
- الحوائط الطينية أو الرملية السميكة لحمل الاسقف وللعزل الحراري أيضاً.
- القبـــة، القبـــو، العقود، المحاريب الركنية والمقرنصات كحل إنشائي لنقل الاحمال وتعطي شكل جمالي أيضاً.
- استخدم المشربيات الخشبية أو الجبسية المطعمين أحيانا بالزجاج المعشق، كما استخدم ملقف الهواء.
- استعمال الفناءات الداخلية وكانت النسبة بين الاضلاع 1:2 أو 3:4، أما في الساحات خارج المبنى كانت النسبة التي إستخدمها هي 1:3، وكان بهما عنصر الماء كالنافورة وعنصر الخضرة المتمثل بأشجار الزينة.
- حرص حسن فتحي علي عدم زيادة درجة الحرارة داخل المسكن، فاستخدم تلك العناصر المعمارية ذات الكفاءة المناخية العالية، لضمان حركة الهواء فتعطي تهوية طبيعية، واضاف بها فتحات لتعطي إضاءة طبيعية. وإعتمد على مبدأين هما:
- أن التباين في ضغط الهواء الناتج عن الاختلافات في سرعة الرياح يؤدي إلى تدفق الهواء من منطقة الضغط العالي لمنطقة الضغط المنخفض.
- الحمل الناتج عن تسخين الهواء وصعوده للاعلى يقتضي حلول هواء أكثر برودة مكانه، ويتحدد معدل تدفق الهواء في الأبنية بفعل الحمل الفارق بين مناسيب الفتحات المختلفة، فكلما زاد الفرق بين المناسيب زاد تدفق الهواء.
- ولتحسين كفاءة التهوية الطبيعية إستخدم حسن فتحي الطوب المفتوح لتفريغ الأجزاء العلوية في الحجرة من الهواء الساخن.
- أدرك حسن فتحي إنه يجب إيجاد صلة بين استخدام الطوب الطيني والحاجة الماسة لتعليم فقراء مصر كيف يبنوا بيوتا لأنفسهم، واستخدم أساليب ومواد البناء المتوفرة في البيئة التي يبني فيها بما يتناسب مع إمكانيات الفقراء، وقام بتدريب السكان المحليين على صنع مواد البناء الخاصة بهم، وكانت السمات المميزة لعمارة حسن فتحي أنها كانت عمارة تتسم بالانسانية، وإشراك المستعمل في التصميم وأحيانا في عملية البناء نفسها حتى يرتبط بالمكان، والاصالة بالاستغراق في الثقافة المحلية.
- هناك تطابق تام بين ما تسعى إلى تحقيقه العمارة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن 21 من الارتباط بالبيئة، تحت شعار ما يسمى بالتصميم المستدام أو عمارة المناخ الحيوي، أو غيره من المسميات، وهو ما نادى به حسن فتحي منذ الثلاثينات والاربعينيات من القرن ال 20
مدرسة وتلاميذ حسن فتحي: كان حسن فتحي ذو ثقافة عالية وكان صبورا ذا عزيمة جبارة وكان يتحدث 3 لغات بطلاقة هي: العربية والانجليزية والفرنسية، وخلال رحلته الطويلة في العمل المعماري أصبحت أفكاره تتردد في كافة أنحاء العالم، وأصبح له تلاميذ قاموا بنشر أفكاره في كثير من البلاد ومنهم:
في أمريكا: سيمون سوان Simone Swan التي تبنت أسلوبه وانشأت جمعية للأبناء بالمواد الطبيعية وموقعها هو: www.adobealliance.org
وفي أوروبا: قام ثلاثة من تلاميذه بأنشاء مؤسسة Development workshop التي امتدت أعمالها إلى كل انحاء العالم. www.dwf.org
وسافر المعماري الفرنسي ساتبرم بالذاب الى قرية اورفيل بالهند وأنشأ معهد تحت إسم معهد الأرض في أورفيل، وقد أصبح المعهد هو الممثل الرسمي للهند في إحدى لجان اليونسكو www.earth-auroville.com
وفي العالم العربي من تلاميذه: فيلسوف العمارة العراقية رفعة كامل الجادرجي، الذي يقوم بصهر المعالم التاريخية والتراثية مع العمارة العالمية في نتاج موحد يستوعب الإثنين معاً.
والمعمار العراقي محمد مكية حيث تقوم فلسفته على إنشاء هيكل معاصر مطعم بعناصر منتقاة من التراث.
والمعماري الأردني راسم بدران، وفي مصر: الدكتور عبد الواحد الوكيل، الدكتور عبد الحليم إبراهيم، الدكتور عصام صفي الدين، وغيرهم الكثير.
مؤلفات حسن فتحي:
• قصة يوطوبيا: التي كتبها بالفرنسية عام 1949 وترجمت للغة العربية وتم نشرها في 1991.
• كتاب القرنة قصة قريتين الذي كتبه بالإنجليزية ونشرته وزارة الثقافة بالقاهرة عام 1969 ثم ترجم الي اللغة العربية باسم عمارة الفقراء.
• كتاب العمارة و البيئية نشرته دار المعارف عام 1977.
• كتاب الطاقات الطبيعية والعمارة التقليدية بالإنجليزية عام 1986 وترجم لللغة العربية عام 1988 .
• قصة مشربية كتبها عام 1942 واعيد تنقيحها وكتابتها عام 1984 وصدرت الطبعة الأولى عام 1991.
• العديد من الأبحاث في مجال العمارة والاسكان والتخطيط العمراني وتاريخ العمارة بالإنجليزية والفرنسية والعربية.
الجــــــــــــــــوائز التي حصل عليها:
جائزة الدولة التشجيعية للفنون عام 1959. ميدالية وزارة التربية والتعليم عام 1959.
ميدالية هيئة الآثار المصرية عام 1967. جائزة الدولة التقديرية للفنون عام 1967.
وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى عام 1968.
أول فائز بجائزة نوبل التكميلية RLA “جائزة يقدمها البرلمان السويدي، عام 1980.
• جائزة الرئيس من منظمة الأغاخان للعمارة عام 1980. • جائزة بالزان العالمية من ايطاليا عام 1980.
• الميدالية الذهبية الأولى من الإتحاد الدولي للمعماريين بباريس عام 1984.
• جائزة لويس سوليفان للعمارة من الاتحاد الدولي للبناء والحرف التقليدية عام 1987.
• الجائزة التذكارية لكلية الفنون الجميلة بالمنيا عام 1988.
• جائزة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية عام 1989.
المناصب الشرفية
• عضو بالمجلس الأعلى للفنون والأداب بمصر.
• عضو شرف بمركز الابحاث الامريكية بالقاهرة .
• عضو شرف بالمعهد الامريكي للعمارة عام 1976 .
• رئيس شرف المؤتمر الدائم للمعماريين المصريين من عام 1985 حتى 1988 .
• عضو لجنة تحكيم جائزة الاغاخان في العمارة من 1976 حتى 1980 .