رايت – رائد العمارة العضوية
رايت – رائد العمارة العضوية – الاساس الفكري للمدرسة العضوية:
هي فلسفة معمارية تبحث عن التوافق والانسجام بين الطبيعة والعمارة، وناقشت العمارة العضوية العديد من المواضيع وثيقة الصلة بالعمارة والانسان، لان الانسان له قلب ينبض وعواطف ومشاعر هي منبع كل الفنون، وله روح ومواهب وملكات غامضة لا يكاد العلم يعرف عنها شيء، واهتمت بمواضيع فلسفية وحيوية وإنسانية، مثل الجمال والطرز والنسب والتعبير، وتتبع المدرسة العضوية قوانين ومبادئ كالتي تتبعها الكائنات العضوية في الطبيعة، وتعتمد على احترام وعدم تدمير البيئةالمحيطة بالمكان، وذلك من خلال استخدام المواد المتوفرة في البيئة، أو من خلال تفعيل الاضاءة والتهوية والتدفئة والتبريد الطبيعية قدر الامكان، بحيث يبدو المبنى في النهاية جزء متفاعل مع الطبيعة والبيئة المحيطة به.
ويكاد يبدو أن العمارة العضوية هي عمارة المعماري: فرانك لويد رايت وحده، لإنه أقدر من كتب عنها وعمل بها، ففي كتابه “العمارة العضوية” عام 1939م يقول: ها أنا أكتب إليكم مقدماً العمارة العضوية: معلناً العمارة العضوية كفكرة مثالية، والتعاليم التي يجب ان تتبع إذا أردنا فهم الحياة ككل، لا أحمل محددات تقليدية في سبيل التقليد الاعظم، ولا أبحث عن شكل جامد مفروض علينا من ماضينا أو حاضرنا أو مستقبلنا، ولكني هنا أحدد الشكل عن طريق قوانين الحس العام البسيطة، عن طريق طبيعة الخامات..….” ولكن لويس سوليفان هو صاحب الفضل في نشر الفكرة العضوية جنبا الى جنب مع كتاباته عن الوظيفية، وأنه هو الذي لقن الفكرة أصلاً لفرانك لويد رايت الذي جعل منها شعارا لحياته العملية كلها. كما استخدم المعماري العالمي حسن فتحي نفس الاسلوب في معظم أعماله في مصر وخارجها.
فرانك لويد رايت Frank Lioyd Wright 1869-1959: رائد المدرسة العضوية وواحد من رواد العمارة الحديثة بشكل عام تتلمذ على يد المعماري لويس سوليفان حيث عمل في مكتبه وعمرة 18 عاماً، وسرعان ما اكتشف سوليفان براعة رايت في الرسم وقدرته على التصور والتخيل فقربه إليه وكلفة بالعمل في تفاصيل وزخارف واحد من أكبر المشاريع التي يقوم بها المكتب وهو دار أوبرا شيكاغو، وتفوق على كل زملائة بالمكتب، إلا أنه إنفصل لاحقاً عن مكتب أستاذة سوليفان ليبدأ أعمالة بنفسة.
ولقدسار علي نهج أستاذه لويس سوليفان louis Sullivan واستفاد من أفكار أستاذه ثم طورها وأضاف عليها من عبقريته، فطور مقوله سوليفان الشهيرة بأن الشكل يتبع الوظيفة Form Follow Function وربطها بالاتجاه العضوي فقد كان يؤمن بأن: الشكل والوظيفة هما شيء واحد Form and Function are One لقد امن رايت بأهمية الجانب الوظيفي ودورة في العمارة إلا أن مفاهيم رايت الوظيفية اتسمت بالاتزان، كما أن رايت قد نبه مراراً إلي مساوئ التطرف الوظيفي والفهم الخاطئ للجانب الوظيفي فقال (من الخطأ أن نتصور أن الأشكال المعمارية المصممة وفق الضرورات الوظيفية فقط هي أشكال معمارية سليمة بل علي العكس إنها ستكون أشكال غير إنسانية، وأحدثت تصميماته ثورة كبيرة في العمارة وخاصة في المباني السكنية الخاصة.
مبادئ المدرسة العضوية:
- أن يكون المعماري خلاقاً كالطبيعة: ففي الطبيعة كل شيء يتجمع ويتحد ويتكامل، وكان لويس سوليفان يأخذ تلميذه إلى الحقول والغابات ليشاهد بنفسه وليكون على صله مباشرة بالطبيعة وكائناتها العضوية، حتى يتربى عنده حب الطبيعة والاحساس العضوي، فجريمة التعليم الأكاديمي أنها أبعدت الطلبة عن الطبيعة.
- أن يناسب المبنى ظروف بيئته والموقع المقام عليه: بحيث ينتمي المبنى للأرض ويكون جزءاً منها.
- أن تستعمل مواد البناء المأخوذة من نفس البيئة: فهذا يجعل المباني تنتمي إلى بيئتها ويجعلها جزءً متكاملاً منها، واستخدام المواد بشكلها الطبيعي، فيستخدم الطوب أو الحجر دون بياض، والخشب دون دهان، وهذا كان أسلوب رايت في أعماله وميزه عن غيره من المعماريين.
- تطبيق مبادئ النمو العضوي على العمارة من خلال: المسقط الحر المفتوح وامتداد التراسات أفقياً إلى مسافات كبيرة خارج المبني بالإضافة إلي تكامل وتفاعل المبني مع الطبيعة المحيطة من حوله.
- المبنى ينمو من الداخل إلى الخارج لذلك يجب الاهتمام بالوحدة العضوية في التصميم.
- التكامل بين المبنى بفراغاته وتكوينه الداخلي والمظهر الخارجي.
- الشكل والوظيفة شيء واحد.
أهم أعمال فرانك لويد رايت
بيـــــت الشـــــــــــلال: أقيم المنزل وسط غابة أشجار عالية يخترقها جندول ماء شديد الانحدار مكوناً شلالاً وسط الصخور الضخمة، وقد اشتهر رايت بتمرده على أسلوب العمارة الكلاسيكية وميله إلى التجديد واستطاع رايت في ” بيت كاوفمان ” الريفي والذي يسمي ببيت الشلال– في بنسلفانيا 1936 أن يحقق كثيراً من أفكاره ومنها الخروج عن إطار البيت الصندوق المحاط بأربعة جدران، حيث ربط بين الخطوط الافقية للخرسانة المسلحة باستخدام شرفات مفتوحة تعمل بنظام الكابولي بحيث تعطي انطباع كأنها معلقة في الهواء فوق الشلال ونابتة من كتلة الصخور المجاورة، وبين الخطوط الرأسية للحوائط والفتحات الزجاجية وسيقان الاشجار في الغابة، واستخدم التضاد في الملمس وجعل جدران المنزل من الحجر الكلسي الطبيعي مع كتل ناعمة من الشرفات والزجاج، كما استخدم خامات طبيعية في التشطيبات الداخلية وفي عناصر الفرش.
واستطاع رايت أن يوظف عناصر الطبيعة كمصبات شلال الماء وينسج مع عناصره المعمارية لوحة فنية تمتع الناظر بحيث نرى سقوط الماء وانسيابه بين جدران المنزل وفتحاته وكأن المنزل مسقط الماء ويضيف جمالا أخر إلى جمال المنظر الطبيعي، بتلاحم استخدام الحجر المستخرج من ألاماكن القريبة من موقع البيت في إكساء الجدران وتغليفها على إيقاع أشكال طبقات صخور الأحجار المطلة على النهر، كما استخدام الحجر الطبيعي في أعمال الديكور الداخلي.
متحف جوجينهام الحلزوني: يقع المتحف فى مدينة منهاتن بنيويورك، وهو اخر تصميمات المعمارى العبقرى فرانك لويد رايت، تم تصميم المشروع عام 1945و استغرق التنفيذ 15 سنه ليتم الافتتاح فى عام 1959م بعد وفاة رايت ب 6 اشهر. حاول رايت لفت نظر الزائر للمتحف إلى اللوحات الفنية والتحف المعروضة من خلال تصميم عضوى بعمل منحنيات لمساحة واحدة كبيرة على أرضية مستمرة، من خلال طريق منحدر ملتف بإرتفاع ستة طوابق إلى الاعلى لاكثر من 400 متر، مما يسمح لكل طابق أن يندمج مع الطابق الذي يليه، مما يتيح للزائر أن يستمتع بالاعمال الفنية المعروضة على طول الجدران بينما هو يرتقي إلى الاعلى نحو السماء، مع تسهيل الإنارة الطبيعة عن طريق القبة العلوية الزجاجية التي استخدمها لتضيء صالة الجمهور في الدور الارضي، ولم يستخدمها لإضاءة المعروضات، وأضاف فتحات مظللة لإضاءة المعروضات.
وبالرغم من جمال المبنى الا انه لم يكن ناجحا بنسبة كبيره من حيث الوظيفه. لان الحوائط المنحنية فى التصميم الداخلى صممت لتكون مائله للخلف، الامر الذي أوجد صعوبة فى عرض اللوحات الفنية بسبب تقعر الحوائط، وبسبب ذلك اعترض عدد من الفنانين قبل الافتتاح على عرض اعمالهم الفنيه فى المتحف.
وفى عام 1992م قام المتحف ببناء امتداد بتصميم Gwathmey Siegel و مساعدو فرانك لويد ريت. بالاعتماد على اسكتشات فرانك لويد ريت و تحليلها استطاع الفريق تصميم مبنى من 10 طوابق بحوائط مسطحة لتلائم عرض العناصر الفنية.
مصنع جونسون للشمع: إستطاع رايت في المقر الاداري لشركة جونسون للشمع أن يبتكر أشكال جديدة في التصميم الانشائي للاعمدة الحاملة لسقف الصالة الرئيسية التي يشغلها موظفي الشركة، واستوحي رايت النظام الإنشائي لمبانيه من الطبيعة فمثلا التكوين الإنشائي للمصنع استوحاة من زهرة “بهجة الصباح” وكانت الاعمدة على شكل مخروط مفرغ يرتكز من الاسفل على كعوب معدنية بأقطار صغيرة ثم يأخذ قطر العمود في النمو كلما إرتفع حتى يتحول لقرص مستدير كالمظلة أشبه ما يكون بفطر عيش الغراب.
وملاء الفراغات المتكونة في السقف بين دوائر الاعمدة بأنابيب رفيعة من زجاج خاص يسمح بمرور ضوء صافي بدون وهج، لتزويد الصالة بالاضاءة الطبيعية لخلق جو هادئ وصافي، ومن الابتكارات الانشائية والمعمارية أيضاً أنه لم يجعل الحوائط الخارجية لصالة الموظفين تتصل بالسقف مباشرة، وإنما ترك مسافة بين الحوائط والسقف مغلفة بمواسير زجاجية لدخول الضوء، ويؤكد على أن الحوائط المبنية بالطوب الاحمر الظاهر ليست لها وظيفة إنشائية في نقل الاحمال للاساسات، وأن الاعمدة الخرسانية هي التي تقوم بنقل الاحمال للاساسات وتحمل المنشأ. يرجع تاريخ المشروع لعام 1936م، كما ارتبط اسم بيوت البراري بفرانك لويد رايت، لما أبدعه فيها من جمال تصميمي و إنشائي.
مدرسة البراري: هي أسلوب معماري ظهر في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين، شائع في وسط غرب الولايات المتحدة، يتميّز هذا الأسلوب بالخطوط الأفقية، والسقوف المسطحة أو متعددة الميول مع تشكيلات عريضة متدلية، ونوافذ مجمّعة في أشرطة أفقية، في تكامل وانسجام مع المناظر الطبيعية، وترتبط مدرسة البراري بجيل من المعماريين الذين عملوا مع أو تأثروا بفكر فرانك لويد رايت، ومن أهم أعمال رايت في هذا الاتجاه هو:
منزل روبين Robin House: يعود بناء المنزل إلى عام 1910م ويقع داخل حرم جامعة شيكاغو في حي “هايد بارك” (Hyde Park)، وهو معلم تاريخي وطني أمريكي، ويعد أحد أبرز مساهمات “رايت” في أسلوب البراري المعماري، تزين المنزل من الداخل المنحوتات الزجاجية المميزة، إلى جانب الأثاث المرمم العتيق، والمدفأة الحجرية العريقة، التي تفصل ما بين غرفة المعيشة وغرفة الطعام.
منزل ايميل باخ Emil Bach House: سُمي المنزل تيمناً باسم رئيس شركة باخ بريك في شيكاغو، ويمثل قيمة فنية رائعة من نتاج أعمال “رايت” ويقع المنزل في حي “روجرز بارك ” (Rogers Park)، وقد أشرف “رايت” على بناء المنزل عام 1915، وهو أحد مشاريعه الأخيرة في شيكاغو قبل انتقاله إلى اليابان للإشراف على بناء فندق “إمبريال” (Imperial).
منزل ومرسم فرانك لويد رايت Frank Lloyd Wright Home and Studio
أمضى “رايت” ما يزيد عن عشرين عام في منزله الواقع في حي “أوك بارك” (Oak Park)، الحي الذي يضم أكثر المنازل التي صممها “رايت”، حيث أخرج للعالم أكثر من ربع أعماله خلال تلك الفترة، ويعود تأسيس المنزل إلى عام 1889م ثم أضيفت إليه بعض الأجزاء لاحقاً في عام 1972م، وقد أُدرج المنزل في السجل الوطني للأماكن التاريخية، كما أُعلن كمعلم تاريخي وطني عام 1976.
ومن رواد العمارة العضوية بالاضافة للمعلم فرانك لويد رايت، بروس جوف (1904-1982)، وفاي جونز (1921-2004)
نلتقي في المقال القادم مع رائد العمارة الوظيفية المعماري الفرنسي السويسري لوكوربوزيه.
المراجع:
نظريات العمارة – د. عرفان سامي
عمارة القرن العشرين – دراسة تحليلية للمهندس صلاح زيتون.
نظريات العمارة – د. هشام حسن علي