أثر الانفتاح الاقتصادي على العمارة المصرية

أثر الانفتاح الاقتصادي على العمارة المصرية: في الفترة من 1973 – 1980م: تحدثنا في المقال السابق عن أثر ثورة يوليو على العمارة في مصـــــــــــر في فترة الاشتراكية، واليوم ندرس كيف اثرت حرب أكتوبر 1973م تاثيرا كبيرا على المجتمع المصري واحدثت به تغيرات عميقة، حيث تخلت الدولة عن الفكر الاشتراكي واتجهت الى الرأسمالية، وتم استبدال الإتحاد السوڤيتي بالولايات المتحدة، وكانت عملية السلام مع إسرائيل بعد رحلة السادات إلى القدس عام 1977م، ثم وضع القانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته الخاصة بالاستثمار وسياسة الانفتاح الاقتصادي لفتح باب الاقتصاد المصري لراس المال العربي والأجنبي في شكل استثمار مباشر في كل المجالات تقريباً، وقد أدى قانون الانفتاح الاقتصادي إلى أضعاف القطاع العام، والذي كان يمثل الركيزة الأساسية لما حدث من نمو اقتصادي في الستينات، وكان الأداة ألفعالة للسيطرة المركزية على الاقتصاد و السند الرئيسي في ممارسة التخطيط.

كما أدى الانفتاح الاقتصادي إلى التضخم خلال سنوات الانفتاح، فالثابت من الإحصاءات الرسمية للأسعار أن معدل التضخم لم يكن يتجاوز 3% – 4% حتى سنة 1973، بينما بدا المعدل في الزيادة بخطوات متسارعة منذ سنة 1974 فقد قفز معدل التضخم إلى 11% في عام 1974 ثم إلى 13% في 1977 ثم إلى 21% في 1980، وطبقا لتقرير صادر عن وزارة الاقتصاد، فأن التضخم قد بلغ نحو 22.3% في المتوسط خلال السنتين 1978 – 1979، وبلغ 25% في 81 / 82 طبقا لتصريح وزير الاقتصاد د. مصطفي السعيد في ذلك الوقت.

أثر الانفتاح الاقتصادي على العمارة المصرية: في الفترة من 1981 – 2010م:

بدأت الدولة تنفيذ خطوات ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي بهدف التوجه نحو إقتصاد السوق الحر بمنهج متدرج ولكنه لم يراعي البعد الاجتماعي في التحول حتى تتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

ونتيجة لتوجهات الدولة ظهرت العديد من المشروعات التي تعبر عن فكر الدولة الساعي إلى زيادة حجم الاستثمارات وتنشيط حركة السوق وجلب رؤوس الاموال الاجنبية للبلد، فإتسعت الفجوة بين طبقات المجتمع المصري المختلفة، وعادت من جديد عمارة الصفوة التي ازداد فيها الاثرياء ثراءً وتميزاً، وهم يمثلون التيار الرأسمالي للدولة، وعبروا عن ثراءهم ببناء المشروعات الادارية، والأبراج الشاهقة على ضفاف نهر النيل، وبناء القصور في المدن المخططة الجديدة، مثل الشروق، وبدر، و6 أكتوبر، والعبور، وغيرها من المدن الجديدة التي بُنيت خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

وازدادت الطبقات المتوسطة والدنيا فقراً، فأثر ذلك على النتاج المعماري، أما التيار الشعبي العام فقد تمثل في الامتدادات العشوائية الضخمة حول القاهرة وخاصة في منطقة بولاق وامبابة وفيصل والمطرية.

أثر الانفتاح الاقتصادي على العمارة المصرية وتوجهاتها: يمكن تقسيم التوجهات المعمارية في تلك الفترة الى 4 توجهات كما يلي:

النمــــــــــو العشوائي: بعد حرب اكتوبر تغيرت تركيبة المجتمع السكانية بصورة متسارعة، فقد فتحت الهجرة للدول النفطية وانتشر تحويل الاموال من المهاجرين الي ذويهم، كما ارتفعت معدلات الهجرة الريفية الي القاهرة، فزدادت معدلات النمو السكاني في القاهرة، وتغيرت التركيبة السكانية للمصريين، وعمل العديد منهم بمجال المقاولات وفتحوا العديد من المحلات التجارية الصغيرة، ووجدوا في الظهير الزراعي بيئة مناسبة للاستيطان، ونتج عن ذلك عمارة عشوائية بدون تخطيط، وغابات اسمنتية محيطة بالمدن الرئيسية وعمل ذلك على تشويه الصورة البصرية للمدن المصرية، ويبلغ عدد المناطق العشوائية الخطرة والغير آمنة نحو 350 منطقة، يعيش فيها 850 ألف شخص تقريبًا. فكل منطقة تم تخطيطها عمرانيا تقابلها منطقة آخرى امتدت تلقائيا بدون تخطيط مسبق لها مثل (مدينة نصر، منشأة ناصر والدويقة، مصر الجديدة، المطرية وعزبة النخل، المهندسين، بولاق الدكرور، المعادي ….الخ ). وتكمن الأزمة الحقيقية في أن إجمالي السكان يعيشون على مساحة أقل من 7% من المساحة الاجمالية للدولة. حيث يبلغ إجمالي الكثافة السكانية المأهولة حوالي 1,494 نسمة/كم2 بإجمالي الجمهورية عام 2021. وهناك تباينًا كبيرًا في نسبة المساحة المأهولة مقارنة بالمساحة الكلية على مستوى المحافظات.

إن غياب عمارة معاصرة تعبر عن احتياجات السكان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية راجع أساسًا لعدم الاتصال الفعلي والمباشر بين المعماري والعميل؛ فالمعماريون في مصر لا يقدمون خدماتهم سوى إلى (5%-10%) من سكان مصر، أما باقي الناس فيبنون بإمكاناتهم وذوقهم، وبطرق المقاولين الصغار في السوق. وعندما يتم الربط بين العميل والمعماري فغالبًا ما يتم ذلك بأمر إجباري من الأجهزة المحلية في المكان، ولكن في هذه الحالة التي كان يتم فيها الربط بين العميل ومهندس الحي لا يكون لصالح الناس أو لبناء مساكن تناسبهم بقدر ما يكون تعميقًا لطرق البناء النمطية الشائعة من الخرسانية الجاهزة التي يفرضها الحي على الناس، وهذا في الأساس لجمع مزيد من الأموال من الناس لخزائن الحكومة عن طريق الرسوم التي تفرضها على الناس مقابل تقديم خدمات معمارية لهم أو تصريحات البناء.

أثر الانفتاح الاقتصادي على العمارة المصرية متمثلاً في برج أم كلثوم: شيدت الفيلا عام 1938م بحيّ الزمالك لإقامة السيدة “أم كلثوم”، وكان عملاً رائعاً يمثل عمارة الحداثة للمعماري علي لبيب جبر، وقام ورثة أم كلثوم ببيع الفيلا بعد وفاتها لرجل أعمال سعودي، الذي بدورة باعها لرجل أعمال مصري، فقام الاخير بهدم الفيلا في الثمانينيات وإنشأ محلها برج سكني و فندق سماة فندق أم كلثوم، واحتفظ بالاسم فقط تحت بند آهو حاجة من ريحة المرحومة، لتكون شاهد عيان على عصر الانفتاح الذي ذهبت فيه الأصالة واضمحلت فيه القيم، وأصبح أصحاب المال هم صفوة المجتمع، ومن هنا بدأت عملية استهداف التاريخ وتغيير مفرداته.

2.الاعتماد على الفكر الغربي والنتاج المعماري له كمصدر لافكارهم، وعودة الاستشاري الأجنبي إلى جانب المصري : بسبب سياسة الانفتاح عاد المعماري الأجنبي للعمل مرة أخرى في صور ثنائية بالاشتراك مع معماريين مصريين، واستخدموا التوجهات المعمارية العالمية فأنتجوا عمارة لا علاقة لها بالمناخ المصري وعاداته مثل:

فندق سميراميس انتركونتيننتال القاهرة: المعماري الأمريكي بينامين طومسون وشركاه وكتب صبور

يقع المشروع على أرض مساحتها 9,200 م2، يحدها شمالاً جسر قصر النيل، وتقوم الفكرة التصميمية للمشروع على مدى توفير أفضل رؤية للنيل لمعظم الغرف،  

3. إحياء التراث والاعتماد على المخزون التراثي التراكمي: كمصدر ومنبع يستقي منه المعماريين أفكارهم، حيث يربط العمارة بجذورها التاريخية سواء كانت (فرعونية – إسلامية – قبطية) وتأصيل القيم الجمالية والمعمارية والحضارية، مثل:

أولاً: أمثلة الاستلهام من التراث المعماري الفرعوني مثل:

  1. مبنى المحكمة الدستورية العليا: 2001م – للمعماريان احمد مصطفى ميتو، واحمد خالد عليوة، وقد راعى المعماريان في تصميم المبنى أن يحقق الغرض الوظيفي منه على أكمل وجه، مع إعطاء المهابة في الشكل والفخامة، لذلك فقد إستخدما مفردات التشكيل النابعة من الطراز الفرعوني لانه يتيمز بالارتفاعات الكبيرة للإحساس بالرهبة والهيبة.

أقيم مبنى المحكمة الدستورية على طراز معبد الأقصر على 14 مسلة فرعونية بالدور الأرضي، و14 مسلة للطوابق من الأول حتى الرابع، واستخدمت الاعمدة والتيجان المزينة بزهرة اللوتس والبردي. وبلغ ارتفاع الاعمدة 28 متراً، كما أقيمت نافورة على شكل زهرة اللوتس، كما حوت المحكمة لوحات تجميلية بالزجاج المعشق بالرصاص، بشكل يتوافق مع تصميم المبنى الذي ينتمي للعمارة المصرية القديمة برؤية معاصرة.

ويقع المشروع بجوار عمارات عثمان بالمعادي ويطل على كورنيش النيل من الواجهة الرئيسية، ويتكون المشروع من 6 طوابق بارتفاع 21 متر على مسطح حوالى 6,000 م2، ويشتمل المشروع على: قاعات الجلسات وغرف المداولة ومكاتب ادارية ومقر النيابات المتخصصة و صالة مؤتمرات ومكتبة قضائية تحتوي على كتب ومراجع قانونية، والصالونات والخدمات الأخرى، ويعد المبنى معلما من معالم مصر السياحية والحضارية العريقة.

2. مدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية ببرج العرب بالإسكندرية (1993م – 2000م)

تم فيها استخدام الشكل الهرمي، والذي يرتبط بأهرامات الفراعنة، حيث تم تصميم المدينة والتي تحتوي على 12 مركزا بحثيا بالإضافة إلى معهد التكنولوجيا الحيوية والمعلوماتية، ومعهد زراعة الأراضي القاحلة، ومعهد لتطوير الصناعات التخميرية والدوائية) على شكل 3 أهرامات، كل هرم عبارة عن مربع في المسقط الافقي، يتوسطه باثيو مغطى جزئياً بضلعي الهرم والنصف الاخر بنصف قبة سماوية.

3. إستخدام فكرة المبنى الهرمي في مباني أخرى مثل:

4. احياء العمارة المحلية التراثية في مصر المحروسة: وهو إستمرار لمحاولات المعماري حسن فتحي ورمسيس ويصا واصف وتلاميذهم المعماريين، في إحياء العمارة المحلية التراثية ومفرداتها. وهو ما سنتحدث عنه في المقال القادم بإذن الله.

المراجع:

Exit mobile version