المدرسة التفكيكيـة الـ Deconstruction: يُعدّ الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida، الأبَ المؤسِّس للعمارة التفكيكيّة، ويأخذ تيار التفكيكية المثير للجدل اتجاه ثورة تدعو إلى التملص من الماضي الرأسمالي ورفض التراث المعماري القديم وكل ما هو تقليدي، وإعادة النظر في العلاقات سواء كانت الإنسانية أو العمرانية، كما تدعو الي التباين والتضاد بين شكل المبنى والأرض المقام عليها او البيئة المحيطة، وقد أخذ البعض منهم في بعض شطحاته من المدرسة التكعيبية.
صعد نجم اتجاه المدرسة التفكيكيـة الـ Deconstruction خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، وأصبحت هي الاتجاه الأكاديمي الرسمي في بعض أقسام العمارة والأدب والفن في الجامعات الأمريكية.
فلسفة المدرسة التفكيكيـة الـ Deconstruction: يرى بعض معماريون الـ Deconstruction أنه عند وضع فلسفة عامة لهذه المدرسة يجب عدم المغالاة في التعبير والتعريف، وأن نتاج هذه المدرسة هو انفعال الإنسان بالواقع المحيط به فالطفل يفكك اللعبة والراديو بشغف لمعرفة محتوياته وكيف يعمل، والإنسان ما هو إلا مشاعر فإننا عندما نضحك أو نبكي فما ذلك إلا رد فعل طبيعي وأحيانا غير طبيعي لما حدث ولذا لا يجب أن نفصل بين تلك المشاعر وبين حياة الإنسان وأهم شيء في حياة الإنسان هو المبنى الذي يعيش فيه ولذا لابد أن ننتقل بالـ Deconstruction من كونه يعبر عن رد فعل أو مشاعر إلى فعل حي قائم يولد مشاعر، ويصف البعض هذه المدرسة بالخداع، والجيل الصاعد يعتبرها حالة إبداعية إلى آفاق جديدة من الأشكال المستحدثة، تعرض ما هو غريب بأسلوب التشويه والتجزئة.وتقوم فلسفة المدرسة على مبدئين رئيسيين هما:
- العلاقة بين أشكال الإسقاط وبين الأشكال وسياقها العام؛ من خلال كبح جامح الانسيابية.
- تشويش وقطع دابر العلاقة بين الداخل والخارج.
يقول المفكر شارلز جنكز في كتابه new modernsim حول التفكيكية وعمارة ما بعد الحداثة (post) أنه رغم الفروق الواضحة بينهما إلا إنهما اتفقتا على شيء جوهري وهو الاختلاف والبعد ونقد كل ما هو تقليدي ومألوف، ويعرف التفكيكية بأنها هي:
- عمارة التكسير واللاتماثل واللاإتساق.
- عمارة مليئة بالمفاجآت الغير متوقعة
- تستخدم مفردات العمارة الكلاسيكية بصورة معكوسة أو مشوهه
وبغض النظر عن تلك القطيعة الحادثة بين الخارج وسياقه الداخلي فان التفكيكية تقوض المسوغات المتعارف عليها بما يخص الانسجام والوحدة والاستقرار الظاهري، وما يميز هذا التيار هو تحطيم الفروق بين الرسم والنحت وإعادة خلطها في بوتقة معمارية واحدة، ويمكن تلمس الاتجاه الوظيفي فيها، ولكنه ينحصر في القيمة التعبيرية للإنشاء، كما نُبذت فيها حالات الزخرفه، وانحصرت القيمة الجمالية للمبنى بما تبديه العلاقات الشكلية للحجوم والكتل والفراغات حسب ما تبرزه المعطيات الإنشائية، واستعملت خامات جديدة من المعادن والزجاج واللدائن.
الاتجاهات المختلفة وأهم رواد المدرسة التفكيكيـة الـ Deconstruction
أولا : إتجاه البنائية الحديثة New Constructvisim
من أهم رواد هذا الاتجاه ( Rem Koolhass , Zaha Hadid ) وهذا الاتجاه يقوم على استخدام البلاطات الطائرة الدائرية، و المفردات الهندسية مثل المربع والمستطيل والمثلث والدائرة … الخ، بالإضافة لاستخدام الألوان الصارخة مع التجريد الفني الواضح في الأعمال، وأهم عناصر تشكيل المبنى: القشريات ـ عناصر الاتصال ـ الشبكيات ـ البلاطات القشرية ويعد هذا الاتجاه أكثر الاتجاهات جاذبية وذلك لكونه ينقل الإنسان من عالم الواقع إلى عالم المباني الطائرة أو الفضاء.
زها حديد: معمارية عراقية بريطانية، وُلدت في بغداد عام 1950م وتُوفيت في ميامي عام 2016م ، تخرجت عام 1977م من الجمعية المعمارية بلندن، وعملت كمعيدة في كلية العمارة 1987م، وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في دول أوروبا وأمريكا مثل: جامعة هارفرد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك، تتلمذت على يد المعماري ريم كولاس، ثم انفصلت عنه لتشقّ طريقها الخاص، التزمت زها بالمدرسة التفكيكية، ونفذت 950 مشروعًا في 44 دولة، وتميزت أعمالها بالخيال، وغلب على تصميماتها الخطوط الحرة التي لا تحددها خطوط أفقية أو رأسية، كما تميزت أيضًا بالمتانة، حيث كانت تستخدم الحديد في تصاميمها، ومن أشهر أعمالها مركز حيدر عليف الثقافي في اذربيجان.
ريم كولهاس Rem Koolhaas: كان في بدايته كاتبا سينمائيا ثم تحول بعد ذلك لدراسة العمارة، في جمعية العمارة بلندن ـ إنجلترا، ولد عام 1944م في أمستردام ـ هولندا، ورحل إلى نيويورك 1972م وبعد عام أصبح زائرا في معهد العمارة وتخطيط المدن في مدينة نيويورك وهو حاليا شريك في مكتبة ميترو بوليتان للعمارة، كتب كتاب تحت عنوان” نيويورك المختلة ” نشر عام 1978م، حصل على جائزة “بريتزر” للفن المعماري عام 2000 وعلى جائزة “الأسد الذهبي” عن مجمل أعماله الفنية التي قدمها في بنيالي عام 2010 وهو حاليا يقوم بالتدريس، ومن بين أشهر أعماله تصميم مقر التلفزيون الصيني المركزي في بكين، ومقر بنك روتشيلد في لندن، ومسرح فيلي في دلاس الأمريكية.
مؤسسة أوما (OMA) للعمارة: أنشئت مؤسسة أوما ( مكتب مترو بوليتان المعماري ) عام 1975م بنيويورك، وقد أرست مبادئها في أوائل السبعينات وكان المكونون الريئسيون لهذه المؤسسة: ريم كولهاس ـ ايليا زنجليس ـ زها حديد وأخرون، ولقد أزدهرت المؤسسة في منتصف السبعينات وبدأت في أقامة فروع لها في أنحاء العالم مع بداية الثمانينيات حيث نجد فروعا لها في لندن ، هولندا ، أثينا ، روتردام .
من أشهر أعمال هذه المؤسسة فندق أبو الهول ـ لوس أنجلوس ـ 1975 ، وفندق أرض الرفاهية 1976 ـ 1977 ، باواوس شتيلونج ـ برلين ـ 1984 ، فندق ثيرما ـ أثينا 1985 .
ثانيا : الانفصالية أو الإنقطاعية The fragmentation &Discontinuity
رائد هذا الاتجاه هو فرانك جيري، وهذا الاتجاه قائم على فكرة الاستقلالية بالمبنى وعناصره، حيث يرى أن المبنى يجب أن يكون مستقلا بذاته لا يحده مباني أخرى تفسد مدى جماله، حتى يظهر مدى الإبداع والرقي فيه، كما يقوم على انفصال عناصر المبنى كل عنصر بذاته مع الترابط والتجاذب بينهما في سهولة ومهارة.
فرانك جيري Frank Gehry: واحد من أهم المعمارين المعاصرين وهو معماري كندي أمريكي، ولد في تورنتو عام 1929م، يُعرف بمنهجيته النحتية والعضوية في التصميم، ومن أكثر تصاميمه شهرة: متحف غوغنهايم في بلباو بإسبانيا، وقاعة حفلات والت ديزني في لوس أنجلوس،كان جيري عضو في جماعة لوس أنجلوس للمعماريين.
ثالثاً: الإيجابية ـ الإعتقادية Positive –Nihilism
ورائد هذه المدرسة هو بيتر ايزنمان حيث ينادي هذا الاتجاه بالتحرر الفكري الكامل، ولا يربط نفسه بأي مدرسة أو اتجاه أو مسمى معينا يقع تحته المبنى، ولذا نجد التحررية في التصميم وأساليب الإنشاء، ومباني هذا الاتجاه لا تتقيد مثلا بالشكل أو الاتجاه الفكري أو العنصر نفسه فهي تدعو إلى الاستقلالية والإنفصالية عن الواقع ككل.
بيتر ايزنمان Peter Eisenman: معماري أمريكي، ولد في نيو جيرسي عام 1932م، حصل على شهادته الجامعية في العمارة من جامعة كورنل 1955م،ثم الماجستير من جامعة كلومبيا عام 1960م، والدكتوراه من جامعة كامبريدج ـ إنجلترا عام 1962م، ثم الدكتوراه التخصصية في نظريات التصميم من نفس الجامعة عام 1963م، ولقد حصل على الرئاسة الفخرية لاتحاد المعماريين بنيويورك، يعد من اكبر كتاب المجلات المعمارية وله كتب كثيرة وخاصة في المنازل ويصنف أيزنمان على أنه من رواد المدرسة التفكيكيـة الـ Deconstruction، يقول بيتر ايزنمان ردا ودفاعا (التفكيكية ليست ردود فعل على التكعيبية والوظيفية للكوربوزيه) إنما ظاهرة ثقافية أوسع من ذلك بكثير تتميز بوجود التصنيف المزدوج الموجود في التشكيل المعاصر وهذا يدلنا مرة أخرى إلى الازدواجية الاجتماعية والثقافية المتزايدة في المجتمعات الغربية المعاصرة، تتميز أعماله بشكل عام بأنها تحتاج إلى القراءة عنها قبل مشاهدتها، وصعوبة الفهم لعامة الناس، من أشهر أعماله كاتدرائية ليفربول ـ إنجلترا ـ 1960، نصب الهولوكوست في برلين، ومركز وكسنر للفنون في كولومبوس، أوهايو بالولايات المتحدة، سلسلة أعماله المسماة بالمنزل ( 1،2،3،4،5 ) منذ عام 1967 ـ 1978م.
رابعاً : الجنونية ـ بجنون ـ The Follies – Folies
أهم رواد هذا الاتجاه هم: بيرنارد تشومي، ومجموعة “Coophimmelb L au” المعمارية، وهذا الاتجاه يعتبر خليط من مدرستين هما الـDeconstruction والـConstruction Late ولقد تأثر هذا الاتجاه تأثرا قويا بأعمال الفنان الروسي Wassily Kandinsky احد رواد مدرسة الـ Construction Late وكذلك أعمال جاك دريدا رائد مدرسة الـ Deconstruction، وفكر هذا الاتجاه كما يقول أحد روادها: أن الجنونية بالنسبة لنا ما هي إلا دراسة مستقبلية ونظرة جادة لما ستكون عليه مباني المستقبل وإن عناصرها النحتية التي هي محور العمل بالنسبة لنا تكون هي أساس مشاريع المستقبل، وأهم عناصر هذا الاتجاه هي المواد النحتية كما تعتمد اعتمادا كليا على الحديد والزجاج .
بيرنارد تشومي Bernard Tschumi : معماري سويسري من مواليد عام 1944م، يُعتبر من رواد العمارة التفكيكية، من أهم أعماله مشروع حديقة دي لافيليت في باريس، والذي تم بالتعاون مع الاب الروحي لحركة التفكيك جاك دريدا وبيتر أيزنمان، حيث ظهرت فيها فكرة تشومي التصميمية كمغامرة جديدة مبتكرة في تنسيق الحدائق، والتي ارتكزت بشكل أساسي على الفصل وعدم الربط بين العناصر، ومن أعماله أيضاً مشروع كلية العمارة في جامعة فلوريدا الدولية بميامي، وكلية العمارة بجامعة Marne-la-Vallée، بفرنسا
يمكنكم الاطلاع على مقال سابق لي بعنوان: تاريخ ونظريات العمارة، أتحدث فيه عن التسلسل التاريخي للعمارة، والمدارس والاتجاهات المعمارية في القرن العشريـــــن.
المراجع:
نظريات العمارة – د. هشام حسن علي
