المعماري علي لبيب جبر

المعماري علي لبيب جبر: ملحن فــــــن العمـــــــــــــارة

عندما تسير في شوارع القاهرة الخديوية الجميلة تدهشك فنون العمارة، كأن التاريخ يسير بجانبك تتحدث معه، يحكــــــي لك قصصاً عن مصر، فهنا كانت كوكب الشرق تغني في دار الأوبرا المصرية القديمة، وهذه عمارة الإيموبليا وتلك عمارة يعقوبيان تحفة معمارية ليس لها نظير.

وفي الربع الاول من القرن العشريــــــــــن عاد معظم المعماريين الذين أوفدتهم الدولة للدراسة بالخارج وكل منهم يحمل رؤيته و تطلعاته لتحديث الحركة المعمارية من خلال ما تعلمه وعاصره ومارسه هناك، وكانت ابداعات هؤلاء المعماريين هي نقطة التحول للعمارة المصرية المعاصرة، عاد على لبيب جبر، ومحمد شريف نعمان، ومحمد رأفت، ومحمود رياض، الذين اكملوا دراستهم في إنجلترا، و غيرهم من رواد العمارة امثال سيد كريم العائد من دراسته في سويسرا، ليشكلوا رافدا جديدا متطورا، واستنفرت الحركة المعمارية همم العائدون لدفع مسيرة التطوير و تقليص الفجوة الحضـــــــارية لمواكبة تسارع حركة الحضارة، فحملوا مشاعل التنوير و التغيير من وجهة نظرهم.

إستوعب المهندس على لبيب جبر الأصول التصميمية لطرز العمارة الأوروبية سواء التقليدية أو الكلاسيكية بكل ما كانت تحمله هذه الطرز من حليات وزخارف تتبع التصميم المعماري، لكنه استطاع أن يعزف على أوتار هذه الطرز المعمـــــارية الأوروبية لخلق تصميمات تتناسب مع طبيعة المبنى سواء كان مبنى سكنيا يستدعى التركيز على السمات المعمــــــارية والزخرفية حتى تتحقق للمبنى سمة الفخامة والثراء.

العمارة يجب أن تكون ذات شكل خارجي متميز بالإضافة إلى قلب داخلي ناجح وظيفياً. تماماً كالساعة تزداد قيمتها بدقة التفاصيل الخارجية والداخلية على حد سواء. فكما تظهر مهارة الصانع في الاهتمام بأدق التفاصيل الخارجــــية والداخلية التي تجعل من مظهرها الخارجي وأدائها منظومة تجمع بين الدقــــة والجمــــــــال، هكذا يجب أن يحاكيها المعماري بالاهتمام بأدق التفاصيل. علي لبيب جبر.

أشهر اعماله المعمارية:

في عام 1925 أنشأ المعماري على لبيب جبر مكتبه الخاص في ممر بهلر وهو لم يتجاوز الـ 26 عاماً، فقد زاول المهنــــــــة قرابة الأربعين عاماً، وقام ببناء عدد كبير من الفيلات والعمارات السكنية، يصل عددها إلى 40 فيلا و30 عمارة.. والعديـــد من المباني العامة، ولم يكتف علي لبيب جبر بتصميمات الفيلات والعمارات، بل عمل على تصميم المصانـــــــع بطريقة شديدة الكلاسيكية. وكان له منهج خاص يراعى الأسس التقليدية المعمارية ولكن بكفاءة عالية ومرتفعة ودراسة الواجهات باعتبارها الحصيلة المعمارية، حيث كان له مزاجه الخاص الفنى شديد التميز والذى كان يميل إلى التناقض فى الكتل الرأسية والأفقية ومزج ذلك بنظرة كلاسيكية امتاز بها عن غيره من المعماريين الذين سبقوه ومن أول مشاريعه، مشروع بناء ملجأ المنيا عام 1931 ، ثم مبنى نادى القضاة الذي يعد أيقونة في الفن المعماري حتي اليوم ، وقد نصحت أم كلثوم  مصطفي أمين بالتعاقد مع لبيب جبر كي يصمم وينفذ مبنى جريدة أخبار اليوم القديم وهو مبنى رائـــــع جداً من الداخل والخارج ، ومن أهم أعمال المعماري علي لبيب جبر:

عمارة احمد كامل عابدين باشا مدير بلدية الإسكندرية: هي نموذج لاحد العمارات السكنية التي قام بتصميمها، وتقع هذه العمارة على أرض مثلثة الشكل، عند تقاطع شارعي الخديوي إسماعيل وشارع خصوص، يحتوي الدور الأرضي على: المدخل العمومي وحجرة الحارس وعدد 6 محلات تجارية، وشقة صغيرة مكونة من صالة، وحجرة نوم، ومطبخ، وحمام.

اما الأدوار المتكررة فيتكون كل دور من شقتين احداهما حجرتين وصالة ومطبخ وحمامين والأخرى 3 حجرات، وصالة، ومطبخ، وحمامين. المطابخ منفصلة ولها سلم خاص للخدم والصالونات لها مدخل من السلم العمومي.

الطابق السابع على شكل فيلا منفصلة لصاحب العمارة، وطريقة الانشاء بأستخدام الاساسات والهيكل من الخرسانة المسلحة.

  فيلا السيدة ام كلثوم الزمالك:

ذات يوم كانت أم كلثوم في عمارة الإيموبليا في لقاء مع الموسيقار محمد عبدالوهاب وقد اندهشت من تصميم شقته وسألته عن المهندس العبقري الذي صمم ديكور شقته بهذا الجمال فقال لها، دا يا ستي عبد الوهاب فـــن العمارة بجد اسلوب الهندسة عنده زي اللحن كده عندنا، وهو عمل شغل للريحاني وأنور وجدي ومحمود المليجي، وساعتها طلبت كوكب الشرق لقاء المهندس علي لبيب جبر كي يصمم لها فيلتها  في منطقة الزمالك، وعند اللقاء الأول مع المعماري جبر اكتشفت الست سومة عشق جبر لصوتها فعقدت معه جلسات وحضر بعض بروفات أغانيها حتي نفذ الفيلا التي تحولت لنموذج معماري يدرس بكليات الهندسة قسم العمارة، وقد نفذ المهندس علي لبيب جبر أكثر من فيلا بعد أن، تحولت فيلا كوكب الشرق لأشهر بناء علي نهر النيل بالقاهرة، فنفذ مثله في بغداد والرياض ومكة وبيروت حتي صارت نسخة مكررة في عدة عواصم عربية..

بالاضافة لفيلا السدة/ أم كلثوم قام بتصميم عدد كبير أخر من الفيلات السكنية مثل:

مصنع شركة الغزل والنسيج المحلة الكبرى:

كان الحدث الاهم في حياته المهنية هو تكليفه من قبل شركة مصر للغزل والنسيج عام 1946 بإعداد تصاميم “مدينة العمال الصناعية” في مدينة المحلة الكبرى، وكان هذا الحدث بمثابة الفرصة الاولى المهمة التي تتاح لمعماري حداثي لتحقيق اطروحته الجديدة في الممارسة المعمارية المحلية، من خلال مجمع مباني ضخم وبمقياس هندسي كبير.

المشروع المقترح كان يهدف لتوفير فضاءات سكن بتصميم وتنفيذ سلسلة من الدور والعمارات السكنية لقرابة 26 عاملا وموظفا في الموقع، وخدمات رياضية بتصميم ملاعب وقاعات رياضية مغلقة، واحواض سباحة، وتسهيلات اجتماعية وترفيهية، ونوادي، وسينما الهواء الطلق المفتوحة، كما تضمن المشروع توفير اماكن تنظيف بمعدات غسيل آلية، وغيرها من الخدمات الاخرى التي تسهم في تيسير نواحي الحياة المعيشية لسكان هذه المدينة الصناعية.

ويعد المشروع الاول من نوعه لتشييد مدينة بأكملها، مخصصة لعمال وموظفي شركة صناعية وفقا ً لمعايير العمارة الحديثة، وقد إكتمل بناء المشروع بالكامل سنة 1948، وقد نجح جبر في تصميم هذا المشروع الكبير عبر تقديم حلول تصميمية ناجحة تحقق منظومة عمارة الحداثة وإتسمت تصميمات جبر بقدر كبير من الكفاءة الوظيفية لتلبية متطلبات الحياة العصرية، وتحقيق الكفاءة الاقتصادية وسرعة التنفيذ، وقد مثل مشروع مدينة العمال بالنسبة لجبر مناسبة لامتحان أهليته المهنية وقدرته على التصدي لإنجاز مثل هذه الاعمال الكبيرة والمهمة.

انطوى مخطط المدينة على حضور خاصيتي التماثل والمحورية، وهما مبدآن كلاسيكيان في تخطيط المدن، لم يكن من السهل اهمالهما او تجاوزهما تخطيطيا ً، وكان احد المصممين المساهمين في تخطيط المدينة الصناعية هو “علي المسعودي”  العضو في معهد لندن لتخطيط المدن وكان معروفا بتوجهاته المحافظة في التخطيط، لكن الجانب المعماري والخاص بتصاميم المباني اضطلع به جبر بالكامل، وقد اسهم في التقليل من وطأة الشعور بالحدة التماثلية والمحورية القوية، عبر اختيار مقياس معماري مناسب، ولغة تصميمية انطوت على استخدامات نشطة للخطوط الافقية التي تمنح المباني المشيدة شعورا ً بالألفة والانتماء، فضلا عن الحضور الجليّ لانحناءات سطوح واجهات تلك المباني الخفيفة والمرنة، مما منح هيئات مباني المشروع هدوءاً وسكينة تتلاءم مع الفعالية الاسكانية، وهي الوظيفة الاساسية لتلك المباني.

بالاضافة لمصنع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى قام بتصميم عدد كبير أخر من المصانع يصل الى عشرة مصانع أثرت  واضفت إلى نهضة مصر الصناعية مثل:

نحن نتحدث عن عبقري الهندسة المعمارية علي لبيب جبر، الذي الذي وقام بدوره الوظيفي في جوانب المعمار وسانده في ذلك العديد من المسئولين عن المؤسسات الوطنية وعلى رأسهم طلعت حرب لطموحه في إرساء قواعد اقتصادية وطنية عهدت تصميماتها له.

بينما في المباني العامة سواء كانت مصانع أم مؤسسات حكومية وخلافه، نلمس تركيزه على البعد الوظيفي الملائم لنوعية المبنى، وغياب الزخارف والحليات للتأكيد على المظهر الحداثي لتلك المباني.. كما استطاع أن يضع أسلـــــوبه الخاص جداً والمتميز، على الرغم من التزامه باتجاهات العمل العالمية، فنجد أن بعض المباني التي قام بتصميمها تبدو لمن يراها وكأنها بنيت في الخارج وتم نقلها إلى مصر.. كذلك نلمس مستوى الدقة الشديدة في التفاصيل والتركيز على المداخل والأبواب والفتحات في نسق إيقاعي مبهر.

المطبعة الاميرية الجديدة، امبابة – 1960 1962

فندق كتراكت الجديد – أسوان:

تم إنشاؤه على صخرة من الجرانيت الوردي بإطلاله على ضفاف النيل، ويتميز هذا الفندق بطابعه الشرقي الأسطوري في مجال الفنادق، بدأت فكرة بناء الفندق في أواخر القرن الـ19 مع امتداد السكة الحديد لجنوب مصر، حيث زادت أعداد السياح لزيارة مدينة أسوان والتمتع بآثار وجوها الشتوي المشمس، ومع زيادة الأعداد بدأ التفكير في بناء فنادق على ضفاف النيل في أسوان وبالفعل بدأ بنائه في عام 1899. وقد جرت إضافات للفندق في عام 1960 على يد المهندسان المعماريان علي لبيب جبر والمهندس محمد شرمي.

التدرج الوظيفي ورسالته في تدريس العمارة: بعد عودة المعماري علي لبيب جبر من إنجلترا عام 1923، اختاره المهندس مصطفى فهمي باشا للعمل معه والإشراف على التعليم المعماري بدلا من الأساتذة الأجانب. فعين معيدا بكلية الهندسة ومدرسا للتصميمات المعمارية وأستاذا بكلية الهندسة الملكية من سنة 1924 ثم تولى رئاسة قسم العمـــارة بجامعة فؤاد الأول “جامعة القاهرة حاليٱ” من عام 1930 حتى استقالته عام 1955 واستمر استاذاً غير متفرغ حتى عام 1961، وتخرج على يديه جيل من رواد العمارة المصريين، وقد حاول “علي لبيب جبر” خلال تلك الفترة ان يغيّر ويضيف ويعدّل البرنامج التدريسي في القسم المعمــــــاري، بحيث تكون مساقاته متوافقة مع احدث مقررات البرامج التدريسية المتبعة في افضل المدارس المعمارية العالمية، التي كان على اتصال دائم مع مجرى احداثها ومتغيراتها، من خلال اطلاعه المستمر وزياراته العديدة للمدارس المعمارية الاوربية. إلى جانب وضع التصميمات المعمارية للمشروعات التي اوكلت اليه، وقد رفض جبــــــــر رئاسة الجامعة ورفض منصب الوزير عشرة مرات، وكان دائما مثال الخلق والكرم والقدوة الحسنة..

الجوائز التي حصل عليها:

المراجع:

Exit mobile version