أسباب انهيار الحضارة الاسلامية

أسباب انهيار الحضارة الاسلامية: (الجزء الثاني) تحدثنا في الجزء الاول من هذا الموضوع عن الاسباب السياسية والاقتصادية التي كانت من أسباب انهيار الحضارة الاسلامية، واليوم نستكمل الحديث عن أسباب تدهور البحث العلمي، ومن المؤكد أن ذلك لا يرجع لأسباب جينية أو وراثية، فقد سبق للعرب أن حققوا أعظم المنجزات، وعندما يهاجر العربي إلى الدول المتقدمة ويجد بيئة ملائمة لتحفيز طاقاته الإبداعية نجده يتفوق في مجاله، والدليل على ذلك الدكتور أحمد زويل، والذي حصل على جائزة نوبل في العلوم، وعندما سأله أحد أساتذة الفلسفة مازحاً؛ كيف تفوق في أميركا رغم «جيناته المتخلفة»، أجاب: جيناتي هي الجينات العظيمة التي كانت لدى أجدادي المسلمين، لكن أميركا أعطتني الفرصة والتقدير، وهما أمران مضمونان للجميع هناك، تعالوا بنا لنرى كيف كنا والى ما صرنا:

العصر الذهبي للإسلام: سادت الحضارة الإسلامية قروناً عدة في فترة العصور الوسطى والتي تمتد من منتصف القرن الثامن لغاية القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي. وخلال هذه الفترة، ساهم مهندسو وعلماء وتجار العالم الإسلامي بشكل كبير في ميادين الفن والزراعة والاقتصاد والصناعة والأدب والملاحة والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا والفلك، من خلال المحافظة والبناء على المساهمات السابقة وإضافة العديد من اختراعاتهم وابتكاراتهم.

كيف حافظ علماء الإسلام على استقلاليتهم؟

رابعاً: تدهور العلوم ومؤسساتها: ان الإسلام، وبلا جدال، كان سبب نهضة العرب وفُتوحاتهم المدهشة، بالإسلام عرفتهم الأمم البعيدة، وخضعت لهم الممالك العظام، وقياصرة الروم وأكاسرة الفرس. ولا شك في أن بداية التراجع الحضاري للعالم الاسلامي، ترجع لعدة أسباب منها:

الغزو المغـــــــولي وسقوط الخلافة العباسية: ظهرت قوة المغول، بقيادة “جنكيز خان” وأنزلوا بالمسلمين هزائم ومصائب فى بلاد خراسان وفارس، ثم صار بعده ابنه “هولاكو” بجيوشه قاصدة بغداد فى عهد المستعصم. فى سنة 656 هـ / 1258م، وحاصر بغداد، وراح التتار يرتكبون جرائم يشيب لها الولدان، يشردون الأبرياء، ويهدمون المساجد والمدارس، ويحرقون كل المصاحف، ويقتلون الفقهاء والعلماء، ويسبون النساء، وينتهكون أعراضهن أمام أهلهن.

وبعد سقوط الدولة العباسية سنة 656هـ علي يد التتار بدأ (العصر الإسلامي الوسيط) في الظهور بقيام عصر المماليك، فالعصر العثماني، إلي بداية عصر النهضة الحديثة الذي يؤرخونه بالحملة الفرنسية علي مصر سنة 1213هـ

إن الدول الإسلامية، ربطت العلم ومؤسساته ربطاً محكماً بمصالحها، منذ بدايات العصر السلجوقي، حقيقة أسس الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 1092م) المدارس وبنى الأيوبيون والمماليك الكثير منها في مصر والشام، ولكن ذلك لم يؤد إلى نهضة علمية شاملة، لأن هذه الدول هيمنت على التعليم ومؤسساته ووجهتها نحو ميادين تخدم مصالحها السياسية والمذهبية والإدارية. والدليل على ذلك: أ – ارتباط التعليم في تلك المدارس بالأوقاف التي خصصت لها، أي أن النفقة عليها كانت مرهونة بتنفيذ شروط الواقف، فأي خلل بهذه الشروط تتوقف النفقة وتغلق المدرسة. أي أن استمرار هذه المدرسة أو تلك مرهون برضاء صاحب الوقف – سواء أكان سلطاناً أو أميراً – على مناهجها وأساتذتها وطلابها. ب – إن الذين كانوا يتخرجون في هذه المدارس لم يشكلوا طبقة من العلماء، وإنما طبقة من الموظفين، يعملون في دواوين الدولة ومرافقها العامة. ج – إن معظم العلوم التي كانت تدرّس آنذاك هي العلوم الدينية، لأن الهدف من تدريسها كان دينياً ومذهبياً، وقد برز هذا واضحاً في الدولة الأيوبية، التي قامت على أنقاض الدولة الفاطمية، ومن ناحية أخرى، فقد أهملت العلوم الطبيعية والفلسفية، حيث عزفت المدارس – مثلاً – عن تدريس الفكر الإغريقي الذي كان مصدراً من مصادر الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي.

في القرنين التاسع عشر والعشرين، أنهى بعض الحكام الإصلاحيين تحالفهم مع العلماء وهاجموا العلماء في الإمبراطورية العثمانية داخل كل من تركيا ومصر وإيران والعديد من البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. ومع ذلك، فإن هؤلاء الحكام الإصلاحيين لم يتمكنوا من حل مشاكل بلادهم لأن هؤلاء الحكام كانوا في الغالب من خلفيات عسكرية، وبالتالي كانوا أيضًا معادين للفكر ومعادين للبرجوازية. ونتيجة لذلك، استمر تهميش المثقفين والتجار حتى يومنا هذا في العالم الإسلامي.

رؤية توينبي للحضارة الإسلامية:

وبالنسبة للحضارة الإسلامية يجد توينبي أنها نشأت استجابة لتحديات طبيعية تتمثل في ظروف الجفاف والصحراء وقلة المياه، واستجابة لتحديات بشرية تمثلت في (الغزو الثقافي والعسكري)، ولا سيما من قبل الحضارتين الرومانية والفارسية، اللتين حاولتا إخضاع جزيرة العرب بطرق مباشرة أو عن طريق الوكالة. وعموماً فإن توينبي يعتبر الدين السمة الأساسية لأي حضارة، حتى إنه يسمي الحضارات باسم الدين الذي نشأت في خلاله، ولذلك فإن التحديات والاستجابات هي في الغالب ذات بعد ديني، وهذا يعني أن تحديات الحضارة الإسلامية وصداماتها هي في جوهرها صدامات مع أصحاب الديانات الأخرى، كما أن هذه الحضارة ارتكزت على نشر الدين الإسلامي كأساس لعملها السياسي.

أكد توينبي أنه برغم النكبات التي حلت بالحضارة الإسلامية لوقوع معظم دولها فريسة للإستعمار، إلا أن الحضارة الإسلامية لن تتحجر وقد تٌنافس من أجل السيطرة في المستقبل بوسائل تتعدى تصوراتنا، حيث أن طابع الحضارة الإسلامية هو الاتساق بين الفكر والعمل و المساواة، إذ ارتفعت في أزهى عصورها إلى أن وصل الرقيق أو العبيد إلى أرقى مراكز السلطة، فمثلا تولى المماليك – الذين كانوا عبيد – الحكم في مصر. وقد لا يدرك الكثيرون قيمة تحريم الخمر، هذا التحريم بالنسبة للحضارة، حيث أن الإمتناع عن شرب الخمر لا يتم إلا بوازع ديني، وهو في نفس الوقت عامل مهم لإزدهار الحضارة”.

أسباب التأخر العربي، كما يراها الدكتور أحمد زويل في كتابه «عصر العلم»، تكمن في الآتي:
1- افتقار العالم العربي لقاعدة علمية.
2- افتقاره لنظام واقعي واضح يلبي الاحتياجات.
3- التأخر في إصلاح التعليم وتحويله من تلقين الطفل إلى تعليمه كيفية تشغيل عقله.
4- الفشل في القضاء على الأمية أو تخفيض نسبتها.
5- غياب الاهتمام بتوفير قاعدة علمية للبحث والتطوير بفاعلية.
6- نقص الحرية السياسية والفكرية.
7- غياب المراكز البحثية العلمية المتخصصة.
8- التلكؤ في إعادة هيكلة البحث العلمي.

وبكدة نكون وصلنا لنهاية الجزء الاول من موضوع أسباب انهيار الحضارة الاسلامية و في اللقاء القادم نستكمل بإذن الله من موضوع أسباب انهيار الحضارة الاسلامية.

المراجع:

Exit mobile version