أسباب انهيار الحضارة الاسلامية

أسباب انهيار الحضارة الاسلامية: (الجزء الاول) الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان. والفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح الفرد صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح كيان هذا الفرد وروحه وعقله وجسده.، وتجعل حياته هادئة مستقرة.

إن التدهور الذي أصاب الحضارة العربية الإسلامية لم يحدث فجاءةً، دون مقدمات، وإنما كان عملية بطيئة خلال فترات زمنية طويلة، كما أنه لم يحدث في عصر واحد أو في مكان واحد، وترجع أسباب انهيار الحضارة الاسلامية إلى جملة من العوامل التي أدت إلى تدهور  الحضارة العربية الإسلامية، ولقد مرت الحضارات التي شهدها التاريخ الإنساني، بثلاث مراحل رئيسة وهي: مرحلة التكوين، ومرحلة الازدهار، ومرحلة التدهور والانحطاط. ولا شك أن الحضارة العربية الإسلامية لم تخرج عن هذه التجربة، تعالوا بنا لندرس مراحل و أسباب انهيار الحضارة الاسلامية:

  1. المرحلة الأولى: مرحلة التكوين: حيث نجح العرب والمسلمون في بناء حضارة ترتكز على ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ، تتناول شئون الدنيا والآخرة، واستغرقت قرنين من الزمان تقريباً (الأول والثاني للهجرة – السابع والثامن للميلاد)، وارتكزت تلك المرحلة على تراث العرب القديم وقيمه الإيجابية، وكذلك تراث الشرق القديم، بالإضافة للاستفادة من إنجازات الحضارة الإغريقية والفارسية والهندية والصينية.
  2. المرحلة الثانية: مرحلة الازدهار: (العصر الذهبي للحضارة الاسلامية)، واستمرت زهاء ثلاثة قرون (الثالث والرابع والخامس للهجرة – التاسع والعاشر والحادي عشر للميلاد)، وفيها أبدع العرب والمسلمون وتزعموا العالم في كل ميادين الحضارة في العلم والنظام والتسامح والاقتصاد والسياسة، بينما في ذلك الوقت، كانت أوروبا تحت سيطرة الأرستقراطية العسكرية ورجال الدين الكاثوليك، ولم يكن لديها تجار فاعلون أو علماء. ثم تتلمذ الأوربيون على أيدى علماء المسلمين في كل ميادين العلم والمعرفة.
  3. المرحلة الثالثة: مرحلة التدهور والانحطاط: بدأت طلائعها في القرن السادس للهجرة – الثاني عشر للميلاد تقريباً – واستمرت حتى أواسط القرن الثالث عشر للهجرة (التاسع عشر للميلاد). تعالوا بنا لندرس بشئ من التفصيل:

أسباب انهيار الحضارة الإسلامية

أولاً: اسباب سياسية: ما أصاب العالم العربي الإسلامي من تمزّق في وحدته السياسية:

فقد كانت سلطة الخليفة في عهد الخلفاء الراشدين ثم في العصر الأموي سلطة مركزية امتدت من الأندلس غرباً إلى سمرقند شرقاً، ثم انتقل نظام الحكم من المركزية إلى اللامركزية في صورة مغايرة كليا لما حدث في العصر العباسي الأول. وقام على أنقاض الخلافة الواحدة عدة دويلات إسلامية مستقلة استقلالا تاما أو جزئيا، ولكنها كانت تعترف بسلطان الخلافة الروحي عليها، ثم ضعفت الخلافة العباسية حتى أن سلطة الخليفة في بغداد لم تعد تتجاوز مدينة بغداد وضواحيها.

ثانياً: المواجهة مع قوة خارجية: أحياناً لا يكفي أن يكون الانحطاط الأخلاقي سبباً لانهيار حضارة ما، بل ربما استمرت تلك الحضارة وطال بقاؤها، مع ضعف في بنيتها الاجتماعية، حتى يتوفر السبب الثاني، وهو أن تحدث مواجهة مع قوة خارجية، فإذا كانت القوة الخارجية أقوى وأسمى أخلاقياً من الحضارة المنحطّة أخلاقياً، فإنها ستُضعف الحضارة القائمة (المترنحّة) وتُسقطها لتحل مكانها، حتى وإن كانت أقل عدداً، وهذا ما حدث مع المسلمين عندما فتحوا بلاد الأرض بالإسلام، فقد كانت أعداد المسلمين قليلة، لكنهم كانوا أقوياء بإيمانهم وأخلاقهم والقيم التي ينادون بها.

أثر الحروب الصليبية على العالم الاسلامي: سلسلة من الحملات العسكرية الأوروبية ذات طابع ديني، استمرت نحو قرنين من الزمان، فيما بين عام 1095م و1291م، وشملت 8 حملات رئيسية، تفاوتت في حجمها وقوتها ومقدار نجاحها، واندلعت شرارة الحروب الصليبية تحت غطاء ديني ورفع شعار الصليب، على إثر خطبةٍ ألقاها البابا أوربان الثاني في مدينة مونت الفرنسية، حيث حرض الأوروبيين وأثار الطمع والحقد في نفوسهم، وشجعهم على النهب والسلب، ودعى إلى احتلال بيت المقدس وانتزاعه من أيدي المسلمين. وكان من ضمن الدعاة بطرس الناسك، ووالتر المفلس، الذَين أثارا حماس الفلاحين والرعاع، وقطّاع الطرق، واللصوص بقوّة الخطاب، والبلاغة.

كانت هناك دوافع أخرى عديدة استعمارية واقتصادية غير معلنة، بهدف الحصول على خيرات وثروات بلاد المشرق، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في أوروبا، التي عاشت حالة مزرية من الفقر والبطالة والجوع، وكانت تصلهم الأخبار عن حالة الرخاء التي تتمتع بها بلاد المسلمين، التي كان يشار إليها بأنها “أرض تفيض باللبن والعسل”، فكان طموحهم الحصول على تلك الخيرات والتمتع بها.

أثر الغزو المغـــــــولي على العالم الاسلامي: ثم ظهرت قوة المغول، بقيادة “جنكيز خان” وأنزلوا بالمسلمين هزائم ومصائب فى بلاد خراسان وفارس و استولوا على المدن الاسلامية الواحدة تلو الاخرى بدءً من “بخارى” و”سمرقند” ثم واصلوا الزحف وسقطت فى أيديهم “الرَّى” و”همذان” و”أذربيجان” و “تبريز”، و “الكرج” وأوقعوا بهم الهزائم.

سقوط الخلافة العباسية:
وقعت هذه الحوادث وخليفة بغداد لاهٍ، بينما التتار يسيرون فى بلاد المسلمين قتلا وأسرًا وتخريبًا، ثم سارت جيوش هولاكو قاصدة بغداد فى عهد المستعصم. ففى سنة 656 هـ / 1258م، حاصر بغداد، ولم يكن عند الخليفة ما يدفع به ذلك السيل الجارف، واكتفى بإقفال الأبواب، فجدَّ المغول فى القتال حتى ملكوا الأسوار بعد حصار لم يزد على عشرة أىام. وبملك الأسوار تم لهم ملك البلد.
وهنا برزت صفحة دنيئة من الخيانة التى مثلها الوزير الشيعى محمد بن العلقمي، وكان يراسل التتار، ويرغبهم فى دخول بغداد، وعمل جهده فى تقليل قوة المسلمين بتسريح جيشهم وإهمال شأنه حتى لم يعد قادرًا أن يقف ولو ظاهريّا أمام التتار، وكان هذا الوزير أول من خرج لاستقبال هولاكو لما أحاط بالمدينة، ثم عاد ينصح الخليفة بالخروج لاستقبال هولاكو، وأن يجعل للتتار نصف خراج العراق.
وبرغم خروج الخليفة ومعه العلماء والقضاة والفقهاء والأمراء، وحمل الخليفة الذهب والحلى والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة ليقدمها لهولاكو ويسلم له بغداد.
فقد أشار ابن العلقمى على هولاكو بقتل الخليفة، وقد كان هولاكو رغم وثنيته وكفره يتهيب قتل خليفة المسلمين، لكن هذا الوزير الخائن هون عليه أمر الخليفة فقتله، وقتل كل العلماء والفقهاء، وبقتل الخليفة كسفت شمس الخلافة العباسية بعد أن مكثت مشرقة 524 سنة. وبسبب ضعف الخلافة العباسية، والموقف السلبي للخلافة الفاطمية، وتفشي حالة الفرقة والنزاع بين القوى الاسلامية، لم يجد المسلمون شخصية قوية توحد بين صفوفهم وتدفع عنهم خطر الصليبيين والمغول.

والدولة الأيوبية وما أحرزته من انتصارات عظيمة على التحالف الأوربي الصليبي في عصر صلاح الدين في القرن السادس الهجري  الثاني عشر الميلادي وكدولة المماليك التي أوقعت أول هزيمة بالمغول في غزوهم للعالم الإسلامي.

ثالثاً: أسباب اقتصادية: لا شك أن للاقتصاد دور بارز في ازدهار الحضارة أو سقوطها، كما سنرى في المجالات التالية:

الـــــــزراعة: خضعت منذ القرن الخامس للهجرة – الحادي عشر للميلاد، إلى نمط جديد في الإنتاج، عُرف بالنظام الإقطاعي – العسكري، ويقضي هذا النظام، بأن يقطع السلطان كل قائد في جيشه إقطاعاً من الأرض بدلاً من المرتبات التي كان يتقاضاها من الدولة، وفي المقابل يتعهد هذا القائد، أي المُقطع، بأن يخضع للسلطان مباشرة، ويؤدي ما عليه من التزامات مادية واجتماعية وعسكرية، وهذا النظام أطلق أيدي القادة والأجناد في الأرض والفلاحين الذين يعملون فيها، دون أن يكون هناك رقيب أو قانون يحاسبهم، اللهم إلا السلطان نفسه.

التجـــــــــــارة: تدهورت التجارة في العالم الإسلامي لا بسبب الضرائب والمكوس الشرعية وغير الشرعية وعمليات الابتزاز والمصادرة التي كان يعاني منها التجار فحسب، وإنما أيضاً نتيجة لتجزئة العالم العربي والإسلامي والحروب الأهلية.

الصنــــــــاعة: لم تكن الصناعة بمنأى عمّا تعرضت له الزراعة والتجارة من مصاعب. بل إن تدهور الصناعة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بتدهورهما، فقد عانى الصنّاع والحرفيون من عمليات الابتزاز والمصادرة، التي كانت تمارسها الدول الإسلامية، ومادامت معظم الصناعات كان تتركز في المدن، فقد عانت مما كان يجري في المدن من دمار وخراب وقتل وسلب وحرائق، كام تلقت الصناعة ضربات مؤلمة على يد المغول، حيث نقل جنكيز خان مئات الصنّاع والحرفيين من المدن الإسلامية، التي استولى عليها مثل نيسابور وغيرها إلى منغوليا.

ولا يعني ذلك بالضرورة الموت المطلق لكل أشكال النشاط الفكري على امتداد العالم العربي والإسلامي خلال قرون الانحطاط، بل ظلت بعض الجهود العلمية هنا وهناك،

وبكدة نكون وصلنا لنهاية الجزء الاول من موضوع أسباب انهيار الحضارة الاسلامية و في اللقاء القادم نستكمل بإذن الله السبب الرابع وهو تدهور العلوم ومؤسساتها في الجزء الثاني من موضوع أسباب انهيار الحضارة الاسلامية.

المراجع:

[1] سورة آل عمران الاية: 137 – 138.

Exit mobile version