رمسيس ويصا واصف “المعماري الفنان”
ظهر في القرن العشرين رعيل هندسي متميز، صاحب رؤى جديرة بالاحترام والتقدير، وكان صاحب فلسفة معمارية جديدة، تتمسك بالهوية المصرية، وتتوائم مع ظروف العصر ومتطلباته، وكان المهندسين المصريين رمسيس ويصا واصف وحسن فتحي من أشهر أصحاب هذه الفلسفة.
رمسيس ويصا واصف: معماري وفنان مصري درس العمارة في فرنسا وتأثر كثيرا بالمنهج التجريبي في العمارة والفن، وكان له أكبر الأثر عليه عند عودته لمصر ودفعه لخوض تجربته الفريدة التي ما زال العالم يتحاكى بها للان، والده هو المحامي والسياسي الوفدي ويصا واصف باشا الذي كان وكيلاً لمجلس النواب في حياة سعد زغلول ورئيساً له في حياة مصطفى النحاس، وكان له مواقفه الداعمة للحركة الفنية، درس رمسيس ويصا الابن في فرنسا.
الميلاد والوفاة: وُلد في عام 1911، وتُوفي في عام 1974.
المؤهلات العلمية: حصل رمسيس ويصا على البكالوريا عام 1928 من مدرسة الليسيه بالقاهرة، ثم سافر عام 1929م إلى فرنسا وحصل على دبلوما الفن من أكاديمية الفنون في باريس عام 1935م، وكان مشروع التخرج عن بيت الخزف.
التدرج الوظيفي: عاد بعدها إلى مصر ليبدأ عمله الأكاديمي كأستاذ للفنون وتاريخ العمارة في أكاديمية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1938م ، حيث عين مدرساً ثم ترأس فيها قسم العمارة منذ 1965 وحتى 1969، ثم قام بتدريس تاريخ العمارة القبطية بمعهد الدراسات القبطية بالكاتدرائية بالعباسية، عندما استقال للتفرغ لمشروعه الثقافي الخاص.
السمات المشتركة بين كلا من رمسيس ويصا وحسن فتحي:
كانت أعمالهما تصب في اتجاه إحياء التراث المصري والهوية المصرية، ومساعدة الفقراء في الحصول على سكن كريم بتكلفة قليلة، وكان الجانب الإنساني والتعاطف مع حال الفقراء ظاهراً في أعمالهما الهندسية.
كانا يؤمنان بأن قدرة الإنسان على الإبداع الفطري لم تستغل كما ينبغي، وآمنا بتعاون الأفراد في الريف في بناء بيوتهم وإستخدما عمارة المناخ الحيوي التي كانت مستخدمه في المباني التاريخية في الحضارات القديمة على مر العصور.
إهتما بتشكيل الهوية المعمارية المصرية، وتكوين الأشكال المعمارية البعيدة عن العمارة الغربية، مستخدمين المفردات المعمارية من العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية مثل الأفنية والقباب والعقود والمشربيات، وتأثرا بالعمارة التقليدية على الأخص العمارة النوبية.
تعاونا معاً لتثبيت فكرة الاعتماد على الخامات والمواد المحلية من البيئة المحيطة.
مركز رمسيس ويصا واصف للفنون:
أدت متغيرات الحياة وعوامل التقدم المادي وحركات التطوير والحداثة المعاصرة، إلى ضعف أغلب الحرف اليدوية التقليدية في المدينة والقرية، وإلى تعرض بعضها للاندثار كما كانت تهدد بضياع العديد من المحاولات الإبداعية التي لا تقدر قيمتها بثمن، ورأي رمسيس في بداية الخمسينات الأثر المدمر للميكنة والاتجاه لمرحلة التصنيع الآلي، نظراً للقدرات الإنتاجية العالية للآلات وإدخال التقنيات الحديثة، إضافة إلى اكتشاف مواد خام جديدة بديلة للخامات المحلية، مما كان له أكبر الأثر على الحرف التقليدية في مصر ومنها: الخيامية والأرابيسك والزجاج المعشق والتطعيم بالصدف والخزف والفخار والسجاد اليدوي والطرق على النحاس وغيرها..
لهذا السبب تولد لدى رمسيس ويصا حلــــم للمحافظة على تلك الحرف اليدوية، فعمل على تطوير العلاقة بين الفن والحرف اليدوية، وكانت رؤيته أن الحرفة اليدوية التقليدية إذا لم تستند لدافع إبداعي مع الجودة والجمال، محكوم عليها بالزوال، لتفسح المجال أمام الإنتاج الصناعي.
الحلــــــــــــم والطمــــــوح: هو شيء مخفي داخل نفس ووجدان بعض الأشخاص فتحركهم لكي يبذلوا الكثير من الجهد والتعب والمشقة، وقد يجدون في الطريق بعض العقبات التي تعيقهم من الوصول للحلم، ولكن الشخص الطموح لا يعرف الاستسلام فيزيل تلك العقبات من طريقه، حتى يصل في النهاية إلى ما يريد.
البداية لتحقيق الحلم:
المرحلة الأولى: تجهيز المكان: في عام 1951 قام بشراء قطعة أرض في قرية الحرانية على أطراف الجيزة، لتكون قريبة من سكنه، ولمدة عامان ظل يتعهد مجموعة من أطفال القرية بالرعاية وقام خلال تلك الفترة ببناء مسكن خاص به.
كانت فلسفة المعماري رمسيس ويصا تقوم على التكامل بين الطبيعة والإنسان، مشتركا في ذلك مع رفيق دربه في الفكر المعماري حسن فتحي، معتمداً على خبرته بالفنون في مصر التي تحمل مزيجا فريدا يجمع بين العمارة الفرعونية والقبطية والإسلامية، واستخدم مواد البناء المتوفرة محلياً، فبنى بالطــوب الطينــي المجفــف مستخدماً القبــاب والقبــوات، معتمداً علـي معلمين لحرفة البناء من أقاصي صعيد مصر وفرهم له المعماري حسن فتحي، لتعليـم أهالـي الحرانية تقنيــات الحرفــة والبنــاء، ليستطيعوا بعد ذلك بناء بيوتهم وورشهم، فحقق بذلك ارتباطا قويا بين الإنسان وبين عمله وبيئته يفتقده أهل الحضر الذين يسكنون مدن مسبقة التشييد.
إنشاء منطقة الورش ومراسم النسيج: صمــم رمســيس ويصــا مــكان الــورش والمراســم ليكــون مســتقل عـن باقـي المركـز، فهـو مكـون مـن ورش وفراغـات مخصصـة لحـرف مختلفـة كالنسـيج والباتيـك والفخار/الخـزف، وتتميز القاعة الرئيسـية لعـــرض المنتــج الفنـــي لتكون عبارة عن غرفة طويلة ذات قناطر تضم مجموعة من الأقسام على جانبيها، ذات قباب أصغر حجما.
أخـذ رمسـيس فـي الاعتبـار أهميـة إنتمـاء الاطفـال للمـكان، فصمـم منطقـة الـورش والمراسـم بمقاييـس وأبعـاد ملائمـة للأطفـال، وصمـم الـورش علـي صفيـن متوازييـن بينهـم ممـر ضيـق عرضه حوالــي 2 م منحنـي، بحيــث تتركــز الــورش شــمال وجنــوب الممــر، حيث يعمل الانحنـاء الطفيـف للممـر علـى توجيـه عيـن المـار وتتابـع المشـاهد.
ثــم قام ببنــاء أجــــزاء أخــــرى للمركــــز، نذكر منها:
متحف حبيب جورجي: بعد سنتين من انشاء قاعات عرض نسيج الكنفا، أقيم المتحف لعرض أعمال تلاميذ الفنان حبيب جورجي، صمم رمسيس المتحف ليحوي منحوتات معينة، والتصميم يوفر التأثيرات ضوئية المطلوبة، ويضم المتحف 3 أقسام رئيسية للعرض تتمتع بأهمية متساوية تقريباً وهي: باحة مكشوفة، قاعة عرض طويله، قبة ذات ثلاث ايوانات وبجانها قسم صغير سقفه على شكل قبة، أما المنحوتات التي تضمها قاعة العرض فهي مرتبة بشكل رئيسي على طول الجدار الغربي، وهو جدار مزدوج وضعت فيه كل منحوتة في فجوه من فجواته التي تدخل أشعة الشمس اليها من الجدار الخارجي بشكل غير مباشر لتشكل نوعا من الإضاءة الطبيعية الرائعة.
مجموعة منازل النساجين: رأى رمسيس أن هناك 7 من عمال النسيج لا يملكون بيوتاً خاصة بهم، فاشترى لهم قطعة الأرض المجاورة للمركز، وأعطى كل واحد منهما قطعة، وناقش معهم إحتياجاتهم المشتركة وهي: الفناء وعلى جانب منه غرفة المعيشة ومطبخ وحمام، وحظائر للدجاج وفرن للخبز في الباحة، وغرف النوم في الأعلى. وأعطى هؤلاء العمال الحرية الكاملة في كيفية توزيع تلك الأجزاء وظيفياً، وتتصل هذه البيوت السبعة بمركز الحرانية بواسطة طريق مسور ضيق.
مجموعة مخازن الغلال الخاصة بالمهندس رمسيس: وهي عبارة عن مباني إسطوانيه بإرتفاعات مختلفة تغطيها قباب مفتوحه من أعلى للتهوية، وهي شبيهه بالمخازن الموجودة في قرى الريف المصري القديم.
وقد استعان رمسيس ويصا بأهالي قرية الحرانية في تحضير المواد الخام وكذلك تصنيعها، والذي كان يتم بخلط المكونات جيدا ثم صبها في قوالب وتركها حتى تجف.
ادخل مواد جديدة في التكسية وعمل الملاط الخارجي مثل الاسمنت + الرمل المعجون بماء الجير، وتعتبر مواد دخيله على خامة الطين، وبلغ سمك البياض حوالي 1.5 سم.
المرحلة الثانية: إعداد الانسان:
لم يستطع المعماري الفنان رمسيس ويصا العمل مع العمال كبار السن الرافضين للتغيير، فقرر العمل مع الأطفال لامتلاكهم قدرات الإبداع والخلق بشكل أكبر، وهذه القدرات إن لم يستخدمها الطفل سيكبر ويفقدها مع عوامل الحياة المختلفة، رأى رمسيس أن ما يحتاجه الأطفال هو التشجيع، ومساعدتهم لإخراج أفكارهم على أرض الواقع.
الخطوة الأولى جاءت لرمسيس على طبق من ذهب، عندما طلب منه في عام 1942 تصميم وبناء مدرسة في مصر القديمة، فصممها بالشكل المعماري القديم لتناسب طبيعه المكان ولا تكون شاذه وسط المدارس، ثم طلـــــــب من السيدات المشرفات على المدرسة أن يمنحوه فرصة لتعليم الأطفال صناعة النسيج بعد اليوم الدراسي، فوافقوا على ذلك لاعتقادهم أنه سيقدم دخل إضافي للمدرسة، لكن رمسيس بعد أربع سنوات رأت إدارة المدرسة أن مشروعة لا يدخل دخل إضافي للمدرسة لانة ليس مشروعا مادياً، فترك المدرسة، وأخذ معه بعض الأطفال الملتزمين بحضــــــــــور التدريب، وكانوا ثلاثة أطفال، ذهب بهم إلى جراج منزله في الجيزة، وهنا واجهته مشكلة صعوبة حضور الأطفال يوميًا من مصر القديمة إلى الجيزة، لذلك بدأ رمسيس في مشروع تأسيس قرية لإقامة مشروعه، واختار الحرانية، وعمل رمسيس علاقة إنسانية مع أطفال القرية لمدة عامان ليتعرف على طريقة تفكيرهم واحتياجاتهم، لأنه ناوي يغير حياتهم للأفضل، ثم دشن بها مقر كامل لصناعه النسيج في عام 1952م.
اعتمد واصف على تنمية الحس الإبداعي عند الأطفال جنبا إلى جنب مع تنمية الحس المهني، حيث كان الجيل الأول تتراوح أعمارهم بين 8 و12 سنة وبدأ مع هذا الجيل اللعب والعمل معاً، فأنتج مجموعة من الفنانين الفطريين، فقط .. أعطاهم الرجل الأصواف الملونة وتركهم على سجيتهم، يفعلون ما يحلو لهم، يجسدون بالخيوط كل ما يدور في مخيلتهم، وجعلهم يبدأون بأنوال صغيرة وبعدد قليل من الخيوط وبألوان قليلة ونوعيات خيوط سهلة في التعامل معها وبمرور الوقت تنمو الحاسة الإبداعية ويكبر معها مقياس العمل ليصل إلى الأنوال الكبيرة التي يعمل عليها أكثر من فرد وبتنوعات من الخيوط والألوان تسمح بخروج أعمال إبداعية على درجة أكبر من التعقيد.
يعتمد المركز على المنهجية التجريبية في الفن فلا توجد رسومات أو مخططات مسبقة لشكل العمل الفني الذي يقوم به الصغار بل إن الأمر كله متروك لملكة الإبداع الفطري التي ولدت معهم بشكل تلقائي، فلا يمكن التنبؤ بالعمل أو معرفة شكله إلا عند الانتهاء منه، فالعمل على النول لا يتيح رؤية التصميم في شكله النهائي إلا بعد الانتهاء من تنفيذه..
إستخدام ألوان طبيعية: وجد رمسيس أنه يحتاج الثلاث ألوان الرئيسية لتلوين خيوط الصوف والقطن فوجد أن:
اللون الازرق: يمكن الحصول عليه من نبات “النيلة”ويصبغ الصوف والقطن، وهو الصبغ الاساسي للجينز الان.
اللون الاحمر: وجدة في نبات الفوة وهو جذر يزرع من 4-5 سنوات حتى يجف ويعطي اللون الاحمر اللازم للصبغ.
اللون الاصفر: بحث عن نبات يعطي الصبغة الصفراء فلم يجدهافي مصر، وبالبحث وجد أن نبات ” رزيديلي تيولا” موجود في مدينة بباريس، فراسل اختة وكانت تعمل في فرنسا فقابلت صاحب مصنع والذي اعجب بفكرة مشروع رمسيس وأعطاها كمية من بذور النبات، فارسلتهم لرمسيس في خطاب وقام بزراعتها في المزرعة.
وسريعا ما اكتسبت منتجات مركز الحرانية شهرة عالمية وأصبحت حديث المعارض الدولية لما فيها من تلقائية فنية وحس أصيل، ونالت العديد من الجوائز في معرض سويسرا عام 1957م. لقاء مع الاستاذ محمود سعد عن مركز الحرانية.
توفى رمسيس، أو كما يلقبه أهل القرية «أيوب الحرانية»، عام 1994، عن عمر يناهز 63 عامًا، اثر ذبحة صدرية مفاجأة، وحزن عليه كل أهل القرية، وما زالوا يكنون له كل الحب والاحترام، ومازال في ذاكرتهم حتى الآن.
بعد وفاة رمسيس ويصا واصف عام 1974م تعهدت زوجته وأولاده بالعمل والإشراف على المركز، مستكملين حلــــــــــم الفنان المصري في أن يصبح كل إنسان في الحرانية فنان بالفطرة يخرج أعمالا متفردة يستحيل تكرارها، وتحمل المعنى الحقيقي للإبداع الفني البعيد عن التنظير والمنهجيات المنظمة.
أشهر اعماله المعمارية:
مــــــــــــــــدارس:
– المدرسة المصرية الفرنسية (ليسيه الحرية) بمصر الجديدة، 1938م.
– مدرسة ليسيه القاهرة بباب اللوق، 1939م.
– مدرسة مصر القديمة، 1942م.
– مدرسة لتعليم الفنون والحرف اليدوية بحدائق القبة، 1947م.
الكنائس والأديرة: قام بتصميم ما يقارب من 13 دير وكنيسة من أشهرهم:
– كنيسة السيدة العذراء بالزمالك (المرعشلي)، 1960م.
– كنيسة مار جرجس للأقباط الأرثوذكس (مصر الجديدة) ، 1963م.
فيلات سكنية:
– منزل رمسيس ويصا واصف بالعجــــــوزة، 1946م. – فيلا الدكتور فكري بك بطرس بمنشية البكري، 1947م.
– فيلا الأميرة نعيمة ابراهيم بمنيل الروضة، 1948م. – منزل آدم حنين بالحرانية، 1968م.
– منزل محيي الدين حسين بالحــــــــــــــــرانية، 1969م. – منزل اينا مقار بالحرانية، 1971م.
– فيلا الدكتورة سريس ويصا واصف بالحرانية، 1971م. – فيلا المهندس منير نصحي بالحرانية، 1973م.
عمـــارات سكنية:
– عمارة الشرق للتأمين بوسط البلد، 1944م. – عمارة سكنية بشارع الشيخ ريحان بوسط البلد، 1945م.
– عمارة رقم 17 في شارع كلوت بك، 1960م. – عمارة رقم 34 , 36 بالقاهرة، 1960
مباني عامة:
– بيت الطلبة بجامعة فاروق الأول بالجيزة، 1945م. – مركز رمسيس ويصا للفنون بالحرانية، 1973م. – 1951م.
– متحف الفنان محمود مختار بالجزيرة، 1960م. – متحف حبيب جورجي بالحرانية، 1967م.
– دار الفن في القرية – صوفي حبيب جورجي وشركاؤها بالحرانية – معرض السجاد بالحرانية.
الجوائـــــــــــز:
• حصل على ميداليات خاصة من ايطاليا عن رسومات كنيسة مار جرجس بمصر الجديدة عام 1954.
• حصل على جائزة عن معرضه في سويسرا عام 1957.
• حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى فن التصوير عن أعماله المتميزة في نوافذ الزجاج المعشق عام 1960.
• وقد نالت أسرة الفنان ويصا واصف جائزة الأغاخان المعمارية، عام 1983 تقديرا لأعمال الفنان العظيم، كما تم تحويل المركز مــن مركــز حــرف يدويــة فقــط لمركــز فنــون ملحــق بــه متحــف حبيــب جورجــي في عام 1983.
المراجع:
مركز طارق والي للعمارة والتراث