مصر المحروسة دولة صنعت التاريخ:
بدأت مصـــــــر قصتها مع الحضارة منذ زمن ما قبل التاريخ، فيما يعرف بعصر ما قبل الاسرات خلال الفترة من (5,500 -3,100 قبل الميلاد (ق.م) ، وقد نشأت العمارة مع بدء البشرية عندما اقتضت الحاجة ليحمي الانسان نفسه من الأخطار التي كانت محيطة به، حتى ظهرت أول دولة مصرية موحدة على يد الملك مينا موحـــــــد القطرين في عام 3,100ق.م.، وقد قسم مانيتـــــــون تاريخ مصر القديم إلى 30 أسرة حاكمة كل أسرة تضم مجموعة من الحكام، خلال الفترة من عام 3,100 ق.م. إلي: 332 ق.م. حيث شهدت فترات مد قومي وسياسي وإنجازات حضارية مبهرة، حتى غزاها الإسكندر الأكبر في عام 332 ق.م.، وبذلك فقد مهد الإسكندر الاكبر السبيل لثلاثة قرون من حكم البطالمة في مصر الذين انتهوا إلى دعة واستبداد.
- فسقطت مصـــــر أمام غـــزو جديد، متمثل في الامبراطـــــــــــــــورية الرومانية، وهكذا خضعت للاستعمار الأجنبي المتتالي من القرن الرابع ق.م. حتى القرن السابع الميلادي في أطول محنة تعرضت لها مصر في تاريخها القديم.
- وخلال العهد الروماني من هذه الحقبة إعتنقت مصر المسيحية في القرن الأول الميلادي، وانصرفت بالتدريج من عبادة الآلهة الفرعونية المتعددة لصالح إله واحد في المسيحية الحقة.
- ثم جاء الاسلام لمصر في القـــــــرن السابع الميلادي عندما فتح الصحابي عمرو بن العاص ارض الكنانة في عام 21 هـ -640 م، وجعل من مدينــــة الفسطاط: أول عاصمة لمصر الإسلامية، حيث تم بناء الجامع أولاً ثم خططت الارض حوله إلى أحياء حيث سكنت كل قبيلة حياً وكان لكل قبيلة مسجدها، أما الجامع فكان مركز الصلاة الجامعة ومركز الحكم ومركز القضاء ودروس الدين، وظلت مدينة الفسطاط تضم معظم المراكز التجارية ويسكنها العامة.
- وظلت الفسطاط عاصمة لمصر إلى أن سقطت الخلافة الاموية عام 132هـ – 750م، ومع بدايات عصـــــــر الدولة العباسية تم بناء مدينة العسكر: لتكون عاصمة الخلافة العباسية في مصر ، وتعتبر إمتداد للاتجاهات التخطيطية لمدينة الفسطاط فشيدت المساكن والقصور والمساجد حتى إلتحمت بالفسطاط لتصبحا مدينة واحدة، وبقيت العسكر حوالي 120 سنة عاصمة لمصر حكم خلالها 65 واليا، وظلت حتى عام 254 هـ – 868م.
الدولة الطولونية: تعاقب فيها 5 حكام في الفترة من عام (254هـ – 292هـ /868 م – 905 م) حيث انتقلت العاصمة إلى مدينة القطائع: ثالث عواصم مصر الاسلامية، أنشأها احمد بن طولون الوالي العباسي على مصر، على مساحة تقدر بـ 800 فدان بين قلعة الجبل وجامع أحمد بن طولون، وسميت القطائع لانه قسمها إلى قطع ووزعها على رجال دولته، وسميت كل قطيعة أو حي بإسم سكانها، ثم استقل بحكم مصر عن الخلافة العباسية عام 266هـ/ 872م، وقام ببناء مسجده الشهير بمئذنته الملوية والتي ما زالت شامخة الي يومنا هذا، ويقع على قمة جبل يَشكر (ميدان أحمد بن طولون – السيدة زينب حاليًا)، إلا أن القطائع لم تستمر على عظمتها سوى 38 عاماً، هي عمر الدولة الطولونية التي أسقطها العباسيون، وعينوا أحمد ابن أخشيد.
الدولة الاخشيدية: استقل أحمد ابن أخشيد عن الخلافة العباسية بعد ذلك أيضا بحكم مصر، وتعاقب فيها 5 حكام في الفترة من عام (323هـ – 358هـ /935 م – 969 م)
الدولة الفاطمية: تأسست في تونس عام 297هـ/910م، ثم انتقلت الخلافة من تونس إلى مصر بعد أن سقطت مصر في يد القائد الفاطمي جوهر الصقلي، وظلت الدولة الفاطمية حوالي قرنين من الزمان في مصر في الفترة من: (362هـ – 567هـ /972 م – 1171م)، وسارعوا إلى بناء عاصمة جديدة للحكم شمال الفسطاط أطلقوا عليها “مدينة القاهرة ” حيث بدأت ببناء السور والبوابات، وفي المركز تم بناء قصرين كبيرين للخليفة، القصر الشرقي والقصر الغربي، وما بينهما من مساحة سميت “بين القصرين” وامتد منها شارع المعز الذي تفرعت منه الطرقات والازقة والذي يعتبر وما زال عصب القاهرة الفاطمية.
الجامع الازهر: هو أول مسجد أقامه الفاطميون في القاهرة. وسمى بذلك نسبة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها التي انتسب الفاطميون لها، وبدأ بناء الأزهر في أبريل 970م واستغرق بناءه سنتين وفتح للصلاة يوم الجمعة 21 يونية سنة 972م / 7 رمضان 361هـ.
بعد وفاة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين تمكن وزيره وقائد الجيوش الفاطمية صلاح الدين الأيوبي من الاستقلال بحكم مصر وأسس الدولة الأيوبية.
- الدولة الايوبيــــــة: أسس صلاح الدين الايوبي الدولة الأيوبية بتوحيد مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الخلافة العباسية، بعد أن قضى على الدولة الفاطمية التي استمرت في حكم مصر 262 سنة. وخاض صلاح الدين عدّة معارك ضد الفرنجة وغيرهم من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي استولوا عليها، وتمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش الصليبيين هزيمة منكرة في (معركة حطين).
ثم قام صلاح الدين الايوبي بضم العواصم الاسلامية السابقة (الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة الفاطمية) لتكون معاً عاصمة الدولة الايوبية، ووسع أسوار القاهرة الفاطمية لتمتد إلى قلعة الجبل التي شيدها صلاح الدين على جبل المقطم وأحاطها بسور دفاعي، وظلت القلعة مركزاً للحكم خلال مختلف العصور اللاحقة حتى عصر الخديوي إسماعيل الذي إنتقل بمقر الحكم لقصر عابدين بعد ذلك.
- لكن الأيوبيون لم يدم حكمهم طويلاً، فقد حكموا حوالي 80 سنة تقريبا تعاقب فيها 8 حكام في الفترة من عام (567هـ – 648هـ /1171 م – 1250 م) رغم شهرة إنجازهم وعظيم تصديهم للحملات الصليبية وأمجاد حطين، وبوفاة توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب في عام648 هـ – 1250م، سقطت الدولة الأيوبية وحدث تطور خطير في تاريخ مصر والشام.
- دولة الممــــــــــاليك: بدأ حكم دولة المماليك بتولي شجر الدر الحكم، وهي أول من ملك مصر من ملوك الترك المماليك، ويواصـــــــــــل المماليك جهود الأيوبيين بصد الصليبيين ثم التتار وتطهير بلاد الشام منهم، ففي عهد سيــــــــــــــف الدين قطز قام المماليك بصد الغزو المغولي على بلاد الشام ومصر (عين جالوت)، وبعد أن قتل عام 658 هـ الموافق 1260م، حكم مصر الظاهر بيبرس، الذي حقق خلال حياته العديد من الانتصارات ضد الصليبيين وخانات المغول، وقضى على الحشاشين واستولى أيضا على إمارة أنطاكية الصليبية، وتوالى سلاطين المماليك من بعده، وركزوا جهودهم على الإمارات الصليبية في الشام.
- مجموعة السلطان قلاوون لؤلؤة شارع المعز في القاهرة الإسلامية: و في عام 690هـ/1291م نجح المماليك بقيادة السلطان الأشرف خليل بن المنصور قلاوون في طرد الصليبيين نهائيا من سواحل بلاد الشام بعد احتلالهم لها لمدة قرنين، وبعد سبع حملات صليبية على الأناضول والشام ومصر سقط فيها مئات الآلاف من الأبرياء.
- وكان العصر المملوكي هو العصر الذهبي للعمران في القاهرة، حيث تبارى السلاطين في إقامة المساجد والمستشفيات والمدارس والمباني التي تخلد ذكراهم، ففي عهد الظاهر بيبرس قام بإعادة افتتاح الأزهر، وجعله مركزاً للإسلام السُني وجامعة كبيرة. وأنشأ الميادين لتدريب الجنود على أعمال الرماية والفروسية والقتال، وبنى المدرسة الظاهرية، وجامع الظاهر، والناصر محمد بن قلاوون أنشأ الخانقاه (مقر الصوفية)، المعروفة حالياً بـ”الخانكة” وحفر “الخليج الناصري” من النيل، وأنشأ السواقي لتوصيل الماء. أما الأشرف قايتباي فقد أنشأ “ربع قايتباي” و”مسجد قايتباي” وقرافته، وفي عهده قام مساعده أزبك بن ططخ بتأسيس الحي الذي حمل اسمه، الأزبكية، كأرقى أحياء القاهرة القديمة.
- ولكن منذ العام 854هـ/1450م بدأت دولة المماليك تفقد سيطرتها على النشاطات التجارية، وأخذت الحالة الاقتصادية للدولة تتدهور. ثم زاد الأمر سوءا التقدم الذي أحرزته الدول الأخرى على حسابهم في مجال تصنيع الآلات الحربية (الأتراك العثمانيون).
- دام حكم دولة المماليك ثلاثة قرون من ( 648 – 923 هـ – 1250 – 1517 م) ثم سقطت دولتهم بالغزو العثماني،
- الخلافة العثمانيـــــة: ففي سنة 923هـ/1517م تمكن السلطان العثماني سليم الأول من القضاء على دوله المماليك وقتل طومان باي أخر حكام المماليك الجراكسة، وضمت مصر والشام والحجاز إلى أراض الدولة العثمانية، ثم قام السلطان سليم الاول بجمع المهندسين والفنانين وخيرة البنائين والنجارين والحدادين والمرخمين والمبلطين والحجارين وغيرهم، وأرسلهم الى استامبول بحجة الاستعانة بهم على بناء مدرسة مثل مدرسة السلطان الغوري، وبذلك قضى على النشاط الفني والصناعي إلى حد كبير في مصر، وظل الحكم العثماني لمصر ما يقارب ثلاثة قرون – من سنة 1517م إلى 1798م.
- وتولى على مصر حكام أتراك ينوبون عن السلطان ويحكمون البلاد بأسمه، وأدخلوا على العمارة في مصر أساليب جديدة قدمت معهم من بلادهم لم تكن مألوفة في مصر، مثل مسجد سليمان باشا الذي يعرف باسم جامع سارية الجبل، تم انشاءه عام 935هـ – 1529م، ويقع داخل قلعة صلاح الدين الايوبي أو قلعة الجبل، ويعتبر أول المساجد التي أنشئت بمصر على الطراز العثماني، يليه مسجد سنان باشا. ثاني جامع بناه العثمانيون في بمصر حيث تم انشاءه عام 979هـ – 1571م، ويقع في حي بولاق، وأستعيض عن الحوش المكشوف بأروقة معقودة من جهاته الثلاث، وانتشر إنشاء التكايا والسبيل، والدور ذات المقاعد والمشربيات الجميلة.
- الحملة الفرنسية على مصــــــــــر:
قام الجنرال نابليون بونابرت بحملة عسكرية على الولايات العثمانية في مصر والشام في الفترة من (1798-1801م) بهدف الدفاع عن المصالح الفرنسية، ومنع إنجلترا من القدرة على الوصول للهند، وبالرغم من تحقيق بعض الانتصارات، ونجاح الحملة في البداية، إلا أن نابليون اضطر إلى الانسحاب بجيشه لعدة أسباب منها حدوث اضطرابات سياسية في فرنسا، النزاعات في أوروبا، وكذلك الهزيمة في معركة أبي قير البحرية.
- تركت الحملة الفرنسية تأثيرا ثقافيا وعلميا ملموسا فمن الناحية العلمية، فقد أدت الحملة إلى اكتشاف حجر رشيد، واضعة بذلك حجر الأساس لعلم المصريات، كما ترك بعض الفنانين في الحملة صور جميلة توضح ملامح مصر في تلك الفترة نقدم منها بعض الصور للفنان الفرنسي نارسيس بيرشير:
مصر المحروسة دولة صنعت التاريخ: لوحة توضح تجار وجمال باحد الاسواق بالقاهرة، واللوحة الثانية لاحد شوارع القاهرة إبان الحملة الفرنسية على مصر.
كما كان للحملة الفرنسية سببا في توجيه أنظار محمد على، الحاكم الألباني الأصل المنتخب من أعيان مصر، لتحديث مصر اقتصاديا وعسكريا، وهذا ما سنراة في المقال القادم بإذن الله.
المراجع:
- الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).