دور بيت الحكمة في حركة الترجمة

دور بيت الحكمة في حركة الترجمة: تحدثنا في المقال السابق عن:  العوامل التي أسهمت في الوصول للعصر الذهبي للحضارة الإسلامية، لما ترجم العرب كتب ومعارف الامم السابقة واجتمع عندهم عدد كبير منها، رأى الخلفاء ومحبو العلم أن يجمعوا هذه الكتب في أماكن خاصة سميت بيت الحكمة أو دار الحكمة أو خزانة الحكمة، كلها بمعنى واحد يراد به المكان الذي توضع به كتب الحكمة، واكثر كتبها في الفلسفة والمنطق والطب والرياضيات والفلك وغيرها من الكتب المختلفة، فعل هذا الخلفاء حباً في نشر العلوم والمعرف بين مختلف طبقات المجتمع غنيها وفقيرها، ليتيسر لكل فرد أن ينال قسطه من الثقافة، وفتحوا ابوابها لكل قاصد علم، ويسروا للناس أمر الترجمة والدرس والاستنساخ والمطالعة والبحث والنقد والتعليق عليها. ونشأت عدة بيوت للحكمة في مختلف العواصم الاسلامية، نستعرضها فيما يلي:

أولا: بيت الحكمة في بغداد:

كان بيت الحكمة اكاديمية علمية بالمعني الصحيح ولم تكن حركة النسخ داخل بيت الحكمة بأقل اهمية من حركة الترجمة ذاتها بل هما عمليتان متلازمتان تكمل احداهما الاخرى فبعد ترجمة الكتاب يقوم النساخ بنسخ أكثر من نسخة تبقى الاصلية داخل بيت الحكمة وتوزع النسخ الاخري على المشاهير من الوزراء والعلماء، وبعد عملية النسخ تأتي المرحلة الثالثة من مراحل انجاز

ثانياً: بيت الحكمة في قرطبة:

كانت قرطبةُ مركزَ الدولة الأموية في الاندلس، وبمجيء عام ٣٣٠ هـ أصبحَتْ مكتبة قرطبة واحدةٌ من أكبر مكتبات العالَم القديم، وضَمَّت مائتَيْ ألف مجلد، وقيل أربعمائة ألف، وكانت فهارسها تستغرق أربعًا وأرْبَعِين كراسة، كل منها خمسون ورقة، ليس فيها إلا عناوين الكتب، بينما كانت أكبر مكتبة في أوروبا آنذاك وهي مكتبة كنيسة كنتربري لا تضم أكثر من خمسة آلاف كتاب، واكتسبت شُهْرة عالمية، وأصبحت من أهم مراكز الدرس في عصرها، واقترن اسمها بالعلم والعلماء، حتى قيل فيها:

ثالثا: بيت الحكمة في مدينة القيراوان:

 قامت دولة الاغالبة في تونس [1]، واتخذت مدينة القيراوان عاصمة لها، وامتاز امراؤها بحبهم للعلم والادب وكان منهم شيخ الفتيا وقاضيهم “أسد بن الفرات” فاتح صقلية وصاحب كتاب الاسدية في الفقة المالكي، وامتاز عصر الاغالبة بانتشار علوم الفلسفة والطب والحكمة، وأول من أهتم بنشرها بين السكان هو الطبيب اسحق بن عمران، وسعى الاغالبة بجلب الكتب العلمية المختلفة من اليونانية واللاتينية، فترجموا لهم عده كتب في الفلسفة والطب والنبات والتاريخ، وأنشأ الاغالبة بيت الحكمة بمدينة القيراوان قريبا من الجامع الكبير، وفيه مكتبة ودار ترجمة وتأليف، ومعهد لتدريس علوم الطب والصيدلة والرياضيات والفلك وغيرها، ومحل لاقامة العلماء ومن يرتاد هذا البيت فيجدون فيه السكن واسباب العيش ولوازم الكتابة، كما نجد فيه النساخون والتراجمة والوراقين، وانتشرت بواستطة الارقام الهندية التي اخذها العرب وهذبوها وادخلها للاندلس دوناس بن فرش القيراواني، وبعد سقوط دولة الاغالبة على ايدي الفاطميين، تنقطع عنا اخبار بيت الحكمة، فأخذ ينزح منه العلماء للاندلس فرحب بهم عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم من بعده.

 رابعاً: دار الحكمة في مدينة القاهرة:   

كانت المنافسة بين الفاطميون [2] والعباسيين في السياسة والعلم والادب، فأسس الفاطميون دار حكمة في القاهرة سنة (395هـ/ 1004م) على نحو ما كان عليه بيت الحكمة ببغداد، وجعلوا فيها مكتبة كبيرة، وضعوا فيها الاف الكتب المنوعة والنادرة والتي تمتاز بجودة الخط وجمال التجليد ودقة الزخارف، تجد فيها كتب الفقه وواللغة والروحانيات و والكيمياء والفلسفة والطب، من كل كتاب عدة نسخ وبلغ عدد الكتب مليون وستمائة الف مجلد ووصف المقريزي دار الحكمة بالقاهرة فقال: حملت الكتب إليها من القصور المعمورة، وجلس فيها القراء والمنجمون واصحاب اللغة والاطباء بعد أن فرشت الدار وزخرفت، وحمل لهذه الدار من خزائن امير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب في سائر العلوم والاداب، وحضرها الناس على طبقاتهم: فمنهم من يحضر قراءة الكتي، ومنهم من يحضر للنسخ، ومنهم من يحضر للتعلم” وكان الحاكم يشرف بنفسه على الحركة العلمية في بيت الحكمة، وتجري بحضرته المناظرات والمجالس العلمية والدينية، واوقف الحاكم للدار ما يكفي لادامة عمارتها، ولمرتبات من يشتغل فيها من العلماء والفقهاء والخدم، وما يلزمها من المصروفات المختلفة، وصار الخلفاء الفاطميون على على طريقته فضاعفوا اوقافها وصرفوا عليها بسخاء.

خامساً: تأثير صناعة الورق في الحضارة الإسلامية:

  1. عرف العرب أسرار صناعة الورق الصيني من خلال سمرقند التي فتحوها في عام (93هـ / 712م).

في عام (178هـ/ 794م) أسس الفضل بن يحيى في عصر هارون الرشيد أول مصنع للورق في بغداد؛ ومن ثَمَّ انتشرت صناعة الورق بسرعة فائقة في سائر أنحاء العالم الإسلامي، فدخلت سوريا ومصر

وبذلك نكون قد تحثنا عن موضوع اليوم والذي كان بعنوان: دور بيت الحكمة في حركة الترجمة، وفي المقال القادم بإذن الله نتحدث عن: نشأة الجامعات فى العالم الاسلامى. فتابعونا.

المراجع:

[1] قامت دولة الاغالبة في تونس على يد مؤسسها ابراهيم بن الاغلب (184 – 296 هـ/ 800 – 908م) [2] (395-576 هـ/ 1003-1171م) [3] (تاريخ العلوم والتكنولوجيا: ص 505.)


Exit mobile version