جهود المسلمين في علم الرياضيات: اكتُشف علم الرياضيات منذ القدم نظراً لحاجة الناس الملحّة لهذا العلم، فهو يساهم في تنظيم أمور المجتمع والمعاملات التجارية وغيرها من المجالات. ولقد كان لنشوء علم الحساب والجبر والهندسة عند الامم القديمة دوافع كثيرة منها ما هو متصل بالحياه قد أوجدته الضرورة وأحدثته الحاجة، ومنها ما هو رغبة خالصة في الوقوف على اسرار العلوم، فالرياضيات من أوائل العلوم التي طُوّرت وعُدلت من قبل الإنسان لمكانتها العظيمة في جميع أمور الحياة، وقد قدم العلماء والمفكرون الرياضيون على مر العصور أعمالاً عديدة ساعدت في شرح مفاهيم رياضية كانت غامضة من قبل، كما أنهم قدّموا نظريات ومؤلفات هامة تخص الأرقام والأشكال الهندسية والكميات، وغيرها من المجالات الرياضية.
- مما لا شك فيه أن العلوم الرياضية ميدان لا ينحصر في أمة من الامم أو شعب من الشعوب، فللمصريين[1] والبابليين[2] نصيب في ميدان الابتكار والانتاج، وكذلك والاغريق والهنود والعرب أنصبة هامة في حقول العلم وقد ساهموا في تنشئتها وتطويرها حتى وصلت لما هو عليه، وهناك دلائل كثيرة تشير إلى انتقال الاثار الرياضية من بابل ومصر إلى الاغريق، ولقد أخذ اليونان كثيرا عن علوم المصريين وكانوا على إتصال بالبابليين وقد أضافوا إلى هذه العلوم إضافات هامة حتى أنها تعتبر أساسا لبعض فروع المعرفة، واشتغلوا في الهندسة وأقاموا لها البراهين العقلية والخطوات المنطقية فرتبوا نظرياتها ولا نكون مبالغين إذا قلنا أن العالم مدين لعلماء الاغريق بالهندسة المستوية التي نعرفها الان.
- وجدير بالذكر هنا؛ أنه إذا كان علماء اليونان قد عنوا بالهندسة العقلية أو النظرية عناية فائقة؛ فإن المسلمين قد أولوا الهندسة التطبيقية كل حفاوة واهتمام؛ من أجل استخدامها في مجال الصناعة والعمران والفنون .. وقد عبَّروا بذلك من نزعتهم العملية والتجريبية.
- واستخدم الرياضيون في مصر القديمة قبل حوالي 3000 عام ق.م. النظام العشري (وهو نظام العد العشري) دون قيم للمنزلة. وكان المصريون القدماء روادًا في الهندسة، وطوروا صيغًا لإيجاد المساحات وحجوم بعض المجسمات البسيطة.
- ولرياضيات المصريين تطبيقات عديدة تتراوح بين مسح الأرض بعد الفيضان السّنوي إلى الحسابات المعقدة والضرورية لبناء الأهرامات.
- وقد طور البابليون القدماء ـ في 2100 ق.م ـ النظام الستيني المبني على أساس العدد 60. ولا يزال هذا النظام مستخدمًا حتى يومنا هذا لمعرفة الوقت، بالسّاعات والدقائق والثواني. ولا يعرف المؤرخون بالضبط كيف طوّر البابليون هذا النظام، ويعتقدون أنه حصيلة استخدام العدد 60 كأساس لمعرفة الوزن وقياسات أخرى. وللنظام الستيني استخدامات هامة في الفلك لسهولة تقسيم العدد 60 وتفوق البابليون على المصريين في الجبر والهندسة.
- هنالك العديد من العلماء الذين كان شغفهم بالرياضيات كبيراً، فوصلوا إلى اكتشافات مهمة في المعادلات، والقياسات، والأرقام التي أدت إلى تطوّر هذا العلم عبر التاريخ. ومن بعض علماء العالم الغربي قبل الإسلام والذين كان لإنجازاتهم الدور الواضح في علم الرياضيات: فيثاغورس، أرخميدس، إقليدس، بطليموس، وغيرهم العديد ممن ساهمت أعمالهم في القيام بنقلة نوعية في هذا العلم، ويعتبر كتاب إقليدس في الهندسة هو أهم الكتب التي وضعت في هذا العلم، بل هو المعين الذي إستقى منه علماء الشرق والغرب على السواء والمنهل الذي لا يزال ينهل منه علماء الهندسة.
- إن تاريخ الرياضيات في الحقيقة هو الهيكل الرئيس لتاريخ الحضارة، سواء كان الاهتمام بالناحية الفلسفية أو الاجتماعية، ويعد تاريخ الرياضيات حجر الأساس للبناء التعليمي بأكمله، ويقول البروفيسور ميلر أن تاريخ الرياضيات هو العلم الوحيد الذي يمتلك جزءاً واضحاً من الكمال، ونتائج مثيرة أثبتت منذ 2000 سنة بنفس الطرق الفكرية المثبتة اليوم.
- وهناك العديد من العلماء والمفكرين المسلمين وغير المسلمين الذين قدّموا بأعمالهم تغيرات عدة أدت إلى نقلة نوعية طوّرت علم الرياضيات، والتي ما زالت مؤلفاتهم تُدّرس حتّى هذه اللحظة، ومنهم: الخوارزمي، ابن سينا، والخيام، وإقليدس وفيثاغورس، وغيرهم الكثير من الذين ماتوا منذ مئات السنين، ولكنَّ أعمالهم ومؤلفاتهم تركت أثراً واضحاً إلى هذا الوقت.
- من العلوم التي شغل فيها العرب مركز الريادة علم الحساب إذ أن ترجمة كتب كبار العلماء اليونان كإقيلدس وبطليموس وهيرون وغيرهم أثار في نفوس العرب الرغبة في استكشاف مجاهل العلوم الدقيقة، ففي نهاية القرن العاشر أصبح العرب على علم تام بحساب براهماكوبتا الهندي وبالجبر واستعملوا الصفر والنظام العشري الذي أحدث ثورة في عالم الرياضيات ولا أدل على أصالة جهدهم وسبقهم الأمم الأخرى في هذا الميدان من أن كلمات الجبر والكيمياء واللوغاريتم والصفر كلها ذات أصول عربية صريحة.
- وقد برع المسلمون في العلوم الرياضية واجادوا فيها واضافوا اليها اضافات مهمة اثارت الدهشة والاعجاب لدي علماء الغرب فاعترفوا بفضل العلماء المسلمين وأثرهم الكبير في التقدم العلمي.
- لقد أبدى العلماء العرب والمسلمون اهتماماً بالغاً بعلم الرياضيات بفروعه المختلفة، وركزوا في دراستهم لهذا العلم على اتجاهين وهما:
- الناحية النظرية: وذلك باستيعاب الموضوع وفهمه، ومن ثم القيام بالعديد من الابتكارات الجديدة التي لم يسبقهم إليها أحد.
- الناحية التطبيقية: ولان للرياضيات دور اساسي مهم في خدمة كافة العلوم، فقد بدء علماء العرب بإجراء دراسات عملية مفيدة للغاية في العلوم الأخرى ذات الارتباط المباشر بعلم الرياضيات مثل علم الفلك والهندسة الميكانيكية والكهربائية والمعمارية، وعلم المواريث، والأعمال التجارية وغيرها من العلوم والأعمال التي تتطلب معرفة بعلم الرياضيات.
- وكان علم الرياضيات في بداياته شاملاً لكثير من الاختصاصات كالفيزياء وعلم الفلك والتنجيم ، ويذكر أن أهم تطور في علم الرياضيات قد استند إلى أسس ثابتة منطقية منذ عصر إقليدس الذي أبدع في الحساب وعلم الهندسة وحتى وصوله إلى المرحلة التي وضعت فيها أسسه وقواعده وأطره، وفي هذه الدراسة يتم تناول كافة العلوم العلمية والنظرية التي كان للعلماء العرب والمسلمين بصمات واضحة فيها ذكرها التاريخ لهم كإبداعات متقدمة ومميزة (Mathematicians)
- كان القرنان الثالث والرابع الهجريان / التاسع والعاشر الميلاديان القرنين الذهبيين لعلماء الرياضيات المسلمين، الذين يدين لهم العالم بالكثير، لحفظهم التراث العلمي القديم وتوسيعه ولابتكاراتهم الجديدة، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تفتقر إلى الإبداع العلمي في هذا الجانب، وتسعى للاستفادة من التقدم العلمي الذي سبقهم إليه العرب المسلمون أشواطاً كثيرةً، وحتى الرياضيات الإغريقية لم تصل للعالم المعاصر إلا عن طريق العلماء العرب المسلمين، حيث اعتمدت الترجمات اللاتينية القديمة الإغريقية على مؤلفات إسلامية أكثر من اعتمادها على المؤلفات الإغريقية الأصلية، ونتيجة لهذا انتقل الحساب والفلك الإغريقيان إلى أوروبا بواسطة المسلمين، ولم تقتصر خدمة المسلمين لعلم الرياضيات على حفظ ونقل ما قامت به الأمم السابقة، بل كانت لهم إسهامات هائلة في دقائق وجزيئات هذا العلم مثل:
رواد العرب والمسلمين في علم الرياضيات:
- العالم المسلم أبو الحسن محمد بن موسى الخوارزمي: (164 – 235 هـ / 780 – 850 م) ولد هذا العبقري الفذّ في بلدة خوارزم بإقليم تركستان وعاش في بغداد، وبرع في علم الحساب، وهو أوّل من وضع أصول وقوانين علم الجبر، ووضع فيه كتاباً له أسماه (الجبر والمقابلة) شرح فيه قواعد وأسس هذا العلم.
- كان لكتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي شأنا كبيرا؛ إذ أن كل ما ألفه العلماء فيما بعد كان مبنيا عليه، فقد بقي عدة قرون مصدرا اعتمد عليه العلماء في بحوثهم الرياضية. وحرف الأوروبيين وأطلقوا عليه (ALGEBRA) أي علم الحساب.
- أول من أضاف العدد صفر إلى مجموعة الأعداد 1 ,2 , 3, ….. لتكون الأعداد الطبيعية هو الخوارزمي.
- أوّل من استخدم الجذر التربيعي هو محمد بن موسى الخوارزمي.
- عينه المأمون رئيساً لبيت الحكمة بعدما رأى نبوغه الفذ، ومارس الخوارزمي نشاط علمي جماعي مع العلماء في عصره.
2. ثابت بن قرة: (221-288 هـ، 835-900م) التقى بالخوارزمي، وقرأ وتعلم عليه في دار الحكمة، إذن كانت هـناك صلات علمية بين ابن قرة والخوارزمي؛ وكان لثابت بن قرة دور في حركة الترجمة، وساهم في نقل علوم الأمم الأخرى إلى العربية، مثل تعريب كتاب: «المعطيات في الهندسة: لأقليدس»، وكتاب «المجسطي» لبطلميوس، وقدم إسهامات رياضية، تعتبر تكملة لأعمال من سبقه من العلماء، وخاصة الخوارزمي. وقد مثلت إضافات ثابت تطورا مهما لعلم الجبر؛ إذ أنه «كان أول من أدرك انطباقه على الهندسة». وذلك إنما يعبر عن النشاط العلمي الجماعي داخل مجتمع العلماء ككل.
3. أبو كامل شجاع بن أسلم المصري: (235 هـ/850م – 317 هـ/930م) عاش في عصر الخوارزمي، ونبغ في الجبر، وحاز شهرة عظيمة فيه، إلى الدرجة التي لقب معها بأستاذ الجبر.
تتلمذ على كتب الخوارزمي، وكان يفتخر بذلك، فيذكر في مقدمة كتابه الذي أسماه أيضا: «الجبر والمقابلة» أن كتاب محمد بن موسى الخوارزمي المعروف بكتاب الجبر والمقابلة أصح الكتب الرياضية أصلا، وأصدقها قياسا، وكان مما يجب علينا من التقدمة الإقرار له بالمعرفة والفضل؛ إذ كان السابق إلى كتاب الجبر والمقابلة، والمبتدئ له، والمخترع لما فيه من الأصول، التي فتح الله لنا بها ما كان مستغلقا… وترك (مؤلفها) شرحها وإيضاحها، ففرعت منها مسائل كثيرة، يخرج أكثرها إلى غير الضروب الستة التي ذكرها الخوارزمي في كتابه، فدعاني إلى كشف ذلك وتبيينه، فألفت كتاب الجبر والمقابلة، وبينت شرحه في كتاب الأرثماطيقي في الأعداد والجبر والمقابلة.
4. سنان بن الفتح الحراني الحاسب: عاش في أوائل القرن الثالث الهجرى، وتأثر بالخوارزمي، حيث كان معاصرا له: وقدم «كتاب شرح الجبر والمقابلة للخوارزمي». وقد صار بذلك مقدما في صناعة الحساب والأعداد.
- وقدم كتاب: التخت في الحساب الهندي. كتاب: الجمع والتفريق. كتاب: شرح الجمع والتفريق. كتاب: الوصايا، كتاب: حساب المكعبات.
- مهد لوضع أسس اللوغاريتمات بحساب المتواليات العددية، وهي أساس الطريقة المستخدمة في الحاسب الالي.
- إجراء عمليات حسابية بالضرب والقسمة بإستخدام عمليتي الجمع والطرح.
5. أبو بكر محمد بن الحسن الكرخي: (ت 421 هـ / 1030 م) ويمتد تأثير الخوارزمي فيما تلا عصره من عصور؛ ففي القرن الخامس الهجري نرى الكرخي يتبع الطريقة التحليلية لعلم الجبر والمقابلة مقتديا بسلفيه، الخوارزمي، وأبي كامل… ويعتبر كتابه «الفخري في الحساب» أحسن كتاب في الجبر في العصور الوسطى.
- وقد شرح الكثير من النقط الغامضة في كتاب: «الجبر والمقابلة» للخوارزمي.
6. عمر الخيام: (431- 525 هـ/1040-1131 م) في عصر الخيام وجدنا أن تأثير الخوارزمي قد تحول إلى صورة من صور التنافس العلمي عند أشهر متأخري الرياضيين المتأثرين بالخوارزمي، اطلع عمر الخيام على أعمال الخوارزمي، وتناولها بالدرس جاعلا من نفسه منافسا للخوارزمي يحاول أن يصل إلى أشياء جديدة لم يصل إليها. فوضع كتابه: «في الجبر»، الذي فاق كتاب الخوارزمي.
- لقد أحرز الخيام تفوقا على (الخوارزمي) في درجات المعادلة بصفة خاصة. فقد خصص القسم الأكبر من كتابه لمعالجة المعادلات التكعيبية، بينما لم يقصد الخوارزمي إلا المعادلات التربيعية بصدد بحث المسائل في الحلول.
- يعد الخيام أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات.
[1] (جهود المصريين في الرياضيات: يقول الاستاذ لويس كاربنسكي في محاضرة في القاهرة سنة 1933 والترجمة في كتاب تراث مصر القديمة: ” إنه من الاجحاف حقاً أن ينظر إلى جهود المصريين في الرياضيات كجهود أمة غير متحضرة ليس فيها ما يدل على تقدم فكري أو ارقاء، على حين تقوم أمامنا شواهد كثيرة تتعلق بنبوغهم فهذه أهرامهم ومبانيهم وما فيها من هندسة بالغة، وبراعتهم في صناعة النحت، وكذلك أنظمتهم في النقد والاوزان والقياسات، كل هذه تؤيد القول بأن المصريين قد ضربوا بسم وافر في الحضارة وقطعوا شوطاً بعيداً في التقدم والرقي” ولقد استدل بعض العلماء أن المصريين عرفوا نظرية فيثاغورث وطبقوها قبله من زمن بعيد، من خلال وجود مثاثات قائمة الزاوية بالمعنى الهندسي الدقيق في أشكال الاهرامات، وأنهم عرفوا المثلثات واشباه المنحرف والاهرامات الناقصة وقانون حجومها، ونصف الكرة وحساب مساحه سطحها، وحساب اطوال الاوتار في الدائرة)
[2] (جهود البابليين في الرياضيات: يقول الدكتور نوجيبور إن الالواح التى عثر عليها في بابل بها ما يفهم منه أن قوانين إيجاد مجموع مربعات الاعداد وكعباتها كانت معروفة لدى رياضي بابل الامر الذي نسب لامم من بعدهم، وقسموا محيط الدائرة لستة أقسام متساوية وإلى 360 قسماً متساوياً. وظهر من الاشكال الهندسية الموجودة على الالواح أن المثلث والاشكال الرباعية كانت معروفة لديهم، وكان لديهم طرق لايجاد مساحة المثلثات والمستطيلات والاجسام كثيرة السطوح والاسطوانة والمثلثات القائمة الزاوية، وأتوا على مسائل تؤدي لمعادلات من الدرجة الثانية )