حسن فتحي شيخ المعماريين ومهندس الفقراء: يعتبر من أهم رواد العمارة في القرن العشرين، وقد تخرج من الجامعة في فترة اتجه فيها معماريو العالم إلى استخدام الخرسانة المسلحة في البناء، وتطبيق مفاهيم الحداثة والتصميم الذي يصلح لكل زمان ومكان، مما أدى لفقدان العمارة المحلية لهويتها فأصبح المبنى في أوروبا هو نفسه في مصر أو الامارات أو في الهند، ولكن حسن فتحي خالف كل هذه الاتجاهات وغاص في أعماق البيئة المصرية والانسان المصري ليخرج للعالم بفكر جديد، وأصبحت أفكاره هي الأساس لما عرف بعد ذلك بالعمارة البيئية والمستدامة. تميز باحترامه لثقافة وهوية المجتمع والاستفادة من الخبرات المحلية في البناء، واستخدام مواد البناء المتوفرة محليا، فيقول: “انظر تحت قدميك وابني“، بالإضافة لتطبيقه للمعالجات والاساليب البيئية التي توفر الطاقة وتحد من التلوث للعمران المستدام.
- الميلاد والوفاة: وُلد في 23 مارس عام 1900 بالإسكندرية، وتُوفي في 30 نوفمبر عام 1989 بالقاهرة.
- المؤهلات العلمية: تخرج من مدرسة الهندسة الملكية بجامعة فؤاد الأول عام 1926.
- التدرج الوظيفي: عمل مهندس بالمجالس البلدية من عام 1926 حتى 1930.
- مدرس بكلية الفنون الجميلة منذ عام 1930 وعُين رئيساً لقسم العمارة منذ 1954 حتى 1957
- مدير ادارة المباني المدرسية بوزارة التربية والتعليم بين عامي 1949 و1952.
- خبير بمؤسسة دوكسياديس بأثينا ومحاضر بمعهد اثينا الفني كما شارك في بحث مدينة المستقبل في الفترة من 1959 الى 1961.
- مستشار المشروع التجريبي للإسكان بوزارة البحث العلمي بالقاهرة بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر.
- مستشار لوزير السياحة بالقاهرة في الفترة من عام 1963 حتى 1965 .
- خبير للتنمية الريفية لمشروع الأمم المتحدة بالمملكة العربية السعودية عام 1966 .
- أستاذ زائر في قسم تخطيط المدن والعمارة بكلية الهندسة جامعة الأزهر بالقاهرة من عام 1966 حتى 1967.
- رئيس لمجمع الدائرة المستديرة الدولية لتخطيط وعمارة القاهرة عام 1969.
- أستاذ زائر للإسكان الريفي بكلية الزراعة بجامعة القاهرة من عام 1975 حتى 1977.
- عضو لجنة التحكيم لجائزة الأغا خان للعمارة من 1967 حتى 1980.
- مؤسس ورئيس المعهد الدولي للتكنولوجيا المتوافقة منذ 1977.
البدايــــــة: أدرك حسن فتحي في بداية حياته أن الحديد والخشب ومواد البناء المستوردة بعملة صعبة تجعل الحصول على مسكن أمراً صعبا في بعض مناطق مصر، أضف اليها كلفة منتجات محلية كالإسمنت والزجاج التي تجعل البناء فوق طاقة الكثيرين، وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م توقفت المشاريع في بلدان كثيرة ومنها مصر، يقول حسن فتحي في تلك الفترة “خطر لي أنه مادام لدي الطوب ولا شيء أخر، فلست بأسوأ حالاً من أجدادي الأقدمين.. إن مصر لم تكن تستورد دائماً حديد الصلب من بلجيكا والخشب من رومانيا، ولكنها كانت دائماً تبني البيوت، لكن كيف كانوا يبنونها؟ نعم. أستطيع أيضاً أن أبني الجدران، ولكن ليس لدي شيء أسقفها به، ألا يمكن أن أسقف بيوتي بالطوب اللبن ؟ وأخذت أبحث عن وسائل للتكيف مع هذه المادة المتاحة”وجد حسن فتحي ضالته أخيرا في قرية بالنوبة يقول: وجدت قرية بأكملها “من بيوت رحبة متجانسةمسقوفه بقباب نظيفه من الطوب ومزينه على نحو فريد حول المدخل بمخرمات Claustra وحليات بارزة من الطين، كانت طريقة بناءها كنمو طبيعي، هكذا حمل حسن فتحي هذا الأسلوب المحلي خارج النوبة، الي أنحاء مصر ثم الي خارجها، في مباني عديدة تطول قائمتها، من هذه المشارع:
مشروع قـــــــرية القـــــرنة الجديدة في مدينة الأقصر: يمثل مشروع قرية القرنة رؤية للعمارة المستدامة في ريف مصر والتي كانت سابقة لعصرها. في عام 1945 تم تكليفه من قبل دائرة الاثار لتصميم مشروعه الأكثر شهرة، قرية القرنة بالأقصر، وبنيت القرنة الجديدة بين عامي 1946 و1952 من قبل المهندس المعماري المصري حسن فتحي على الطريق الرئيسي إلى مقبرة طيبة لتقطنها 900 عائلة، وتعد جزءا من تاريخ البناء الشعبي. ، وأنشئت القرية لاستيعاب المهجرين من مناطق المقابر الفرعونية بالبر الغربي لإنقاذها من السرقات والتعديات عليها، فصدر قرار بتهجيرهم من المقابر، وإقامة مساكن بديلة لهم، وخصّصت الدولة ميزانية قدرها مليون جنيه لبناء القرية الجديدة، وتم اختيار الموقع ليكون بعيدًا عن المناطق الأثرية وقريبًا من السكك الحديدية والأراضي الزراعية قام حسن فتحي بالمرحلة الأولى من مشروع بناء القرية ببناء 70 منزلًا، وقام بتخصيص بابٍ إضافيٍ في المنازل للماشية، التي يقتنيها سكان المنطقة، كنوع من أنواع العزل الصحي، حفاظًا على سلامة الأفراد، وجعل لكل منزل صفة مميزة عن الآخرين حتى لا يختلط الأمر على السكان.
الجانب التعليمي في القرية: شُيّد حسن فتحي ثلاث مدارس بالقرية؛ الأولى للأولاد والثانية للبنات، أما الثالثة فكانت مدرسة لتعليم الحِرف اليدوية التي اشتهرت بها منطقة القرنة، مثل الألباستر والغزل والنسيج وصناعة منتجات النخيل، كما حاول من خلال هذه المدرسة الحفاظ على روح الإبداع الفرعونية في الأجيال الجديدة.
المسجد: مثلما أهتم فتحي بالجانب التعليمي لم يغفل الجانب الديني الذي يميز أهل القرية، لتعويضهم عن منازلهم التي تم تهجيرهم منها عنوة، حيث عمل المهندس فتحي على إنشاء مسجد كبير في مدخل القرية حمل أجمل النقوش المعمارية في تصميمه، حيث تأثر فيه بالفن المعماري الطولوني ممتزجا مع الفن الإسلامي في العهد الفاطمي.
الجانب الترفيهي: وفيما يخص الجانب الترفيهي قام فتحي بإنشاء قصر ثقافة حمل اسمه، ومسرحًا مبنيًا على الطراز الروماني، إلى جانب حمام سباحة ومنتدى ثقافي أدبى بالقرية.
وبالرغم من أن حسن فتحي كان يأمل في أن يصبح المشروع نموذجًا للبناء المستدام في المناطق الريفية في مصر، لكن تم إيقاف المشروع الذي يجمع بين المواد والتقنيات التقليدية مع المبادئ الحديثة، قبل انتهاء الأعمال فيه لأن هناك جهات لم تكن ترغب أن يمضي المشروع بناءً على فكر حسن فتحي، وقد فقد جزء كبير من نسيج القرية منذ ذلك الحين؛ كل ما تبقى اليوم من القرنة الجديدة الأصلية هو المسجد والسوق وعدد قليل من المنازل.
وتهدف هيئة الحفاظ على التراث العالمي التابعة لهيئة اليونسكو إلى حماية هذا الموقع المعماري الهام حيث خصصت 800 ألف دولار للحفاظ على التراث داخل القرية، لمواصلة أعمال تطويرها ورفع كفاءة المباني التاريخية داخلها من مسجد القرية والمسرح الموجود بداخلها والمباني والغرف القديمة التراثية، حيث توشك وزارة الثقافة على افتتاح المرحلة الأولى من قرية القرنة الجديدة بالأقصر التي تم تجديدها حديثًا وترميم وتطوير مباني «الخان والمسجد والمسرح» مع خطط لتطوير المنطقة المحيطة باستخدام أسلوب معماري مماثل، بدعم من منظمة اليونيسكو.
كتاب عمارة الفقراء: حظيت قرية القرنة بشهرة عالمية بسبب كتاب عمارة الفقراء، الذي يسرد فيه المعماري المصري حسن فتحي قصة بنائه للقرية، ويتناول رؤيته الخاصة حول العمارة البيئية وتجربته في بناء قرية القرنة.
نُشِر الكتاب في الولايات المتحدة عام 1973 بواسطة جامعة شيكاغو، ثم نشر في مصر عام 1989 بواسطة الجامعة الأمريكية بالقاهرة،وأصبح الكتاب يدرس في أقسام العمارة في جامعات بأمريكا وفرنسا وإيطاليا. .
ثم سافر حسن فتحي إلى اليونان في أواخر الخمسينيات بعد أن قوبلت مشاريعه في مصر بالرفض من قبل المسؤولين، وخاصة مشروع تطوير القرية المصرية. وفي اليونان أنشأ معهداً باسم “دوكسياريس” أو علم الاستيطان، وعمل بالشراكة مع مهندس معماري شهير في مشاريع عدة كان أهمها مشروع مدينة المستقبل ومشروع نظام البنى التعاوني القائم على فكر حسن فتحي في اشراك المستخدم كعنصر مهم في العملية البنائية، حيث يقول:
إن شخصًأ واحدًا لا يمكن أن يبني بيتاً بمفرده، لكن عشرة أشخاص يستطيعون بناء عشره بيوت. “حسن فتحي”
قريـــــــــــة باريـــــــــــــــس: أنشئت عام 1962م بمحافظة الوادي الجديد علي مساحة 18 فدانا بأعلى ربوة شمال مدينة باريس وتبعد عن مدينة الخارجة حوالي 85 كيلومترا، لتتسع لعدد 250 عائلة يكون اكثر من نصفهم فلاحين والباقى من العاملين بالخدمات كما تضم العديد من الإنشاءات والمباني التي شيدت علي الطراز البيئي بـالطوب اللبن.
وكانت درجة الحرارة العالية التي تصل إلى 50 درجة مئوية فى الصيف من اكبر التحديات فى ظل الحاجة إلى التخزين البارد للفواكه والخضروات والحبوب القابلة للتلف واستحالة استخدام اجهزة التبريد والتكيف، و تم التغلب على ذلك التحدى من خلال وضع المخازن تحت الارض والتصميم المبتكر لملاقف الهواء لزيادة سرعة الهواء مما ادى إلى خفض هائل لدرجة الحرارة.
أنا كمهندس طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لي مطلقًا أن أرفع الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية متعمدا. “حسن فتحي”
وقد حاول المعماري “حسن فتحي” في هذا المشروع وضع معايير ومواصفات هندسية للمواد ونظم الإنشاء لتصبح نظم معتمدة بالدولة بشكل رسمي، بحيث يتم تعميمها فى كافة الواحات الأخرى مثل الخارجة والداخلة والفرافرة، لكن للأسف توقف المشروع بعد حرب 1967، وجاري العمل الان بتكليف من وزارة الثقافة بإعادة ترميم قرية “باريس” بالوادي الجديد وكلف بهذا العمل المعماري جمال عامر. شاهد برنامج اتوجراف مع المهندس حسن فتحي على هذا الرابط.
قرية دار الإسلام: زار المعماري حسن فتحي الموقع في يونيو 1980 ليقدم تصميماته لصالح منظمة تسمى دار الإسلام تقع في مقاطعة بنيو مكسيكو الأمريكية، وعرض طرق البناء التقليدية التي ينوي استخدامها واحضر معه عدد 2 من البنائين النوبيين لنقل خبراتهم وتدريب العمالة الامريكية، وقام بشرح وعرض أفكاره وتصميماته امام 300 من المعماريين ومسئولي الحكومة من كل انحاء الولايات المتحدة الامريكية، بالإضافة الي السكان المستقبليين للقرية.
تم تصميم القرية لتستوعب 100 أسرة وتتكون من مسجد في مركز القرية ومدرسة دينية وسكن للمدرسين ومعهد للدراسات الإسلامية وبيت للطلبة، متاجر، مركز للنساء، مكتبة وعيادة طبية.
جمع حسن فتحي في تصميمها بين طابع المباني الإسلامية في المنطقة العربية والأسلوب الريفي في الأسقف القبابية وحقق هذا المشروع أكبر الأثر في حسن استقبال نظرياته المعمارية عالميا.
تابعونا في الجزء الثاني من المقال لنستكمل باقي أعمال وفلسفة حسن فتحي في البناء والعمارة المستدامة.